المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Place Preposition
30-5-2021
الاحتياجات البيئية للشوندر السكر Environmental requirements
20-11-2019
مستقبل تربية الدواجن في العصر الحديث
21-9-2018
Lactocin-27
4-11-2018
Hierarchies are non-convergent
2024-08-29
النفاق الأسري
12-10-2018


تفسير آية (29-33) من سورة التوبة  
  
5352   12:33 صباحاً   التاريخ: 7-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 29 - 33] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة : 29] .

ثم بين الله سبحانه ، ان من الكفار من يجوز تبقيته بالجزية ، فقال {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} يعني : الذين لا يعترفون بتوحيد الله ، ولا يقرون بالبعث والنشور . وهذا يدل على صحة ما يذهب أصحابنا إليه ، من أنه لا يجوز أن يكون في جملة الكفار من هو عارف بالله ، وإن أقر باللسان ، وإنما يكونون معتقدين لذلك اعتقادا ليس بعلم ، لأنه صريح في أن أهل الكتاب الذين يؤخذ منهم الجزية ، لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ومن قال إنه يجوز أن يكونوا عارفين بالله ، قال : إن الآية خرجت مخرج الذم لهم ، لأنهم بمنزلة من لا يقر به في عظم الجرم .

قال الجبائي : لأنهم يضيفون إليه ما لا يليق به ، فكأنهم لا يعرفونه ، وإنما جمعت هذه الأوصاف لهم ، ولم يذكروا بالكفار من أهل الكتاب ، للتحريض على قتالهم ، لما هم عليه من صفات الذم التي توجب البراءة منهم ، والعداوة لهم .

{ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} موسى وعيسى عليهما السلام ، من كتمان نعت محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل : يعني ما حرمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم . {ولا يدينون دين الحق} وقيل : الحق ههنا هو الله تعالى ، أي : دين الله ، والعمل بما في التوراة من اتباع نبينا عليه السلام ، وقيل : الحق هو الله ، ودينه الاسلام ، عن قتادة . وقيل : معناه ولا يطيعون الله طاعة أهل الاسلام ، عن أبي عبيدة . وقيل : معناه لا يعترفون بالإسلام الذي هو الدين الحق .

{من الذين أوتوا الكتاب} وصف الذين ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، وقال أصحابنا : إن المجوس حكمهم حكم اليهود ، والنصارى .

{حتى يعطوا الجزية عن يد} أي نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه ، من غير نائب ، كما يقال كلمته فما بفم . وقيل : معناه عن قدرة لكم عليهم وقهر لهم ، كما يقال كان اليد لفلان . وقيل : يد لكم عليهم ، ونعمة تسدونها إليهم ، بقبول الجزية منهم {وهم صاغرون} أي : ذليلون مقهورون ، يجرون إلى الموضع الذي يقبض منهم فيه بالعنف ، حتى يؤدوها . وقيل : هو أن يعطوا الجزية قائمين والآخذ جالس ، عن عكرمة .

- { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة : 29 - 31] .

ثم حكى الله سبحانه عن اليهود والنصارى أقوالهم الشنيعة ، فقال : {وقالت اليهود عزير ابن الله} . وقال ابن عباس : القائل لذلك جماعة منهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، منهم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشأس بن قيس ، ومالك بن الضيف ، فقالوا ذلك . قيل : وإنما قال ذلك جماعة منهم من قبل ، وقد انقرضوا ، وان عزيرا أملى التوراة من ظهر قلبه ، وقد علمه جبرائيل عليه السلام فقالوا : إنه ابن الله ، إلا أن الله تعالى ، أضاف ذلك إلى جميعهم ، وإن كانوا لا يقولون ذلك اليوم ، كما يقال : ان الخوارج يقولون بتعذيب أطفال المشركين ، وإنما يقوله الأزارقة منهم خاصة (2) .

ويدل على أن هذا مذهب اليهود أنهم لم ينكروا ذلك لما سمعوا هذه الآية ، مع شدة حرصهم على تكذيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . {وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم} معناه : إنهم اخترعوا ذلك القول بأفواههم ، لم يأتهم به كتاب ، ولا رسول ، وليس عليه حجة ، ولا برهان ، ولا له صحة . وقيل : إنه لم يذكر القول مقرونا بالأفواه ، إلا إذا كان ذلك القول زورا كقوله : {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} {يضاهئون} : يشابهون عن ابن عباس . وقيل : يوافقون ، عن الحسن {قول الذين كفروا} يعني عباد الأوثان في عبادتهم اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، والفراء . وقيل : في عبادتهم الملائكة ، وقولهم إنهم بنات الله {من قبل} أي : ضاهت النصارى قول اليهود من قبل ، فقالت النصارى : المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود : عزير ابن الله ، عن قتادة ، والسدي . وقيل : شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة ، عن الحسن {قاتلهم الله} أي : لعنهم الله ، عن ابن عباس . قال ابن الأنباري : المقاتلة أصلها من القتل ، فإذا أخبر عن الله بها ، كانت بمعنى اللعنة ، لأن من لعنه الله ، فهو بمنزلة المقتول الهالك {أنى يؤفكون} اي : كيف يصرفون عن الحق إلى الإفك الذي هو الكذب ، فكأنه قال : لأي داع مالوا إلى ذلك القول .

{اتخذوا أحبارهم} أي : علماءهم {ورهبانهم} أي : عبادهم {أربابا من دون الله} . روي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليهما السلام ، انهما قالا : أما والله! ما صاموا ولا صلوا ، ولكنهم أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا ، فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون .

وروى الثعلبي بإسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي : يا عدي إطرح هذا الوثن من عنقك! قال : فطرحته ، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا} حتى فرغ منها ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم! فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ قال : فقلت بلى . قال : فتلك عبادتهم .

{والمسيح ابن مريم} أي : اتخذوا المسيح إلها من دون الله . {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا} أي : معبودا واحدا هو الله تعالى {لا إله إلا هو} أي : لا تحق العبادة إلا له ، ولا يستحق العبادة سواه {سبحانه} تنزيها له {عما يشركون} اي : عن شركهم ، وعما يقولونه ، وعما لا يليق به .

 

- { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة : 32 - 33] .

ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى أنهم {يريدون أن يطفئوا نور الله} وهو القرآن والإسلام ، عن أكثر المفسرين . وقيل : نور الله الدلالة والبرهان لأنهما يهتدى بهما ، كما يهتدى بالأنوار ، عن الجبائي . قال : ولما سمى سبحانه الحجج والبراهين أنوارا ، سمى معارضتهم لذلك إطفاء ، ثم قال : {بأفواههم} لأن الاطفاء يكون بالأفواه وهو النفخ ، وهذا من عجيب البيان ، مع ما فيه من تصغير شأنهم ، وتضعيف كيدهم ، لأن الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة .

{ويأبى الله إلا أن يتم نوره} معناه ويمنع الله إلا أن يظهر أمر القرآن ، وأمر الاسلام ، وحجته على التمام . وأصل الإباء : المنع والامتناع دون الكراهية على ما ادعته المحبرة ، ولهذا تقول العرب : فلان يأبى الضيم ، وهو أبي الضيم ، ولا مدحة في كراهية الضيم ، لأنه يستوي فيه القوي والضعيف ، وإنما المدحة في الامتناع أو المنع منه {ولو كره الكافرون} أي : على كره من الكافرين . {هو الذي أرسل رسوله} محمدا ، وحمله الرسالات التي يؤديها إلى أمته {بالهدى} أي : بالحجج ، والبينات ، والدلائل ، والبراهين {ودين الحق} وهو الاسلام ، وما تضمنه من الشرائع التي يستحق عليها الجزاء بالثواب ، وكل دين سواه باطل يستحق به العقاب {ليظهره على الدين كله} معناه : ليعلي دين الاسلام على جميع الأديان بالحجة ، والغلبة ، والقهر لها ، حتى لا يبقى على وجه الأرض دين إلا مغلوبا ، ولا يغلب أحد أهل الاسلام بالحجة ، وهم يغلبون أهل سائر الأديان بالحجة .

وأما الظهور بالغلبة فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك ، ولحقهم قهر من جهتهم . وقيل : أراد عند نزول عيسى بن مريم ، لا يبقى أهل دين إلا أسلم ، أو أدى الجزية ، عن الضحاك . وقال أبو جعفر عليه السلام : إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد ، فلا يبقى أحد إلا أقر بمحمد ، وهو قول السدي .

وقال الكلبي : لا يبقى دين إلا ظهر عليه الاسلام ، وسيكون ذلك ولم يكن بعد ، ولا تقوم الساعة حتى يكون ذلك . وقال المقداد بن الأسود : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ، ولا وبر ، إلا أدخله الله كلمة الاسلام ، إما بعز عزيز ، وإما بذل ذليل . إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به ، وإما يذلهم فيدينون له . وقيل : إن الهاء في {ليظهره} عائدة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أي : ليعلمه الله الأديان كلها حتى لا يخفى عليه شيء منها ، عن ابن عباس {ولو كره المشركون} أي : وإن كرهوا هذا الدين ، فإن الله يظهره رغما لهم .

_____________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 40-45 .

2 . قال الجوهري : الأزارقة : صنف من الخوارج تنسب إلى نافع بن الأزرق .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ولا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ ورَسُولُهُ ولا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهُمْ صاغِرُونَ } . بعد ان أمر سبحانه بقتال المشركين إذا لم يسلموا ولم يخرجوا من الجزيرة العربية - أمر في هذه الآية بقتال أهل الكتاب إذا لم يعطوا الجزية ويخضعوا لحكم الإسلام . وقد وصفهم اللَّه بأنهم لا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر ، ولا يحرمون حرام اللَّه ، ولا يدينون بالحق .

وتجدر الإشارة إلى أن ( من ) في قوله تعالى : { مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ } هي لبيان الجنس ، تماما كما في قوله : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ } .

وقيل : هي للتبعيض مثل منهم كذا ، ومنهم كذا .

وهنا سؤالان : الأول ان الآية نفت عن أهل الكتاب الإيمان باللَّه واليوم الآخر ، مع العلم بأنهم يؤمنون بوجود اللَّه ، لأن كلمة أهل الكتاب تدل بذاتها على ايمانهم باللَّه الذي أنزل التوراة والإنجيل ، وكذلك يؤمنون باليوم الآخر بنص الآية 80 من سورة البقرة : { وقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً } . . أجل ، انهم لا يدينون دين الحق ، فاليهود يعبدون المال ، والكنيسة تبيع صكوك الغفران ، وتقول بالحلول والاتحاد .

ونجد الجواب في الآية التي بعد هذه الآية بلا فاصل ، وهي قوله تعالى : { وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } . ووجه الجواب ان اليهود والنصارى جعلوا للَّه ولدا ، ومعنى هذا انهم يؤمنون بإله لا وجود له إلا في أوهامهم ، أما الإله الموجود حقا وواقعا فإنهم لا يؤمنون به . . فلقد تصوروا من عندياتهم إلها موصوفا بأنه يلد أولادا ، ونظَّموا علاقاتهم معه وفقا لهذا التصور الخاطئ ، أما الإله الحقيقي ، وهو الذي لم يلد ولم يولد ، فإنهم لا يؤمنون به ، ولا تربطهم به أية رابطة قريبة أو بعيدة . وبكلمة أخصر وأوضح ان الإله الموجود لا يؤمنون به ، والإله الذي يؤمنون به لا وجود له .

والنتيجة الحتمية لذلك انهم لا يؤمنون باللَّه ، وبديهة ان من لا يؤمن باللَّه لا يؤمن بالآخرة إيمانا صحيحا ، ولا يدين دين الحق ، وان خيل إليه انه من المؤمنين بالآخرة ، والمتدينين بالحق ، لأن الإيمان باللَّه هو الأصل ، وما عداه فرع ، أي انه يؤمن بالآخرة والدين اللذين لا عين لهما ولا أثر إلا في خيالهم ، كقولهم : لا تمسنا النار إلا أياما معدودة . . وهذا هو الدين الذي يصدق فيه قول من قال : ان الدين من صنع الوهم والخيال ، وانه يبتعد بصاحبه عن حقيقته وواقعه .

السؤال الثاني : ان الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه بدليل قوله تعالى : { لا إِكْراهً فِي الدِّينِ } . وقوله : { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } .

فكيف أمر بقتال أهل الكتاب حتى يؤمنوا أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ؟ .

وقد ذكرنا هذا السؤال عند تفسير الآية 2 من هذه السورة التي أمرت بقتال المشركين ، وأجبنا عنه بأن الأمر بقتالهم كان حكما خاصا آنذاك لسبب خاص ، وهو ان المجتمع الاسلامي كان في بدء تكوينه ، وان المشركين كانوا طابورا خامسا يكيدون للإسلام وأهله ، فاقتضت المصلحة إخراجهم من الجزيرة أو قتلهم . .

والأمر هنا بقتال أهل الكتاب أمر خاص بالذين كانوا في الجزيرة لسبب خاص أيضا ، وهو ان أهل الكتاب كانوا يتحالفون مع المشركين على محاربة المسلمين ، كما فعل يهود المدينة وما حولها بعد تأمين النبي لهم ، وجعلهم حلفاء له .

وفوق ذلك فإن محور هذه السورة يقوم على غزوة تبوك ، كما يأتي في الآية 38 وما بعدها ، وقد بلغ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ان الروم ، وهم في الشام على أطراف الجزيرة ، يجمعون الجيوش للانقضاض على الإسلام وأهله ، وكانت كل القرائن والدلائل تؤكد ان أهل الكتاب في الجزيرة كانوا عينا وعونا للروم النصارى على المسلمين ، وانهم يتآمرون معهم على النبي ومن اتبعه من المؤمنين . ومن أجل هذا كان الحكم فيهم القتل أو إلقاء السلاح والخضوع لحكم الإسلام ، مع إعطاء الجزية التي تعبّر عن مسالمتهم والوفاء بعهدهم ، فان اختاروا الجزية وجب تأمينهم وحمايتهم والدفاع عنهم واعطاؤهم الحرية في دينهم ومعاملاتهم ، وإذا أسلموا كان لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم ، وإلا فالقتل اتقاء لشرهم .

وأطال المفسرون والفقهاء الكلام عن محل الجزية وتقديرها وشروطها ، وكان حديثهم عنها فيما مضى مجديا حيث كان للإسلام دولته وقوته ، أما اليوم فالحديث عن الجزية تكثير كلام .

{ وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } . . أما قول النصارى بأن المسيح ابن اللَّه فمعروف ، وتكلمنا عنه عند تفسير الآية 17 من سورة المائدة ، أما قول اليهود عزير ابن اللَّه فقد نقل صاحب تفسير المنار ان اسم عزير جاء في أسفار اليهود المقدسة ، وأيضا نقل عن دائرة المعارف اليهودية ان عصر عزرا هو ربيع التاريخ الملي لليهودية . وفي تفسير الطبري والرازي والطبرسي ان جماعة من اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن اللَّه . فنزلت الآية .

وعلى أية حال ، فان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد جابه يهود عصره بهذه الآية ، وما نقل أحد انهم كذبوا وأنكروا مع شدة حرصهم على تكذيب النبي ، فدل ذلك على أنهم كانوا يؤمنون بذلك آنذاك .

{ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . يضاهئون يشابهون ، وقاتلهم اللَّه انّى يؤفكون أي لعنهم اللَّه كيف يصرفون عن الصدق إلى الإفك ، والمعنى ان قول اليهود والنصارى يشبه قول المشركين العرب الذين قالوا : الملائكة بنات اللَّه وقول الوثنيين من قدامي الرومان واليونان والبوذيين وغيرهم .

{ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } . هذا دليل آخر بأنهم لا يؤمنون باللَّه ، بل بما يقول رجال دينهم وعقيدتهم . قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : انهم ما صاموا ولا صلوا لهم ، ولكنهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم ، وعبدوهم من حيث لا يشعرون . وهذا عين ما جاء في الحديث من أن عدي بن حاتم قال لرسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) : لسنا نعبدهم .

فقال له النبي : أليس يحرمون ما أحل اللَّه فتحرمونه ، ويحلون ما حرم فتستحلونه ؟

قال عدي : بلى . قال النبي فتلك عبادتهم . وقال « فولتر » : لا يعلم قسيسونا شيئا سوى اننا سريعو التصديق لما يقولون .

{ وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهً إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال الرازي في تفسيره : المعنى ظاهر . ولكن مفسرا آخر أبى إلا أن يقول : أي يعبدون إلها عظيم الشأن .

{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ } المراد بنور اللَّه هنا الإسلام ، والمعنى ان أهل الكتاب حاولوا القضاء على الإسلام بالدسائس والأكاذيب فكان مثلهم في ذلك مثل من يحاول إطفاء النور الذي عم الكون بنفخة من عنده { ويَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهً الْكافِرُونَ } هذا وعد من اللَّه على لسان نبيه بأن ينصر الإسلام ، ويظهره في مشارق الأرض ومغاربها ، وصدق اللَّه ورسوله ، وتحقق الوعد الذي دل على نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وصدقه في كل ما أخبر به .

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهً الْمُشْرِكُونَ } . هذه الآية بيان وتفصيل للآية التي قبلها ، وقد أظهر اللَّه المسلمين على المشركين في البلاد العربية ، وعلى اليهود حيث أخرجهم المسلمون منها ، وعلى النصارى في الشام والمغرب ، وعلى المجوس في فارس . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ان هذا الإسلام أذل الأديان بعزته ، ووضع الملل برفعته ، وأهان أعداءه بكرامته .

___________________________

1- تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 30-34 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب﴾ أهل الكتاب هم اليهود والنصارى على ما يستفاد من آيات كثيرة من القرآن الكريم وكذا المجوس على ما يشعر أو يدل عليه قوله تعالى : ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد﴾ [الحج : 17] حيث عدوا في الآية مع سائر أرباب النحل السماوية في قبال الذين أشركوا ، والصابئون كما تقدم طائفة من المجوس صبوا إلى دين اليهود فاتخذوا طريقا بين الطريقين .

والسياق يدل على أن لفظة ﴿من﴾ في قوله : ﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ بيانية لا تبعيضية فإن كلا من اليهود والنصارى والمجوس أمة واحدة كالمسلمين في إسلامهم وإن تشعبوا شعبا مختلفة وتفرقوا فرقا متشتتة اختلط بعضهم ببعض ولو كان المراد قتال البعض وإثبات الجزية على الجميع أو على ذلك البعض بعينه لاحتاج المقام في إفادة ذلك إلى بيان غير هذا البيان يحصل به الغرض .

