المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

هرمون الاريثروبايوتين (Erythropoietin)
12-4-2016
سهولة ادرار اللبن وتأثيرها على انتاج لبن الابقار
2024-10-24
نبوءة نفرروهو.
2024-02-04
هل يصح التبعيض في التوبة
21-7-2016
الفقر والغنى من النظرة الاخلاقية
22-2-2018
إسحاق بن جعفر بن علي.
23-9-2020


لماذا لم يثر الحسين (عليه السّلام) في عهد معاوية ؟  
  
3647   01:14 صباحاً   التاريخ: 7-5-2019
المؤلف : آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين .
الكتاب أو المصدر : ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة
الجزء والصفحة : ص139-147.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2016 3237
التاريخ: 2-04-2015 173193
التاريخ: 22-5-2019 2166
التاريخ: 28-3-2016 3892

كانت مبررات الثورة على الحكم الاُموي متوفّرة في عهد معاوية وقد كان الإمام الحسين (عليه السّلام) يعرفها وقد عبّر عنها في عدّة كُتب وجّهها إلى معاوية جواباً عن كُتبه إليه وهي كثيرة نقتبس منها قوله في كتاب : وهيهات هيهات يا معاوية ! فضح الصبح فحمة الدُّجى وبهرت الشمس أنوار السراج .

ولقد فضّلت حتّى أفرطت واستأثرت حتّى أجحفت ومنعت حتّى بخلت وجُرت حتّى جاوزت وما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه بنصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل ...  .

وقوله في كتاب آخر :  أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر أنّه انتهت إليك عنّي اُمور أنت لي عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ؛ فإنّ الحسنات لا يهدي إليها ولا يُسدد إليها إلاّ الله تعالى .

وأمّا ما ذكرت أنّه رقى إليك عنّي فإنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاؤون بالنميم المفرّقون بين الجمع . وكَذَب الغاوون ما أرادت لك حرباً ولا عليك خلافاً وإنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الأعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين الملحدين ؛ حزب الظلمة وأولياء الشياطين .

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه الصالحين المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ألاّ تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ؛ جرأة على الله واستخفافاً بعهده ؟

أوَلست قاتل ابن الحمق صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العبد الصالح فقتلته بعدما آمنته؟

أوَلست المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عُبيد بن ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : الولد للفراش وللعاهر الحجر . فتركت سنّة رسول  الله (صلّى الله عليه وآله) وتبعت هواك بغير هُدى من الله ثمّ سلّطته على أهل الإسلام ؛ يقتّلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنّك لست من هذه الأمّة وليسوا منك ؟

أوَلست صاحب الحضرمِيين الذين كتب فيهم ابن سميّة أنّهم على دين علي (صلوات الله عليه) فكتبت إليه أن اقتل كلّ مَنْ كان على دين علي فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ودينُ علي هو دين ابن عمّه (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه ؟

وقُلت فيما قُلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمد واتّقِ شقّ عصا هذه الأمّة وأن تردهم إلى فتنة . وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمّة من ولايتك عليها ولا أعلم نظراً لنفسي ولديني ولأمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) من أن اُجاهدك ...

وقُلت فيما قُلت : إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني .

فكد ما بدا لك ؛ فإنّي أرجو ألاّ يضرّني كيدك وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ؛ لأنّك قد ركبت جهلك وتحرّصت على نقض عهدك .

ولعمري ما وفيت بشرط ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ولم تفعل ذلك إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا وليس الله بناس لأخذك بالطنّة وقتلك أولياءه على التهم ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ...  .

ولذا فإنّ الباحث يتساءل عن السرّ في قعود الحسين (عليه السّلام) عن الثورة في عهد معاوية مع وجود مبرّرات الثورة في عهده فلماذا لم تدفعه هذه المبرّرات إلى الثورة في أيّام معاوية وحملته على الثورة في أيّام يزيد ؟

الذي نراه في الجواب على هذا التساؤل : هو أنّ قعود الحسين (عليه السّلام) عن الثورة في عهد معاوية كانت له أسباب موضوعية لا يمكن تجاهلها ويمكن إجمالها فيما يلي :

الوضع النفسي والاجتماعي

لقد كانت حروب الجمل وصفّين والنهروان والحروب الخاطفة التي نشبت بين القطع السورية وبين مراكز الحدود في العراق والحجاز واليمن بعد التحكيم قد ولّدت عند أصحاب الإمام (عليه السّلام) حنيناً إلى السلم والموادعة ؛ فقد مرّت عليهم خمس سنين وهم لا يضعون سلاحهم من حرب إلاّ ليشهروه في حرب أخرى وكانوا لا يحاربون جماعات غريبة عنهم وإنّما يحاربون عشائرهم وإخوانهم بالأمس ومَنْ عرفهم وعرفوه ... .

وما نشكّ في أنّ هذا الشعور الذي بدأ يظهر بوضوح في آخر عهد علي (عليه السّلام) إثر إحساسهم بالهزيمة أمام مراوغة خصمهم في يوم التحكيم أفاد خصوم الإمام (عليه السّلام) من زعماء القبائل ومن إليهم ممّن اكتشفوا أنّ السياسة لا يمكن أن تُلبّي مطامحهم التي تُؤججها سياسة معاوية في المال والولايات فحاولوا إذكاء هذا الشعور والتأكيد عليه .

وقد ساعد على تأثير هؤلاء الزعماء ونفوذهم في أوساط المجتمع الرّوح القبلية التي استفحلت في عهد عثمان بعد أن اُطلقت من عقالها بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ فإنّ الإنسان ذا الرّوح القبلية عالمة قبيلته فهو ينفعل بانفعالاتها ويطمح إلى ما تطمح إليه ويُعادي مَنْ تُعادي وينظر إلى الأمور من الزاوية التي تنظر منها القبيلة ؛ وذلك لأنّه يخضع للقيم القبلية التي تخضع لها القبيلة وتتركّز مشاعر القبيلة كلّها في رئيسها فالرئيس في المجتمع القبلي هو المُهيمن والموجّه للقبيلة كلّها .

وقد عبّر الناس عن رغبتهم في الدّعة وكراهيتهم للقتال ؛ بتثاقلهم عن الخروج لحرب الفرق السورية التي كانت تغير على الحجاز واليمن وحدود العراق وتثاقلهم عن الاستجابة للإمام (عليه السّلام) حين دعاهم للخروج ثانية إلى صفّين .

فلمّا استشهد الإمام علي (عليه السّلام) وبويع الحسن (عليه السّلام) بالخلافة برزت هذه الظاهرة على أشدّها وبخاصّة حين دعاهم الحسن (عليه السّلام) للتجهّز لحرب الشام حيث كانت الاستجابة بطيئة جدّاً .

وبالرغم من أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) قد استطاع بعد ذلك أن يجهّز لحرب معاوية جيشاً ضخماً إلاّ إنّه كان جيشاً كُتبت عليه الهزيمة قبل أن يلاقي العدو بسبب التيارات المتعدّدة التي كانت تتجاذبه ؛ فقد خفّ معه أخلاط من الناس ؛ بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكّمة ـ أي خوارج ـ يؤثرون قتال معاوية بكلّ حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكّاك وأصحاب عصبية اتّبعوا رؤساء قبائلهم  .

وقد كان رؤساء القبائل هؤلاء قد باعوا أنفسهم من معاوية الذي كتب إلى كثير منهم يُغريهم بالتخلّي عن الحسن (عليه السّلام) والالتحاق به وأكثر أصحاب الحسن (عليه السّلام) لم يستطيعوا مقاومة هذا الإغراء فكاتبوا معاوية واعدين بأن يسلّموه الحسن (عليه السّلام) حيّاً أو ميّتاً .

وحين خطبهم الإمام الحسن (عليه السّلام) ليختبر مدى إخلاصهم وثباتهم هتفوا به من كلّ جانب : البقيّة البقيّة  بينما هاجمته طائفة منهم تريد قتله . هذا في الوقت الذي أخذ الزعماء يتسلّلون تحت جنح الليل إلى معاوية بعشائرهم .

ولمّا رأى الإمام الحسن (عليه السّلام) ـ أمام هذا الواقع السيِّئ ـ أنّ الظروف النفسية والاجتماعيّة في مجتمع العراق جعلت هذا المجتمع عاجزاً عن النهوض بتبعات القتال وانتزاع النصر ورأى أنّ الحرب ستكلّفه استئصال المخلصين من أتباعه بينما يتمتّع معاوية بنصر حاسم حينئذ جنح إلى الصلح بشروطٍ منها ألاّ يعهد معاوية لأحد من بعده وأن يكون الأمر للحسن وأن يترك الناس ويُؤمنوا .

ولقد كان هذا هو الطريق الوحيد الذي يستطيع الحسن (عليه السّلام) أن يسلكه باعتباره صاحب رسالة قد اكتنفته هذه الظروف السيئة المُؤيسة .

ونحن حين نسمح لأنفسنا أن نندفع وراء العاطفة نحسب أنّه كان على الحسن (عليه السّلام) أن يُحارب معاوية ولا يُهادنه وإنّ ما حدث له لم يكن إلاّ استسلاماً مُذلاً مكّن معاوية من أن يستولي على الحكم بسهولة ما كان يحلم بها .

وقد انزلق في هذا الخطأ كثير من أصحابه المؤمنين المخلصين وقد عبّر بعضهم عن المرارة التي يحسّ بها بأنّ خاطب الحسن (عليه السّلام) بقوله : (يا مُذلّ المؤمنين) .

هذا ولكن علينا أن نفكّر بمقاييس اُخرى إذا شئنا فهم موقف الإمام الحسن (عليه السّلام) الذي يبدو محيّراً لأوّل وهلة فلا شك أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) لم يكن مُغامراً ولا طالب ملك ولا زعيماً قبلياً يُفكّر ويعمل بالعقلية القبلية وإنّما كان صاحب رسالة وحامل دعوة وكان عليه أن يتصرّف على هذا الأساس .

ولقد كان الموقف الذي اتّخذه هو الموقف الملائم لأهدافه كصاحب رسالة وإن كان ثقيلاً على نفسه مؤلماً لمشاعره الشخصيّة .

لقد كان من الممكن بالنسبة لقائد مُحاط بنفس الظروف السيئة التي كان

الإمام الحسن (عليه السّلام) مُحاطاً بها أن يتّخذ من الأحداث أحد ثلاثة مواقف :

الأوّل : أن يُحارب معاوية رغم الظروف السيئة ورغم النتائج المؤلمة التي تترتّب على هذا الموقف .

الثاني : أن يُسلّم السلطة إلى معاوية وينفض يده من الأمر ويتخلّى عن أهدافه ويقنع بالغنائم الشخصيّة .

الثالث : أن يخضع للظروف المعاكسة فيتخلّى مؤقّتاً عن الصراع الفعلي المسلّح لكن لا ليرقب الأحداث فقط وإنّما ليُكافح على صعيد آخر فيُوجّه الأحداث في صالحه وصالح أهدافه .

ما كان للحسن (عليه السّلام) باعتباره صاحب رسالة أن يتّخذ الموقف الأوّل ؛ لأنّه لو حارب معاوية في ظروفه التي عرضناها وبقواه المُفككة المُتخاذلة لكانت نيتجة ذلك أن يُقتل ويُستأصل المخلصون من أتباعه . ولا شك أنّه حينئذ كان يُحاط بهالة من الإكبار والإعجاب لبسالته وصموده ولكنّ النتيجة بالنسبة إلى الدعوة الإسلاميّة ستكون سيئة إلى أبعد حدّ ؛ فإنّها كانت ستفقد فريقاً من أخلص حُماتها دون أن تحصل على شيء سوى أسماء جديدة تُضاف إلى قائمة شهدائها .

كذلك ما كان له باعتباره صاحب رسالة أن ينفض يده من كلّ شيء ويسترسل في حياة الدعة والرغد والخلو من هموم القيادة والتنظيم .

لقد كان الموقف الثالث ـ وهو الموقف الذي اتّخذه الإمام الحسن (عليه السّلام) ـ هو الموقف الوحيد الصحيح بالنسبة إليه وذلك أن يعقد مع معاوية هدنة يعدّ فيها المجتمع للثورة ؛ وذلك لأنّنا نسمح لأنفسنا أن نقع في خطأ كبير حين ننساق إلى الاعتقاد بأنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) قد اعتبر الصلح خاتمة مريحة لمتاعبه فما صالح الإمام الحسن (عليه السّلام) ليستريح وإنّما ليُكافح من جديد ولكن على صعيد آخر .

فإذا كان الناس قد كرهوا الحرب لطول معاناتهم لها ورغبوا في السلم انخداعاً بحملة الدعاية التي بثّها فيهم عملاء معاوية إذ مَنّوهم بالرخاء والأعطيات الضخمة والدعة والسكينة وطاعة لرغبات زعمائهم القبليين فإنّ عليهم أن يكتشفوا بأنفسهم مدى الخطأ الذي وقعوا فيه حين ضعفوا عن القيام بتبعات القتال وسمحوا للأماني تخدعهم ولزعمائهم بأن يظلّلوهم ولا يمكن أن يكتشفوا ذلك إلاّ إذا عانوا هذا الحكم بأنفسهم .

عليهم أن يكتشفوا طبيعة هذا الحكم وواقعه وما يقوم عليه من اضطهاد وحرمان ومُطاردة مُستمرة وخنق للحريات وعلى الإمام الحسن (عليه السّلام) وأتباعه المخلصين أن يفتحوا أعين الناس على هذا الواقع وأن يُهيّئوا عقولهم وقلوبهم لاكتشافه والثورة عليه والإطاحة به .

ولم يطل انتظار أهل العراق فقد قال لهم معاوية حين دخل الكوفة : يا أهل الكوفة أترون أنّي قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ وقد علمت أنّكم تُصلّون وتُزكّون وتحجّون ؟! ولكنّي قاتلتكم لأأتمر عليكم وألي رقابكم وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون . ألا إنّ كلّ دم اُصيب في هذه مطلول وكلّ شرط شرطته فتحت قدمي هاتين  .

ثمّ اتّبع ذلك طائفة من الإجراءات التي صدمت العراقيين ؛ أنقص من أعطيات أهل العراق ليزيد في أعطيات أهل الشام وحملهم على أن يُحاربوا الخوارج فلم يتح لهم أن ينعموا بالسلم الذي كانوا يحنّون إليه ثمّ طبّق منهاجه الذي شرحناه في الفصل السابق ؛ الإرهاب التجويع والمُطاردة ثمّ أعلن بسبّ أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) على منابر المسلمين .

وبيّنما راح الزعماء القبليون يجنون ثمرات هذا العهد بدأ العراقيون العاديون يكشفون رويداً طبيعة هذا الحكم الظالم الشرس الذي سعوا إليه بأنفسهم وثبّتوه بأيديهم وقد جعل أهل العراق يذكرون حياتهم أيام علي فيحزنون عليها ويندمون على ما كان من تفريطهم في جنب خليفتهم ويندمون على ما كان من الصلح بينهم وبين أهل الشام وجعلوا كلّما لقي بعضهم بعضاً تلاوموا فيما كان وأجالوا الرأي فيما يمكن أن يكون . ولم تكد تمضي أعوام قليلة حتّى جعلت وفودهم تفد إلى المدينة للقاء الحسن (عليه السّلام) والقول له والاستماع منه  .

وقد أقبل عليه ذات يوم وفد من أشراف أهل الكوفة فقال له متكلّمهم سليمان بن صرد الخزاعي : ما ينقضي تعجبنا من بيعتك معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة كلّهم يأخذ العطاء وهم على أبواب منازلهم ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم سوى شيعتك [من] أهل البصرة وأهل الحجاز ثمّ لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد ولا حظّاً من العطية !

فلو كنت إذا فعلت ما فعلت أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب وكتبت عليه كتاباً بأنّ الأمر لك بعده كان الأمر علينا أيسر ولكنّه أعطاك شيئاً بينك وبينه ثمّ لم يفِ به ثمّ لم يلبث أن قال على رؤوس الناس إنّي كنت شرطت شروطاً ووعدت عدات ؛ إرادة لإطفاء نار الحرب ومداراة لقطع هذه الفتنة فأمّا إذ جمع الله لنا الكلمة والإلفة وأمّننا من الفرقة فإنّ ذلك تحت قدمي.

فوالله ما اغترّني بذلك إلاّ ما كان بينك وبينه وقد نقض فإن شئت فأعد الحرب جذعة وأذّن في تقدمك إلى الكوفة فأخرج عنها عامله وأظهر خلعه وتنبذ إليهم على سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين  .

وقال الآخرون مثل ما قال سليمان بن صرد ... فقال لهم فيما روى البلاذري :  أنتم شيعتنا وأهل مودّتنا فلو كنتُ بالحزم في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها أعمل وأنصب ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً ولا أشدّ شكيمة ولا أمضى عزيمة ولكنّي أرى غير ما رأيتم ؛ وما أردت فيما فعلت إلاّ حقن الدماء فارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر والزموا بيوتكم وامسكوا وكفّوا أيديكم حتّى يستريح برّ ويستراح من فاجر  .

فقد أعطاهم الحسن (عليه السّلام) ـ كما ترى ـ الرضا حين أعلن إليهم أنّهم شيعة أهل البيت وذووا مودّتهم وإذن فمن الحقّ عليهم أن يستمعوا له ويأتمروا بأمره ويكونوا عندما يريد منهم .

ثمّ طلب إليهم أن يرضوا بقضاء الله . يطيعوا السلطان ويكفّوا أيديهم عنه وأنبأهم بأنّهم لن يفعلوا ذلك آخر الدهر ولن يستسلموا لعدوهم بغير مقاومة وإنّما انتظار إلى حين هو انتظار إلى أن يستريح الأبرار من أهل الحقّ أو يريح الله من الفجّار من أهل الباطل .

فهو إذن يهيئهم للحرب حين يأتي إبّانها ويحين حينها ويأمرهم بالسلم المؤقتة حتّى يستريحوا ويحسنوا الاستعداد .

ومَنْ يدري لعلّ معاوية أن يريح الله منه فتستقبل الأمّة أمرها على ما يحبّ لها صالحوا المؤمنين .

ولم يكن سليمان بن صرد ومَنْ معه منفردين في هذه الحركة فكثيراً ما جاء العراقيون إلى الحسن (عليه السّلام) يطلبون منه أن يثور ولكنّه كان يعدهم المستقبل ويعدّهم للثورة . وها هو يجيب حجر بن عدي الكندي بقوله :  إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح وكرهوا الحرب فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ؛ فصالحت بقياً على شيعتنا خاصّة من القتل ورأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما ؛ فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن  .

وإذاً فهذه فترة إعداد وتهيؤ حتّى يأتي اليوم الموعود حين يكون المجتمع قادراً على الثورة مستعداً لها أمّا الآن فلم يبلغ المجتمع هذا المستوى من الوعي بل لا يزال أسير الأماني والآمال.

هذه الأماني والآمال التي بثّت فيه روح الهزيمة التي صوّرها الإمام الحسن (عليه السّلام) لعلي بن محمد بن بشير الهمداني حين قال له :  ما أردت بمصالحتي معاوية إلاّ أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ونكولهم عن القتال . ووالله لئن سرنا إليه بالجبال والشجر ما كان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه  .

وإذاً فقد كان دور الحسن (عليه السّلام) أن يُهيئ عقول الناس وقلوبهم للثورة على حكم  الاُمويِّين هذا الحكم الذي كان يشكّل إغراءً قوياً للعرب في عهد أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) والذي غدا فتنة للعراقيين بعده حملتهم على التخلّي عن الإمام الحسن (عليه السّلام) في أحلك الساعات وذلك بأن يدع لهم فرصة اكتشافه بأنفسهم مع التنبيه على ما فيه من مظالم وتعدٍّ لحدود الله .

ولم يكن الحسين (عليه السّلام) أقلّ إدراكاً لواقع مجتمع العراق من أخيه الحسن (عليه السّلام) ؛ لقد رأى من هذا المجتمع وتخاذله مثل ما رأى أخوه ؛ ولذلك فقد آثر أن يعدّ مجتمع العراق للثورة ويعبّئه لها بدل أن يحمله على القيام بها الآن .

كان هذا رأيه في حياة أخيه الإمام الحسن (عليه السّلام) فقد قال لعلي بن محمد بن بشير الهمداني حين فاوضه في الثورة بعد أن يئس من استجابة الإمام الحسن (عليه السّلام) :  صدق أبو محمد فليكن كلّ رجل منكم حلساً من إحلاس بيته ما دام هذا الإنسان حيّاً  يعني معاوية بن أبي سفيان .

وكان هذا رأيه بعد وفاة الإمام الحسن (عليه السّلام) فقد كتب إليه أهل العراق يسألونه أن يجيبهم إلى الثورة على معاوية ولكنّه لم يجيبهم إلى ذلك وكتب إليهم :  أمّا أخي فأرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدّده فيما يأتي وأمّا أنا فليس رأي اليوم ذلك فالصقوا رحمكم الله بالأرض واكمنوا في البيوت واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً  .

وإذاً فقد كان رأي الحسين (عليه السّلام) ألاّ يثور في عهد معاوية وهو يأمر أصحابه بأن يخلدوا إلى السكون والهدوء وأن يبعدوا عن الشبهات .

وهذا يوحي لنا بأنّ حركة منظمة كانت تعمل ضدّ الحكم الاُموي في ذلك الحين وأنّ دُعاتها هم هؤلاء الأتباع القليلون المخلصون الذين ضنّ بهم الحسن (عليه السّلام) عن القتل فصالح معاوية وأنّ مهمّة هؤلاء كانت بعث روح الثورة في النفوس عن طريق إظهار المظالم التي حفل بها عهد معاوية ؛ انتظاراً لليوم الموعود .

وقد رأينا أنّ هذه الدعوة ضدّ الحكم الاُموي قد بدأت بعد الصلح وقد كانت في عهد الإمام الحسن (عليه السّلام) تسير في رفق وهدوء نظراً لأنّ المجتمع كان لا يزال مأخوذاً ببريق الحكم الاُموي ولم يتمثّل بعد طبيعة هذا الحكومة الظالمة الباغية تمثّلاً صحيحاً .

أمّا في عهد الإمام الحسين (عليه السّلام) فقد ازدادت الدعوة عنفاً وشدّة واحتداماً وأخذت تكسب أنصاراً كثيرين في كلّ مكان بعد أن أسفر الحكم الاُموي عن وجهه تماماً وبعد أن بدا على واقعه الذي سترته الوعود الجذّابة والألفاظ المعسولة .

ولقد كان كلّ حدث من أحداث معاوية يجد صدى مدوّياً في المدينة حيث الإمام الحسين (عليه السّلام) ويكون مداراً لاجتماعات يعقدها الإمام الحسين (عليه السّلام) مع أقطاب الشيعة في العراق والحجاز وغيرهما من بلاد الإسلام يدلّنا على ذلك أنّه حين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وأصحابه خرج نفر من أشراف الكوفة إلى الحسين (عليه السّلام) فأخبروه الخبر .

ولا بدّ أنّ حركة قويّة دفعت مروان بن الحكم عامل معاوية على المدينة إلى أن يكتب إلى معاوية : أمّا بعد فإنّ عمرو بن عثمان ذكر أنّ رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وإنّه لا يُؤمن وثُوبه وقد بحثت عن هذا فبلغني أنّه يُريد الخلاف يومه هذا فاكتب إليّ برأيك  .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.