المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الزراعة المستدامة
2024-07-10
لذة الولد
7-12-2016
الفية ابن مالك وشروحها
12-08-2015
التعريف بعدد من الكتب / كتاب خلاد السنديّ.
2023-05-18
Using Zinc as the reducing agent
26-11-2018
انتبه لحالتك المزاجية
27-3-2017


تفسير آية (53-57) من سورة التوبة  
  
3972   12:30 صباحاً   التاريخ: 8-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : { قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [التوبة : 53 - 57] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : { قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة : 53 - 55] .

ثم بين سبحانه أن هؤلاء المنافقين لا ينتفعون بما ينفقونه مع إقامتهم على الكفر ، فقال : {قل} يا محمد لهؤلاء {أنفقوا طوعا أو كرها} أي : طائعين ، أو مكرهين {لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين} معناه : وإنما لم يتقبل منكم لأنكم كنتم متمردين عن طاعة الله ، والله سبحانه إنما يتقبل من المؤمنين المخلصين {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} أي : وما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله وبرسوله ، وذلك مما يحبط الأعمال ، ويمنع من استحقاق الثواب عليها {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} أي :

متثاقلين ، والمعنى : لم يؤدوها على الوجه الذي أمروا أن يؤدوها على ذلك الوجه {ولا ينفقون إلا وهم كارهون} لذلك ، لأنهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر بالإسلام ، لا لابتغاء مرضاة الله تعالى . وفي هذا دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع لأنه سبحانه ذمهم على ترك الصلاة والزكاة ، ولولا وجوبهما عليهم لم يذموا بتركهما .

{فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمراد جميع المؤمنين . وقيل : يريد لا تعجبك أيها السامع ، أي : لا يأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين ، وكثرة أولادهم ، ولا تنظر إليهم بعين الإعجاب {إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} قد ذكر في معناه وجوه أحدها : إن فيه تقديما وتأخيرا أي : لا يسرك أموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة ، عن ابن عباس ، وقتادة . فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم وأولادهم ، ومثله قوله تعالى {فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون} والتقدير فألقه إليهم ، فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم وثانيها : إن معناه : إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف ، وأمرهم بالإنفاق في الزكاة والغزو ، فيؤدونها على كره منهم ومشقة ، إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة ، فيكون ذلك عذابا لهم ، عن الحسن ، والبلخي . وثالثها : إن معناه : إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها ، عن ابن زيد . ورابعها : إن معناه : إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا ، أي : بسبي الأولاد ، وغنيمة الأموال عند تمكن المؤمنين من أخذها ، وغنمها ، فيتحسرون عليها ، فيكون ذلك جزاء على كفرهم عن الجبائي . وخامسها : إن المراد يعذبهم بجمعها وحفظها وحبها ، والبخل بها ، والحزن عليها ، وكل هذا عذاب ، وكذلك خروجهم عنها بالموت لأنهم يفارقونها ، ولا يدرون إلى ماذا يصيرون ، واللام في قوله {ليعذبهم} يحتمل أن يكون بمعنى أن، ويحتمل أن يكون لام العاقبة. والتقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم .

{وتزهق أنفسهم} أي : تهلك وتذهب بالموت {وهم كافرون} جملة في موضع الحال أي : حال كونهم كافرين ، والإرادة تعلقت بزهوق أنفسهم ، لا بالكفر ، وهذا كما تقول أريد أن أضربه وهو عاص ، فالإرادة تعلقت بالضرب ، لا بالعصيان .

 

_ { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [التوبة : 56-57] .

 

ثم أظهر سبحانه سرا من أسرار القوم فقال {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} أي : يقسم هؤلاء المنافقون إنهم لمن جملتكم أيها المؤمنون أي : مؤمنون أمثالكم {وما هم منكم} أي : ليسوا مؤمنين بالله كما أنتم كذلك {ولكنهم قوم يفرقون} أي يخافون القتل والأسر إن لم يظهروا الإيمان {لو يجدون ملجأ} أي : لو يجد هؤلاء المنافقون حرزا ، عن ابن عباس . وقيل : حصنا ، عن قتادة {أو مغارات} أي : غيرانا في الجبال ، عن ابن عباس . وقيل : سراديب ، عن عطا {أو مدخلا} أي : موضع دخول يأوون إليه ، عن الضحاك . وقيل : نفقا كنفق اليربوع ، عن ابن زيد . وقيل : أسرابا في الأرض ، عن ابن عباس ، وأبي جعفر عليه السلام .

