المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



النسيب والغزل  
  
20686   04:02 مساءاً   التاريخ: 23-03-2015
المؤلف : د. صاحب خليل إبراهيم
الكتاب أو المصدر : الصّورة السّمعيّة في الشعر العربي قبل الإسلام
الجزء والصفحة : ص51-56
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015 2160
التاريخ: 26-09-2015 5665
التاريخ: 23-03-2015 17220
التاريخ: 1-04-2015 4252

النسيب والغزل(1)

انتشر الغزل والنسيب في مقدمات خاصة، هي لوحات الافتتاح، وحظيت المرأة بعناية الشعراء، ومالت إليها القلوب فطرة وفتنة وفطنة، ومن هنا فقد عني الشعراء بالجمال، وهو في الغالب محسوس، ولا نعدم وجود الجانب المعنوي.

غير أن الشاعر يصف محاسن المرأة وصفاً حسياً، ولا ننكر أن ما يغلب على وصف الجمال الصورة البصرية، فضلاً عن المدركات الحسية الأخر، ومنها السمعية.

ونجد الغزالي قد أعطى أهمية للمدركات الحسية، وأضاف إليها "البصيرة الباطنة"، القلب، انطلاقاً من النظرة الأخلاقية، وقد تحدث عن كل حاسة، وبيّن أن الحسن لم يكن مقصوراً على البصر، بل تطرق إلى الصوت الحسن(2).

والجمال محسوس متميز في مادته وصورته، تراه العين، أو تسمعه الأذن(3)، في حين يجد بعض الباحثين قلة استخدام حاسة السمع، لأنه غير أساس في جمال المرأة عند الشاعر القديم(4).

وبالرغم من ذلك فإننا لا نعدم وجود الصورة السمعية المتمثلة بالحديث بين الشاعر وحبيبته، وإبداء إعجابه بصوتها الرقيق الجميل الذي يأسر القلب عبر السمع دون البصر لأن الكلمة الأدبية عمل ... تؤدي بجانب معناها النفسي العاطفي معنى صوتياً يتممه(5)، فحديث المرأة وصوتها ينوبان عن ملاحة الوجه ورشاقة القوام(6).

وقد اتخذ بشار بن بُرْد منْ حاسة السمع وسيلة لتذوق الجمال وفهمه، والاستمتاع به مثلها في ذلك مثل العين، فلم لا تعشق الأذن وهي جارحة الجمال الموسيقي(7).

 

يا قوم أذني لبعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ ... والأذنُ تعشقُ قبلَ العين أحيانا

قالوا بمَنْ لا تَرى تهذي فقلتُ لهمْ ... الأذنُ كالعينِ تُوفي القلبَ ما كانا(8)

ونجد من الشعراء الجاهليين من يجد لذة الحديث الذي ينطقه فم حبيبته(9)، وإن العواطف المتأججة الصادقة التي ضمتها قصائد الشعراء، ما هي إلا إعلان الشاعر عن حبه ومشاعره، وإظهار أصوات نفسه، ونبضات قلبه، حين نجد الحسرة والألم، فينشد شعره في مكان معين بقصد أن يتناهى إلى أسماع حبيبته، وعليه أن يتأنق في اختيار الألفاظ الرقيقة العذبة السلسة، ليشكّل صوراً جميلة معبّرة، في إيقاع منسجم مع مراعاة البحور الشعرية التي تضم تلك المشاعر، وقد قيل إن "المرأة هي الخالقة للقصيدة قبل أن يقولها الشاعر"(10).

قال المرقش الأكبر:

 

قلْ لأسماء أنجزي الميعادا ... وانظري أنْ تُزودي منكِ زادا

أينما كنتِ أو حللتِ بأرضٍ ... أو بلادٍ أحييتِ تلكَ البلادا

فاربحي أنْ أكونَ منكِ قريباً ... فاسألي الصادرين والورادا

وإذا ما سمعت من نحو أرضٍ ... بمُحَبٍّ قد ماتَ أو قيل كادا

فاعلمي -غيرَ علمِ شكٍ- بأني ... ذاك، وأبكي لمصفدٍ أنْ يُفادى(11)

 

في هذا الخطاب الشعري نُنْصِتُ للتشكيلات الصوتية في استخدام الألفاظ السمعية (قل، والموعد، والسؤال، والسماع، والعلم، والبكاء) للتعبير عن حالة الشاعر، ونجد الهمزة أول حرف من (أسماء) حبيبته قد انتشر في نسيج القصيدة:

 

انجزي، أنْ، أينما، أو حللت بأرض أو بلاد، أحييت، أن أكون، فاسألي، وإذا، أو، بأني، أن، فتكرار حرف الهمزة انتشار لنوع من النغم المتجانس مع همزة أسماء) بالرغم من ثقلها، لأن الهمزة صوت شديد ليس هو بالمجهور ولا بالمهموس، والانفراج الفجائي لفتحة المزمار ينتج الهمزة، وفي ذلك جهد عضلي، ولذا تعد من أشق الأصوات، وما انتشارها في نسيج القصيدة إلا التعبير عن حالة الشاعر النفسية في ابتعاد الحبيبة، وما يعانيه من ألم الفراق، فالتجأ إلى التعدد الصوتي من خلال تكرار الأصوات (تزودي- زاداً)، و (اعلمي- غير علم)، وتكرار الأصوات في حرف الحاء (حللت- أحييت)، وتكرار حرف القاف (قل، قد، قيل)، ومن خلال التضاد (الصادرين- الورادا) و (الموت- الحياة).