وحيث كان قوله : ﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ بيانا لما قبله من قوله : ﴿الذين لا يؤمنون﴾ الآية فالأوصاف المذكورة أوصاف عامة لجميعهم وهي ثلاثة أوصاف وصفهم الله سبحانه بها : عدم الإيمان بالله واليوم الآخر ، وعدم تحريم ما حرم الله ورسوله ، وعدم التدين بدين الحق .

فأول ما وصفهم به قوله : ﴿الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ وهو تعالى ينسب إليهم في كلامه أنهم يثبتونه إلها وكيف لا؟ وهو يعدهم أهل الكتاب ، وما هو إلا الكتاب السماوي النازل من عند الله على رسول من رسله ويحكي عنهم القول أو لازم القول بالألوهية في مئات من آيات كتابه .

وكذا ينسب إليهم القول باليوم الآخر في أمثال قوله : ﴿وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة﴾ [البقرة : 80] ، وقوله : ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى﴾ [البقرة : 111] .

غير أنه تعالى لم يفرق في كلامه بين الإيمان به والإيمان باليوم الآخر فالكفر بأحد الأمرين كفر بالله والكفر بالله كفر بالأمرين جميعا ، وحكم فيمن فرق بين الله ورسله فآمن ببعض دون بعض أنه كافر كما قال : ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا﴾ [النساء : 151] .

فعد أهل الكتاب ممن لم يؤمن بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كفارا حقا وإن كان عندهم إيمان بالله واليوم الآخر ، لا بلسان أنهم كفروا بآية من آيات الله وهي آية النبوة بل بلسان أنهم كفروا بالإيمان بالله فلم يؤمنوا بالله واليوم الآخر كما أن المشركين أرباب الأصنام كافرون بالله إذ لم يوحدوه وإن أثبتوا إلها فوق الآلهة .

على أنهم يقررون أمر المبدأ والمعاد تقريرا لا يوافق الحق بوجه كقولهم بأن المسيح ابن الله وعزيرا ابن الله يضاهئون في ذلك قول الذين كفروا من أرباب الأصنام والأوثان أن من الآلهة من هو إله أب إله ومن هو إله ابن إله ، وقول اليهود في المعاد بالكرامة وقول النصارى بالتفدية .

فالظاهر أن نفي الإيمان بالله واليوم الآخر عن أهل الكتاب إنما هو لكونهم لا يرون ما هو الحق من أمر التوحيد والمعاد وإن أثبتوا أصل القول بالألوهية لا لأن منهم من ينكر القول بألوهية الله سبحانه أو ينكر المعاد فإنهم قائلون بذلك على ما يحكيه عنهم القرآن وإن كانت التوراة الحاضرة اليوم لا خبر فيها عن المعاد أصلا .

ثم وصفهم ثانيا بقوله : ﴿ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله﴾ وذلك كقول اليهود بإباحة أشياء عدها وذكرها لهم القرآن في سورتي البقرة والنساء وغيرهما وقول النصارى بإباحة الخمر ولحم الخنزير ، وقد ثبت تحريمهما في شرائع موسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكلهم أموال الناس بالباطل كما سينسبه إليهم في الآية الآتية : ﴿إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل﴾ .

والمراد بالرسول في قوله : ﴿ما حرم الله ورسوله﴾ أما رسول أنفسهم الذي قالوا بنبوته كموسى (عليه السلام) بالنسبة إلى اليهود ، وعيسى (عليه السلام) بالنسبة إلى النصارى فالمعنى لا يحرم كل أمة منهم ما حرمه عليهم رسولهم الذي قالوا بنبوته ، واعترفوا بحقانيته وفي ذلك نهاية التجري على الله ورسوله واللعب بالحق والحقيقة .

وأما النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .

ويكون حينئذ توصيفهم بعدم تحريمهم ما حرم الله ورسوله بغرض تأنيبهم والطعن فيهم ولبعث المؤمنين وتهييجهم على قتالهم لعدم اعتنائهم بما حرمه الله ورسوله في شرعهم واسترسالهم في الوقوع في محارم الله وهتك حرماته .

وربما أيد هذا الاحتمال أن لو كان المراد بقوله : ﴿ورسوله﴾ رسول كل أمة بالنسبة إليها كموسى بالنسبة إلى اليهود وعيسى بالنسبة إلى النصارى كان من حق الكلام أن يقال : ﴿ولا يحرمون ما حرم الله ورسله﴾ على ما هو دأب القرآن في نظائره للدلالة على كثرة الرسل كقوله : ﴿ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله﴾ [النساء : 150] ، وقوله : ﴿قالت رسلهم أفي الله شك﴾ [إبراهيم : 10] ، وقوله : ﴿وجاءتهم رسلهم بالبينات﴾ [يونس : 13] .

على أن النصارى رفضوا محرمات التوراة والإنجيل فلم يحرموا ما حرم موسى وعيسى (عليهما السلام) ، وليس من حق الكلام في مورد هذا شأنه : أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله .

على أن المتدبر في المقاصد العامة الإسلامية لا يشك في أن قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ليس لغرض تمتع أولياء الإسلام ولا المسلمين من متاع الحياة الدنيا واسترسالهم وانهماكهم في الشهوات على حد المترفين من الملوك والرؤساء المسرفين من أقوياء الأمم .

وإنما غرض الدين في ذلك أن يظهر دين الحق وسنة العدل وكلمة التقوى على الباطل والظلم والفسق فلا يعترضها في مسيرها اللعب والهوى فتسلم التربية الصالحة المصلحة من مزاحمة التربية الفاسدة المفسدة حتى لا ينجر إلى أن تجذب هذه إلى جانب ، وتلك إلى جانب ، فيتشوش أمر النظام الإنساني إلا أن لا يرتضي واحد أو جماعة التربية الإسلامية لنفسه أو لأنفسهم فيكونون أحرارا فيما يرتضونه لأنفسهم من تربية دينهم الخاصة على شرط أن يكونوا على شيء من دين التوحيد ، وهو اليهودية أو النصرانية أو المجوسية ، وأن لا يتظاهروا بالمزاحمة ، وهذا غاية العدل والنصفة من دين الحق الظاهر على غيره .

وأما الجزية فهي عطية مالية مأخوذة منهم مصروفة في حفظ ذمتهم وحسن إدارتهم ولا غنى عن مثلها لحكومة قائمة على ساقها حقة أو باطلة .

ومن هذا البيان يظهر أن المراد بهذه المحرمات : المحرمات الإسلامية التي عزم الله أن لا تشيع في المجتمع الإسلامي العالمي كما أن المراد بدين الحق هو الذي يعزم أن يكون هو المتبع في المجتمع .

ولازم ذلك أن يكون المراد بالمحرمات : المحرمات التي حرمها الله ورسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الصادع بالدعوة الإسلامية ، وأن يكون الأوصاف الثلاثة : ﴿الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ الآية في معنى التعليل تفيد حكمة الأمر بقتال أهل الكتاب .

وبذلك كله يظهر فساد ما أورد على هذا الوجه أنه لا يعقل أن يحرم أهل الكتاب على أنفسهم ما حرم الله ورسوله علينا إلا إذا أسلموا ، وإنما الكلام في أهل الكتاب لا في المسلمين العاصين .

 وجه الفساد أنه ليس من الواجب أن يكون الغرض من قتالهم أن يحرموا ما حرم الإسلام وهم أهل الكتاب بل أن لا يظهر في الناس التبرز بالمحرمات من غير مانع يمنع شيوعها والاسترسال فيها كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وأكل المال بالباطل على سبيل العلن بل يقاتلون ليدخلوا في الذمة فلا يتظاهروا بالفساد ، ويحتبس الشر فيما بينهم أنفسهم .

 ولعله إلى ذلك الإشارة بقوله : ﴿وهم صاغرون﴾ على ما سيجيء في الكلام على ذيل الآية .

 ثم وصفهم ثالثا بقوله : ﴿ولا يدينون دين الحق﴾ أي لا يأخذونه دينا وسنة حيوية لأنفسهم .

وإضافة الدين إلى الحق ليست من إضافة الموصوف إلى صفته على أن يكون المراد الدين الذي هو حق بل من الإضافة الحقيقة ، والمراد به الدين الذي هو منسوب إلى الحق لكون الحق هو الذي يقتضيه للإنسان ويبعثه إليه ، وكون هذا الدين يهدي إلى الحق ويصل متبعيه إليه فهو من قبيل قولنا طريق الحق وطريق الضلال بمعنى الطريق الذي هو للحق والطريق الذي هو للضلال أي إن غايته الحق أو غايته الضلال .

وذلك أن المستفاد من مثل قوله تعالى : ﴿فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾ [الروم : 30] ، وقوله : ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ [آل عمران : 19] ، وسائر ما يجري هذا المجرى من الآيات أن لهذا الدين أصلا في الكون والخلقة والواقع الحق يدعو إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويندب الناس إلى الإسلام والخضوع له ويسمى اتخاذه سنة في الحياة إسلاما لله تعالى فهو يدعو إلى ما لا مناص للإنسان عن استجابته والتسليم له وهو الخضوع للسنة العملية الاعتبارية التي يهدي إليها السنة الكونية الحقيقية ، وبعبارة أخرى التسليم لإرادة الله التشريعية المنبعثة عن إرادته التكوينية .

