أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-2-2019
6042
التاريخ: 22-2-2019
7330
التاريخ: 17-2-2019
1570
التاريخ: 17-2-2019
1218
|
إدراك المبنى بواسطة النظر إلى العلامة لا يعد من العمليات العقلية الكبرى في التحليل, وإنما تأتي الصعوبة عند إرادة تعيين المعنى بواسطة المبنى, فلقد أشرنا من قبل إلى أن المعنى الوظيفي متعدد بالنسبة للمبنى الواحد, فبالنسبة لكلمة "قفا" التي أوردناها منذ قليلٍ يمكن للألف أن تكون ألف الاثنين, أما بالنسبة للاسم المرفوع فمن المعاني الصالحة له الفاعل ونائبه والمبتدأ والخبر إلخ, وأما بالنسبة لمبنى "ما" فقد رأينا من قبل أنها تصلح على إطلاقها للشرط والاستفهام والموصول والمصدرية وأن تكون كافة أو زائدة إلخ, بل إنها في هذا الموضع بالذات رأينا أن النحاة اختلفوا فيها بين أن تكون:
أ- نكرة تامَّة بمعنى "شيء".
ب- استفهامية.
جـ- معرفة ناقصة بمعنى "الذي".
د- نكرة ناقصة وبعدها صفة.
وإن كانوا اتفقوا على أنها اسم وأنها مبتدأ, والمغزى من وراء كل ذلك أنّ ما يتسم به المعنى الوظيفي للمبنى الواحد من التعدد والاحتمال يجعل الناظر
ص180
في النص يسعى دائمًا وراء القرائن اللفظية والمعنوية والحالية ليرى أيّ المعاني المتعددة لهذا المبنى هو المقصود, ومن هنا نرى التفاضل بين المعربين للجملة الواحدة.
والكشف عن العلاقات السياقية "أو التعليق كما يسميه عبد القاهر" هو الغاية من الإعراب, فإذا طلب إلينا مثلًا أن نعرب جملة مثل: "ضرب زيد عمرًا" نظرنا في الكلمة الأولى "ضرب" فوجدناها قد جاءت على صيغة "فَعَلَ", ونحن نعلم أن هذه الصيغة تدل على الفعل الماضي سواء من حيث صورتها أو من حيث وقوفها بإزاء "يَفْعَلُ وافْعَل", فهي تندرج تحت قسم أكبر من بين أقسام الكلم يسمَّى "الفعل". ومن هنا نبادر إلى القول بأن: "ضرب فعل ماضي", ثم ننظر بعد ذلك في زيد فنلاحظ ما يأتي:
1- أنه ينتمي إلى مبنى الاسم "قرينة الصيغة".
2- أنه مرفوع "قرينة العلامة الإعرابية".
3- أن العلاقة بينه وبين الفعل الماضي هي علاقة الإسناد "قرينة التعليق".
4- أنه ينتمي إلى رتبة التأخر "قرينة الرتبة".
5- أن تأخره عن الفعل رتبة محفوظة "قرينة الترتبة".
6- أن الفعل معه مبني للمعلوم "قرينة الصيغة".
7- أن الفعل معه مسند إلى المفرد الغائب -وهذا إسناده مع الاسم الظاهر دائمًا- "قرينة المطابقة". وبسبب كل هذه القرائن نصل إلى أن "زيد" هو الفاعل, ثم ننظر بعد ذلك في "عمرًا" ونلاحظ:
1- أنه ينتمي إلى مبنى الاسم "قرينة الصيغة".
2- أنه منصوب "قرينة العلامة الإعرابية".
3- أن العلاقة بينه وبين الفعل هي علاقة التعدية "قرينة التعليق".
4- أن رتبته من كل من الفعل والفاعل هي رتبة التأخر "قرينة الرتبة".
5- أن هذه الرتبة غير محفوظة "قرينة الرتبة".
ص181
وبسبب هذه القرائن نسارع إلى القول بأن "عمرًا" مفعول به.
ولا شكَّ أن أصعب هذه القرائن من حيث إمكان الكشف عنها هي قرينة التعليق لأنها:
1- قرينة معنوية خالصة تحتاج إلى تأمُّل في بعض الأحيان.
2- إن التأمل فيها يقود في الأغلب الأعمِّ من الحالات إلى متاهات الأفكار الظنية التي لا تتصل اتصالًا مباشرًا بالتفكير النحوي, ونخرج لهذا السبب عن طبيعة الالتزام بحدود المنهج.
3- إن الكشف عن هذه القرينة هو الغاية الكبرى من التحليل الإعرابي, وما دام الناس يحسون ويعترفون بالإحساس بصعوبة الإعراب أحيانًا, فإن معنى ذلك أنّ من الصعب عليهم أن يكشفوا عن هذه القرينة المعنوية "قرينة التعليق", وهي أم القرائن النحوية جميعًا.
ولقد سبق أن قلنا: إن المعنى على مستوى النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي هو معنى وظيفي, أي: إن ما يُسَمَّى المعنى على هذا المستوى هو في الواقع وظيفة المبنى التحليلي, ثم يأتي معنى الكلمة المفردة "المعنى المعجمي", وما يكون بمجموع هذين المعنيين مضافًا إليهما القرينة الاجتماعية الكبرى التي نرتضي لها اصطلاح البلاغيين "المقام "context of situstion", وكل ذلك يصنع "المعنى الدلالي".
وإذا اتضح المعنى الوظيفي المذكور أمكَنَ إعراب الجملة دون حاجة إلى المعجم أو المقام, ذلك بأن وضوح المعنى الوظيفي هو الثمرة الطبيعية لنجاح عملية "التعليق", والذي يؤدي إليه هذا الفهم بالضرورة هو التسليم بأننا لو أبحنا لأنفسنا أن نتساهل قليلًا في أمر التمسُّك بالمعنى المعجمي فكوَّنَّا نسقًا نطقيًّا من صورة بنائية عربية لا معنى لها من الناحية المعجمية, لأمكن لنا أن نعرب هذا النسق النطقي. فمثلًا يمكننا:
1- أن نحافظ على أن يشتمل النسق النطقي الهرائي على حروف عربية.
2- وأن نحافظ على ظاهرة إدغام ما تماثل أو تقارب إلخ من هذه الحروف على الطريقة العربية.
ص182
3- وأن نحافظ على أن نقلد المباني الصرفية العربية, سواء مباني التقسيم والتصريف والقرائن.
4- وأن نحافظ بعد ذلك كله على مظهر العلاقات النحوي.
ولكننا مع المحافظة على كل هذا:
5- نتجاهل الاعتبارات المعجمية, فنجعل المباني التي اخترناها محققة بألفاظ هرائية لا معنى لها في المعجم.
6- ومن ثَمَّ لا يكون النسق النطقي الذي "اقترفناه" جملة عربية بآية صورة من صور الجملة.
انظر مثلًا إلى ما يأتي:
قَاصَ التَّجِينُ شِحَالَه بِتَريسِهِ ... فاخِي فَلَمْ يَسْتَفِ بِطَاسيةِ الْبَرَنْ
إن من حسن الحظ أن ابن إسحاق -رضي الله عنه- لم يتأخر به زمانه حتى يقرأ ما يبدو هنا أنه أريد به أن يكون من قبيل الشعر, ولو قد حدث هذا لعده من شعر الجنّ, أو لزعم أن آدم قاله قبل أن يعلمه الله الأسماء كلها، ربما دون أن يردف ذلك بقوله: والله أعلم.
ونلاحظ هنا أن كل الأشراط التي حددناها منذ قليل لهذا النسق ووضعن لها أرقامًا من 1 إلى 6 قد تحققت تمامًا في هذا النسق النطقي, فحين تحقق له ما وصفنا أصبح من الممكن أن نعرب النص بنجاح تامّ فنقول:
قاص: فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
التجين: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
شحال: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
الهاء: مضاف إليه مبني على الضم في محل جر.
الباء: حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.
تريس: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
الهاء: مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر.
ص183
الفاخي: نعت "لتريس" مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل.
الفاء: حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
لم: حرف نفي وجزم وقلب مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
يستف: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، والفاعل مستتر جوازًا تقديره "هو".
الباء: حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.
طاسية: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
البرن: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره, منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الروي. والبيت من الكامل, وهو مستوفٍ للمطالب الشكلية حتى من الناحية العروضية.
هذا الإعراب الكامل التفاصيل يبيِّن إلى أيّ حدٍّ نستطيع الاتكال في التحليل اللغوي على ما أطلقنا عليه الاصطلاح "المعنى الوظيفي", فهذا المعنى الوظيفي يحدد الفهم صوتيًّا من حيث إن الحرف مقابل استبدالي, وصرفيًّا من حيث إن المبنى إطار شكلي يتحقق بالعلامة, ونحويًّا من حيث إن العلاقة السياقية تكشف لنا عن ترابط المباني التي تحققت بالعلامات في سياق النص. أما ما فوق ذلك من معنى الكلمة المفردة أو معنى المقام, أي: المعنى الدلالي الكامل, فذلك ما لا يوصل إليه بواسطة المبنى فقط.
ولو كان الإعراب فرع المعنى الدلالي ما استطعنا كذلك أن نعرب قول المجنون بن جندب:
محكوكة العينين معطاء القفا ... كأنما قدت على متن الصفا
تمشي على متن شراك أعجفا ... كأنما ينشر فيه مصحفا
فإن أبا العلاء العماني لم يستطع تفسير ذلك, ولم يستطع ذلك أبو عبيدة ولا الأصمعي ولا أبو زيد, وقال أبو زيد: إنه كلام مجنون ولا يعرف كلام المجانين إلّا مجنون(1).
ص184
وما دام الإعراب بحاجة إلى نتائج الصوتيات والصرف, فإننا لن نستطيع إلّا لأغراض البحث أن نفصل في الفهم بين الصوتيات والصرف والنحو, وهذا هو الذي أكدته تمامًا في الفصل الأول حين عقدت تشبيهًا لأنظمة اللغة بأجهزة الجسم الإنساني. فكما أن وظيفة النموِّ تتوقف في الجسم الإنساني على جهاز الغدد الصماء والجهاز الهضمي وجهاز الدورة الدموية والجهاز التنفسي وغير ذلك من الأجهزة التي يتعذّر الفصل بين عملها من الناحية العملية, فلا يفصل بين وظيفة وأخرى من وظائفها إلا للأغراض العلمية, كذلك يتوقف إعراب نصٍّ ما على وظائف الأصوات ووظائف المباني ووظائف القرائن ونظام العلاقات, فلا يفصل في الذهن بين كل ذلك إلّا لأغراض التحليل اللغوي, أما في التركيب فلا فصل.
__________
(1) المزهر للسيوطي, جـ1, ص140-141.
|
|
فيروس جديد يثير الذعر في الصين.. وكشف حقيقة ما يحدث
|
|
|
|
|
ظهور شريان إضافي في ذراع الإنسان.. لماذا يحدث ذلك؟
|
|
|
|
|
ضمن فعاليات أسبوع وليد الكعبة .. العتبة العلوية المقدسة تُقدّم فعاليات ثقافية متنوّعة عبر المنصة العلوية
|
|
|