وتميزت القصيدة بالحركة والأفعال، والنَّفَس المتلاحق بالرغم من صعوبة الهمزة، ولكننا نجد تلك السرعة تقل عند حرف اللين والمد (الألف) في الصوت الأخير (القافية)، وحين نصغي إلى أصوات القصيدة جيداً نجد أن عدم إنجاز (الميعاد) وعدم التزود (بالزاد)، والبعد، ذلك كله يؤدي بالشاعر إلى الموت فالمعادلة هنا إذاً تستجيب لرمز المرأة (الحياة والخصب) وفقدانها يعني الموت، وقد ذكر (أسماء) لكونها رمزاً للخصب بدلالة قوله (أحييت البلادا).

ومن خلال تلك المعادلة تمازجت عند الشاعر البنيتان الصوتية والدلالية لتكوين الصور السمعية التي عبّر من خلالها عن حبه وحياته، وتدفق نبضات قلبه، أو توقفها، وقد استخدم صوراً سمعية في بعض قصائده عبر ألفاظ ذات دلالة سمعية مثل القول والسؤال(12)، والتذكر والحديث(13).

على أن استحضار الصورة السمعية يتعدد بتعدد المفردات المقترنة بالسمع مثل: النداء، والترخيم، والطلب، والسؤال، والمواعيد الكاذبات، والقول، وغيرها، وهذا ما يتجلى في أبيات المثقب العبدي الرائعة التي عكست براعة الشاعر وانفعالاته النفسية:

أفاطم قَبْلَ بينكِ متّعيني ... ومنعكِ ما سألتكِ أنْ تَبيني

فلا تعدي مواعدَ كاذباتٍ ... تَمُرُّ بها رياحُ الصيفِ دوني

فإني لو تخالِفُني شمالي ... خلافَكِ ما وصلتُ بها يمني

إذاً لقطعتها ولقلتُ: بِيني ... كذلك أجتوي مَنْ يجتويني(14)

 

وحين يحتدم الشوق، وتنزع النفس للحبيبة، يحاول الشاعر أن يكف كل صوت يحاول أن يسكت صوت الشوق النابع من الأعماق، فكأنه يجيب صوت الفراق بـ (كفى- بلى) لأن طول الشوق ينسيه قول الشعر ونظم القصائد:

 

كفى بالنأي منْ أسماء كافي ... وليس لحبها إذْ طالَ شافي

بلى أن العزاءَ لهُ دَواءٌ ... وطول الشوقِ يُنْسيكَ القوافي(15)

 

ومن الشعراء من استخدم القول، والوشاة في هجران الحبيبة(16) وبثها التحية بالرغم من منطق الوشاة لتشكيل الصورة السمعية:

 

أَلا قُلْ لِتيا قبلَ مِرَّتها اسلمي ... تحية مشتاقٍ إليها مُتَيمِ

على قيلها يوم التقينا ولم يكن ... على منطق الواشين يصرم ويُصْرَمِ(17)

وقد تعددت منافذ الأداء السمعي فيما يخص الأحبة بما ضمته من القسم والأنباء(18)، واللوم والحديث والذِّكرْ والتّذكر والكلام(19) والحديث(20)، والوشاة والسؤال(21)، والسؤال والحديث والنطق والنداء والمواعيد والقول(22) قول الشاعر والاعتراف، والعلم(23)، والتحية والسلام(24)، والتحية والأصوات والقول والسؤال(25)، والقول والتذمر والسؤال والسمع والعلم(26)، واختلاف الآراء والقول والحداة والتبليغ، والقول والذكر والحديث وصوت الحلي(27).

وإذا لاحظنا الغزل في لوحات الافتتاح فسنجده من قبيل استدراج السامع والقارئ إلى تتبع القصيدة للوقوف على غرض الشاعر، أو تحركه داخل عمله الإبداعي ضمن منافذه العديدة، منها الافتتاح، للتعبير عن عاطفته، أو قد نجد تلخيصاً للغرض الرئيس مكثفاً فيها، أو أنها جزء من بنية القصيدة، أو جسر فني، ذلك كله يخضع للاجتهاد الشخصي، كما يخضع بوعي إلى تطويع تلك المشاعر للتعبير عن مدلول رمزي يرتبط بالغرض الرئيس، والباعث النفسي، والتجربة التي عاش فيها الشاعر.