وبالجملة للحق الذي هو الواقع الثابت دين وسنة ينبعث منه كما أن للضلال والغي دينا يدعو إليه ، والأول اتباع للحق كما أن الثاني اتباع للهوى ، قال تعالى : ﴿ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض﴾ . والإسلام دين الحق بمعنى أنه ستة التكوين والطريقة التي تنطبق عليها الخلقة وتدعو إليها الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم .

فتلخص مما تقدم أولا : أن المراد بعدم إيمان أهل الكتاب بالله واليوم الآخر عدم تلبسهم بالإيمان المقبول عند الله ، وبعدم تحريمهم ما حرم الله ورسوله عدم مبالاتهم في التظاهر باقتراف المناهي التي يفسد التظاهر بها المجتمع البشري ويخيب بها سعي الحكومة الحقة الجارية فيه ، وبعدم تدينهم بدين الحق عدم استنانهم بسنة الحق المنطبقة على الخلقة والمنطبقة عليها الخلقة والكون .

وثانيا : أن قوله : ﴿الذين لا يؤمنون بالله﴾ إلى آخر الأوصاف الثلاثة مسوق لبيان الحكمة في الأمر بقتالهم ويترتب عليه فائدة التحريض والتحضيض عليه .

وثالثا : أن المراد قتال أهل الكتاب جميعا لا بعضهم بجعل ﴿من﴾ في قوله : ﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ للتبعيض .

قوله تعالى : ﴿حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ قال الراغب في المفردات : ، الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة ، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم .

وفي المجمع ، الجزية فعلة من جزى يجزي مثل العقدة والجلسة وهي عطية مخصوصة جزاء لهم على تمسكهم بالكفر عقوبة لهم .

عن علي بن عيسى .

والاعتماد على ما ذكره الراغب فإنه المتأيد بما ذكرناه آنفا أن هذه عطية مالية مصروفة في جهة حفظ ذمتهم وحقن دمائهم وحسن إدارتهم .

وقال الراغب أيضا : الصغر والكبر من الأسماء المتضادة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض فالشيء قد يكون صغيرا في جنب الشيء وكبيرا في جنب آخر - إلى أن قال - يقال : صغر صغرا - بالكسر فالفتح - في ضد الكبير وصغر صغرا وصغارا - بالفتحتين فيهما - في الذلة .

والصاغر الراضي بالمنزلة الدنية : ﴿حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ .

والاعتبار بما ذكر في صدر الآية من أوصافهم المقتضية لقتالهم ثم إعطاؤهم الجزية لحفظ ذمتهم يفيد أن يكون المراد بصغارهم خضوعهم للسنة الإسلامية والحكومة الدينية العادلة في المجتمع الإسلامي فلا يكافئوا المسلمين ولا يبارزوهم بشخصية مستقلة حرة في بث ما تهواه أنفسهم وإشاعة ما اختلقته هوساتهم من العقائد والأعمال المفسدة للمجتمع الإنساني مع ما في إعطاء المال بأيديهم من الهوان .

فظاهر الآية أن هذا هو المراد من صغارهم لا إهانتهم والسخرية بهم من جانب المسلمين أو أولياء الحكومة الدينية فإن هذا مما لا يحتمله السكينة والوقار الإسلامي وإن ذكر بعض المفسرين .

واليد : الجارحة من الإنسان وتطلق على القدرة والنعمة فإن كان المراد به في قوله : ﴿حتى يعطوا الجزية عن يد﴾ هو المعنى الأول فالمعنى حتى يعطوا الجزية متجاوزة عن يدهم إلى يدكم ، وإن كان المراد هو المعنى الثاني فالمعنى : حتى يعطوا الجزية عن قدرة وسلطة لكم عليهم وهم صاغرون غير مستعلين عليكم ولا مستكبرين .

فمعنى الآية - والله أعلم - قاتلوا أهل الكتاب لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا مقبولا غير منحرف عن الصواب ولا يحرمون ما حرمه الإسلام مما يفسد اقترافه المجتمع الإنساني ولا يدينون دينا منطبقا على الخلقة الإلهية قاتلوهم ودوموا على قتالهم حتى يصغروا عندكم ويخضعوا لحكومتكم ، ويعطوا في ذلك عطية مالية مضروبة عليهم يمثل صغارهم ، ويصرف في حفظ ذمتهم وحقن دمائهم وحاجة إدارة أمورهم .

قوله تعالى : ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله﴾ إلى آخر الآية المضاهاة المشاكلة . والإفك على ما ذكره الراغب كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه فمعنى ﴿يؤفكون﴾ يصرفون في اعتقادهم عن الحق إلى الباطل .

 وقوله : ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله﴾ عزير هذا هو الذي يسميه اليهود عزرا غيرت اللفظة عند التعريب كما غير لفظ (يسوع) فصار بالتعريب ﴿عيسى﴾ ولفظ (يوحنا) فصار كما قيل ﴿يحيى﴾ .

 وعزرا هذا هو الذي جدد دين اليهود وجمع أسفار التوراة وكتبها بعد ما افتقدت في غائلة بخت نصر ملك بابل الذي فتح بلادهم وخرب هيكلهم وأحرق كتبهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وذراريهم والباقين من ضعفائهم وسيرهم معه إلى بابل فبقوا هنالك ما يقرب من قرن ثم لما فتح كورش ملك إيران بابل شفع لهم عنده عزرا وكان ذا وجه عنده فأجاز له أن يعيد اليهود إلى بلادهم وأن يكتب لهم التوراة ثانيا بعد ما افتقدوا نسخها وكان ذلك في حدود سنة 457 قبل المسيح على ما ذكروا فراجت بينهم ثانيا ما جمعه عزرا من التوراة وإن كانوا افتقدوا أيضا في زمن أنتيوكس صاحب سورية الذي فتح بلادهم حدود سنة 161 قم وتتبع مساكنهم فأحرق ما وجده من نسخ التوراة وقتل من وجدت عنده أو أخذت عليه على ما في كتب التاريخ .

 ولما نالهم من خدمته عظموا قدره واحترموا أمره وسموه ابن الله ولا ندري أ كان دعاؤه بالبنوة بالمعنى الذي يسمي به النصارى المسيح ابن الله - والمراد أن فيه شيئا من جوهر الربوبية أو هو مشتق منه أو هو هو - أو أنها تسمية تشريفية كما قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه؟ وإن كان ظاهر سياق الآية التالية : ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم﴾ الآية يؤيد الثاني على ما سيأتي .

 وقد ذكر بعض المفسرين : أن هذا القول منهم : ﴿عزير ابن الله﴾ كلمة تكلم بها بعض اليهود ممن في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) لا جميع اليهود فنسب إلى الجميع كما أن قولهم : ﴿إن الله فقير ونحن أغنياء﴾ وكذا قولهم : ﴿يد الله مغلولة﴾ مما قاله بعض يهود المدينة ممن عاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسب في كلامه تعالى إلى جميعهم لأن البعض منهم راضون بما عمله البعض الآخر ، والجميع ذو رأي متوافق الأجزاء وروية متشابهة التأثير .

 وقوله : ﴿وقالت النصارى المسيح ابن الله﴾ كلمة قالتها النصارى ، وقد تقدم الكلام فيها وفي ما يتعلق بها في قصة المسيح (عليه السلام) من سورة آل عمران في الجزء الثالث من الكتاب .

 وقوله : ﴿يضاهئون قول الذين كفروا من قبل﴾ تنبىء الآية عن أن القول بالبنوة منهم مضاهاة ومشاكلة لقول من تقدمهم من الأمم الكافرة وهم الوثنيون عبدة الأصنام فإن من آلهتهم من هو إله أب إله ومن هو إله ابن إله و ، من هي إلهة أم إله أو زوجة إله ، وكذا القول بالثالوث مما كان دائرا بين الوثنيين من الهند والصين ومصر القديم وغيرهم وقد مر نبذة من ذلك فيما تقدم من الكلام في قصة المسيح في ثالث أجزاء هذا الكتاب .

وتقدم هناك أن تسرب العقائد الوثنية في دين النصارى ومثلهم اليهود من الحقائق التي كشف عنها القرآن الكريم في هذه الآية : ﴿يضاهئون قول الذين كفروا من قبل﴾ .

وقد اعتنى جمع من محققي هذا العصر بتطبيق ما تضمنته كتب القوم أعني العهدين : العتيق والجديد على ما حصل من مذاهب البوذيين والبرهمائيين فوجدوا معارف العهدين منطبقة على ذلك حذو النعل بالنعل حتى كثيرا من القصص والحكايات الموجودة في الأناجيل فلم يبق ذلك ريبا لأي باحث في أصالة قوله تعالى : ﴿يضاهئون﴾ الآية في هذا الباب .

ثم دعا عليهم بقوله : ﴿قاتلهم الله أنى يؤفكون﴾ وختم به الآية .

قوله تعالى : ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم﴾ الأحبار جمع حبر بفتح الحاء وكسرها وهو العالم وغلب استعماله في علماء اليهود والرهبان جمع راهب وهو المتلبس بلباس الخشية وغلب على المتنسكين من النصارى .

واتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله هو إصغاؤهم لهم وإطاعتهم من غير قيد وشرط ولا يطاع كذلك إلا الله سبحانه .