وقيل : وجها يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الحسن {لولوا إليه} أي : لعدلوا إليه . وقيل : لأعرضوا عنكم إليه {وهم يجمحون} أي : يسرعون في الذهاب إليه . ومعنى الآية : إنهم من خبث دخلتهم ، وسوء سريرتهم ، وحرصهم على إظهار ما في نفوسهم من النفاق والكفر ، لو أصابوا شيئا من هذه الأشياء ، لآووا إليه ليجاهروا بما يضمرونه ، وأعرضوا عنك .

____________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 69-71 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ } بعد أن تجهز النبي ( صلى الله عليه وآله } لغزوة تبوك طلب منه بعض المنافقين ان يعفيه من الجهاد . وعرض عليه شيئا من ماله ، فأمر اللَّه رسوله الكريم ان يقول لهذا المنافق وأمثاله : لا حاجة للَّه في أموالكم ، وانها مردودة عليكم ، سواء أبذلتموها عن رضا ، أم عن كره .

وتسأل : لقد عرفنا وجه الرد ، مع البذل عن كره ، فما هو الوجه لردها .

مع البذل عن رضا ؟ .

الجواب : لأنهم ما أرادوا بالبذل عن رضا وجه اللَّه ، وانما أرادوا الشهرة والجاه ، ولا فرق بين البذل عن رضا لهذه الغاية ، وبين البذل عن كره خوفا ان ينكشفوا على حقيقتهم ، لأن كلا منهما لغير اللَّه ، ومن أجل هذا خاطبهم اللَّه بقوله : { إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ } . ووصفهم بالفسق يشير إلى أن الفسق هو العلة لعدم القبول ، ويعبّر الأصوليون عن هذا وأمثاله بمناسبة الحكم للموضوع .

{ وما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وبِرَسُولِهِ } لقد بذل المنافقون أموالهم لا لشيء الا ليقال : انهم بذلوا للَّه ، وهم به كافرون . . وهذا النفاق والرياء هو السبب في عدم قبول ما يبذلون ، ولو أنفقوا لوجه الإنسانية فقط ، كالملحد يطعم جائعا بدافع الشفقة والرحمة لأمكن القول : هل جزاء الإحسان الا الإحسان ، أما النفاق فهو سوء ، ومن يعمل سوءا يجز به . . راجع ج 2 ص 211 فقرة « الكافر وعمل الخير » .

{ ولا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وهُمْ كُسالى ولا يُنْفِقُونَ إِلَّا وهُمْ كارِهُونَ } وهذه الحال نتيجة حتمية للكفر ، لأن الصلاة للَّه والإنفاق في سبيله فرع عن الايمان به .

{ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } .

وتسأل : ان الأموال والأولاد قد تكون سببا لعذاب الآخرة ، فقد اشتهر أناس بالوداعة والصلاح أيام بؤسهم ، حتى إذا آتاهم اللَّه من فضله طغوا وبغوا . .

قال تعالى : { إِنَّ الإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى } [العلق- 6] ، وقال : { واعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } [الأنفال - 28] . . أما أن تكون الأموال والأولاد سببا لعذاب الدنيا فالأمر على العكس عند الناس بخاصة المال الذي بحثوا عنه تحت الأرض وفي أعماق البحار ، وحين تقدم العلم أخذوا يبحثون عنه في كوكب القمر وغيره . . هذا ، إلى أن قوله : { لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } لا يتفق مع قوله {الْمالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا} [الكهف - 46] . وعلى افتراض ان الأموال والأولاد سبب العذاب في هذه الحياة فإن هذا العذاب لا يختص بالمنافقين وحدهم ، بل يعم الناس أجمعين بطبيعة الحال ؟ .

الجواب : أجل ، ان هذا السؤال أو الإشكال محكم ، ولا مفر منه لو أريد بالآية العموم والشمول ، اما لو أريد بها واقع معين فلا يتجه الإشكال من الأساس ، وسياق الكلام الذي قبل الآية وبعدها يدل بوضوح على أن الضمير في ليعذبهم عائد إلى خصوص المنافقين الذين كانوا في عهد رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، وبصورة أخص المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا - كما قيل - وفيهم من له الكثير من الأموال ، والعديد من الأولاد . . وكيلا يقول قائل : كيف يكون هؤلاء من القوم الفاسقين وقد أنعم اللَّه عليهم بالمال والبنين ، كيلا يقال هذا قال سبحانه : { إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } .

وقد عذب اللَّه أولئك المنافقين بأولادهم ، لأن أبناءهم اعتنقوا الإسلام وأخلصوا له على العكس من آبائهم ، ولا شيء أشد حسرة على الوالد من أن يكون ولده على غير دينه وعقيدته . . فلقد أسلم ابن عبد اللَّه بن أبي ، وعرض على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يقتل أباه عبد اللَّه كبير المنافقين فرفض النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وأيضا عذبهم اللَّه بأموالهم ، لأنهم كانوا على يقين انها ستئول من بعدهم إلى الذين هم على غير دينهم وطريقهم . . فالآية مختصة بالمنافقين الذين كانوا على عهد رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ولا تتعدى إلى غيرهم ، وبهذا يتبين انه لا وجه لما ذكره المفسرون من أن اللَّه عذبهم بالأموال لأنهم قد تعبوا في جمعها ، وعذبهم بالأولاد لأنهم يتألمون لمرضهم وفقدهم . . وبديهة ان هذا الألم ، وذاك التعب لا يختصان بالمنافقين ، بل يشملان كل ذي مال وأهل .

{ وتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وهُمْ كافِرُونَ } أي يموتون على الكفر ، فيعذبهم اللَّه بكفرهم في الآخرة ، كما عذبهم بأموالهم في الدنيا على النحو الذي ذكرنا . قال الطبرسي في مجمع البيان : ان إرادة اللَّه تعلقت بزهوق أنفسهم ، لا بكفرهم ، وهذا كما تقول : أريد أن اضربه ، وهو عاص ، فالإرادة تعلقت بالضرب ، لا بالعصيان .

{ ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وما هُمْ مِنْكُمْ } . وأية جدوى لهم في هذا الحلف ، وقد شهد اللَّه بأنهم أسلموا خوفا ، لا اقتناعا { ولكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } والفرق الخوف والرعب ، وقد امتلأت به قلوب المنافقين من قوة المسلمين { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وهُمْ يَجْمَحُونَ } . أي يسرعون لا يرد وجوههم شيء . . لم يستطع المنافقون الخروج من المدينة ، وأيضا لم يجرأوا على الجهر بالكفر ، لأن الإسلام قد دخل في كل دار من دور الأوس والخزرج ، فاضطروا إلى أن يسلموا بأطراف ألسنتهم ، وهم كافرون في أعماق قلوبهم يتحينون الفرص للكيد بالإسلام ، والغدر بالمسلمين .

____________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 54-57 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين﴾ لفظ أمر في معنى الشرط .

والترديد للتعميم ولفظ الأمر في هذه الموارد كناية عن عدم النهي وسد السبيل إيماء إلى أن الفعل لغو لا يترتب عليه أثر ، وقوله : ﴿لن يتقبل منكم﴾ تعليل للأمر كما أن قوله تعالى : ﴿إنكم كنتم قوما فاسقين﴾ تعليل لعدم القبول .

ومعنى الآية : لا نمنعكم عن الإنفاق في حال من طوع أو كره فإنه لغو غير مقبول لأنكم فاسقون ، ولا يقبل عمل الفاسقين ، قال تعالى : ﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾ المائدة : 27 والتقبل أبلغ من القبول .

