المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16676 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


ما ذا أبدعه الإسلام في أمر المرأة  
  
1428   10:14 صباحاً   التاريخ: 5-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج2 , ص228-235
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قضايا إجتماعية في القرآن الكريم /

 لا زالت [الأمم] بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك، و تحبسها في سجن الذلة و الهوان حتى صار الضعف و الصغار طبيعة ثانية لها، عليها نبتت لحمها و عظمها و عليها كانت تحيا و تموت، و عادت ألفاظ المرأة و الضعف و الهوان كاللغات المترادفة بعد ما وضعت متباينة، لا عند الرجال فقط بل و عند النساء - و من العجب ذلك - و لا ترى أمة من الأمم وحشيها و مدنيها إلا و عندهم أمثال سائرة في ضعفها و هوان أمرها، و في لغاتهم على اختلاف أصولها و سياقاتها و ألحانها أنواع من الاستعارة و الكناية و التشبيه مربوطة بهذه اللفظة المرأة يقرع بها الجبان، و يؤنب بها الضعيف، و يلام بها المخذول المستهان و المستذل المنظلم، و يوجد من نحو قول القائل:

و ما أدري و ليت أخال أدري.                 أ قوم آل حصن أم نساء.

مئات و ألوف من النظم و النثر في كل لغة.

و هذا في نفسه كاف في أن يحصل للباحث ما كانت تعتقده الجامعة الإنسانية في أمر المرأة و إن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير و التواريخ من مذاهب الأمم و الملل في أمرها، فإن الخصائل الروحية و الجهات الوجودية في كل أمة تتجلى في لغتها و آدابها.

و لم يورث من السابقين ما يعتني بشأنها و يهم بأمرها إلا بعض ما في التوراة و ما وصى به عيسى بن مريم (عليهما السلام) من لزوم التسهيل عليها و الإرفاق بها.

و أما الإسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن بها قاطنوها، و خالفهم جميعا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم و أعفت آثارها، و ألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقادا و ما كانت تسير فيها سيرتها عملا.

أما هويتها: فإنه بين أن المرأة كالرجل إنسان و أن كل إنسان ذكرا أو أنثى فإنه إنسان يشترك في مادته و عنصره إنسانان ذكر و أنثى و لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، فجعل تعالى كل إنسان مأخوذا مؤلفا من إنسانين ذكر و أنثى هما معا و بنسبة واحدة مادة كونه و وجوده، و هو سواء كان ذكرا أو أنثى مجموع المادة المأخوذة منهما، و لم يقل تعالى: مثل ما قاله القائل.

                              و إنما أمهات الناس أوعية.

و لا قال مثل ما قاله الآخر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا.                        بنوهن أبناء الرجال الأباعد.

بل جعل تعالى كلا مخلوقا مؤلفا من كل.

فعاد الكل أمثالا، و لا بيان أتم و لا أبلغ من هذا البيان، ثم جعل الفضل في التقوى.

و قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [آل عمران: 195] ، فصرح أن السعي غير خائب و العمل غير مضيع عند الله و علل ذلك بقوله: (بعضكم من بعض) فعبر صريحا بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة: (إنا خلقناكم من ذكر و أنثى)، و هو أن الرجل و المرأة جميعا من نوع واحد من غير فرق في الأصل و السنخ.
ثم بين بذلك أن عمل كل واحد من هذين الصنفين غير مضيع عند الله لا يبطل في نفسه، و لا يعدوه إلى غيره، كل نفس بما كسبت رهينة، لا كما كان يقوله الناس: إن عليهن سيئاتهن، و للرجال حسناتهن من منافع وجودهن، و سيجيء لهذا الكلام مزيد توضيح.

و إذا كان لكل منهما ما عمل و لا كرامة إلا بالتقوى، و من التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته، و العلم النافع، و العقل الرزين، و الخلق الحسن، و الصبر، و الحلم فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان، أو المليئة علما، أو الرزينة عقلا، أو الحسنة خلقا أكرم ذاتا و أسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام، كان من كان، فلا كرامة إلا للتقوى و الفضيلة.

و في معنى الآية السابقة و أوضح منها قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97] ، و قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40] ، و قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124] و قد ذم الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بمثل قوله و هو من أبلغ الذم: "و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون": النحل 58- 59، و لم يكن تواريهم إلا لعدهم ولادتها عارا على المولود له، و عمدة ذلك أنهم كانوا يتصورون أنها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتع بها، و ذلك نوع غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن، فيعود عاره إلى بيتها و أبيها، و لذلك كانوا يئدون البنات و قد سمعت السبب الأول فيه فيما مر و قد بالغ الله سبحانه في التشديد عليه حيث قال: "و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت": التكوير 8- 9.

و قد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم، و لم يغسل رينها من قلوبهم المربون، فتراهم يعدون الزنا عارا لازما على المرأة و بيتها و إن تابت دون الزاني و إن أصر، مع أن الإسلام قد جمع العار و القبح كله في المعصية، و الزاني و الزانية سواء فيها.

و أما وزنها الاجتماعي: فإن الإسلام ساوى بينها و بين الرجل من حيث تدبير شئون الحياة بالإرادة و العمل فإنهما متساويان من حيث تعلق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل و الشرب و غيرهما من لوازم البقاء، و قد قال تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195] ، فلها أن تستقل بالإرادة و لها أن تستقل بالعمل و تمتلك نتاجهما كما للرجل ذلك من غير فرق، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].

فهما سواء فيما يراه الإسلام و يحقه القرآن و الله يحق الحق بكلماته غير أنه قرر فيها خصلتين ميزها بهما الصنع الإلهي: إحداهما: أنها بمنزلة الحرث في تكون النوع و نمائه فعليها يعتمد النوع في بقائه فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث، و تمتاز بذلك من الرجل.

و الثانية أن وجودها مبني على لطافة البنية و رقة الشعور، و لذلك أيضا تأثير في أحوالها و الوظائف الاجتماعية المحولة إليها.

فهذا وزنها الاجتماعي، و بذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع، و إليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما و ما يختص به أحدهما في الإسلام، قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء: 32] ، يريد أن الأعمال التي يهديها كل من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به من الفضل، و أن من هذا الفضل ما تعين لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث، و فضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها، فلا ينبغي أن يتمناه متمن، و منه ما لم يتعين إلا بعمل العامل كائنا من كان كفضل الإيمان و العلم و العقل و التقوى و سائر الفضائل التي يستحسنها الدين، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، و اسألوا الله من فضله، و الدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعده: (الرجال قوامون)، على ما سيجيء بيانه.

و أما الأحكام المشتركة و المختصة: فهي تشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية و الحقوق الاجتماعية فلها أن تستقل فيما يستقل به الرجل من غير فرق في إرث و لا كسب و لا معاملة و لا تعليم و تعلم و لا اقتناء حق و لا دفاع عن حق و غير ذلك إلا في موارد يقتضي طباعها ذلك.

و عمدة هذه المورد: أنها لا تتولى الحكومة و القضاء، و لا تتولى القتال بمعنى المقارعة لا مطلق الحضور و الإعانة على الأمر كمداواة الجرحى مثلا، و لها نصف سهم الرجل في الإرث، و عليها: الحجاب و ستر مواضع الزينة، و عليها: أن تطيع زوجها فيما يرجع إلى التمتع منها، و تدورك ما فاتها بأن نفقتها في الحياة على الرجل: الأب أو الزوج، و أن عليه أن يحمي عنها منتهى ما يستطيعه، و أن لها حق تربية الولد و حضانته.

و قد سهل الله لها أنها محمية النفس و العرض حتى عن سوء الذكر، و أن العبادة موضوعة عنها أيام عادتها و نفاسها، و أنها لازمة الإرفاق في جميع الأحوال.

و المتحصل من جميع ذلك: أنها لا يجب عليها في جانب العلم إلا العلم بأصول المعارف و العلم بالفروع الدينية أحكام العبادات و القوانين الجارية في الاجتماع، و أما في جانب العمل فأحكام الدين و طاعة الزوج فيما يتمتع به منها، و أما تنظيم الحياة - الفردية بعمل أو كسب بحرفة أو صناعة و كذا الورود فيما يقوم به نظام البيت و كذا - المداخلة في ما يصلح المجتمع العام كتعلم العلوم و اتخاذ الصناعات و الحرف المفيدة - للعامة و النافعة في الاجتماعات مع حفظ الحدود الموضوعة فيها فلا يجب عليها شيء من ذلك، و لازمه أن يكون الورود في جميع هذه الموارد من علم أو كسب أو شغل أو تربية و نحو ذلك كلها فضلا لها تتفاضل به، و فخرا لها تتفاخر به، و قد جوز الإسلام بل ندب إلى التفاخر بينهن، مع أن الرجال نهوا عن التفاخر في غير حال الحرب.

و السنة النبوية تؤيد ما ذكرناه، و لو لا بلوغ الكلام في طوله إلى ما لا يسعه هذا المقام لذكرنا طرفا من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع زوجته خديجة و مع بنته سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) و مع نسائه و مع نساء قومه و ما وصى به في أمر النساء و المأثور من طريقة أئمة أهل البيت و نسائهم كزينب بنت علي و فاطمة و سكينة بنتي الحسين و غيرهن على جماعتهم السلام، و وصاياهم في أمر النساء.

و لعلنا نوفق لنقل شطر منها في الأبحاث الروائية المتعلقة بآيات النساء فليرجع المراجع إليها.

و أما الأساس الذي بنيت عليه هذه الأحكام و الحقوق فهو الفطرة، و قد علم من الكلام في وزنها الاجتماعي كيفية هذا البناء و نزيده هاهنا إيضاحا فنقول: لا ينبغي أن يرتاب الباحث عن أحكام الاجتماع و ما يتصل بها من المباحث العلمية أن الوظائف الاجتماعية و التكاليف الاعتبارية المتفرعة عليها يجب انتهاؤها بالأخرة إلى الطبيعة، فخصوصية البنية الطبيعية الإنسانية هي التي هدت الإنسان إلى هذا الاجتماع النوعي الذي لا يكاد يوجد النوع خاليا عنه في زمان، و إن أمكن أن يعرض لهذا الاجتماع المستند إلى اقتضاء الطبيعة ما يخرجه عن مجرى الصحة إلى مجرى الفساد كما يمكن أن يعرض للبدن الطبيعي ما يخرجه عن تمامه الطبيعي إلى نقص الخلقة، أو عن صحته الطبيعية إلى السقم و العاهة.

فالاجتماع بجميع شئونه و جهاته سواء كان اجتماعا فاضلا أو اجتماعا فاسدا ينتهي بالأخرة إلى الطبيعة و إن اختلف القسمان من حيث إن الاجتماع الفاسد يصادف في طريق الانتهاء ما يفسده في آثاره بخلاف الاجتماع الفاضل.

فهذه حقيقة، و قد أشار إليها تصريحا أو تلويحا الباحثون عن هذه المباحث و قد سبقهم إلى بيانه الكتاب الإلهي فبينه بأبدع البيان قال تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] ، و قال تعالى: "الذي خلق فسوى و الذي قدر فهدى": الأعلى 2- 3، و قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8] ، إلى غير ذلك من آيات القدر.
فالأشياء و من جملتها الإنسان إنما تهتدي في وجودها و حياتها إلى ما خلقت له و جهزت بما يكفيه و يصلح له من الخلقة، و الحياة القيمة بسعادة الإنسان هي التي تنطبق أعمالها على الخلقة و الفطرة انطباقا تاما، و تنتهي وظائفها و تكاليفها إلى الطبيعة انتهاء صحيحا، و هذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

و الذي تقتضيه الفطرة في أمر الوظائف و الحقوق الاجتماعية بين الأفراد - على أن الجميع إنسان ذو فطرة بشرية - أن يساوي بينهم في الحقوق و الوظائف من غير أن يحبا بعض و يضطهد آخرون بإبطال حقوقهم، لكن ليس مقتضى هذه التسوية التي يحكم بها العدل الاجتماعي أن يبذل كل مقام اجتماعي لكل فرد من أفراد المجتمع، فيتقلد الصبي مثلا على صباوته و السفيه على سفاهته ما يتقلده الإنسان العاقل المجرب، أو يتناول الضعيف العاجز ما يتناوله القوي المتقدر من الشئون و الدرجات، فإن في تسوية حال الصالح و غير الصالح إفسادا لحالهما معا.

بل الذي يقتضيه العدل الاجتماعي و يفسر به معنى التسوية أن يعطى كل ذي حق حقه و ينزل منزلته، فالتساوي بين الأفراد و الطبقات إنما هو في نيل كل ذي حق خصوص حقه من غير أن يزاحم حق حقا، أو يهمل أو يبطل حق بغيا أو تحكما و نحو ذلك، و هذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى: و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة الآية، كما مر بيانه، فإن الآية تصرح بالتساوي في عين تقرير الاختلاف بينهن و بين الرجال.