وأما اتخاذهم المسيح بن مريم ربا من دون الله فهو القول بألوهيته بنحو كما هو المعروف من مذاهب النصارى ، وفي إضافة المسيح إلى مريم إشارة إلى عدم كونهم محقين في هذا الاتخاذ لكونه إنسانا ابن مرأة .

ولكون الاتخاذين مختلفين من حيث المعنى فصل بينهما فذكر اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله أولا ، ثم عطف عليه قوله : ﴿والمسيح بن مريم﴾ .

والكلام كما يدل على اختلاف الربوبيتين كذلك لا يخلو عن دلالة على أن قولهم ببنوة عزير وبنوة المسيح على معنيين مختلفين ، وهو البنوة التشريفية في عزير والبنوة بنوع من الحقيقة في المسيح (عليه السلام) فإن الآية أهملت ذكر اتخاذهم عزيرا ربا من دون الله ، ولم يذكر مكانه إلا اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله .

فهو رب عندهم بهذا المعنى إما لاستلزام التشريف بالبنوة ذلك أو لأنه من أحبارهم وقد أحسن إليهم في تجديد مذهبهم ما لا يقاس به إحسان غيره ، وأما المسيح فبنوته غير هذه البنوة .

وقوله : ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو﴾ جملة حالية أي اتخذوا لهم أربابا والحال هذه .

و في الكلام دلالة أولا : على أن الاتخاذ بالربوبية بواسطة الطاعة كالاتخاذ بها بواسطة العبادة فالطاعة إذا كانت بالاستقلال كانت عبادة ، ولازم ذلك أن الرب الذي هو المطاع من غير قيد وشرط وعلى نحو الاستقلال إله ، فإن الإله هو المعبود الذي من حقه أن يعبد ، يدل على ذلك كله قوله تعالى : ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا﴾ حيث بدل الرب بالإله ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال وما أمروا إلا ليتخذوا ربا واحدا فالاتخاذ للربوبية بواسطة الطاعة المطلقة عبادة ، واتخاذ الرب معبودا اتخاذ له إلها فافهم ذلك .

وثانيا : على أن الدعوة إلى عبادة الله وحده فيما وقع من كلامه تعالى كقوله تعالى : ﴿لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ [الأنبياء : 25] وقوله ﴿فلا تدع مع الله إلها آخر﴾ [الشعراء : 213] وأمثال ذلك كما أريد بها قصر العبادة بمعناها المتعارف فيه تعالى كذلك أريد قصر الطاعة فيه تعالى ، وذلك أنه تعالى لم يؤاخذهم في طاعتهم لأحبارهم ورهبانهم إلا بقوله عز من قائل : ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو﴾ .

وعلى هذا المعنى يدل قوله تعالى : ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم﴾ [يس : 61] ، وهذا باب ينفتح منه ألف باب .

وفي قوله : ﴿لا إله إلا هو﴾ تتميم لكلمة التوحيد التي يتضمنها قوله : ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا﴾ فإن كثيرا من عبدة الأصنام كانوا يعتقدون بوجود آلهة كثيرة ، وهم مع ذلك لا يخصون بالعبادة إلا واحدا منها فعبادة إله واحد لا يتم به التوحيد إلا مع القول بأنه لا إله إلا هو .

وقد جمع تعالى بين العبادتين مع الإشارة إلى مغايرة ما بينهما وأن قصر العبادة بكلا معنييها عليه تعالى هو معنى الإسلام له سبحانه الذي لا مفر منه للإنسان فيما أمر به نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من دعوة أهل الكتاب بقوله : ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ [آل عمران : 64 ] .

وقوله تعالى في ذيل الآية : ﴿سبحانه عما يشركون﴾ تنزيه له تعالى عما يتضمنه قولهم بربوبية الأحبار والرهبان ، وقولهم بربوبية المسيح (عليه السلام) من الشرك .

والآية بمنزلة البيان التعليلي لقوله تعالى في أول الآيات : ﴿الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ فإن اتخاذ إله أو آلهة دون الله سبحانه لا يجامع الإيمان بالله ، ولا الإيمان بيوم لا ملك فيه إلا لله .

قوله تعالى : ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم﴾ إلى آخر الآية ، الإطفاء إخماد النار أو النور ، والباء في قوله : ﴿بأفواههم﴾ للآلة أو السببية .

وإنما ذكر الأفواه لأن النفخ الذي يتوسل به إلى إخماد الأنوار والسرج يكون بالأفواه ، قال في المجمع ، : وهذا من عجيب البيان مع ما فيه من تصغير شأنهم وتضعيف كيدهم لأن الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة .

وقال في الكشاف ، مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق يريد الله أن يزيده ، ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق والإضاءة ليطفئه بنفخة ويطمسه .

انتهى ، والآية إشارة إلى حال الدعوة الإسلامية ، وما يريده منه الكافرون ، وفيها وعد جميل بأن الله سيتم نوره .

قوله تعالى : ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ الهدى الهداية الإلهية التي قارنها برسوله ليهدي بأمره ، ودين الحق هو الإسلام بما يشتمل عليه من العقائد والأحكام المنطبقة على الواقع الحق .

والمعنى أن الله هو الذي أرسل رسوله وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الهداية - أو الآيات والبينات - ودين فطري ليظهر وينصر دينه الذي هو دين الحق على كل الأديان ولو كره المشركون ذلك .

وبذلك ظهر أن الضمير في قوله : ﴿ليظهره﴾ راجع إلى دين الحق كما هو المتبادر من السياق ، وربما قيل : إن الضمير راجع إلى الرسول ، والمعنى ليظهر رسوله ويعلمه معالم الدين كلها وهو بعيد .

وفي الآيتين من تحريض المؤمنين على قتال أهل الكتاب والإشارة إلى وجوب ذلك عليهم ما لا يخفى فإنهما تدلان على أن الله أراد انتشار هذا الدين في العالم البشري فلا بد من السعي والمجاهدة في ذلك ، وأن أهل الكتاب يريدون أن يطفئوا هذا النور بأفواههم فلا بد من قتالهم حتى يفنوا أو يستبقوا بالجزية والصغار ، وأن الله سبحانه يأبى إلا أن يتم نوره ، ويريد أن يظهر هذا الدين على غيره فالدائرة بمشية الله لهم على أعدائهم فلا ينبغي لهم أن يهنوا ويحزنوا وهم الأعلون إن كانوا مؤمنين .

____________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 197-206 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة : 29] .

 

مسئوليتنا إزاء أهل الكتاب :

كان الكلام في الآيات السابقة عن وظيفة المسلمين إزاء المشركين ، أمّا الآية- محل البحث (و ما يليها من الآي)- فتبيّن تكليف المسلمين ووظيفتهم إزاء أهل الكتاب.

وفي هذه الآيات جعل الإسلام لأهل الكتاب سلسلة من الأحكام تعدّ حدّا وسطا بين المسلمين والكفار ، لأنّ أهل الكتاب من حيث اتّباعهم لدينهم السماوي لهم شبه بالمسلمين ، إلّا أنّهم من جهة أخرى لهم شبه بالمشركين أيضا.

ولهذا فإنّ الإسلام لا يجيز قتلهم ، مع أنّه يجيز قتل المشركين الذين يقفون بوجه المسلمين ، لأنّ الخطة تقضي بقلع جذور الشرك والوثنية من لكرة الأرضية ، غير أنّ الإسلام يسمح بالعيش مع أهل الكتاب في صورة ما لو احترم‏ أهل الكتاب الإسلام ، ولم يتآمروا ضده ، أو يكون لهم إعلام مضاد .

والعلامة الأخرى لموافقتهم على الحياة المشتركة السلمية مع المسلمين هي أن يوافقوا على دفع الجزية للمسلمين ، بأن يعطوا كل عام إلى الحكومة الاسلامية مبلغا قليلا من المال بحدود وشروط معينة سنتناولها في البحوث المقبلة إن شاء اللّه.

وفي غير هذه الحال فإنّ الإسلام يصدر أمره بمقاتلتهم ، ويوضح القرآن دليل شدة هذا الحكم في جمل ثلاث في الآية محل البحث : إذ تقول الآية أوّلا : {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} .

لكن كيف لا يؤمن أهل الكتاب- كاليهود والنصارى- باللّه وباليوم الآخر ، مع أننا نراهم في الظاهر يؤمنون باللّه ويقرون بالمعاد أيضا ؟

والجواب : لأنّ إيمانهم مزيج بالخرافات والأوهام ، أمّا في مسألة الإيمان بالمبدأ وحقيقة التوحيد ، فلأنّه :

أوّلا : يعتقد طائفة من اليهود- كما سنرى ذلك في الآيات المقبلة- أن عزيرا ابن اللّه ، كما يتعقد المسيحيون عامّة بألوهية المسيح والتثليث [اللّه والابن وروح القدس‏].

وثانيا : كما يشار إليه في الآيات المقبلة ، فانّ كلّا من اليهود والنصارى مشركون في عبادتهم ، ويعبدون أحبارهم- عمليّا- ويطلبون منهم العفو والصفح عن الذنب ، وهذا ممّا يختصّ به اللّه ، مضافا إلى تحريف الأحكام الإلهية بصورة رسمية.

وأمّا إيمانهم بالمعاد فإيمان محرّف ، لأنّ المعاد كما يستفاد من كلامهم منحصر بالمعاد الروحاني ، فبناء على ذلك فإنّ إيمانهم بالمبدأ مخدوش ، وإيمانهم بالمعاد كذلك.

ثمّ تشير الآية إلى الصفة الثّانية لأهل الكتاب ، فتقول : {ولا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ‏ اللَّهُ ورَسُولُهُ‏} .

ومن الممكن أن يكون المراد من كلمة «رسوله» نبيّهم موسى أو عيسى عليهما السّلام ، لأنّهم لم يكونوا أوفياء لأحكام دينهم ، وكانوا يرتكبون كثيرا من المحرمات الموجودة في دين موسى أو عيسى ، ولا يقتصرون على ذلك فحسب ، بل كانوا يحكمون بحليتها أحيانا.

ويمكن أن يكون المراد من «رسوله» نبيّ الإسلام محمّدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أي إنّما أمر المسلمون بمقاتلة اليهود والنصاري وجهادهم إيّاهم ، لأنّهم لم يذعنوا لما حرّمه اللّه على يد نبيّه ، وارتكبوا جميع أنواع الذنوب.

وهذا الاحتمال يبدو أقرب للنظر ، والشاهد عليه الآية (33) من هذه السورة ذاتها ، وسنقف على تفسيرها قريبا ، إذ تقول : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ودِينِ الْحَقِ‏} .

أضف إلى ذلك حين ترد كلمة (رسوله) في القرآن مطلقة فالمراد منها النّبي (محمّد) صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

ولو سلّمنا بأنّ المراد من (رسوله) هنا نبيّهم ، فكان ينبغي أن تكون الكلمة (تثنية) أو جمعا ، كما جاء في الآية (13) من سورة يونس‏ {وجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏} ونظير هذا التعبير في القرآن ملحوظ ويمكن أن يقال : إنّ الآية في هذه الصورة ستكون من باب تحصيل الحاصل أو توضيح الواضح ، لأن من البديهي أن غير المسلمين لا يحرمون ما حرمه الإسلام.

لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ المراد من هذه الصفات هو بيان علة جواز جهاد المسلمين اليهود ومقاتلتهم إيّاهم. أي يجوز أن تجاهدوا اليهود والنصارى- لأنّهم لا يحرمون ما حرم الإسلام ارتكبوا كثيرا من الآثام- إذا واجهوكم وخرجوا عن كونهم أقلية مسالمة.

وتذكر الآية الصفة الثّالثة التي كانوا يتصفون بها فتقول : {ولا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ} ‏.

ويوجد احتمالان في هذه الجملة أيضا ، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد من دين الحق هو دين الإسلام المشار إليه بعد بضع آيات.

وذكر هذه الجملة بعد عدم اعتقادهم بالمحرمات الإسلامية ، هو من قبيل ذكر العام بعد الخاص ، أي أن الآية أشارت أوّلا إلى ارتكابهم لمحرمات كثيرة ، وهي محرّمات تلفت النظر كشرب الخمر والربا وأكل لحم الخنزير ، وارتكاب كثير من الكبائر التي كانت تتسع يوما بعد يوم.

ثمّ تقول الآية : إن هؤلاء لا يدينون بدين الحق أساسا ، أي أن أديانهم منحرفة عن مسيرها الأصيل ، فنسوا كثيرا من الحقائق والتزموا بكثير من الخرافات مكانها ، فعليهم أن يتقبلوا الإسلام ، وأن يعيدوا بناء أفكارهم من جديد على ضوء الإسلام وهداه ، أو يكونوا مسالمين- على الأقل- فيعيشوا مع المسلمين ، وأن يقبلوا شروط الحياة السلمية مع المسلمين.

وبعد ذكر هذه الأوصاف الثلاثة ، التي هي في الحقيقة المسوغ لجهاد المسلمين لأهل الكتاب ، تقول الآية {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} ‏.

وكلمة «من» في الآية بيانية لا تبعيضية ، وبتعبير آخر : إنّ القرآن يريد أن يقول : إن أهل الكتاب السابقين- وللأسف- لا يدينون بدين الحق وانحرفوا عن المعتقدات الصحيحة ، وهذا الحكم يشملهم جميعا.

ثمّ تبيّن الآية الفرق بين أهل الكتاب والمشركين في مقاتلتهم ، بالجملة التالية {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهُمْ صاغِرُونَ‏} .

«و الجزية» مأخوذة من مادة الجزاء ، ومعناها المال المأخوذة من غير المسلمين الذين يعيشون في ظلّ الحكومة الإسلامية ، وهذه التسمية لأنّها جزاء حفظ أموالهم وأرواحهم (هذا ما يستفاد من كلام الراغب في مفرداته فلا بأس‏ بمراجعتها).

«و الصاغر» مأخوذ من «الصغر» على زنة «الكبر» وخلاف معناه ، ومعناه الراضي بالذلة. والمراد من الآية أن الجزية ينبغي أن تدفع في حال من الخضوع للإسلام والقرآن.

وبتعبير آخر : هي علامة الحياة السلمية ، وقبول كون الدافع للجزية من الأقلية المحفوظة والمحترمة بين الأكثرية الحاكمة.

وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ المراد من الجزية في الآية هو تحقير أهل الكتاب وإهانتهم والسخر منهم ، فلا يستفاد ذلك من المفهوم اللغوي لكلمة الآية ، ولا ينسجم وروح تعاليم الإسلام السمحة ، ولا ينطبق مع سائر التعاليم أو الدستور الذي وصلنا في شأن معاملة الأقليات.

وما ينبغي التنويه به هنا هو أنّ الآية وإن ذكرت شرط «الجزية» من بين شروط الذمة فحسب ، إلّا أن التعبير ب {هُمْ صاغِرُونَ‏} إشارة إجمالية إلى سائر شروط الذمّة ، لأنّه يستفاد من هذه الجملة بأنّهم- مثلا- يعيشون في محيط إسلامي ، فليس لهم أن يظاهروا أعداء الإسلام ، ولا يكون لهم إعلام مضاد للإسلام ، ولا يقفوا حجر عثرة في رقيه وتقدمه ، وما إلى ذلك ، لأنّ هذه الأمور تتنافى وروح الخضوع والتسليم للإسلام والتعاون مع المسلمين.

 

- { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 29 - 33] .

شرك أهل الكتاب :

كان الكلام في الآيات المتقدمة بعد الحديث عن المشركين وإلغاء عهودهم وضرورة إزالة دينهم ومعتقداتهم الوثنية يشير بعد ذلك إلى أهل الكتاب وقد حدد الإسلام لهم شروطا ليعيشوا بسلام مع المسلمين ، فإنّ لم يفوا بها كان على المسلمين أن يقاتلوهم .

وفي الآيات محل البحث بيان لوجه الشبه بين أهل الكتاب والمشركين ، ولا سيما اليهود والنصارى منهم ، ليتّضح أنّه لو كان بعض التشدد في معاملتهم ، فإنّما هو لانحرافهم عن التوحيد ، وميلهم إلى نوع من الشرك في العقيدة ، ونوع من الشرك في العبادة .

فتقول الآية الأولى من الآيات محل البحث: {وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ‏} .

1- من هو عزير؟!

«عزير» في لغة العرب هو «عزرا» في لغة اليهود ، ولمّا كانت العرب تغيّر في بعض الكلمات التي تردها من لغات أجنبية وتجري على لسانها ، وذلك كما هي الحال في إظهار المحبّة خاصّة فتصغر الكلمة ، فصغرت عزرا إلى عزير ، كما بدلت كلمة يسوع العبرية إلى عيسى في العربية ، ويوحنا إلى يحيى . «2» وعلى كان حال ، فإن عزيرا- أو عزرا- له مكانة خاصّة في تاريخ اليهود ، حتى أن بعضهم زعم أنّه واضع حجر الأساس لأمّة اليهود باني مجدهم وفي الواقع فإنّ له خدمة كبرى لدينهم ، لأنّ بخت نصر ملك بابل دمر اليهود تدميرا في واقعته المشهورة ، وجعل مدنهم ، تحت سيطرة جنوده فأبادوها ، وهدموا معابدهم ، وأحرقوا توراتهم ، وقتلوا رجالهم ، وسبوا نساءهم ، وأسروا أطفالهم ، وجيء بهم إلى بابل فمكثوا هناك حوالي قرن .

ولما فتح كورش ملك فارس بابل جاءه عزرا ، وكان من أكابر اليهود ، فاستشفعه‏ في اليهود فشفّعه فيهم ، فرجعوا إلى ديارهم وكتب لهم التّوراة- ممّا بقي في ذهنه من أسلافه اليهود وما كانوا قد حدّثوا به- من جديد .

ولذلك فهم يحترمونه أيما احترام ، ويعدّونه منقذهم ومحيي شريعتهم . «3» وكان هذا الأمر سببا أن تلقبه جماعة منهم ب «ابن اللّه» غير أنّه يستفاد من بعض الرّوايات- كما في الإحتجاج للطبرسي- أنّهم أطلقوا هذا اللقب احتراما له لا على نحو الحقيقة .

ولكنّنا نقرأ في الرّواية ذاتها أنّ النّبي سألهم بما مؤدّاه (إذا كنتم تجلّون عزيرا وتكرمونه لخدماته العظمى وتطلقون عليه هذا الاسم ، فعلام لا تسمّون موسى وهو أعظم عندكم من عزير بهذا الاسم؟ فلم يجدوا للمسألة جوابا وأطرقوا برؤوسهم) «4» .

ومهما يكن من أمر فهذه التسمية كانت أكبر من موضوع الإجلال والاحترام في أذهان جماعة منهم ، وما هو مألوف عند العامّة أنّهم يحملون هذا المفهوم على حقيقته ، ويزعمون أنّه ابن اللّه حقّا ، لأنّه خلصهم من الدمار والضياع ورفع رؤوسهم بكتابة التوراة من جديد .

وبالطبع فهذا الإعتقاد لم يكن سائدا عند جميع اليهود ، إلّا أنّه يستفاد أنّ هذا التصّور أو الإعتقاد كان سائدا عند جماعة منهم ، ولا سيما في عصر النّبي محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، والدليل على ذلك أنّ أحدا من كتب التاريخ ، لم يذكر بأنّهم عند ما سمعوا الآية آنفة الذكر احتجوا على النّبي أو أنكروا هذا القول «و لو كان لبان» .

وممّا قلناه يمكن الإجابة على السؤال التّالي : أنّه ليس بين اليهود في عصرنا الحاضر من يدعي أنّ عزيرا ابن اللّه ولا من يعتقد بهذا الإعتقاد ، فعلام نسب القرآن هذا القول إليهم ؟!

وتوضيح ذلك ، أنّه لا يلزم أن يكون لجميع اليهود مثل هذا الإعتقاد ، إذ يكفي هذا القدر المسلم به ، وهو أنّه في عصر نزول الآيات على النّبي محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان في اليهود من يعتقد بهذا الإعتقاد ، والدليل على ذلك كما نوّهنا ، هو أنّه لم ينكر أيّ منهم ذلك على النّبي والشيء الوحيد الذي صدر منهم- وفقا لبعض الرّوايات- أنّهم قالوا : إنّ هذا اللقب «ابن اللّه» إنّما هو لاحترام عزير ، وقد عجزوا عن جواب لمّا سألهم وأشكل عليهم: لم لا تجعلون هذا اللقب إذا لنبيّكم موسى عليه السّلام ؟! وعلى كل حال فمتى ما نسب قول أو اعتقاد إلى قوم ما ، فلا يلزم أن يكون الجميع قد اتفّقوا على ذلك ، بل يكفي أن يكون فيهم جماعة ملحوظة تذهب إلى ذلك .

2- لم يكن المسيح ابن اللّه‏

لا ريب أن المسيحيين يعتقدون أن عيسى هو الابن الحقيقي للّه ، ولا يطلقون هذا الاسم إكراما وتشريفا له ، بل على نحو المعنى الواقعي له ، وهم يصرّحون في كتبهم أن إطلاق هذا الاسم على غير المسيح بالمعنى الواقعي غير جائز ، ولا شك أنّ هذا من بدع النصارى ، والمسيح لم يدّع مثل هذا الادعاء أبدا ، وإنّما كان يقول : بأنّه عبدّ للّه ، ولا معنى أساسا لأن ننسب علاقة الأبوة والبنوة الخاصّة بعالم المادة وعالم الممكنات بين اللّه وعباده أبدا .

3- اقتباس هذه الخرافات‏

يقول القرآن المجيد في الآية محل البحث: أنّهم- أي اليهود والنصارى- يضاهئون- أي يشبهون بانحرافاتهم- الذين كفروا والمشركين .

وهذا التعبير يشير إلى أنّهم مقلّدون إذ كانوا يعتقدون بأنّ بعض الآلهة هو إله الأب ، وبعضها إله الابن ، وحتى أنّ بعضهم كان يعتقد بأنّ هناك إله الأم ، وإله الزوج ، وقد لوحظت مثل هذه الأفكار في جذور عقائد المشركين في الهند أو الصين أو مصر القديمة ثمّ تسرّبت إلى اليهود والنصارى .

وفي العصر الحاضر خطر عند بعض المحقّقين أن يوازن ويقارن بين ما في العهدين «التوراة والإنجيل وما يرتبط بهما» وبين عقائد البوذيين والبرهمائيين ، فاستنتجوا أن كثيرا من معارف الإنجيل والتوراة تتطابق مع خرافات البوذيين والبرهمائيين تطابقا ملحوظا ، حتى أنّ بعض الحكايات والقصص الموجودة في الإنجيل هي الحكايات والقصص ذاتها الموجودة في الديانة البوذائية والبرهمائية .

وإذا كان المفكرون توصّلوا اليوم إلى مثل هذه الحقيقة ، فإنّ القرآن أشار إليها قبل أربعة عشر قرنا في الآية محل البحث .

4- ما هو معنى‏ قاتَلَهُمُ اللَّهُ‏

جملة وإن كان معناها في الأصل أنّ اللّه مقاتل إيّاهم وما إلى ذلك ، لكن كما يقول الطبرسي في مجمع البيان نقلا عن ابن عباس ، إن هذه الجملة كناية عن اللعنة أي أنّ اللّه أبعدهم عن رحمته ، فهو دعاء عليهم .

وفي الآية التالية إشارة إلى شركهم العملي في قبال الشرك الاعتقادي ، أو بعبارة أخرى إشارة إلى شركهم في العبادة ، إذ تقول الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} .

«الأحبار» جمع حبر ، ومعناه العالم ، و«الرهبان» جمع راهب وتطلق على من ترك دنياه وسكن الدير وأكبّ على العبادة .

وممّا لا شك فيه أنّ اليهود والنصارى لم يسجدوا لأحبارهم ورهبانهم ، ولم يصلوا ولم يصوموا لهم ، ولم يعبدوهم أبدا ، لكن لما كانوا منقادين لهم بالطاعة دون قيد أو شرط ، بحيث كانوا يعتقدون بوجوب تنفيذ حتى الأحكام المخالفة لحكم‏ اللّه من قبلهم ، فالقرآن عبّر عن هذا التقليد الأعمى بالعبادة .

وهذا المعنى وارد في رواية عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام إذا قالا: «أمّا واللّه ما صاموا لهم ولا صلّوا ، ولكنّهم أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا ، فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون» . «5»

وفي حديث آخر ، أنّ عديّ بن حاتم قال: وفدت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وكان في رقبتي صليب من الذّهب ، فقال لي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: يا عدي ألق هذا الصنم عن رقبتك ، ففعلت ذلك ، ثمّ دنوت منه فسمعته يتلو الآية {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً}  فلمّا أتم الآية قلت له: نحن لا نتّخذ أئمتنا أربابا أبدا ، فقال: «ألم يحرموا حلال اللّه ويحلّوا حرامه فتتبعوهم؟ فقلت: بلى ، فقال: فهذه عبادتهم» . «6»

والدليل على هذا الموضوع واضح ، لأنّ التقنين خاص باللّه ، وليس لأحد سواه أن يحل أو يحرم للناس ، أو يجعل قانونا ، والشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يفعله هو اكتشاف قوانين اللّه وتطبيقها على مصاديقها .

فبناء على ذلك لو أقدم أحد على وضع قانون يخالف قانون اللّه ، وقبله إنسان آخر دون قيد أو اعتراض او استفسار فقد عبد غير اللّه ، وهذا بنفسه نوع من أنواع الشرك العملي ، وبتعبير آخر: هو عبادة غير اللّه .

ويظهر من القرائن أنّ اليهود والنصارى يرون مثل هذا الإختيار لزعمائهم ، بحيث لهم أن يغيّروا ما يرونه صالحا بحسب نظرهم ، وما يزال بعض المسيحيين يطلب العفو من القسيس فيقول له القسّ ، عفوت عنك! وكان- منذ زمن- موضوع صكوك الغفران رائجا .

وهناك لطيفة أخرى ينبغي الالتفات إليها ، وهي أنّه لما كانت عبادة المسيحيين لرهبانهم تختلف عن عبادة اليهود لأحبارهم ، فالمسيحيون يرون المسيح ابن اللّه‏ واقعا واليهود يطيعون أحبارهم دون قيد أو شرط ، لذا فإنّ الآية أشارت إلى عبادة كل منهما ، فقالت : {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ‏} .

ثمّ فصلت المسيح على حدة فقالت : {والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ‏} .

وهذا التعبير يدلّ على منتهى الدقة في القرآن .

وفي ختام الآية تأكيد على هذه المسألة ، وهي أن جميع هذه العبادات للبشر بدعة ، وهي من العبادات الموضوعة {وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}‏ .

درس تعليمي :

إنّ القرآن المجيد يعلّم أتباعه في الآية- محل البحث- درسا قيّما جدّا ، ويبيّن واحدا من أبرز مفاهيم التوحيد فيها ، إذ يقول: لا يحقّ لأيّ مسلم طاعة إنسان آخر دون قيد أو شرط ، لأنّ هذا الأمر مساو لعبادته ، وجميع الطاعات يحب أن تكون في إطار طاعة اللّه ، وإنّما يصح اتباع الإنسان نظيره متى كانت قوانينه غير مخالفة لقوانين اللّه ، أيّا كان ذلك الإنسان وفي أية مكانة أو منزلة . لأنّ الطاعة بلا قيد أو شرط مساوية للعبادة ، أو هي شكل من أشكال الشرك والعبودية ، إلّا أنّه يا للأسف- بلي المسلمون- لبعد المسافة الزمنية- بالابتعاد عن تعاليم هذا الدستور الإسلامي المهم ، وإقامه الأصنام البشرية ، فتفرقوا وتغلب عليهم المستعمرون والمستثمرون ، وإذا لم تتكسر هذه الأصنام البشرية فلا ينبغي أن ننتظر زوال هذه البلايا وسدّ الثغرات .