قوله تعالى : ﴿وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله﴾ إلخ الآية تعليل تفصيلي لعدم تقبل نفقاتهم ، وبعبارة أخرى بمنزلة الشرح لفسقهم ، وقد عدت الكفر بالله تعالى ورسوله والكسل في إقامة الصلاة والكره في الإنفاق أركانا لنفاقهم .

قوله تعالى : ﴿فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها﴾ إلى آخر الآية ، الإعجاب بالشيء السرور بما يشاهد فيه من جمال أو كمال أو نحوهما ، والزهوق خروج الشيء بصعوبة وأصله الهلاك على ما قيل .

وقد نهى الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإعجاب بأموال المنافقين وأولادهم أي بكثرتها على ما يعطيه السياق ، وعلل ذلك بأن هذه الأموال والأولاد - وهي شاغلة للإنسان لا محالة - ليست من النعمة التي تهتف لهم بالسعادة بل من النقمة التي تجرهم إلى الشقاء فإن الله وهو الذي خولهم إياها إنما أراد بها تعذيبهم في الحياة الدنيا ، وتوفيهم وهم كافرون .

فإن الحياة التي يعدها الموجود الحي سعادة لنفسه وراحة لذاته إنما تكون سعادة فيها الراحة والبهجة إذا جرت على حقيقة مجراها وهو أن يتلبس الإنسان بواقع آثارها من العلم النافع والعمل الصالح من غير أن يشتغل بغير ما فيه خيره ونفعه ، فهذه هي الحياة التي لا موت فيها ، والراحة التي لا تعب معها ، واللذة التي لا ألم دونها ، وهي الحياة في ولاية الله ، قال تعالى : ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ [يونس : 62] .

وأما من اشتغل بالدنيا وجذبته زيناتها من مال وبنين إلى نفسها وغرته الآمال والأماني الكاذبة التي تتراءى له منها واستهوته الشياطين فقد وقع في تناقضات القوى البدنية وتزاحمات اللذائذ المادية ، وعذب أشد العذاب بنفس ما يرى فيه سعادته ولذته فمن المشاهد المعاين أن الدنيا كلما زادت إقبالا على الإنسان ، ومتعته بكثرة الأموال والأولاد أبعدته عن موقف العبودية وقربته إلى الهلاكة وعذاب الروح فلا يزال يتقلب بين هذه الأسباب الموافقة والمخالفة ، والأوضاع والأحوال الملائمة والمزاحمة ، فالذي يسميه هؤلاء المغفلون سعة العيش هو بالحقيقة ضنك كما قال تعالى : ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى﴾ [طه : 126] .

فغاية إعراض الإنسان عن ذكر ربه ، وانكبابه على الدنيا يبتغي به سعادة الحياة وراحة النفس ولذة الروح أن يعذب بين أطباق هذه الفتن التي يراها نعما ، ويكفر بربه بالخروج عن زي العبودية كما قال : ﴿إنما يريد الله ليعذبهم بها وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾ وهو الإملاء والاستدراج الذين يذكرهما في قوله : ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين﴾ [الأعراف : 183] .

قوله تعالى : ﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم﴾ إلى آخر الآيتين ، الفرق انزعاج النفس من ضرر متوقع ، والملجأ الموضع الذي يلتجأ إليه ويتحصن فيه ، والمغار المحل الذي يغور فيه الإنسان فيستره عن الأنظار ، ويطلق على الغار وهو الثقب الذي يكون في الجبال ، والمدخل من الافتعال الطريق الذي يتدسس بالدخول فيه ، والجماح مضي المار مسرعا على وجهه لا يصرفه عنه شيء ، والمعنى ظاهر .

____________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 257-258 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : { قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة : 53 - 55] .

تشير هذه الآيات إلى قسم آخر من علامات المنافقين وعواقب أعمالهم ونتائجها ، وتبيّن بوضوح كيف أن أعمالهم لا أثر لها ولا قيمة ، ولا تعود عليهم بأيّ نفع .

ولما كان- من بين الأعمال الصالحة- الإنفاق في سبيل اللّه «الزكاة بمعناها الواسع» والصلاة «و هي العلاقة بين الخلق والخالق»- لهما موقع خاص ، فقد اهتمّت الآيات بهذين القسمين اهتماما خاصا! تخاطب الآيات النّبي الكريم فتقول : {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ‏ مِنْكُمْ‏} «2» .

