أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2019
1436
التاريخ: 21-2-2020
4043
التاريخ: 7-1-2020
1838
التاريخ: 20-1-2020
3642
|
حرب صفين
بعد أن تم لعلي (عليه السلام) النصر عاد بجيشه إلى الكوفة، وبعد أن عزز الجيش عزم على التوجه إلى الشام لتصفية المعارضة التي يقودها معاوية بن أبي سفيان هناك..
وسار الإمام (عليه السلام) على رأس جيشه، غير أن أنباء مسير الإمام (عليه السلام) نحو الشام قد بلغت الناكثين هناك، فقرروا ملاقاة الزحف الإسلامي فتلاقى الجيشان عند نهر الفرات...
وبدأ الإمام (عليه السلام) ببذل مساعيه لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فأرسل وفداً ثلاثياً إلى معاوية، يدعوه إلى تقوى الله والحفاظ على وحدة الصف والدخول في إجماع الأمة «.. اذهبوا إلى هذا الرجل -معاوية- وادعوه إلى الله تعالى، وإلى الطاعة والجماعة، لعل الله تعالى أن يهديه، ويلتئم شمل هذه الأمة»(1).
والتقى الوفد بقائد المعارضة، وأبلغوه بنوايا الإمام (عليه السلام) ووضعوه أمام الله تعالى وحذروه مغبة ما يقدم عليه، غير أن معاوية أبدى إصراراً، وقد ختم رده على الوفد «انصرفوا عني فليس عندي إلا السيف»(2).
على أن الموقف الأموي ذلك لم يصرف الإمام (عليه السلام) على التسلح بالصبر والأناة ولم يثر فيه روح التعجيل بالمواجهة الصارمة حقناً للدماء، وحفاظاً على نفوس الأمة..
بيد أن الموقف الإنساني الذي التزمه الإمام (عليه السلام) لم يزد القوى المعارضة إلاّ إصراراً، فعملوا من جانبهم على الحيلولة دون حصول جيش الإمام (عليه السلام) على الماء، حيث سبق أن تحرك فيلق لهم واتخذ مواقعه عند ماء الفرات ليمنع جند الإمام من الماء..
وبالنظر لأهمية الماء في الإستراتيجية العسكرية ولعدم توفر مصدر آخر لجيش الإمام غير الفرات، فإن الإمام (عليه السلام) قد التزم الأناة أيضاً في معالجة الموقف.
فأرسل رسولاً إلى معاوية ليبلغه «أن الذي جئنا له غير الماء، ولو سبقناك إليه لم نمنعك عنه».
فرد عليهم معاوية بقوله: «لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأ»!!!
الأمر الذي اضطر الإمام (عليه السلام) إلى استعمال العنف في الحصول على الماء لجيشه، حيث لا بديل للعنف..
وهكذا حرك الإمام (عليه السلام) فرقة من جيشه لإنهاء الحصار المضروب عليهم، فانهزم فيلق معاوية شر هزيمة..
وبعد أن صار الماء في نطاق نفوذ جيش الأمام (عليه السلام) أذن للباغين بالتزود منه متى شاؤوا، مجسداً بذلك بنداً من أخلاق الإسلام العظيمة في هذا المضمار.
فأعظم بعلي من محارب نبيل، وأكرم به من صاحب قلب كبير..
وحيث أن همّ الأمام (عليه السلام) أن يحقن دماء المسلمين ويصونهم من التمزق، ويدرأ التصدع عن صفهم، فقد طلب من معاوية أن ينازله إلى ميدان القتال فيتقاتلا دون الناس لكي تكون إمامة الأمة لمن يغلب «يا معاوية علام يقتتل الناس؟ أبرز إلي ودع الناس، فيكون الأمر لمن غلب»(3).
إلا أن معاوية قد رفض خوفاً من بطش الإمام (عليه السلام) وبالرغم من أن الجيش الأموي قد بدأ القتال من جانبه، فإن الإمام (عليه السلام) قد التزم بضبط النفس كذلك وحاول أن يحصر القتال في حدود المبارزة المحدودة(4).
ولما لم تلق محاولات الإمام (عليه السلام) الرأب الصدع -الذي خلفه معاوية في صف الأمة- استجابة، تفجر الموقف بحرب واسعة النطاق استمرت أسبوعين دون هوادة.
وقد لاحت تباشير النصر لصالح معسكر الإمام (عليه السلام) وأوشكت القوى الباغية على الانهزام، فدبروا «خدعة المصاحف» فرفعوا المصاحف على رؤوس الرماح والسيوف.. مما نجم عن تلك الخطة الماكرة تغير جوهري في الموقف العام.
ولقد كان لرفع المصاحف من لدن معسكر معاوية صدى عميقاً في معسكر الإمام (عليه السلام) إذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بإيقاف القتال.. فكثر اللغط بين الصفوف وآثر الآلاف ترك الحرب..
ومع أن الإمام (عليه السلام) تصدى لكشف خلفيات رفع المصاحف واستعمل كل وسائله الإقناعية في البرهنة على كونها خدعة يراد بها عرقلة تحقيق النصر الذي بات وشيكاً لصالح جيش الإمام (عليه السلام). إلا أن المطالبين بإيقاف القتال لم يستجيبوا لنداءاته المتكررة في هذا المضمار، ولعل بعضهم استعمل لغة التهديد للإمام (عليه السلام).. (5).
واضطروه أن يبعث الأشعث بن قيس إلى معاوية للتعرف على ما يريد من وراء رفعه للمصاحف، فعاد يحمل رغبة معاوية في التحكيم.. ثم تلى ذلك الفصل الثاني من المأساة، فاختارت الغوغاء أبا موسى الأشعري لتمثيل معسكر الإمام (عليه السلام) بينما اختار معاوية ابن العاص. على أن الإمام (عليه السلام) قد رفض فكرة تمثيل الأشعري لمعسكره باعتبار أن الأشعري كان معتزلاً للإمام (عليه السلام) ولم يكن يرى في الإمام أهلاً لتولي الخلافة بعد عثمان (6) - هو وآخرون ممن اعتزلوا الإمام (عليه السلام)- وكان يخذل الناس عن نصرة الإمام، مما حمل الإمام على عزله من ولاية الكوفة(7)..
وقد رجح الإمام (عليه السلام) أن يكون الممثل لمعسكره في التحكيم عبد الله بن عباس، غير أن الغوغاء أصروا على اختيار أبي موسى الأشعري بالرغم من تأكيد الإمام على ضعفه ووهن رأيه إضافة إلى مرتكزاته الفكرية وموقفه من حكومة الإمام (عليه السلام).
وها هو الإمام (عليه السلام) يخاطب المخدوعين بقوله «قد عصيتموني في أول الأمر -يشير إلى قبول التحكيم وإيقاف القتال- فلا تعصوني الآن، لا أرى أن تولوا أبا موسى الحكومة فإنه ضعيف عن عمرو ومكائده»(8).
إلا أنهم أصروا على اختيار الأشعري..
ومن هنا فإن الباحث البصير لا يمكن أن يركن إلى الاعتقاد بأن تلك الأمور قد جرت بشكل عفوي أبداً.. فإن سير الأحداث لا يدل على ذلك.. إذ أن رفع المصاحف كان قد جرى بتوقيت وتنسيق بين معاوية وحركة موالية له في جيش الإمام (عليه السلام) لابد أن يكون له اتصال معها..
فما أن ارتفعت المصاحف حتى استجاب أولئك لإيقاف القتال مستفيدين من سأم الناس من القتال، فوسعوا قاعدتهم في صفوف معسكر الإمام (عليه السلام) وفرضوا عليه التحكيم، وممثل معسكره في التحكيم فيما بعد..
وهكذا فإني لا أعتقد بحال أن لا تكون حركة التمرد في جيش الإمام (عليه السلام) بذلك الشكل الذي ذكره المؤرخون لا تعتمد على تخطيط أموي مسبق أبداً..
وقد جاءت نتائج التحكيم -كما توقع الإمام (عليه السلام) لصالح معاوية حيث بدأ الأمر يستتب له شيئاً فشيئاً.
_______________
1 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص70.
2 - نفس المصدر السابق ص71.
3 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، بلفظ متقارب.
4 - نفس المصدر السابق.
5 - تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص103.
6 - راجع الفصول المهمة ص78 وتذكرة الخواص ص103.
7 - تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص74.
8 - نفس المصدر ص79.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|