وأساسا فإنّ هذا النوع من الشرك أو العبادة الوثنية أخطر بكثير من عبادة الأصنام والأحجار في زمان الجاهلية ، والسجود لها ، لأنّ تلك الأصنام والأحجار ليس فيها روح حتى تستعمر عبدتها ، إلّا أنّ الأصنام البشرية وبسبب غرورهم وعدوانهم يجرّون أتباعهم إلى الوبال والذلة والشقاء والانحطاط .

وفي الآية الثّالثة من الآيات محل البحث تشبيه طريف لسعي اليهود والنصارى ، أو سعي جميع مخالفي الإسلام حتى المشركين ، وجدّهم واجتهادهم المستمر «العقيم» الذي لا يعود عليهم بالنفع أبدا ، إذ تقول الآية: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ ويَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} .

ملاحظات‏

1- شبّه الدين- دين اللّه- في هذه الآية وفي القرآن وتعاليم الإسلام بالنور ، ونحن نعرف أن النّور أساس الحياة والحركة والنمو والعمران على الأرض ومنشأ كل جمال .

والإسلام دين يحرّك كل مجتمع إنساني نحو التكامل ، وهو أساس كل خير وبركة .

كما شبّه اجتهاد الكافر بالنفخ بالأفواه وكم هو مثير للضحك أن يحاول الإنسان إطفاء نور عظيم كنور الشمس بنفخة؟ ولا تعبير أبلغ من تعبير القرآن لتجسيد هذه المحاولات اليائسة ، وفي الواقع فإنّ محاولات مخلوق ضعيف إزاء قدرة اللّه التي لا نهاية لها ، لا تكون أحسن حالا ممّا ذكرته الآية .

2- ورد موضوع محاولة إطفاء نور اللّه في القرآن في موردين: أحدهما في الآية محل البحث ، والآخر في الآية (8) من سورة الصف ، وفي الآيتين انتقاد للكفار ومحاولات أعداء اللّه اليائسة ، إلّا أن بين تعبيري الآيتين تفاوتا يسيرا ، إذ جاء التعبير في الآية محل البحث‏ {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا} إلّا أن الآية (8) من سورة الصف جاء فيها التعبير يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا .

وممّا لا شك فيه أن هذا التفاوت أو الاختلاف اليسير في التعبير القرآني لغاية بلاغية .

يقول الراغب في مفرداته موضحا الفرق بين‏ {أَنْ يُطْفِؤُا} {ولِيُطْفِؤُا} : إنّ الآية الأولى تشير إلى محاولة إطفاء نور اللّه بدون مقدمات ، أمّا الآية الأخرى فتشير إلى محاولة إطفائه بالتوسل بالأسباب والمقدمات ، فالقرآن يريد أن يقول :

سواء توسّلوا بالأسباب أم لم يتوسلوا فلن يفلحوا أبدا ، وعاقبتهم الهزيمة والخسران .

3- كلمة «يأبى» مأخوذة من الإباء ، ومعناه شدة الامتناع وعدم المطاوعة ، وهذا التعبير يثبت إرادة اللّه ومشيئته الحتمية لإكمال دينه وازدهاره كما أنّ التعبير مدعاة لاطمئنان جميع المسلمين ، إن كانوا مسلمين حقّا! أنّ مستقبل دينهم لا بأس عليه ، بل هو مؤيد بأمر اللّه .

المستقبل للإسلام :

الآية الأخيرة من الآيات- محل البحث- في نهاية المطاف تزف البشرى للمسلمين باستيعاب الإسلام العالم بأسره ، وتكمل ما أشارت إليه- آنفا- أن أعداء الإسلام لن يفلحوا في محاولاتهم ومناوآتهم بوجه الإسلام أبدا ، وتقول بصراحة : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}‏ والمقصود من الهدى هو الدلائل الواضحة ، والبراهين اللائحة الجليّة التي وجدت في الدين الإسلامي .

وأمّا المراد من دين الحق ، فهو هذا الدين الذي أصوله حقّة وفروعه حقّة أيضا ، وكل ما فيه من تاريخ وبراهين ونتائج حق ، ولا شك أن الدين الذي محتواه حق ، ودلائله وبراهينه حقّة ، وتأريخه حق جلي ، لا بدّ أن يظهر على جميع الأديان .

وبمرور الزمان وتقدم العلم وسهولة الارتباطات ، فإن الواقع سيكشف وجهه ويطلعه من وراء سدل الإعلام المضللة ، وستزول كل العقبات والموانع والسدود التي وضعت في طريق انتشار الإسلام .

وهكذا فإنّ دين الحق سيستوعب كل مكان ، ولا يحول بينه وبين تقدمه شي‏ء أبدا ، لأنّ الحركات المضادة للإسلام حركات مخالفة لسير التأريخ وسنن الخلق .

1- المراد «الهدى ودين الحقّ»

هذا التعبير الوارد في الآية محل البحث : {أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ودِينِ الْحَقِ}‏ بمثابة الدليل على انتصار الإسلام وظهوره على جميع الأديان ، لأنّه لمّا كان محتوى دعوة النّبي الهداية ، والعقل يدل على ذلك في كل موطن ، ولما كانت أصوله وفروعه موافقة للحق ، ومع الحق ، وتسير في مسير الحق ، ولأجل الحق .

فهذا الدين سينتصر على جميع الأديان طبعا .

وقد جاء عن أحد علماء الهند أنّه سبر فكره في مطالعة مختلف الأديان فترة من الزمن ، وانتهى أمره إلى اختيار الدين الإسلامي من بين جميع أديان العالم ، ثمّ نشر كتابا بالإنجليزية اسمه «لم أسلمت؟» وبيّن فيه مزايا الدين الإسلامي على غيره من الأديان .

ومن أهم المسائل التي أثارت انتباهه- كما يقول- أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تأريخ ثابت محفوظ ويتعجّب كيف اختارت أوربا لها دينا ترى إنّ من جاء به أجلّ من الإنسان وتعدّه ربّها ، مع أن هذا الدين ليس له تاريخ دقيق . «7» إنّ مطالعة آراء الذين اعتنقوا الإسلام دينا جديدا وعزفوا عن دينهم السابق ، تكشف أنّهم كانوا في منتهى البساطة والغفلة والتضليل ، بينما دلتّهم أصول الإسلام‏ وفروعه ذات الأدلّة المحكمة إلى الدين الإلهي البعيد عن الخرافات كلّها ، والذي يتجلى فيه نور الحق والهداية .

2- انتصار المنطق أم انتصر القوّة ؟

هناك كلام بين المفسّرين في كيفية ظهور الدين الإسلامي على سائر الأديان ، وهذا الظهور أو الإنتصار في أيّ شكل هو ؟

قال بعض المفسّرين : هذا الإنتصار انتصار منطقي استدلالي فحسب ، ويقولون بأن هذا الموضوع حاصل فعلا ، لأنّ الإسلام من حيث منطقه ودلائله لا يقاس به دين آخر .

غير أنّ التحقيق في موارد استعمال مادة «الإظهار» في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ‏} يكشف أنّ هذه المادة غالبا ما تستعمل في القدرة الظاهرية والغلبة المادية ، كما جاء في قصّة أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ‏} [الكهف : 20]  وكما نقرأ في شأن المشركين‏ {كَيْفَ وإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا ولا ذِمَّةً} [التوبة : 8]  .

فمن البديهي أنّ الغلبة في مثل هذه الموارد ليست غلبة منطقية ، بل هي غلبة عينية وفعلية ، وعلى كل حال فمن الأفضل والأكثر صحة أن نعتقد بأنّ هذا الظهور والغلب ظهور مطلق- من جميع الجوانب- لأنّه ينسجم ومفهوم الآية التي هي مطلقة من جميع الجهات أيضا ، فيكون المعنى أنّه سيأتي يوم ينتصر فيه الإسلام انتصارا منطقيا وانتصارا ظاهريا ، في امتداد سيطرته ونفوذه المطلق ، وحكومته العامّة على جميع الأديان ، وسيجعل جميع الأديان تحت شعاعه .

____________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 193-207 .

2. المراد من التصغير عادة هو بيان كون الشيء صغيرا في قبال شي‏ء آخر كبير ، مثل رجيل المصغر عن رجل ، لكن للتصغير أغراضا بلاغية منها إظهار المحبّة وغيرها ، كما في اظهار الرجل محبته لولده فيصغّر اسمه .

 3. يراجع في هذا الشأن الميزان ، ج 9 ، ص 253 ، والمنار ، ج 10 ، ص 322 .

4. نور الثقلين ، ج 6 ، ص 205 ، حديث طويل نقلنا خلاصته معنا لا نصا ، وإذا أردتم المزيد راجعوا المصدر المذكور .

5. مجمع البيان ، ذيل الآية ونور الثقلين ، ج 2 ، ص 209 .

6. مجمع البيان ، ذيل الآية .

7. المنار ، ج 10 ، ص 389 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .