المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16330 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.
2024-04-25
تعريف بعدد من الكتب / رجال النجاشي.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثالث عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثاني عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الحادي عشر.
2024-04-25
التفريخ في السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (175 - 177) من سورة الأعراف  
  
28320   01:36 صباحاً   التاريخ: 9-8-2019
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأعراف /

قال تعالى : {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ولكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 175 - 177] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ عليهم قصة أخرى من أخبار بني إسرائيل فقال : {واتل} أي : واقرأ {عليهم} يا محمد {نبأ الذي آتيناه} أي : خبر الذي أعطيناه {آياتنا} أي : حججنا وبيناتنا {فانسلخ منها} أي : فخرج من العلم بها بالجهل ، كالشيء الذي ينسلخ من جلده {فأتبعه الشيطان} أي : تبعه ، وتبع واتبع ، وأتبع بمعنى . وقيل : معناه : لحقه الشيطان وأدركه حتى أضله {فكان من الغاوين} أي : من الهالكين ، وقيل : من الخائبين ، عن الجبائي .

واختلف في المعني به . فقيل : هو بلعام بن باعور ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وكان رجلا على دين موسى عليه السلام ، وكان في المدينة التي قصدها موسى ، وكانوا كفارا ، وكان عنده اسم الله الأعظم ، وكان إذا دعا الله تعالى به أجابه . وقيل : هو بلعم بن باعورا ، من بني هاب بن لوط ، عن أبي حمزة الثمالي ، ومسروق . قال أبو حمزة ، وبلغنا أيضا ، والله أعلم ، أنه أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر ، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وزيد بن أسلم ، وأبي روق ، وكانت قصته أنه قرأ الكتب ، وعلم أن الله سبحانه مرسل رسولا في ذلك الوقت ، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول فلما أرسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم حسده ، ومر على قتلى بدر ، فسأل عنهم ، فقيل : قتلهم محمد . فقال : لو كان نبينا ما قتل أقرباءه ، واستنشد رسول الله أخته شعره بعد موته ، فأنشدته :

لك الحمد ، والنعماء ، والفضل ، ربنا        ولا شيء أعلى منك جدا ،

وأمجد مليك على عرش السماء مهيمن       لعزته تعنو الوجوه وتسجد

وهي قصيدة طويلة حتى أتت على آخرها ، ثم أنشدته قصيدته التي فيها .

وقف الناس للحساب جميعا                 فشقي معذب وسعيد

والتي فيها :

عند ذي العرش تعرضون عليه    *       يعلم الجهر والسرار الخفيا

يوم يأتي الرحمن وهو رحيم       *       إنه كان وعده مأتيا

رب إن تعف فالمعافاة ظني      *       أو تعاقب فلم تعاقب بريا

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : آمن شعره وكفر قلبه ، وأنزل الله فيه قوله {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه} الآية . وقيل : إنه أبو عامر بن النعمان بن صيفي الراهب الذي سماه النبي الفاسق ، وكان قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح ، فقدم المدينة ، فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما هذا الذي جئت به ؟ قال : جئت بالحنيفية دين إبراهيم . قال : فأنا عليها . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لست عليها ، ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها . فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا! فخرج إلى أهل الشام ، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا السلاح ، ثم أتى قيصر ، وأتى بجند ليخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة ، فمات بالشام طريدا وحيدا ، عن سعيد بن المسيب . وقيل : المعني به منافقو أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يعرفون أبناءهم ، ويكون معنى {فانسلخ منها} : أعرض عن آيات الله وتركها ، {فأتبعه الشيطان} أي : خذله الله ، وخلى بينه وبين الشيطان ، عن الحسن ، وابن كيسان . وقيل : إنه مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله ، عن قتادة .

وقال أبو جعفر عليه السلام : الأصل في ذلك بلعم ، ثم ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة . وقيل أيضا في الآيات التي أوتيها أقوال أخر منها : إن المراد بها المعجزات الدالة على صدق الأنبياء ، فلم يقبلها ، وعري عنها ، يعني فرعون . عن أبي مسلم ، فكأنه قال أتل عليهم نبأ فرعون إذ آتيناه الحجج الدالة على صدق موسى ، فلم يقبلها . ومنها : إن الآيات : الإيمان والهدى والدين ، عن الحسن ، ومنها : إنها النبوة ، عن مجاهد ، وهذا لا يجوز لأن الأنبياء منزهون عن ذلك ، فإنهم حجج الله على خلقه .

{ولو شئنا لرفعناه بها} أي : بتلك الآيات ، والهاء في {رفعناه} يعود إلى الذي أتاه الله بآياته فانسلخ منها ، معناه : ولو شئنا لرفعنا منزلته بإيمانه ومعرفته ، قبل أن يكفر ، ولكن بقيناه ليزداد الإيمان ، فكفر عن الجبائي . وقيل معناه : ولو شئنا لحلنا بينه وبين ما اختاره من المعصية ، وهذا إخبار عن كمال قدرته ، عن البلخي ، والزجاج {ولكنه أخلد إلى الأرض} أي : ركن إلى الدنيا ، ومال إليها ، عن سعيد بن جبير ، والسدي ، ومعناه : ولكنه مال إلى الدنيا بإيثار الراحة والدعة في لذة {واتبع هواه} أي : وانقاد لهواه في الركون إلى الدنيا ، واختيارها على الآخرة .

ثم ضرب له مثلا فقال {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} معناه : فصفته كصفة الكلب ، إن طردته ، وشددت عليه ، يخرج لسانه من فمه ، وإن تركته ولم تطرده ، يخرج لسانه من فمه أيضا ، وتحمل عليه : من الحملة لا من الحمل ، والمعنى : إن واعظته فهو ضال ، وإن لم تعظه فهو ضال في كل حال ، كما أن كل شيء يلهث ، فإنما يلهث في حال الإعياء والكلال ، الا الكلب فإنه يلهث في كل حال ، ومثله قوله سبحانه : {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} . وقيل : إنما شبهه بالكلب في الخسة ، وقصور الهمة ، وسقوط المنزلة ، ثم وصف الكلب باللهث على عادة العرب في تشبيههم الشئ بالشئ ، ثم يأخذون في وصف المشبه به ، وإن لم يكن ذلك الوصف في المشبه ، وذلك يكثر في كلامهم ، عن أبي مسلم . وقيل : شبهه بالكلب إذا أخرج لسانه لإيذائه الناس بلهاثه . حملت عليه ، أو تركته ، يقال لمن آذى الناس بلسانه : فلان أخرج لسانه من الفم مثل الكلب ، ولهثه في هذا الموضع : صياحه ونباحه . وقيل : إن هذا مثل للذي يقرأ القرآن فلا يعمل به ، عن مجاهد .

{ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا} معناه : ذلك صفة الذين يكذبون بآيات الله ، قال ابن عباس : يريد أهل مكة ، كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله ، فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه ، كذبوه فلم يهتدوا لما تركوا ، ولم يهتدوا لما دعوا بالرسول والكتاب {فاقصص القصص} أي : فاقصص عليهم أخبار الماضين {لعلهم يتفكرون} فيعتبرون ولا يفعلون مثل فعلهم حتى لا يحل بهم ما حل بهم .

ثم وصف الله تعالى بهذا المثل الذي ضربه وذكره بأنه {ساء مثلا} أي : بئس مثلا {القوم الذين كذبوا بآياتنا} ومعناه بئست الصفة المضروب فيها المثل ، أو قبح حال المضروب فيه ، لأن المثل حسن ، وحكمة ، وصواب ، وإنما القبيح صفتهم {وأنفسهم كانوا يظلمون} أي : وإنما نقصوا بذلك أنفسهم ، ولم ينقصوا شيئا لأن عقاب ما يفعلونه من المعاصي ، يحل بهم ، والله سبحانه لا يضره كفرهم ومعصيتهم ، كما لا ينفعه إيمانهم وطاعتهم .

_________________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 394-397 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ} . أتل الخطاب موجه لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وضمير عليهم يعود إلى اليهود .

أما الذي آتاه اللَّه آياته فانسلخ منها فلا نعرف من هو ولا ندخل في شيء ليس في القرآن والسنة المتواترة نص عليه ، ولكن القصاصين وأكثر المفسرين أو الكثير منهم قالوا : ان اسم الرجل بلعام بن باعور ، وانه كان على دين موسى وعالما بأحكامه ، ثم ارتد ، ونحن ننظر إلى هذا النقل والى غيره أيضا بحذر ، ولا نطمئن إلا للنص القرآني ، وقد دل هذا النص على ان اللَّه سبحانه أمر رسوله أن يخبر اليهود بقصة الرجل الذي كان عالما بدين اللَّه وآياته ، وبطبيعة الحال كان علماء اليهود على علم من هذا الرجل ، ثم أغواه الشيطان ، فترك علمه ودينه ، ولزم الغواية فكان من الغاوين الهالكين .

{ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها} أي بما آتاه اللَّه من العلم بآياته ، ولكن اللَّه لم يشأ أن يلجئه إلى العمل بآياته قهرا ، لأنه جل ثناؤه لا يعامل الناس بمشيئته الخالقة التي تقول للشيء كن فيكون ، وانما يعاملهم بمشيئة النصح والإرشاد التي يعبر عنها بأمره ونهيه ، ولهذا ترك للذي انسلخ من آيات اللَّه ، ترك له الحرية والاختيار ، فاختار العاجلة على الآجلة {ولكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ} .

معنى الإخلاد اللزوم ، والمراد بالأرض هنا متاع الحياة الدنيا ، لأن الأرض مصدرها ، ومنها الطيبات والملذات ، والمعنى ان هذا المنسلخ المتجرد قد عصى مولاه ، وأطاع هواه ملازما له لا يفارقه أبدا ، قال الرازي : هذه الآية أشد الآيات على أصحاب العلم ، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) : من ازداد علما ، ولم يزدد هدى لم يزدد من اللَّه الا بعدا .

{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} . الكلب الذي يلهث من العطش أو الاعياء يستمر في اللهاث زجرته أو تركته ، فإنه لاهث على كل حال . . وكذلك من لزم هواه يستمر في ضلاله وعظته أو أغفلته فهو ضال على كل حال ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا . أي هذه هي صفة كل من أصر على المعصية . . أبدا ، لا ينتفع بآية ، ولا يصغي لموعظة ، وضرب اللَّه مثلا للعاصي المصر بالكلب اللاهث إشارة إلى خسته وضعته .

{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . أي حدث يا محمد اليهود عن المكذبين من أسلافهم ، وما آل إليه أمرهم كأهل القرية التي كانت حاضرة البحر ، وهذا المنسلخ ليكون ذلك عبرة لهم ، ورادعا عن التكذيب بنبوتك .

{ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ} . الكذب على اللَّه ، والتكذيب بآيات اللَّه كلاهما بدعة ، لأن الأول يثبت في الدين ما ليس منه ، والثاني ينفي عنه ما هو منه ، وهذه هي البدعة بالذات ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار - إذن - من ابتدع نقد ظلم نفسه ، حيث عرضها للعذاب والهلاك .

وتسأل : من يحرف الحق خوفا على نفسه من ظالم : هل يعد مبتدعا ؟ .

الجواب : أجل ، انه مبتدع يستحق الذم والعقاب ، ما في ذلك ريب ، لأن عليه أن يخاف من غضب اللَّه لتحريف الحق ، لا من غضب الظالم للثبات على الحق . . أجل ، قد يسوغ للإنسان ترك العمل بالحق دفعا للضرر عن نفسه ، أما تحريف الدين بالكذب على اللَّه فلا مبرر له على الإطلاق ، مهما تكن النتائج .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 421-423 .

 

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها﴾ إلى آخر الآية معنى إيتاء الآيات على ما يعطيه السياق التلبس من الآيات الأنفسية والكرامات الخاصة الباطنية بما يتنور به طريق معرفة الله له ، وينكشف له ما لا يبقى له معه ريب في الحق والانسلاخ خروج الشيء وانتزاعه من جلده ، وهو كناية استعارية عن أن الآيات كانت لزمتها لزوم الجلد فخرج منها الخبث في ذاته ، والإتباع كالتبع والإتباع التعقيب واقتفاء والأثر يقال : تبع وأتبع واتبع ، والكل بمعنى واحد ، والغي والغواية هي الضلال كأنه خروج من الطريق للقصور عن حفظ المقصد الذي يوصل إليه الطريق ففيه نسيان المقصد والغاية ، فالمتحير في أمره وهو في الطريق غوي ، والخارج عن الطريق وهو ذاكر لمقصده ضال ، وهو الأنسب لمورد الآية فإن صاحب النبإ بعد ما انسلخ عن آيات الله وأتبعه الشيطان غاب عنه سبيل الرشد فلم يتمكن من إنجاء نفسه عن ورطة الهلاك ، وربما استعمل كل من الغواية والضلالة في معنى واحد .

وهو الخروج عن الطريق الموصل إلى الغاية .

وقد اختلف المفسرون في تعيين من هو صاحب النبإ في هذه الآية على أقوال مختلفة سنشير إلى جلها أو كلها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله .

والآية - كما ترى - أبهمت اسمه واقتصرت على الإشارة إلى إجمال قصته لكنها مع ذلك ظاهرة في أنه نبأ واقع لا مجرد تمثيل فلا وقع لقول من قال : إنها مجرد تمثيل من غير نبأ واقع .

والمعنى : ﴿واتل عليهم﴾ أي على بني إسرائيل أو على الناس خبرا عن أمر عظيم وهو ﴿نبأ﴾ الرجل ﴿الذي آتيناه آياتنا﴾ وكشفنا لباطنه عن علائم وآثار إلهية عظام يتنور له بها حق الأمر ﴿فانسلخ منها﴾ ورفضها بعد لزومها ﴿فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين﴾ فلم يقو على إنجاء نفسه من الهلاك .

قوله تعالى : ﴿ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ الآية الإخلاد اللزوم على الدوام ، والإخلاد إلى الأرض اللصوق بها وهو كناية عن الميل إلى التمتع بالملاذ الدنيوية والتزامها ، واللهث من الكلب أن يدلع لسانه من العطش .

فقوله : ﴿ولو شئنا لرفعناه بها﴾ أي لو شئنا لرفعناه بتلك الآيات وقربناه إلينا لأن في القرب إلى الله ارتفاعا عن حضيض هذه الدنيا التي هي بما لها من اشتغال الإنسان بنفسها عن الله وآياته أسفل سافلين ، ورفعه بتلك الآيات بما أنها أسباب إلهية ظاهرية تفيد اهتداء من تلبس بها لكنها لا تحتم السعادة للإنسان لأن تمام تأثيرها في ذلك منوط بمشيئة الله ، والله سبحانه لا يشاء ذلك لمن أعرض عنه وأقبل إلى غيرها .

وهي الحياة الأرضية اللاهية عن الله ودار كرامته فإن الإعراض عن الله سبحانه وتكذيب آياته ظلم ، وقد حق القول منه سبحانه أنه لا يهدي القوم الظالمين ، وأن الذين كفروا وكذبوا بآياته أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

ولذلك عقب تعالى قوله : ﴿ولو شئنا لرفعناه بها﴾ بقوله : ﴿لكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ فالتقدير : لكنا لم نشأ ذلك لأنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه وكان ذلك موردا لإضلالنا لا لهدايتنا كما قال تعالى : ﴿ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء﴾ إبراهيم : 27 .

وقوله : ﴿فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾ أي إنه ذو هذه السجية لا يتركها سواء زجرته ومنعته أو تركته و ﴿تحمل﴾ من الحملة لا من الحمل ﴿ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ فالتكذيب منهم سجية وهيئة نفسانية خبيثة لازمة فلا تزال آياتنا تتكرر على حواسهم ويتكرر التكذيب بها منهم ﴿فاقصص القصص﴾ وهو مصدر أي اقصص قصصا أو اسم مصدر أي اقصص القصة ﴿لعلهم يتفكرون﴾ فينقادوا للحق وينتزعوا عن الباطل .

قوله تعالى : ﴿ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون﴾ ذم لهم من حيث وصفهم ، وإعلام لهم أنهم لا يضرون شيئا في تكذيب آياته بل ذلك ظلم منهم لأنفسهم إذ يستضر بذلك غيرهم .

_____________________________

1. تفسير الميزان ، ج8 ، ص 332-334 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :  

قال تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} [الأعراف : 175-178] .

في هذه الآيات إشارة لقصّة أخرى من قصص بني إسرائيل ، وهي تعد مثلا وأنموذجا لجميع أولئك الذين يتصفون بمثل هذه الصفات.

وكما سنلاحظ خلال تفسير الآيات ـ محل البحث ـ فإنّ للمفسّرين احتمالات متعددة في الذي تتحدث عنه أو (عليه) الآيات ... إلّا أنّه ممّا لا ريب فيه أن مفهوم الآيات ـ كسائر الآيات النازلة في ظروف خاصّة ـ عام وشامل .

والآية الأولى من هذه الآيات يخاطب بها النّبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم حيث يقول القرآن الكريم {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ} .

فهذه الآية واضحة أنّها تحكي قصّة رجل كان في البداية في صف المؤمنين ، وحاملا للعلوم الإلهية والآيات ، إلّا أنّه انحراف عن هذا النهج ، فوسوس له الشيطان ، فكانت عاقبة أمره أن انجرّ إلى الضلال والشقاء! ... والتعبير بـ «انسلخ» وهو من مادة «الانسلاخ» معناه في الأصل الخروج من الجلد ... يدلّ على أن الآيات والعلوم الإلهية كانت تحيط به إحاطة الجلد بالبدن ، إلّا أنّه خرج منها على حين غرّة واستدار إلى الوراء وغيّر مسيره بسرعة! كما أنّ التعبير القرآني «فأتبعه الشيطان» يستفاد منه أنّ الشيطان كان أوّل الأمر آيسا منه تقريبا ، لأنّه كان يسلك سبيل الحق تماما ، وبعد أن انحرف لحقه الشيطان وتربص له وأخذ يوسوس له حتى انتهى أمره إلى أن يكون من الضالين المنحرفين الأشقياء (2) .

والآية التّالية تكمل هذا الموضوع على النحو التّالي {وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها}.

إلّا أن من المسلّم أنّ إكراه الناس وإجبارهم على أن يسلكوا سبيل الحق لا ينسجم والسنن الإلهية وحرية الإدارة ، ولا يكون ذلك دليلا على عظمة الشخص ، لهذا فإنّ الآية تضيف مباشرة. إنّنا تركناه وهواه ، وبدلا من أن ينتفع من معارفه فإنّه هوى وانحطّ {وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ} .

وكلمة (أخلد) من (الإخلاد) وهي تعني السكن الدائم في مكان واحد مع حرية الإرادة ، فجملة (أخلد إلى الأرض) تعني اللصوق الدائم بالأرض ، وهي كناية عن عالم المادة وبهارجها ، واللذائذ غير المشروعة للحياة المادية .

ثمّ تشبّه الآية هذا الفرد بالكلب الذي يخرج لسانه لاهثا دائما كالحيوانات العطاشي فتقول {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} .

فهو لفرط اتّباعه الهوى وتعلقه بعالم المادة انتابته حالة من التعطش الشديد غير المحدود وراء لذائذ الدنيا ، وكل ذلك لم يكن لحاجة ، بل لحالة مرضيّة ، فهو كالكلب المسعور الذي يظهر بحالة عطش كاذب لا يمكن ارواؤها وهي حالة عبيد الذين لا يهمهم غير جمع المال واكتناز الثروة فلا يحسون معه بشبع أبدا .

ثمّ تضيف الآية : إنّ هذا المثال الخاص لا يتعلق بفرد معين ، بل : {ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .

العالم المنحرف «بلعم بن باعوراء» :

كما لاحظنا أنّ الآيات السالفة لم تذكر اسم أحد بعينه ، بل تحدثت عن عالم كان يسير في طريق الحق ابتداء وبشكل لا يفكر معه أحد بأنّه سينحرف يوما ، إلّا أنّه نتيجة لاتّباعه لهوى النفس وبهارج الدنيا انتهى إلى السقوط في جماعة الضالين وأتباع الشياطين.

غير أنّنا نستفيد من أغلب الرّوايات وأحاديث المفسّرين أن هذا الشخص يسمّى (بعلم بن باعوراء) الذي عاصر النّبي موسى عليه السلام وكان من مشاهير علماء بني إسرائيل ، حتى أن موسى عليه السلام كان يعوّل عليه على أنّه داعية مقتدر ، وبلغ أمره أن دعاءه كان مستجابا لدى الباري جل وعلا ، لكنّه مال نحو فرعون وإغراءاته فانحرف عن الصواب ، وفقد مناصبه المعنوية تلك حتى صار بعدئذ في جبهة أعداء موسى عليه السلام (3) .

إلّا أننا نستبعد ما يحتمله بعضهم من أن المقصود هو (أمية بن الصلت) الشاعر المعروف في زمان الجاهلية ، الذي كان بادئ أمره ونتيجة لاطلاعه على الكتب السماوية ينتظر نبي آخر الزمان ، ثمّ حصل له هاجس أن النّبي قد يكون هو نفسه ، ولذلك بعد أن بعث النّبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم أصابه الحسد له وعاداه .

وبعيد كذلك ما احتمله بعضهم من أنّه كان (أبا عامر) الراهب المعروف في الجاهلية ، الذي كان يبشر الناس بظهور رسول الإسلام صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم لكنّه بعد ظهوره صار من أعدائه. لأنّ جملة (واتل) وكلمة (نبأ) وجملة (فاقصص القصص) تدل على أنّ تلك الأمور لا تتعلق بأشخاص عاصروا الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم. بل بأقوام سابقين ، مضافا إلى تلك فإنّ سورة الأعراف من السور المكية وقضيتا [أبي عامر الراهب] و [أمية بن الصلت] تتعلقان بحوادث المدينة .

ولكن بما أن أشخاصا على غرار «بلعم» كانوا موجودين في عصر النّبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم ك (أبي عامر) و (أمية بن الصلت) فإنّ الآيات محل البحث تنطبق على هذه الموارد في كل عصر وزمان ، وإلّا فإنّ مورد القصّة هو «بلعم بن باعوراء» لا غير .

وقد نقل تفسير (المنار) عن النّبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم أن مثل بلعم بن باعوراء في بني إسرائيل كأمية بن أبي الصلت في هذه الأمّة .

وورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «الأصل من ذلك بلعم ، ثمّ ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هوى الله من أهل القبلة» .

ومن هذا يتبيّن أن الخطر الأكيد الذي يهدد المجتمعات الإنسانية هو خطر المثقفين والعلماء الذين يسخّرون معارفهم للفراعنة والجبارين لأجل أهوائهم ولا يختص الأمر بزمن النّبي موسى عليه السلام أو غيره من الأنبياء ، بل حتى بعد عصر النّبي الكريم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم إلى يومنا هذا نجد أمثال بلعم بن باعوراء وأبي عامر الراهب وأمية بن الصلت ، يضعون علومهم ومعارفهم ونفوذهم الاجتماعي من أجل الدرهم والدينار ، أو المقام ، أو لأجل الحسد ، تحت إختيار المنافقين وأعداء الحق والفراعنة أمثال بني أمية وبني العباس وسائر الطواغيت .

ويمكن معرفة أولئك العلماء من خلال أوصاف أشارت إليها الآيات محل البحث ، فإنّهم ممن نسي ربّه واتبع هواه ، وهم ذوو نزوات سخروها للرذيلة بدل التوجه نحو الله وخدمة خلقه ، وبسبب هذا التسافل فقدوا كل شيء ووقعوا تحت سلطة الشيطان ووساوسه ، فسهل بيعهم وشراؤهم ، وهم كالكلاب المسعورة التي لا ترتوي أبدا ، ولهذه الأمور ترك هؤلاء سبيل الحقيقة وضلوا عن الطريق حتى غدوا أئمّة الضلال .

ويجب على المؤمنين معرفة مثل هؤلاء الأشخاص والحذر منهم واجتنابهم.

[والآية التالية] ـ كنتيجة عامّة وشاملة لقضية ـ (بلعم) والعلماء الدنيويين فتقول أولاهما {ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ} .

فما أفحش ظلم الإنسان لنفسه وهو يسخّر ملكاته المعنوية وعلومه النافعة التي بإمكانها أن تعود عليه وعلى مجتمعه بالخير ـ ويضعها تحت إختيار المستكبرين وأصحاب القدرة الدنيوية ويبيعها بثمن بخس فيؤدي ذلك إلى سقوطه وسقوط المجتمع .

وميولهم الدنيوية (والإخلاد إلى الأرض) ويضعون كل طاقاتهم الفكرية في سبيل الطاغوت الذي يعمل ما في وسعه لاستغلال مثل هذه الشخصيات لإغفال وإضلال عامّة الناس .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 570-573 .

2. تبع واتبع بمعنى لحق أو أدرك.

3. في التوراة الحالية نجد ورود قضية «بلعم بن باعوراء» أيضا ، إلّا أنّ التوراة تبرئه في النهاية من الانحراف ، يراجع بذلك سفر الأعداد الباب 22.

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



خلال الأسبوع الحالي ستعمل بشكل تجريبي.. هيئة الصحة والتعليم الطبي في العتبة الحسينية تحدد موعد افتتاح مؤسسة الثقلين لعلاج الأورام في البصرة
على مساحة (1200) م2.. نسبة الإنجاز في مشروع تسقيف المخيم الحسيني المشرف تصل إلى (98%)
تضمنت مجموعة من المحاور والبرامج العلمية الأكاديمية... جامعتا وارث الأنبياء(ع) وواسط توقعان اتفاقية علمية
بالفيديو: بعد أن وجه بالتكفل بعلاجه بعد معاناة لمدة (12) عاما.. ممثل المرجعية العليا يستقبل الشاب (حسن) ويوصي بالاستمرار معه حتى يقف على قدميه مجددا