المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27
{كل نفس ذائقة الموت}
2024-11-27



القتال في القرآن الكريم  
  
5178   12:34 مساءً   التاريخ: 4-3-2019
المؤلف : السيد زهير الاعرجي
الكتاب أو المصدر : السيرة الاجتماعية للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
الجزء والصفحة : 479-488.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-01-2015 3592
التاريخ: 30-01-2015 3931
التاريخ: 29-01-2015 3390
التاريخ: 27-10-2015 3951

          ومن اجل اعطاء نظرة متكاملة عن الدور القتالي للامام (عليه السلام) في حفظ الاسلام، كان لابد من دراسة آيات القتال في القرآن . فقد تناول القرآن الكريم مسألة القتال بكثير من العناية والاهتمام باعتباره وسيلة من وسائل نشر الدين الحنيف ودحر الكفر والباطل. وسوف نعرض لهذا الموضوع لما فيه من الارتباط الوثيق بحروب الامام (عليه السلام) وشرعيتها واخلاقيتها. ويمكن تصنيف الآيات الواردة في القتال الى اربعة اصناف. الاول : في وجوب القتال. الثاني : في شرائطه. الثالث : في صفة القتال. الرابع : بين الحرب والسلم.

الصنف الاول : وجوب القتال

          كان النبي (صلى الله عليه واله) مدة اقامته بمكة غير مأذون في القتال. فلما هاجر الى المدينة اُذن له في قتال من يقاتله من المشركين، ثم اُذن له في قتال المشركين عامة.

          وفي هذه المجموعة من الآيات انتخبنا اربعة آيات مباركات فيها دلالة ظاهرة على فرض الجهاد والقتال، وقد ذكرنا خصوصيات كلاً منها في مواضعها. وهي :

1- قوله تعالى : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] وقد نزلت هذه الآية في صلح الحُديبية. وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه واله) لما خرج هو واصحابه في العام الذي ارادوا فيه العمرة وكانوا ألفاً واربعمائة، فصاروا حتى نزلوا الحُديبية، صدّهم المشركون عن البيت الحرام. فنحروا الهَدْي بالحديبية ثم صالحهم المشركون على ان يرجع من عامه ويعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة ايام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء. فرجع عندها الى المدينة.

          ولما اقبل موسم الحج في السنة اللاحقة تجهز النبي (صلى الله عليه واله) واصحابه لعمرة القضاء، لكنهم خافوا ان لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم. وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) يكره قتالهم في الشهر الحرام في الحرم. فانزل الله تعالى هذه الآية. وعن الربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم ان هذه الآية هي اول آية نزلت في القتال. فلما نزلت كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يقاتل من قاتله، ويكفّ عمن كفَّ عنه، حتى نزل قوله تعالى : {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فنسخت هذه الآية.

          ودلالتها على القتال ظاهرة، وتُحمَلْ الآية على العموم الا ما اخرجه الدليل. وفيها ايضاً دلالة على حرمة الاعتداء ومجاوزة الحد. وآية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] ناسخة لآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 77]، كما ان آية {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] ناسخة لآية {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: 48].

          2- قوله تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] ودلالتها على ان فرض الجهاد والقتال، بما فيها من دم وجرح وقتل، تكرهه طبيعة النفس الانسانية التي تميل الى الدعة والراحة. ولكن ما تنفر عنه النفس قد تكون فيه فائدة وخير في عاقبة الامر. والقتال يتضمن احدى الحسنيين اما الظفر والغنيمة واما الشهادة والجنة.

          واجمع المفسرون، عدا من شذ، بان هذه الآية دالة على وجوب الجهاد وفرضه على سبيل الكفاية، فلو قعد الناس عنه اثموا به وإن قام به من في قيامه كفاية وغنى سقط عن الباقين، وفيها ايضاً دلالة على ان الاحكام في الاسلام تابعة للمصالح الاجتماعية والشخصية للمكلفين، وإن خفيت عن انظار الناس وعقولهم.

          3 ـ قوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

          والسائلون هم اهل الشرك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام. وقد روي ان رسول الله (صلى الله عليه واله) بعث عبد الله بن جحش على سرية، قبل قتال بدر بشهرين. فترصدوا لقافلة من قريش وقتلوا نفرا منهم وأسروا آخرين واستاقوا العير الى المدينة وفيها تجارة من الطائف، ولكن النبي (صلى الله عليه واله) ابى ان يأخذ منها شيئاً. فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي (صلى الله عليه واله) فقالوا : أيحلّ القتال في الشهر الحرام «وهو رجب» ؟ فانزل الله هذه الآية. وعندها قسّم النبي (صلى الله عليه واله) هذه الغنيمة على المقاتلين بعد ان عزل منها الخمس.

          ومعنى الآية انهم كانوا يسألون النبي (صلى الله عليه واله) عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام، فاجابهم تعالى عبر مخاطبته محمداً (صلى الله عليه واله) : قل يامحمد ان ذلك كبير وذنب عظيم، ولكن الكفر بالله وصد المسلمين عن بيت الله ودينه وإخراجهم عن وطنهم مكة اعظم عند الله واكبر وزراً واعظم إثماً.

          وقد عبّرت الآية الشريفة عن ان {...الفتنة اكبر من القتل} ، ولفظها يوحي بان ما ارتكبه المشركون من الشرك بالله هو فتنةٌ في الدين. وتلك اكبر من القتل، لان الفتنة تفضي الى القتل في الدنيا والى استحقاق العذاب في الآخرة.

          4 ـ قوله تعالى : {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 191 - 193].

          والآيات الشريفة ناظرة الى كيفية القتال مع المشركين من حيث النهي عن ابتدائهم بقتال او قتل في الحرم حتى يبتدئ المشركون بذلك، مسميةً الكفر «فتنةً». لانه اعظم من القتل فهو يؤدي الى الهلاك. ولذلك ورد في الاخبار قوله (صلى الله عليه واله) : لا يجتمع في جزيرة العرب دينان.

          وبيّنت تلك الآيات ايضاً غاية وجوب القتال، وهي : محاربة الشرك او «الفتنة» حتى تكون الطاعة لله والانقياد لامره، حتى يظهر الاسلام على العالم باجمعه. والآية محمولة على الغالب، فان قتالهم لا يزيل الكفر رأساً. بل ان كل فرد يُقتل يُزال كفره. ففي هذه الآية اوجب قتالهم حيثما وجدوا وادركوا في الحل او الحرم، سواء قاتلوا او لم يقاتلوا، واوجب اخراجهم من مكة. وبها استدل الفقهاء على عدم جواز إسكان المشركين مكة. 

الصنف الثاني : في شرائط القتال

          وفي القتال شرائط منها : القدرة على الجهاد بالنفس والمال، وضرورة مقاتلة الاقرب فالاقرب من الكفار، والصبر في ساحة المعركة، وحرمة الفرار وقت الزحف. وتفصيلها:

1- شرط القدرة على الجهاد : وفيه قوله تعالى : {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 91 - 93].

وفي تلك الآيات دلالة على عدم وجوب الجهاد على الضعفاء من اصحاب العجز والنقص التكويني، والمرضى، والذين ليس معهم نفقات الخروج وآلة السفر. ومفهوم الآية هو وجوب الجهاد على القادرين جسدياً ومالياً على تحمل اعبائه.

وقيل ان الآية نزلت في البكائين وهم سبعة نفر من الفقراء لم يجدوا مالاً يساعدهم على الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه واله).

2 ـ وجوب مقاتلة الاقرب فالاقرب اليهم من الكفار: وفيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين} [التوبة: 123] ومعنى الآية الشريفة هو الامر بمقاتلة الكفار بقتال الاقرب منهم فالاقرب، فلا يجوز التخطي عنه الى الابعد لان ذلك يؤدي الى الضرر.

          واستدل بعض الفقهاء على وجوب دفاع اهل كل ثغر عن انفسهم، اذا خافوا على بيضة الاسلام. ووجه الدلالة في ذلك إطلاق الامر بالقتال من غير تقييد.

3 ـ الصبر في ساحة المعركة: وفيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 65، 66].

          ودلالتها مصابرة المقاتل المسلم امام عشرة من المقاتلين المشركين، ووعده عز وجل بانهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده. واذا وقع العكس، فان ذلك يدلّ على فقدان الشرط وهو عدم الصبر عند المسلمين. ذلك ان الكفار جهلة بالله واليوم الآخر لا يستحقون الا الهوان والخذلان، ولا يثبتون ثبات المؤمنين الذين يطلبون رجاء الله سبحانه سواءً قتَلوا او قُتِلوا.

          وكان الحكم بوجوب ثبات العشرين للمائتين، والمائة للالف في مبدأ الاسلام، ولكن ذلك شقّ على المسلمين لضعف مصابرتهم وبصيرتهم، فنُسخ عنهم بقوله تعالى: {الآن خفف عنكم وعلم ان فيكم ضعفاً}، فاصبح الحكم الجديد هو وجوب ثبات المائة الصابرة امام المائتين وغلبتها، والالف امام الالفين. فتحول الحكم من حتمية انتصار جيش من المسلمين الصابرين حجمه عشرة بالمائة من جيش العدو، الى حتمية انتصار جيش من المسلمين الصابرين حجمه خمسين بالمائة من جيش العدو بشرط المصابرة.

          4 ـ حرمة الفرار وقت الزحف: وفيه قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16]، وفيها دلالة على تحريم الفرار وقت الزحف. والزحف هو الدنو من قبل الطرفين المتحاربين من اجل الالتحام قتالياً. الا ان يكون تغريراً للعدو بالكرّ بعد الفرّ، بان يخيّل للعدو انه منهزم عنه ثم يعطف عليه فانه من مكائد الحرب، او الاستنجاد بفئة اخرى من المسلمين وهو ما يسمى بالانحياز الى فئة. وعلى اية حال، فان الفار من المعركة قد {بآء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} وهو وعيد عظيم بخصوص العقوبة الآخروية على جريمة الفرار من ساحة القتال مع المشركين.

الصنف الثالث : في صفة القتال

          فطالما كانت الحرب قائمة، فان الكافر يُقتل حال المحاربة. ولكن اذا انتهى القتال تبدأ عملية الاسر. فيكون الحكم في صفة القتال هو : "وجوب القتل اذا اُخذ الكفار حال المحاربة، والاسر بعد انتهاء القتال". وفيه قوله تعالى : {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]، ومقتضى الآية الشريفة وجوب قتل المشركين اذا اخذوا حال المقاتلة والمحاربة. ويعبّر لفظ «ضرب الرقاب» عن القتل. و«الإثخان» عن كثرة قتلهم. وعندها، حين يتم استسلامهم، ينبغي اسر الباقين منهم واطلاق سراحهم لاحقاً اما من غير فداء واما بفدية مالية يدفعها الاسير.

ومقتضى الآية التخيير بين الامرين بعد انقضاء الحرب. واثبت الفقهاء الاسترقاق ايضاً، فاصبح التخيير بين الثلاثة لقيام الدليل عليه من خارج. ولاشك ان الحرب تنقضي بتلك الصورة فلا يبقى الا مسلم او مسالم. ولذلك قال الشاعر :

وأعددت للحرب أوزارها *** رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً

الصنف الرابع : بين الحرب والسلم

          وحدد القرآن الكريم اصناف الذين ينبغي محاربتهم، وهم : المشركون، واهل الكتاب الذين لا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله حتى يعطوا الجزية. وحدد ايضاً طبيعة السلم والهدنة اذا دعت الحاجة الى ذلك.

1 ـ المَعنيون بالمقاتلة :

          أ- اهل الكتاب الذين لا يحرّمون ما حرّم اللهُ ورسولُه: وفيه قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]وهذه الآية صريحة في ان اهل الكتاب الذين تؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون بالله واليوم الآخر. فهم بمنـزلة المشركين في عبادة الله تعالى بالكفر. وهؤلاء لا يحرمون ما حرّم الله ورسوله اي موسى وعيسى (عليه السلام) وهم يزعمون متابعتهم. وقد قال تعالى في موضع آخر عن اليهود بانهم {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46].

          ب- المشركون: وفيه قوله تعالى في آيتين. الاولى{...وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً...} [التوبة: 36]، والثانية: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ...} [التوبة: 5].

          الآية الاولى دعت المؤمنين الى قتال المشركين جميعاً مؤتلفين غير مختلفين، ودعتهم ايضاً الى عدم التمسك منهم بعهد ولا ذمة الا من كان من اهل الجزية واعطاها عن صغار.

          الآية الثانية امهلت المشركين مدة معينة وهي مدة انقضاء الاشهر الحرم، وبعدها يوضع فيهم السيف إن كانوا في الاشهر الحرم او في غيرها، في الحل او في الحرم. وهذه الآية ناسخة لكل آية وردت في الصلح او الاعراض عنهم.

2 ـ السلم :

          وفيه قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]، وفيها دلالة على جواز الهدنة، وهي المعاهدة على ترك الحرب ووضع اوزارها مدة معينة بعوض او بدون عوض. خصوصاً اذا كانت الحاجة تدعو الى المهادنة لضعف المسلمين عن المقاومة او غير ذلك. وقد روى الجمهور ان النبي (صلى الله عليه واله) صالح سهيل بن عمرو على وضع القتال عشر سنين.

المعارك الكبرى

          وقد كان حثّ القرآن الكريم على القتال والجهاد، بما فيها من دم وجرح وقتل، مدعاة لنشوء معارك كبرى خاضها الاسلام ضد الشرك. وكانت معارك بدر الكبرى، واُحد، والخندق، وخيبر، وذات السلاسل، وحُنين معارك كبرى بلحاظ النتائج المتمخضة عنها والآثار التي سببتها. وكان من آثارها ردع العدو الذي تمثّل بفتح مكة دون سفك دماء، وتبوك حيث دُفعت الجزية وتمت المصالحة عليها. وهكذا ادّت الشجاعة العظمى وحب لقاء الله بالموت على فراش الاسنّة، دورها الحقيقي في نشر الاسلام بين الناس وتثبيت اسس الدين في المجتمع الانساني.

الغزوات الثانوية

          وما ذكرناه كان مجمل حروب الامام (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه واله)، ولاشك ان علياً (عليه السلام) شارك في غزوات اخرى بقيادة رسول الله (صلى الله عليه واله) وقتل فيها ابطال المشركين، كغزوة بني النضير، وغزوة بني المصطلق، وغزوة وادي القرى، وغزوة الطائف. ولكن المقاومة في تلك الغزوات كانت ضعيفة، وكان العدو يستسلم في الجولة الاولى من المعركة. فكانت حروباً ثانوية من هذا المنظار.

 

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.