ثم إن اشتراك القبيلين أعني الرجال و النساء في أصول المواهب الوجودية أعني، الفكر و الإرادة المولدتين للاختيار يستدعي اشتراكها مع الرجل في حرية الفكر و الإرادة أعني الاختيار، فلها الاستقلال بالتصرف في جميع شئون حياتها الفردية و الاجتماعية عدا ما منع عنه مانع و قد أعطاها الإسلام هذا الاستقلال و الحرية على أتم الوجوه كما سمعت فيما تقدم، فصارت بنعمة الله سبحانه مستقلة بنفسها منفكة الإرادة و العمل عن الرجال و ولايتهم و قيمومتهم، واجدة لما لم يسمح لها به الدنيا في جميع أدوارها و خلت عنه صحائف تاريخ وجودها، قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234].

لكنها مع وجود العوامل المشتركة المذكورة في وجودها تختلف مع الرجال من جهة أخرى، فإن المتوسطة من النساء تتأخر عن المتوسط من الرجال في الخصوصيات الكمالية من بنيتها كالدماغ و القلب و الشرايين و الأعصاب و القامة و الوزن على ما شرحه فن وظائف الأعضاء، و استوجب ذلك أن جسمها ألطف و أنعم كما أن جسم الرجل أخشن و أصلب، و أن الإحساسات اللطيفة كالحب و رقة القلب و الميل إلى الجمال و الزينة أغلب عليها من الرجل كما أن التعقل أغلب عليه من المرأة، فحياتها حياة إحساسية كما أن حياة الرجل حياة تعقليه.

و لذلك فرق الإسلام بينهما في الوظائف و التكاليف العامة الاجتماعية التي يرتبط قوامها بأحد الأمرين أعني التعقل، و الإحساس، فخص مثل الولاية و القضاء و القتال بالرجال لاحتياجها المبرم إلى التعقل و الحياة التعقلية إنما هي للرجل دون المرأة، و خص مثل حضانة الأولاد و تربيتها و تدبير المنزل بالمرأة، و جعل نفقتها على الرجل، و جبر ذلك له بالسهمين في الإرث و هو في الحقيقة بمنزلة أن يقتسما الميراث نصفين ثم تعطى المرأة ثلث سهمها للرجل في مقابل نفقتها أي للانتفاع بنصف ما في يده فيرجع بالحقيقة إلى أن ثلثي المال في الدنيا للرجال ملكا و عينا و ثلثيها للنساء انتفاعا فالتدبير الغالب إنما هو للرجال لغلبة تعقلهم، و الانتفاع و التمتع الغالب للنساء لغلبة إحساسهن.

و سنزيده إيضاحا في الكلام على آيات الإرث إن شاء الله تعالى ثم تمم ذلك بتسهيلات و تخفيفات في حق المرأة مرت الإشارة إليها.

فإن قلت: ما ذكر من الإرفاق البالغ للمرأة في الإسلام يوجب انعطالها في العمل فإن ارتفاع الحاجة الضرورية إلى لوازم الحياة بتخديرها، و كفاية مئونتها بإيجاب الإنفاق على الرجل يوجب إهمالها و كسلها و تثاقلها عن تحمل مشاق الأعمال و الأشغال فتنمو على ذلك نماء رديا و تنبت نباتا سيئا غير صالح لتكامل الاجتماع، و قد أيدت التجربة ذلك.
قلت: وضع القوانين المصلحة لحال البشر أمر، و إجراء ذلك بالسيرة الصالحة و التربية الحسنة التي تنبت الإنسان نباتا حسنا أمر آخر، و الذي أصيب به الإسلام في مدة سيرها الماضي هو فقد الأولياء الصالحين و القوام المجاهدين فارتدت بذلك أنفاس الأحكام، و توقفت التربية ثم رجعت القهقرى.

و من أوضح ما أفاده التجارب القطعي: أن مجرد النظر و الاعتقاد لا يثمر أثره ما لم يثبت في النفس بالتبليغ و التربية الصالحين، و المسلمون في غير برهة يسيرة لم يستفيدوا من الأولياء المتظاهرين بولايتهم القيمين بأمورهم تربية صالحة يجتمع فيها العلم و العمل، فهذا معاوية، يقول على منبر العراق حين غلب على أمر الخلافة ما حاصله: إني ما كنت أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا فذلك إليكم و إنما كنت أقاتلكم لأتأمر عليكم و قد فعلت، و هذا غيره من الأمويين و العباسيين فمن دونهم.

و لو لا استضاءة هذا الدين بنور الله الذي لا يطفأ و الله متم نوره و لو كره الكافرون لقضي عليه منذ عهد قديم.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .