أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2021
2341
التاريخ: 27-9-2019
2352
التاريخ: 2-2-2021
2249
التاريخ: 21-4-2020
1924
|
الشكر عبارة عن استعمال نعم اللّه فيما يحبه ، و الكفران عبارة عن نقيض ذلك - اعني ترك استعمالها فيه أو استعمالها فيما يكرهه - فلا بد من معرفة ما يحبه و ما يكرهه ، و تمييز محابه عن مكارهه ، حتى يتمكن من أداء الشكر و ترك الكفران ، لتوقفهما على معرفتهما و تمييزهما. وهذا التمييز والتعريف له مدركان :
أحدهما - الشرع ، فانه كشف عن جميع ما يحبه و ما يكرهه ، و عبر عن الأول بالواجبات و المندوبات ، و عن الثاني بالمحرمات و المكروهات.
فمعرفة ذلك موقوفة على معرفة جميع احكام الشرع في افعال العباد ، فمن لم يطلع على حكم في جميع افعاله ، لم يمكنه القيام بحق الشكر.
وثانيهما - العقل و النظر بعين الاعتبار، فان العقل متمكن - في الجملة - من أن يدرك بعض وجوه الحكم في بعض الموجودات , فان اللّه- سبحانه - ما خلق شيئا في العالم إلا و فيه حكم كثيرة ، و تحت كل حكمة مقصود و مصلحة ، و هذا المقصود و المصلحة هو محبوب اللّه تعالى .
فمن استعمل كل شيء على النحو الذي يؤدي إلى المقاصد المطلوبة و على الجهة التي خلق لها فقد شكر نعم اللّه - تعالى-، و إن استعمل شيئا على النحو الذي لم يؤد الى المقصودة منه أو في جهة غير الجهة التي خلق لها ، فقد كفر نعمة اللّه.
ثم العقل لا يتمكن من معرفة كل حكمة مطلوبة من كل شيء ، إذ الحكم المقصودة من الأشياء طما جلية او خفية , أما الجلية : كحكمة حصول الليل و النهار في وجود الشمس ، و حكمة انتشار الناس و سكونهم في وجود الليل و النهار، و حكمة انشقاق الأرض بأنواع النبات في وجود الغيم و نزول الأمطار، و حكمة الابصار في العين ، و البطش في اليد ، و المشي في الرجل ، و حصول الأولاد و بقاء النسل في آلات التناسل و خلق الشهوة ، و حكمة المضغ و الطحن في خلق الأسنان و أمثال ذلك , و أما الحكم الخفية : كالحكم التي في خلق الكواكب السيارة و الثابتة ، و اختصاص كل منها بقدر معين و موضع خاص ، و الحكم التي في بعض الأعضاء الباطنية للحيوان ، من الامعاء و المرارة و الكلية و آحاد العروق و الاعصاب و العضلات ، و ما فيها من التجاويف و الالتفاف و الاشتباك و الانحراف و الدقة و الغلظة و غير ذلك.
فهذه الحكم و أمثالها لا يعرفها كل أحد ، و من يعرف منها شيئا فلا يعرف إلا قدرا يسيرا , فان جميع اجزاء العالم ، سماءه و كواكبه ، و ما فيها من الاوضاع و الحركة و الاختصاصات ، و عناصره من كثرة النار و الهواء و الماء و الأرض ، و ما فيها من البحار و الجبال و الرياح و المعادن و النبات و الحيوان ، لا تخلو ذرة من ذراته من حكم كثيرة من عشرة إلى الف او أكثر، و قليل منها جلية ، و أكثرها دقيقة خفية ، و بعضها متوسط في الجلاء و الخفاء ، يعرفها المتفكرون في خلق السماوات و الأرض ، و أكثر الحكم الدقيقة مما لا يعرفها غير خالقها و موجدها , ثم ما عدا الإنسان من الأشياء المجردة و المادية ، و الروحانية و الجسمانية ، جارية على وفق الحكمة ، و مستعملة ذواتها و اجزاؤها و ما يتعلق بها على الوجه الذي هو مقتضى المصلحة المقصودة منها.
وأما الإنسان ، فلكونه محل الاختيار و مجراه ، فقد يجري و يستعمل الأشياء التي يتمكن من استعمالها على خلاف ذلك ، فيكون كافرا بنعمة اللّه سبحانه.
فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اللّه في اليد ، اذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يؤذيه و يأخذ ما ينفعه ، لا ليهلك به غيره، و من نظر إلى وجه غير المحرم فقد كفر نعمة العين لانها خلقت ليبصر بها ما ينفعه في دينه و دنياه ، و يتقي بها ما يضره فيهما ، و من ادخر الدراهم و الدنانير و حبسهما فقد كفر نعمة اللّه فيهما ، لانهما حجران لا منفعة و لا عوض في اعيانهما و انما خلقهما اللّه تعالى ليكونا حاكمين يحصل بهما التعديل و المساواة و التقدير بين سائر الأموال من الأعيان المتنافرة المتباعدة ، فهما عزيزان في أنفسهما.
ولا غرض في اعينهما , و نسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة , فمن ملكهما فكأنه ملك كل شيء ، لا كمن ملك ثوبا ، فانه لا يملك الا الثوب , فان احتاج إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام في الثوب ، اذ لا غرض له في ذاته ، بخلاف النقدين ، فانهما من حيث الصورة كأنهما ليسا بشيء ، و من حيث المعنى كأنهما كل شيء , و الأشياء انما تستوى نسبتها إلى المختلفات اذا لم يكن لها صورة خاصة تقيدها بخصوصها - كالمرآة لا لون لها و تحكى كل لون ، و كالحرف لا معنى لها في نفسها ، بل تظهر لها المعاني في غيرها ، و كذلك النقدان ، لا غرض فيهما مع كونهما وسيلة إلى كل غرض , فالحكمة في خلقهما أن يحكما بين الأموال بالعدل ، و تعرف بهما المقادير المختلفة ، و تقوم بهما الأشياء المتباينة ، و يحصل التوسل بهما إلى سائر الأموال , فيلزم اطلاقهما لتداولهما الايدي ، و تحصل بهما التسوية في تبادل الأعيان و المنافع المتخالفة ، فمن اذخرهما و حبسهما فقد ظلمهما ، و أبطل الحكمة فيهما ، و كفر نعمة اللّه فيهما وكان كمن حبس حاكم المسلمين في سجن ، و من لم يدخرهما و لم يتصرف أزيد مما يحصل به التوصل إلى ما يحتاج و انفق الزائد في سبيل اللّه ، فهو الذي استعملهما على وفق الحكمة و شكر نعمة اللّه فيهما , و لما عجز أكثر الناس عن قراءة الاسطر الإلهية المكتوبة على صفحاتهما في فائدتهما و حكمتهما بخط إلهي لا حرف فيه و لا صوت ، أخبرهم اللّه عن ذلك بقوله : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] .
وبما ذكرنا من وجه الحكمة فيهما ، يظهر أن من اتخذ الأواني منهما فقد كفر نعمة اللّه فيهما أيضا ، و كذا من عامل معاملة الربا فيهما فقد كفر النعمة و ظلم ، لأنهما , خلقا لغيرهما لا لأنفسهما ، إذ لا غرض في عينهما ، فإذا اتجر في عينهما فقد اتخذهما مقصودا لأنفسهما على خلاف وضع الحكمة ، و كذلك الحكمة في خلق الأطعمة أن يغتذى بها ، فلا ينبغي أن تصرف عن جهتها و تقيد في الايدي ، بل اللازم أن تخرج عن يدي المستغني عنها الى المحتاج.
ولذا ورد في الشرع حرمة الاحتكار و المنع عن معاملة الربا في الأطعمة ، لان ذلك يوجب صرفها عن الحكمة المقصودة منها , و إذا عرفت ذلك ، فقس عليه جميع افعالك و اعمالك و حركاتك و سكناتك ، فان كل فعل يصدر منك إما شكر أو كفران لا يتصور أن ينفك عنهما مثلا لو استنجيت باليمين ، فقد كفرت نعمة اليدين ، اذ خلق اللّه اليدين و جعل أحداهما أقوى و استحق الاقوى لرجحانه التفضيل ، و تفضيل الناقص عليه عدول عن العدل ، و هذا التفضيل انما يتصور بأن تصرف الاقوى في الافعال الشريفة ، كأخذ المصحف وأكل الطعام ، و تصرف الاضعف في الاعمال الخسيسة ، كازالة النجاسة ، فمن خالف ذلك فقد عدل عن العدل وأبطل الحكمة و كفر النعمة. و كذلك إذا لبست خفك فابتدأت باليسرى فقد ظلمت لان الخف وقاية للرجل ، فللرجل فيه حظ ، و البداء في الحظوظ ينبغي أن تكون بالأشرف ، و هو العدل و العمل على وفق الحكمة ، فخلافه ظلم و كفران.
وكذلك ان استقبلت القبلة عند قضاء الحاجة ، فقد كفرت نعمة اللّه في خلق الجهات و خلق سعة العالم ، لانه خلق الجهات متعددة متسعة ، و شرف بعضها بأن وضع فيه بيته ، فينبغي استقباله بالأفعال الشريفة ، كالصلاة و الجلوس للذكر و الاغتسال و الوضوء ، دون الافعال الخسيسة كقضاء الحاجة و رمي البزاق ، فمن قضى حاجته أو رمى بزاقه إلى جهة القبلة فقد ظلمها و كفر نعمة اللّه ، و كذلك من كسر غصنا من شجرة من غير حاجة مهمة ، و من غير غرض صحيح ، فقد كفر نعمة اللّه في خلق الأشجار و في خلق اليد , أما اليد فلأنها لم تخلق للعبث ، بل للطاعة المعينة عليها , و أما الشجر، فلان اللّه - تعالى- خلقه ، و خلق له العروق و ساق إليه الماء ، و خلق فيه قوة الاغتذاء و النماء ليبلغ منتهى نشوه فينتفع به عباده ، فكسره قبل منتهى نشوه لا على وجه ينتفع به عباده مخالفة لمقصود الحكمة و عدول عن العدالة.
نعم ان كان له غرض صحيح في كسره فله ذلك , اذ الشجر و الحيوان جعلا فداءين لأغراض الإنسان ، فانهما جميعا فانيان هالكان ، فافناء الاخس في بقاء الأشرف مدة ما أقرب إلى العدل من تضييعهما جميعا.
و إليه الإشارة بقوله- تعالى- : {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [الجاثية : 13].
ثم هذه الافعال المتصفة بالكفران ، بعضها يوجب نقصان القرب و انحطاط المنزلة ، و بعضها يخرج بالكلية عن حدود القرب إلى عالم البعد الذي هو أفق الشياطين , و لذلك يوصف بعضها في لسان الفقه - بالكراهة و بعضها بالحظر.
وقد سومح في الفقه حيث جعل فيه بعض هذه المكاره مكروهة غير محظورة ، مع ان جميعها عدول عن العدل ، و كفران للنعمة ، و نقصان عن الدرجة المبلغة إلى القرب ، لأن الخطاب به انما هو الى العوام الذين تقرب درجتهم من درجة الأنعام ، و قد انغمسوا في ظلمات أعظم من ان تظهر أمثال هذه الظلمات بالإضافة إليها.
فان المعاصي كلها ظلمات ، الا أن بعضها فوق بعض ، فيتمحق بعضها في جنب البعض , و لذا ترى أن السيد يعاتب عبده إذا استعمل سكينه بغير إذنه ، و لكن لو قتل بهذا السكين أعز أولاده لم يبق لاستعمال السكين بغير إذنه حكم و نكاية في نفسه , و لذا جميع هذه المكاره موصوفة عند أرباب القلوب بالحظر، و لا يتسامحون في شيء مما راعاه الأنبياء و الأولياء من الآداب , حتى نقل : «ان بعضهم جمع اكرارا من الحنطة ليتصدق بها ، فسئل عن سببه فقال : لبست المداس مرة فابتدأت بالرجل اليسرى سهوا ، فأريد ان أكفره بالصدقة».
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|