(1) ? ... هناك من يفرّق بين النسيب، والغزل، والتشبيب، ومنهم لا يجد فرقاً لتشابكها. وقد فرق قدامة بن جعفر في نقد الشعر: 123-124 بينها، فقال عن النسيب: ذكر الشاعر خلق النساء وأخلاقهن، وتصرف أحوال الهوى معهن، والتهالك في الصبابة، والوجد واللوعة والرقة والخشوع والتشوق والتذكر، وقال عن الغزل: إنما هو التصابي والاستهتار بمودات النساء.

وقال ابن سيدة في المخصص: 4/ 54-55:

 

إن الغزل تحديث الفتيات الجواري، والتغزل تكلف ذلك، والنسيب: التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله. وجاء في لسان العرب مادة غزل: والغزل حديث الفتيان والفتيات، ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن، وتغزل أي تكلف الغزل، وقال ابن منظور في اللسان مادة (نسب): نسب بالنساء شبب بهن في الشعر وتغزل، وجاء في مادة شبب في اللسان: تشبيب الشعر: ترقيق أوله بذكر النساء وهو من تشبيب النار، وتأريثها، وشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب، وهو يشبب بها أي ينسب بها، والتشبيب: النسيب بالنساء. وقد استعرض الحوفي في كتابه: الغزل في العصر الجاهلي: 9-14 الآراء المختلفة حول النسيب والغزل والتشبيب والنسيب، متوصلاً إلى عدم وجود فروق بين مدلولات تلك الكلمات، في حين قال الأستاذ الدكتور عادل جاسم البياتي مفرقاً بين المدلولات، النسيب: أن ينسب الشاعر لامرأة بعينها أحبها، أو عرض لها، فإذا اقترن بذكر أحداث أو لقاء يضمنه الشاعر ذكرياته في شبيبته وإن لم يزل شاباً، أو كهولته، أو شيخوخته ذاكراً أيام شبيبته فهو التشبيب، أما الغزل فهو مديح المرأة الذي يتصل بذكر صفاتها الخلقية ومحاسنها الجسمانية، لأن المرأة لا تمدح بما يمدح به الرجل، هذه خلاصة أقوال الأوائل في العديد من المواضع يصعب حصرها مبنية على الشعر الجاهلي لكن الشعراء قبل الإسلام خلطوا هذه الفنون ببعضها، فالشاعر ينسب ويشبه، ويتغزل في وقت واحد، غير أن حدود المصطلح بقيت منظورة إلى أن اختفت معالمها في العصر العباسي. وفي رأي الباحث أن تلك المفردات متشابكة ويصعب الفصل بينها، فكثيراً ما نجد في قصائد الشعراء جميع مدلولات تلك المفردات، وفي القليل النادر من النصوص يخضع لتحديد مدلول مفردة معينة.

(2) إحياء علوم الدين: 4/ 254- 255.

(3) في النقد الأدبي، ضيف: 77.

(4) الأسس الجمالية في النقد العربي: 132.

(5) في النقد الأدبي، ضيف: 75.

(6) رحلة الشعر: 288.

(7) الصورة في شعر بشار بن برد: 188.

(8) ديوان بشار: 4/ 206.

(9) بشر بن أبي خازم: ق5/ 8/ 119، عروة بن الورد: 57.

(10) رمز المرأة في أدب أيام العرب: 80.

(11) المرقش الأكبر: ق 11/ 888. فارتجي في المفضليات، المفضلية: 129.

(12) المرقش الأكبر: ق7/ 882.

(13) المصدر نفسه: ق 12/ 888.

(14) المثقب العبدي: ق هـ/ 28- 29. الاجتواء: لا يستمرئ البلاد.

(15) بشر بن أبي خازم: ق 29/ 142، تميم بن مقبل: ق 36/ 1-2/ 281.

(16) بشر بن أبي خازم: ق 38/ 178، حاتم الطائي: 24، زهير بن أبي سلمى: ق 21/ 201، أوس بن حجر: ق 30/ 63- 64، قيس بن الخطيم: ق 5/ 101/ 102- النمر بن تولب: ق 7/ 38، أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين: 1/ 63- 64.

(17) الأعشى: ق 15/ 119.

(18) السليك بن السلكة: ق 11/ 55، زهير بن أبي سلمى: ق 2/ 31- 32.

(19) الشنفري، المفضلية: 20، المرقش الأكبر: ق 12/ 888، زهير بن أبي سلمى: ق 30/ 223، ق 34/ 239، قيس بن الخطيم: ق 1/ 41-42.

(20) الحادرة: ق 3/ 43- 46.

(21) زهير بن أبي سلمى: ق 21/ 201، كعب بن زهير: 200-201.

(22) المثقب العبدي: ق هـ/ 28، قيس بن الخطيم: ق 5/ 101-109.

(23) بشر بن خازم: ق 29/ 142.

(24) النابغة الذبياني: 325.

(25) الأسود بن يعفر: ق 49/ 53-54.

(26) المرقش الأكبر: ق 7/ 882، ق 11/ 888، بشامة بن عمرو، المفضلية: 10، كعب بن زهير: 122-123.

(27) زهير بن أبي سلمى: ق 5/ 78-80، ق 28/ 217-218.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.