أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
4161
التاريخ: 27-03-2015
2379
التاريخ: 27-03-2015
3419
التاريخ: 14-07-2015
4462
|
هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا من هجو زبّان لم تهجو و لم تدع(1)
و يحتل أبو عمرو مكانة متميزة في تاريخ النحو و اللغة، نظرا لانتمائه العربي الأصيل، فنسبه في مازن بن عمرو بن تميم و ولاؤه في بني ضبة. ولد بمكة و نشأ في محيط البصرة الثقافي، و طلب العلم قبل الاختتان، و تتلمذ على علماء البصرة أمثال نصر بن عاصم، و ابن أبي إسحق الحضرمي، و الحسن البصري.
ثم سعى إلى توسيع دائرة معارفه، فرحل إلى الحجاز و سمع من قرائه و شيوخه، ثم توجه إلى الشام و إلى اليمن، فاقتنى ثروة علمية واسعة، مقدمتها القرآن العربي المبين، فأحكم روايته عن أئمة عصره، إذ أخذ القراءة و التفسير عن مجاهد و عكرمة، و حفظ من الشعر و الغريب ما لا يعرفه غيره، و سمع
ص57
لغات القبائل في أماكنها و استفسرها عن أقوالها. و يقول إنه عرف من النحو ما لا يستطيع الأعمش حمله(2).
و هكذا جمع أبو عمرو بين السليقة و الاكتساب، و أجمع أهل عصره على توثيقه، فكان إمام القراء، و أستاذ اللغويين و النحاة، فتصدر منابر التدريس، و مجالسا لمناظرات. و تتلمذ له العلماء الأعلام، فممن قرأ عليه يونس بن حبيب الضبّي و معاذ الهراء، و عبد الملك بن قريب الأصمعي، و أبو عبيدة معمر بن المثنى، و أبو محمد اليزيدي، فاستحق بجدارة أن يحمل لقب (شيخ العلماء).
إن قراءته ما زالت متداولة، حديثا و قديما أثنى عليها العلماء، من ذلك قول أبي عبيد القاسم بن سلام أن شجاع بن أبي نصر حدثه أنه رأى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام فعرض عليه أشياء من قراءة أبي عمرو فما ردّ منها إلا حرفين، و هما وَ أَرِنٰا مَنٰاسِكَنٰا (البقرة-الآية 128) ، باختلاس الكسرة في «أرنا» . و الثانية (ما ننسخ من آية أو ننساها) (البقرة- الآية 106)(3).
و كان من مميّزات قراءته الميل إلى تخفيف النطق في الأداء.
و اشتهر بالإدغام الكبير و تسهيل الهمز بحذف إحدى الهمزتين في نحو (جا أشراطها) (محمد-الآية 18) ( يٰا زَكَرِيّٰا إِنّٰا نُبَشِّرُكَ ) (مريم-الآية 7) و قرأ باختلاسها في مثل فَتُوبُوا إِلىٰ بٰارِئِكُمْ (البقرة-الآية 54) و إبدالها بالياء في قوله تعالى: (يٰا صٰالِحُ اِئْتِنٰا) (الأعراف-الآية 77) .
و أما الإدغام الكبير، الذي عرف به، فكان يقرأ به و يقول إنه كلام العرب الذي يجري على ألسنتها و لا يحسنون غيره(4)، و من شواهده في كلامهم قول عديّ بن زيد:
وَدَّتْ طٰائِفَةٌ (آل عمران-الآية 69) (و أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) (الفتح-الآية 29) (هَلْ ثُوِّبَ اَلْكُفّٰارُ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين – الآية 36) (5).
ص58
و لقد وضع أبو عمرو للإدغام الكبير ضوابط تدل على دقة إدراكه لأصول الكلم، فلم ير جواز الإدغام إذا كان أحد الحرفين ضميرا مثل قوله تعالى: (كُنْتُ تُرٰاباً ) (النبأ-الآية 40) ، و رأى التخيير في نحو (وَ إِنْ يَكُ كٰاذِباً) (غافر-الآية 28) نظرا لأن النون قد حذف من الفعل المجزوم (6).
و من الجدير بالتذكير، أن اختياراته في الأداء أتت على ما جرى على ألسنة العرب، دون تغيير في رواية القراءة، التي كان يحترمها أيّ احترام.
فقد روي عنه قوله: (لو لا أن ليس لي أن أقرأ بغير ما قرئ لقرأت بكذا)(7).
و قد أخذ عنه أبو محمد اليزيدي و عن اليزيدي أخذ الرواة مثل الدوري و السوسي.
و زيادة على إمامته في القراءات فإنه لم يبلغ أحد رتبته في معرفة الشعر و غريب اللغة، لقد عرف من الشعر القديم ما لم يصل إلى معاصريه، و قد قال إنه لو وصل لعرف الناس علما كثيرا. و كان يقر أن في هذا القديم كلاما دارسا، قال ذلك حينما سئل عن قول امرئ القيس:
حراجيج لا تنفكّ إلاّ مناخةعلى الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
ص59
مقذوفة بدخيس النّحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد
و اعتراضه هنا لا يتعلق بخطإ لغوي، و إنما عاب عليه أن يذكر أن ناقته كانت ذات صريف، و هو ذم في النوق، و استشهد أبو عمرو بقول الأعشى:
فهو لم يك مثل معاصره عيسى بن عمر الذي ينزع إلى النصب في أكثر أوجه الإعراب، مع أنه رجّح النصب في أمثلة منها «هذا زيد سيّد الناس» و «أمّا أنت منطلقا أنطلق معك» و في قول القائل:
ص60
هذا و يعتقد بعض المؤرخين أنه لم يكن نحويا بالمعنى الدقيق، و قد يعنون بها أنه لم يؤثر عنه كتاب في النحو. و لم يختص بالبحث عن تأسيس القواعد النحوية مثل ما كان من شيخه عبد اللّه بن أبي إسحق الحضرمي. و أما كونه أسهم في تقدم الدراسات النحوية فهذا مما لا شك فيه. فلقد ظهرت آراؤه في بعض الجزئيات النحوية و الصرفية، و نقلنا مقالته أنه عرف من النحو ما لا يستطيع الأعمش حمله، و إذا كان أكثر نشاطه يتناول اللغويات، فذلك لأنه في عهد لم تنفصل فيه اللغة عن النحو، و في مجال أصول النحو، فإنه أسهم بقسط وافر في وضع مقاييس السماع اللغوي الصحيح.
و يمكن اختصار هذه المقاييس في ثلاثة أسس:
أولا: نص التنزيل، الذي يمثل الفصيح المطلق، و المثل الأعلى، و المرجع الفصل حينما تثبت رواية القراءة، التي يمكن أداء نصها المروي و المرسوم وفق ما تجري عليه ألسنة العرب الفصحاء.
ثانيا: أن العربية التي يتكلم بها معاصروه لم تعد فصيحة كلها بسبب اختلاط العرب بغيرهم، و لذلك يقول الأصمعي إنه جلس معه عشر سنوات و لم يسمعه يحتج إلا بشعر جاهلي. و لما سمع من أبي خيرة قوله «استأصل اللّه عرقاتهم» بفتح التاء. قال له: «لأن جلدك» فكان حريصا على التمسك بالسماع الصحيح (17).
ثالثا: قوله إن أفصح قبائل العرب، هم سكان السروات من الجبال المطلة على تهامة و هي: هذيل، و ثقيف، و أزد شنوأة، و عليا تميم، و سفلى قيس (18).
و كل ما توفرت فيه هذه الضوابط، فهو عنده مثال للعربية الفصيحة و السماع الصحيح، الذي يمكن اعتباره، و ما سواه يسميها لغات (19).
إن سعة معرفة أبي عمرو بن العلاء اللغوية، أغنته عن التوسع في القياس، فاكتفى في اختياره للأفصح بالمقاييس التي ذكرنا آنفا، معتمدا على إحساس اللغوي المدعم من طرف استعمال من يثق بعربيتهم، معترفا بتعدد أوجه اللغة، و مصوبا منها وجهين اثنين و هما في لغة تميم و لغة الحجاز.
ص61
و كان هذا الاتجاه واضحا في مناظرته مع عبد اللّه بن أبي إسحق الحضرمي، حول إعراب «ليس الطيب إلا المسك» حين قال لمنافسه: (نمت و أدلج الناس، ليس في الأرض تميمي إلا و هو يرفع، و لا حجازي إلا و هو ينصب) (20).
و إذا لم يؤثر عن أبي عمرو بن العلاء كتاب في النحو، فإنه هو الذي فتح باب التدوين لعيسى بن عمر و لمن جاء بعده.
ص62
_________________________
(1) ابن الأنباري: نزهة الألباء، ص 31.
(2) القفطي: إنباه الرواة، ج 1 ص 132.
(3) ابن الجزري: غاية النهاية.
(4) النشر في القراءات العشر.
(5) النشر، ج 1 ص 275.
(6) ابن الباذش: الإقناع، ج 1 ص 222.
(7) غاية النهاية، ج 1 ص 291.
(8) الحلقة المفقودة، ص 209 نقلا عن شرح الأنباري للقصائد السبع.
(9) نزهة الألباء، ص 35.
(10) الحلقة المفقودة، ص 7 نقلا عن الموشح، ص 282.
(11) المصدر نفسه، ص 251 نقلا عن الموشح، ص 161.
(12) الحلقة، ص 204 نقلا عن الموشح، ص 50.
(13) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 43.
(14) الزبيدي: مراتب النحويين، ص 41، أبو حيان: البحر المحيط، ج 5 ص 247.
(15) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 71.
(16) المصدر نفسه، ج 3 ص 87.
(17) ابن جني: الخصائص، ج 1 ص 384.
(18) السيوطي: المزهر، ج 2 ص 438.
(19) الزبيدي: طبقات النحويين، ص 39.
(20) ابن هشام: المغني، ص 325.
|
|
أكبر مسؤول طبي بريطاني: لهذا السبب يعيش الأطفال حياة أقصر
|
|
|
|
|
طريقة مبتكرة لمكافحة الفيروسات المهددة للبشرية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|