ثمّ تشير الآية إلى سبب ذلك فتقول : {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ}‏ .

فنيّاتكم غير خالصة ، وأعمالكم غير طاهرة ، وقلوبكم مظلمة ، وإنّما يتقبل اللّه العمل الطاهر من الورع التقي .

وواضح أنّ المراد من الفسق هنا ليس هو الذنب البسيط والمألوف ، لأنّه قد يرتكب الإنسان ذنبا وهو في الوقت ذاته قد يكون مخلصا في أعماله ، بل المراد منه الكفر والنفاق ، أو تلوّث الإنفاق بالرياء والتظاهر .

كما لا يمنع أن يكون الفسق- في التعبير آنفا- في مفهومه الواسع شاملا للمعنيين ، كما ستوضح الآية التالية ذلك .

وفي الآية التالية يوضح القرآن مرّة أخرى السبب في عدم قبول نفقاتهم فيقول : {وما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وبِرَسُولِهِ}‏ .

والقرآن يعوّل كثيرا على أنّ قبول الأعمال الصالحة مشروط بالإيمان ، حتى أنّه لو قام الإنسان بعمل صالح وهو مؤمن ، ثمّ كفر بعد ذلك فإنّ الكفر يحبط عمله ولا يكون له أي أثر «بحثنا في هذا المجال في المجلد الثّاني من التّفسير الأمثل» .

وبعد أن أشار القرآن إلى عدم قبول نفقاتهم ، يشير إلى حالهم في العبادات فيقول : {ولا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وهُمْ كُسالى‏ كما أنّهم‏ ولا يُنْفِقُونَ إِلَّا وهُمْ كارِهُونَ}‏ .

وفي الحقيقة أنّ نفقاتهم لا تقبل لسببين:

الأوّل : هو أنّهم‏ {كَفَرُوا بِاللَّهِ وبِرَسُولِهِ}‏ .

والثّاني : أنّهم إنما ينفقون عن كره وإجبار .

كما أن صلواتهم لا تقبل لسببين أيضا :

الأوّل : لأنّهم‏ {كَفَرُوا بِاللَّهِ } . . .

والثّاني : أنّهم‏ {لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وهُمْ كُسالى‏} ! . . .

العبارات المتقدمة في الوقت الذي تبيّن حال المنافقين في عدم النفع من أعمالهم ، فهي في الحقيقة تبيّن علامة أخرى من علائمهم في الوقت ذاته ، وهي أن المؤمنين الواقعيين يمكن معرفتهم من نشاطهم عند أداء العبادة ، ورغبتهم في الأعمال الصالحة التي تتجلى فيهم بإخلاصهم .

كما يمكن معرفة حال المنافقين عن طريق كيفية أعمالهم ، لأنّهم يؤدّون أعمالهم عادة دون رغبة ومكرهين ، فكأنّما يساقون إلى عمل الخير سوقا .

وبديهي أنّ أعمال الطائفة الأولى (المؤمنين) لما كانت تصدر عن قلوب تعشق اللّه مقرونة بالتحرق واللهفة ، فإنّ جميع الآداب ومقرراتها مرعية فيها . إلّا أنّ الطائفة الثّانية لما كانت أعمالها تصدر عن إكراه وعدم رغبة ، فهي ناقصّة لا روح فيها ، وهكذا تكون البواعث المختلفة في أعمال الطائفتين تظفي على الأعمال شكلين مختلفين .

وفي آخر الآية- من الآيات محل البحث- يتوجه الخطاب نحو النّبي قائلا : {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ‏} .

فهي وإن كانت نعمة بحسب الظاهر ، إلّا أنّه‏ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وهُمْ كافِرُونَ}‏ .

وفي الواقع فإنّهم يعذبون عن طريقين بسبب هذه الأموال والأولاد ، أي القوة الاقتصادية والإنسانية:

فالأوّل : إنّ مثل هؤلاء الأبناء لا يكونون صالحين عادة ، ومثل هذه الأموال لا بركة فيها ، فيكونان مدعاة قلقهم وألمهم في الحياة الدنيا ، إذ عليهم أن يسعوا ليل نهار من أجل أبنائهم الذين هم مدعاة أذاهم وقلقهم ، وأن يجهدوا أنفسهم لحفظ أموالهم التي اكتسبوها عن طريق الإثمّ والحرام .

والثّاني : لما كانوا بهذه الأموال والأولاد متعلقين ، ولا يؤمنون بالحياة بعد الموت ولا بالدار الآخرة الواسعة ولا بنعيمها الخالد فليس من الهيّن أن يغمضوا عن هذه الأموال والذّرية ، ويخرجون من هذه الدنيا- بحال مزرية وفي حال الكفر .

فالمال والبنون قد يكونان موهبة وسعادة ومدعاة للرفاه والهدوء والاطمئنان والدعة إذا كانا طاهرين طيبين وإلّا فهما مدعاة العذاب والشقاء والألم .

 

_ { ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وما هُمْ مِنْكُمْ ولكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وهُمْ يَجْمَحُونَ } [التوبة : 56-57] .

علامة أخرى للمنافقين :

ترسم الآيتان أعلاه حالة أخرى من أعمال المنافقين بجلاء ، إذ تقول الآية الأولى : {ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وما هُمْ مِنْكُمْ ولكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ}‏ ومن شدّة خوفهم وفرقهم يخفون كفرهم ويظهرون الإيمان .

و«يفرقون» من مادة «الفرق» على زنة «الشفق» ومعناه شدّة الخوف .

يقول «الراغب» في «المفردات» إن الفرق في الأصل معناه التفرّق والتشتت ، فكأنّهم لشدّة خوفهم تكاد قلوبهم أن تتفرق وتتلاشى .

وفي الواقع أنّ مثل هؤلاء لما فقدوا ما يركنون إليه في أعماقهم ، فهم في هلع واضطراب عظيم دائم ، ولا يمكنهم أن يكشفوا عمّا في باطنهم لما هم عليه من الهلع والفزع ، وحيث أنّهم لا يخافون اللّه «لعدم إيمانهم به» ، فهم يخافون من كل شي‏ء غيره ، ويعيشون في استيحاش دائم ، غير أنّ المؤمنين الصادقين ينعمون في‏ ظل الإيمان بالهدوء والاطمئنان .

والآية التالية تصوّر شدّة عداوة المنافقين للمؤمنين ونفورهم منهم ، في عبارة موجزة إلّا أنّها في غاية المتانة والبلاغة ، إذ تقول : {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وهُمْ يَجْمَحُونَ}‏ .

«الملجأ» معناه معروف ، وهو ما يأوي إليه الخائف عادة ، كالقلاع والكهوف وأضرابهما .

و«المغارات» جمع مغارة .

و«المدّخل» هو الطريق الخفي تحت الأرض ، كالنقب مثلا .

و«يجمحون» مأخوذ من الجماح ، ومعناه الحركة السريعة والشديدة التي لا يتأتى لأيّ شي‏ء أن يصدها ، كحركة الخيول المسرعة الجامحة التي لا تطاوع أصحابها ، ولذلك سمّي الجواد الذي لا يطاوع صاحبه جموحا أو جامحاً .

وعلى كل حال ، فهذه الآية واحدة من أبلغ الآيات والتعابير التي يسوقها القرآن في وصف المنافقين ، وبيان هلعهم وخوفهم وبغضهم إخوانهم المؤمنين ، بحيث لو كان لهم سبيل للفرار من المؤمنين ، ولو على قمم الجبال أو تحت الأرض ، لولّوا إليه وهم يجمحون ، ولكن ما عسى أن يفعلوا مع الروابط التي تربطهم معكم من القبيلة والأموال والثروة ، كل ذلك يضطرهم إلى البقاء على رغم أنوفهم .

____________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 258-263 .

2. جملة «أنفقوا» وإن كانت في صورة الأمر ، إلّا أن فيها مفهوم الشرط ، أي لو أنفقتم طوعا أو كرها لن يتقبل منكم .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .