أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2018
1358
التاريخ: 21-4-2018
3407
التاريخ: 28-4-2018
3311
التاريخ: 21-4-2018
1079
|
إن حديثنا سيكون عن المنطق لدى أرسطو وارتباطه بالمعيار، ثم انتقاله الى المسلمين مع ما نقل في حركة الترجمة، وبين هذين الجانبين سيمتد برزخ من الآراء الحديثة حول جزئيات فيهما. وطبيعي أن عملنا التأصيلي هذا (للصواب والخطأ) سيجتاز آفاقاً في البحث تحفها المزالق، وتحيط بها التساؤلات عن جدوى الأيغال في المنطق على هذا النحو أو ذاك. إذن لا ضير في أن نعرض لكيفية تناولنا للمادة هنا، وإن شئنا الدقة: وظيفتها في البحث الدلالي:
فالدراسة المتخصصة إنما تهتم بحيز خاص تتقصى فيه أكبر قدر من المعلومات والمعارف تتاح علمياً للدارس، ومن ثم يعمد الى التحليل وابتناء هيكل نظري ينظم الركام الذي هو هيئة المعلومات السابقة، وبهذا تغدو الدراسة مقدمة لتاليات لها فيدفع العلم خطوات الى حقول جديدة، وفي إطار هذا النهج لابد من الاتكاء على معطيات علوم مخالفة لما يقف أمامه الباحث، فيستمد المقاييس أو التحليلات، ولكننا لا نطلب مناقشة تفصيلية مع كل استمداد، بل يتم التعامل على أساس القضايا العامة المسلم بها، ويحال الى المصادر الأساسية في بابها، وهذا موقفنا في الاعتماد على مفهومات عامة للمنطق ومن ثم صلة المسلمين بالمنطق وفلسفة اليونان، لأن الغاية – لدينا – هي معرفة (المعيار) وانتقاله الى العلوم المختلفة والى النظرة الدلالية (الإسلامية) في العربية.
وثمة من يرى أن” المؤلفات الأرسطية تشكل موسوعة كبرى انتظم فيها العلم
ص99
القديم بأكمله عدا الرياضيات” (1)، وأن الأهمية التي تقدم من وجهة النظر المنهجية تكمن في أن أرسطو هو” أول من نظر الى العلم في مجموعة، ووضع مبادئ تصنيف تام للعلوم يتمثل في مجموعة كتبه” (2) ونجده يقسم العلم الى نظري ينتهي الى مجرد المعرفة: العلم الطبيعي، ما بعد الطبيعة، الرياضي، وعملي يرمي الى غاية متمايزة من المعرفة، وهذه الغاية هي تدبير الأفعال الإنسانية، إما في نفسها، وهذا هو العلم العملي بمعناه المحدود، وإما بالنسبة الى موضوع يؤلف ويصنع، وهذا هو الفن، ومن العلم العملي: تدبير أفعال الإنسان والأخلاق والسياسية (3).
أما المنطلق فلم يدخل في أي من القسمين السابقين” وهو علم يتعلم قبل الخوض في أي علم آخر ليعلم به أي القضايا يطلب البرهان عليها، وأي برهان يطلب في كل قضية، فإن من الخلف طلب العلم ومنهج العلم في آن واحد، إذن فهو آلة العلوم، او هو علم جديد ينشأ من رجوع العقل على نفسه لتقرير المنهج العلمي، فموضوعة صورة العلم لا مادته” (4).
والمنطق له – كأي علم آخر – موضوع يبحث فيه عن أحواله، أو عوارضه الذاتية كما يقول المناطقة العرب، وهذا الموضوع هو” التصورات والتصديقات من حيث إنها مؤدية الى تحصيل علم لم يكن إلا إن المنطق لا يعني عناية خاصة بالمضمون الواقعي لهذه التصورات بقدر عنايته بالعمليات العقلية التي تؤدي الى تحصيل التصورات والتصديقات تحصيلاً صحيحاً. ولهذا فإن الجانب الصوري فيه
ص100
أرجح من الجانب المادي حتى إن المقصود بهذا الجانب المادي، ليس هو ضمان صحة النتائج في كل علم، وإنما يقصد به مراعاة الإشارة الموضوعية للتصورات والتصديقات” (5). وبمقارنة هذا الوضع بما مقرر في العلوم نقترب مما نهدف اليه، فنتلمس معرفته في صلة الفلسفة بالعلم – من زاوية خلق المنهج – للمداولة والمناقشة، فيتساءل كلود برنارد: هل الفيلسوف أو العالم هو الذي يضع القواعد للمناهج العلمية ؟ وإنه يرجح أن المناهج لا يمكن أن تدرس نظرياً كقواعد عامة يفرض على العالم بعدُ أن يسير وفقاً لها، وإنما تتكون داخل المعمل الذي هو معبد العلم الحقيقي، وإبان الاتصال المباشر بالوقائع والتجارب العلمية (6). وثمة رأي يحاول التوفيق بين تشدد برنارد وأصحاب النظر العقلي المتمايز من الواقع التفصيلي، فهمة الفيلسوف لا تتنافي مع مهمة العالم، لأنها خطوة تليها. فعلى العالم المتخصص أن يرشدنا أولاً الى المنهج الذي اتبعه في أبحاثه، أو أن يطلعنا على الخطوات التي مر بها في بحثه في مضماره الخاص، ثم يأتي عالم آخر أميل الى النظرة العامة، أي يكون ذا نزعة فلسفية فيحاول أن ينسق بين هذه التقريرات التي قدمها العلماء المتخصصون ليستخلص منها الخصائص العامة للمناهج المختلفة، ثم يأتي الفيلسوف المنطقي فيسعى لإرجاع هذه المناهج الى صفات ذاتية في العقل الإنساني، محاولاً أن يصوغ النتائج التي وصل إليها السابق في صيغ واضحة تنظم على هيئة مذهب في العقل الإنساني من حيث طبيعة اتجاهاته في البحث عن الحقيقة (7).
ص101
ونصل الى النقطة التي تخصص القول في معيارية المنطق، فبعد أن رأينا تحديد المنهج بين المنطقي والفيلسوف والعالم الذي يمارس العمل والدرس في مجال بعينه من مجالات العلوم، يطلعنا الحوار حول كون المنطق علماً أو فناً على المزيد من الخصائص لوظيفة المنطق المحددة لمعايير (الصواب والخطأ) والمطبقة في هذا العلم أو ذاك، فالذين نظروا الى المنطلق على أنه علم كما فعل أرسطو يقصرون المنطق على دراسة قوانين البرهان، والذين يرمون في المنطق الى وضع قواعد وفرضها لتوجيه العقل، وبيان المناهج العملية المؤدية الى تحصيل المعارف في العلوم المختلفة، ويدرسونه من أجل هذه الفائدة يعدون المنطق فناً وعلماً، أو فناً بوجه خاص (8).
وهناك من يجمع بين الطرفين – حيث يتتابع جماعة بور رويال، وفنت، وليفي بريل، وزمّل – و (جبلو) يرى أن لا محل لهذه التفرقة، فإذا فهمنا المعيارية بمعنى العملية فإن جميع العلوم نظرية من ناحية أن غايتها المباشرة وضع الحقائق المباشرة اليقينية، ومعيارية لأن من الممكن دائماً استخدام هذه الحقائق في توجيه العقل (9).
ويقول دارس عربي إن المنطق ليس فناً أي عملاً، كما أنه ليس معيارياً أي علماً يبحث في قيمة الغابات نفسها، وإنما المنطق علم بالمعنى الدقيق أي طائفة من الحقائق الخاصة بموضوع معين، هو في كلمة واحدة: علم التفكير الصحيح (10).
وإننا بعد هذا الاطلاع على جوانب درس المنطق الارسطي ندرك الوشائج التي يتصل بعضها ببعض من تحقيق المنهج المنطقي ونقله الى العلوم، ومدى
ص102
تطابق المهمة التي تولد المنطق من أجلها أولا مع أغراض العلم في وجوهه المتعددة.
وتبرز أهمية دراستنا للمنطق في مقام تفسير مناهج البحث اللغوي عند أصحاب التآلف العربية القديمة في القرون الهجرية الأولى، فلقد اتضح ان ذلك المعيار في الصواب والخطأ (أو الميزان) الذي أمكن أن يستخرج قوانين للعقل ونشاطه بانعكاس العقل على نفسه (ذاته) دارساً متأملاً قد استعير واستخدم لينظم الحركة الذهنية (العقلية) في أوجه التفكير والعمل المختلفة للحياة، فلم يعد محصوراً في مضمار آفاقه هي التصورات والتصديقات المنطقية مضافة الى المبادئ الأولى الثابتة في العقل البشري السليم ومؤدية الى البرهان والأقيسة المتفرعة منه.
وأرى أن المنطق الأرسطي إنما يحلل في إطار التراث القديم (عربياً) على أنه منهج، أي يمثل خطاً عقلياً متميزاً له أدوات جزئية يستطاع بها التوصل الى تحقيق جزئيات علم من العلوم، ومن ثم بناء أركانه.
ويبقى أمر في المنطق الأرسطي هو المؤثرات المتبادلة بين دراسة النحو واللغة والبحث المنطقي: فقد كانت نشأة المنطق مرتبطة باللغة والنحو عند اليونان، وإن دراسة الأجرومية النحوية اليونانية تتبدي في أقسام رئيسية في كتب أرسطو، ونذكر بكلمة موجزة أن” السفسطائية ربطوا بين الكلمة ضروب من الفن الخطابي المستهدف الإقناع في المحاورات” (11).
وتطالعنا لدى أرسطو أبحاث التصورات التي تتصل اتصالاً مباشراً باللغة،
ص103
فتقسيم الكلمة الى مفرد ومركب والبحث في الألفاظ المشتركة والمترادفة، والمتزايلة، والمتواطئة ظاهر العلاقة بمباحث لغوية، وكذلك باب (العبارة) من القضايا وأقسامها الحملية والشرطية، وأجزائها: الفعل والاسم والحرف، وعلى العموم يقوم المنطق الأرسطي الى حدّ كبير على خصائص اللغة اليونانية (12)، وهذا ما يدركه تمام الإدراك فلاسفة الإسلام فيما بعد وأخص المتوفرين منهم على المنطق كالفارابي في إحصاء العلوم (13).
ونذكر هنا مشاركة (ترندلنبورج) في شرح أصول المقولات والأساس الذي بنيت عليه في منطق أرسطو إذ يقول:” إن أرسطو قد لجأ في استخراجه لهذه المقولات الى اللغة والنحو بشكل خاص” (14) وإن ما يشغلنا في هذا الحيز هو أن تغدو فكرة تأثر المنطق بمعطيات لغوية نحوية وتداخل الميدانين واضحة، فهي ستنير لنا بعدُ كيف التقت الأنشطة العلمية الإسلامية وشكل المنطق عنصراً مشتركاً بينها.
وإننا نستعرض الآن انتقال المنطق اليوناني الى العالم الإسلامي، مستهدفين غرضاً أساسياً لنا في بحثنا، وهو صلة المعيار العقلي: المنطق بعلوم اللغة منذ نشأتها، وأثره في درس الدلالة، لقد اقترنت أمور ثلاثة في الحياة الإسلامية الاولى، أو نستطيع القول: إنها تتابعت على نحو متقارب وذلك دفعاً لجدل قد يرغب فيه بعض المدققين، وأولهما: الانتشار البشري في أصقاع الشام وفارس والعراق ومصر وما وراءها مع حركة الفتح، وثانيها: الاهتمام بتثبيت العقيدة والانتقال بالتعاليم الى الكتب المدونة، فنسخت المصاحف لعهد الخليفة عثمان بن
ص105
عفان، واخذ القادرون ممن توفروا على رعاية أصول الدين الإسلامي: القرآن، ومأثور الحديث، في شرح المفردات والمعاني كما يصنع (ابن عباس) في مجالسه، وبدأت النظرات تتشكل لتغدو فيما بعد علوماً للحديث، والفقه وأصوله، والكلام، وفي هذا التيار كانت العناية تتجه الى العربية وأشعارها وأخبارها، فالحرص على سلامة لغة القرآن هو الأسبق الى أن يكون دافعاً من أن يكون الاستخدام اللغوي للعربية. أما ثالث الأمور فهو الاطلاع على الثقافات الأجنبية وعلى رأسها ثقافة اليونان، وقد يفسر لنا هذا الجو العام الذي نشير إليه تقدم المنطق ثم الفلسفة على سائر العلوم الأخرى في حركة الترجمة والنقل، وثمة احتمالات أخرى معللة، منها أن البيئة التي كانت قنطرة نقلت عبرها كتب اليونان وثقافتهم أو جلها، هي بيئة شهدت تداخلاً بين الفسلفة والعناصر المسيحية.
ويصرّح (أوليري) بأن أول معلومات حصل عليها العرب من أرسطو من المصادر السريانية اقتصرت على مؤلفاته في المنطق التي ترجمت مرة، وأعيدت ترجمتها الى السريانية، والتي كانت عليها تعليقات كثيرة. ومجموع مؤلفات أرسطو في المنطق اشتمل على المقولات، والعبارة، والتحليلات الأولى والتحليلات الثانية، والجدل، والسفسطة، والخطابة، والشعر (15).
ويستنتج من متابعة الترجمات التي وصلتنا الى المسلمين عرفوا منذ القرن الأول صوراً من المعارف الفلسفية والمنطقية، ثم أخذت هذه الصور تتسع الى أن
ص105
غدت عناصر ذات اهمية في مبادئ المعتزلة وأفكارهم في القرنين الثالث والرابع الهجريين.
وإن اللافت للنظر هو طبيعة المنطق الذي وصل الى المسلمين فقد جاءهم محملاً بضروب من الزيادات والشروح والتعليقات، وإن الهيئة التي تشكل وفقها أثرت في حركته، وساعدت على ولوجه في مجالات معينة يكون من الغريب استعمال المنطق فيها ببراهينه وأقيسته:
فالأرغانون ذو التسعة الأجزاء إنما هو تكوين صنعه الشراح الأرسطيون الذين تتابعوا على الآثار الأرسطية، فقد صنف (فرفوريس) مدخله الذي تعارف الفلاسفة المسلمون (والنقلة) على تسميته الأصلية (ايساغوجي)، حتى ان ابن سينا يحرص بعد ان ينتهي من تدوين مواد مدخل الشفاء على ذكر هذا الاسم (16)، وزيد على الاقسام الاصلية من كتب المنطق (17). كما أن بعض الشراح أضافوا كتابين من كتب أرسطو الى منظومة الأورغانون المنطقية وعدوهما منها هما الشعر والخطابة (18).
ويسلك الفارابي الخطابة، إذ يعرفها في ضروب الأقيسة” فالخطابة صناعة قياسية، غرضها الإقناع في جميع الأجناس العشرة، وما يحصل من تلك الأشياء في نفس السامع من القناعة هي الغرض الأقصى بأفعال الخطابة” (19)، ويشرحها
ص106
على نحو أفضل في صلب بحث الخطابة فهناك اشتراك بينها وبين الجوانب المنطقية، وكذلك نجد فروقاً” فالأشياء التي شأنها أن يكون بها الإقناع منها الضمائر (يعني الفارابي القياس المضمر أحد ضروب القياس البرهاني) ومنها التمثيلات (أي القياس التمثيلي)، فالضمائر منزلتها في الخطابة منزلة البراهين في العلوم والمقاييس في الجدل، والضمير كأنه قياس خطبي، والتمثيل كأنه استقراء خطبي” (20).
وفي نظرة مجملة يورد الفارابي الأقيسة المنطقية متدرجاً بها من الحالة التي تكون صادقة لا محالة بالكل وهي البرهانية، الى الصادقة بالبعض على الأكثر وهي الجدلية، فالصادقة بالمساواة وهي الخطبية، الفصادقة في البعض على الأقل وهي السفسطائية، والكاذبة بالكل وهي الشعرية، ويقول:” وقد تبين من هذه القسمة أن القول الشعري هو الذي ليس بالبرهانية ولا الجدلية ولا الخطابية ولا المغالطية (السفسطة)، وهو مع ذلك يرجع الى نوع من السولوجسموس او ما يتبعه وأعني: الاستقراء والمثال، والفراسة وما أشبهها مما قوته قوة القياس” (21).
وفي إطار الدرس اللغوي نفيد من ملاحظتنا للسمات الخاصة بيطبيعة منطق الإسلاميين، فإنهم فهموا هذا العلم العقلي، وهذا المعيار الذي يفصل بين الصواب والخطأ، ولم يقتصر إدراكهم على محيط القوانين العقلية، بل إنه اتسع الى الدرجة التي غدت فيها أبحاث الشعر بضروبه والخطابة بأشكالها موضوعاً يعتمد في جوهره على اسس القياس وأنواعه، تلك التي تتفرع منها فروع توافق التمايز الملحوظ في الشعر والخطابة، فهذان ضربان لا ينطبق عليهما القياس البرهاني الباحث عن
ص107
اليقين وهو أعلى درجات المعرفة، ولا ذلك الخاص بقياس الجدل، ولا قياس السفسطائية.
وعندما تتداول الأيدي كتب المنطق وقد اختلطت فيها الأقيسة وتحليلاتها بمواد أدبية بين شعر وخطابة في أواخر القرن الثاني الهجري وما بعده، لا يغدو غريباً إثراء الدرس وخاصة اللغة وما يتبعها بمنهج رفيع معترف بفائدته. ولن ندهش لعدم توفر طريقة لغوية خاصة كالتي يحاول الباحثون أن يوفرها في الأزمنة الحديثة. يدعم هذا المنحى وجود طابع لغوي في المباحث المنطقية – كما عرفنا في منطق أرسطو ذاته – فكتاب العبارة إنما هو مبحث يدرس الكلمة المفردة ثم يتجه الى الجملة ويبين عدداً من علاقاتها، ويبرز العبارات الشرطية. ولقد خطأ المناطقة الذين جاؤوا بعد الفارابي خطوات واسعة في هذا المجال، مما حدا بعض الباحثين المحدثين الى التنويه بهذا التميز، فيتحدث إبراهيم مدكور عن القسم المنطقي من موسوعة ابن سينا (الشفاء) قائلاً: كان درس ابن سينا في الشفاء للعبارة أقرب الى دراسات النحو وفقه اللغة بسبب تفصيلات وتوسيع في اللغة والتراكيب (22).
وسعينا للتأصيل يقتضي أن نجد الشواهد في أقدم الكتب المعروفة لنا، فللفارابي كتاب أحصى علوم عصره فيه، فقدم علوم اللسان ثم اتبعها بعلم المنطق وقال:” أمّا موضوعات المنطق وهي التي فيها تعطى القوانين، فهي المعقولات من حيث تدل عليها الألفاظ، والألفاظ من حيث هي دالة على المعقولات.
وذلك أن الرأي إنما نصححه عند أنفسنا بأن نفكر ونروي ونقيم في أنفسنا أموراً ومعقولات من شأنها أن تصحح ذلك الرأي، ونصححه عند غيرنا بأن نخاطبه
ص108
بأقاويل نفهمه بها الأمور والمعقولات، التي من شأنها أن تصحح ذلك الرأي” (23)، أي أن التعاون بين اللفظ والمعنى العقلي المراد وثيق، ولا بد لعملية التوصيل من هذه القدرة اللغوية وأدواتها، والمزيد من العناية بها تكون خدمة للجدل والبحث عن المعرفة مثلما يكون القانون المنطقي صالحاً للعلوم الأخرى ومنها علم اللسان وفروعه.
ويربط الفارابي بجلاء بين ضرورة القوانين المنطقية لسلامة الأحكام، والحاجة الى القوانين والقواعد في النحو للتعبير السويّ البريء من اللحن والخطأ، فههنا لا يكتفي بالممارسة وإلف العادة في هذا المجال أو ذاك، فالعلم لا يستوي إلا بالصعود الى أعلى وتحقيق الرؤية المتكاملة بالشمول والكلية،” أمّا من زعم أن الدربة بالأقاويل والمخاطبات الجدلية، أو الدربة بالتعاليم مثل الهندسة والعدد تغني عن علم قوانين المنطق أو تقوم مقامه، وتعطي الإنسان القوة على امتحان كل قول، وكل حجة، وكل رأي وتسدد الإنسان الى الحق اليقين حتى لا يغلط في شيء من سائر العلوم أصلاً، فهو مثل من زعم أن الارتياض بحفظ الإنسان في قوانين النحو ويقوم مقامها ؛ وأنه يعطي الإنسان قوة يمتحن بها إعراب كل في قوانين النحو ويقوم مقامها ؛ وأنه يعطي الإنسان قوة يمتحن بها إعراب كل قول، هل أصيب فيه أو لحن، فالذي يليق أن يجاب به في أمر النحو ههنا هو الذي يجاب به في أمر المنطق هنا” (24).
ويحدد الفارابي أيضا عناصر مشتركة بين المنطق والنحو، فيضيف” وهو (أي المنطق) يشارك النحو بعض المشاركة بما يعطي من قوانين الألفاظ، ويفارقه في أن علم النحو إنما يعطي قوانين تخص ألفاظ أمة ما، وعلم المنطق إنما
ص109
يعطي قوانين مشتركة تعم ألفاظ الأمم كلها” (25). ونتأمل هنا قولهم بأن سبق نجاة البصرة للإفادة من المنطق لم يكن مصادفة، بل هو بسبب التأثيرات التي أضفتها المذاهب الفلسفية في البصرة، وقد كانت أسبق من غيرها من المدن والحواضر الإسلامية، وكان بين نحاة البصرة كثير من أهل الشيعة والمعتزلة الذين فتحوا الأبواب لتلك المؤثرات الفلسفية، فأعملت يد التغيير والتشكيل في مذاهبهم الكلامية. ويقال إن الخليل بن أحمد أستاذ سيبويه هو أول من استعمل القياس في علم اللغة (26).
وإذا ما اردنا المقارنة بين كتاب (سيبويه)، وهو الصنف الجامع للنحو والصرف وأشياء من اللغة والبلاغة، وما نعرفه من مواد الأرغانون الأرسطي، فنحن واجدون شبهاً كبيراً مما يدل على الأثر الواضح، والمفسر لهذه الطفرة في التأليف المتكامل، أول عمل كلي يطالعنا دون مقدمات من كتب سابقة ممهدة،” ففي مقدمة كتاب (العبارة) يقسم أرسطو الكلمة الى اسم وفعل معرفاً الأول بأنه ما دل على معنى وليس الزمن جزءاً منه، ومعرفاً الثاني بأنه ما دل على معنى وعلى زمن، ثم يشير في كتاب منطقي آخر (طوبيقا الجدل) الى قسم ثالث من أقسام الكلمة يسميه الأداة (الحرف)، وفي كتاب سيبويه نجد تقسيم الكلم الى اسم وفعل وحرف، ويعرفها الواحد تلو الآخر تعريفاً يحاكي من بعض النواحي التعريف الأرسطي، وإن ما يسميه سيبويه حرفاً يدعوه الكوفيون: الأداة،
ص110
كأنما أرادوا الاحتفاظ بالمصطلح المنطقي احتفاظاً تاماً، وهناك أيضاً فكرة الإسناد والرباط بين الموضوع والمحمول التي يقاربها حديث سيبويه عن المسند والمسند إليه"(27).
وإن الماحنا الى المنطق عاملاً من عوامل نشأة النحو العلمية، ومؤثراً في العمل التقعيدي ليس مستقصى كغرض دراسي مستقل لنا، لذا نوجز الحديث كيلا يبتعد عما أردناه له، والمحاورة المشهورة بين المحبذين لمذهب النحاة المناطقة (أو المستعين بالمنطق) والآخرين ممن يرون اختلافاً واضحاً بين هذين الضربين من العمل الفكري، شهدها القرن الرابع بين أبي بشر متى بن يونس المترجم وأبي سعيد السيرافي النحوي، وهي تدل على مدى شيوع الأخذ بالمنطق الى الحد الذي تدور حوله المحاورات ويتعصب له اتباع وانصار لهم أهميتهم في الحياة الثقافية، ولهذا يقول باحث محدث:” إن العناية بالبحث في الصلة بين المنطق والنحو العربي قد ظهرت واضحة كلّ الوضوح في القرن الثالث الهجري واتخذت صورة خصومة عنيفة في القرن الرابع، حيث نفذت العلوم الفلسفية الى كل الأوساط” (28)، أي أن العلاقة تعود كما رأينا الى القرن الثاني، ثم تزداد عمقاً وتبلغ ذروة نشاطها مع القرن الرابع، إذ ينهي أبو حيان التوحيدي روايته لتلك المحاورة بين (متى) و (السيرافي) بما يوافق الرأي الذي يأخذه عن أستاذه أبي سليمان السجستاني،” فالبحث عن المنطق قد يرمي بك الى جانب النحو، والبحث عن النحو يرمي بك الى جانب المنطق، ولولا أن الكمال غير مستطاع لكان يجب أن يكون المنطقي نحوياً، والنحوي منطقياً، وخاصة والنحو (اللغة) عربية، والمنطق مترجم ومفهوم عنها” (29).
ص111
ونربط كل ما وقفنا عنده في هذه الصفحات بموضوعنا الذي تطلبها، فاللبوس المميز للمنطق وطرائقه تبرز فيه العلوم الناشئة في الحياة الإسلامية، ولقد لحظنا كيف وجدت الصلات بين ما هو منطقي خالص من أبواب القياس والعبارة والمقولات والجدل والسفسطة، وتلك الجوانب الفنية من شعر وخطابة، وكذلك عرفنا المواد اللغوية المتولدة ضمن سياق الدرس المنطقي. إذن لقد تآلفت هذه الأطراف وأظهرت البحث (والنظر عامة) موزعاً بين حد الصواب وحد الخطأ، لأن هذا انعكاس لثنائية القانون المنطقي المتحري عن الإصابة في التفكير، ومسالك الأحكام العقلية، وإن الاشتجار بين العقيدة الإسلامية، وكل ما تخلق من علوم يؤكد هذا النهج، فقد تتابعت فروع المعرفة العربية الى الدرجة التي يقول فيها أحد الباحثين:” لولا الباعث الديني لا ندثر الشعر الجاهلي ولم يصل إلينا منه شيء، إذ شعر العلماء منذ الصدر الأول للإسلام بحاجتهم الى الشعر العربي، للاستعانة به في فتح مغاليق الألفاظ والأساليب الغريبة الموجودة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية” (30)، فالعناية بالتعبير السليم يؤدي الى فهم الشرائع فهماً لا انحراف فيه عن الجادة، والقرآن إنما نزل بلسان عربي مبين وهو السبيل (أي العربية) الى استكناه المدلولات وهو الفصيل بين المختلفين، ولا شك ان القانون الأساسي الذي يميز بين الحلال والحرام يدفع الى خلق مستوى صوابيّ، يحدد على نحو أكثر دقة والتزاماً النظرة الى كل تغير على أنه انحراف، الى ان تثبت مطابقته للأصول المتفق عليها والمتميزة (بالطبع) بخاصة الاستمرار والديمومة.
وإن الروح الإسلامية العامة لم تقف عائقاً أمام الاستفادة من المنطق وضروب استدلالاته، فنشط المتكلمون وظل هذا العلم مقبولاً حتى من غلاة المتشددين والحاملين على درس الفلسفة، فالغزالي يدعو الى الأخذ بالمنطق
ص112
ويصف فيه (معيار العلم)، وهو مقدمة لكتابه (تهافت الفلاسفة)، ويخص صراحة على هذا في مقدمة كتابه الأصولي (المستصفي في علم الأصول) (31).
ومن الأمثلة المتأخرة بعض الشيء، ما صنعه السكاكي – من رجال القرن السادس – في (مصنفه مفتاح العلوم) من الاعتماد على القاعدة المنطقية، ونطلع لديه على الهيمنة العقلية لفكرة الصواب والخطأ، والإقرار بها منطلقاً للدرس العلمي حتى في الأدب، فلئن كان الحامل على الخوض في علم الأدب مجرد الوقوف على بعض الأوضاع وشيء من الاصطلاحات فهو لديك على طرف الثمام، ولكن الاتجاه الآخر الذي يصح أن يطلق عليه وصف (العلم) مختلف ومباين،” فإذا خضت فيه لهمة تبعثك على الاحتراز عن الخطأ في العربية، وسلوك جادة الصواب فيها اعترض دونك من أنواع تلقى لأدناها عرق القربة” (32). ويمضي المصنف في كل ركن من كتابه يشرح كيف تخدم المعارف القضية الأساسية، وهي تجنب ذلك الخطأ والبقاء في الحيز الصحيحة أحكامه، ويفرد السكاكي فصلاً لعلم الاستدلال (33) (أي المنطق) ليعين دارس المعاني والبيان للرابطة الوثيقة بينه وبين هذين العلمين البلاغيين في دراسة الاستعارة والتشبيه، فكما أن النحو هو احتراز عن الخطأ في التعبير اللغوي، فإن علم المعاني يحترز به عن الوقوع في الخطأ في التعبير اللغوي، فإن علم المعاني يتحترز به عن الوقوع في الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره، وعلم البيان الاحتراز عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه (34).
و (المستوى الصوابي) لدى بعض الدارسين لا يُعدّ من خصائص منهج
ص113
الدرس اللغوي، لأنه – كما يرى ذلك الباحث – لا يخص اللغة وحدها، بل ينداح ليشمل الأطر الاجتماعية الأخرى ويتكفل المجتمع بتطبيقه، وفرضه على الأفراد، واتخاذه مرجعاً عند الخلاف، والاحتكام في الاستعمال، أي انه يوجد في كل شؤون الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي (العادات والتقاليد واللغة والملابس إلخ... ) (35)، إننا نعرض لهذه كيما نميز هذه الفكرة عما نوجه النظر اليه في تأصيل مشكلة الصواب والخطأ، فالأمر إنما يتعلق بالإحكام العلمي الذي يمنحه التفكير الفلسفي والدرس المنطقي عند المصنفين في العربية، فالمترجمات على اختلاف أشكالها بين مختصر أو مطول، او شرح لأصول يونانية أو سريانية داخلت المواد المدروسة التي تصب في قنوات جديدة لابد لها من انضباط وترتيب، كذلك إن الحياة العقلية الإسلامية بلغت مراتب عالية من مراجعة الأشياء جميعها، والتصرفات والأفكار على أساس مما قدمته العقيدة، فهناك دائماً الصحيح الموافق، والمتجانف عن السوية السليمة، فهذا يمثل نحوا من التكامل في الحياة والتفكير، وإن التصنيف في العلوم لا يخرج عن الإطار العام لهما.
وتعالج مشكلة الخطأ في اللغة على أنها في تاريخ الدراسة القديمة تعني حكماً معيارياً لا ينظر الى الاستعمال، ويتحكم الى القواعد المدونة، والتي تقتصر على حدود زمنية سالفة. ويرغب بعض الدارسين في تحقيق جديد يبتعد بالأبحاث عن ذاك التحيّز للقاعدة (36)، وهذا الرأي يقودنا الى نقطتين في البحث اللغوي، الأولى منهما: مسألة والمعيار المقابلة لما يسميه بعضهم (37) بالمنهج الوصفي، والثانية هي اللحن ؛ وهي تعد ركناً من أركان (الدلالة) في الحياة العربية
ص114
اللغوية وستكون الفقرة التالية (العربية الفصحى) مضماراً نتبين فيه ملامح كل من القضيتين.
ص115
_______________
(1) الفلسفة اليونانية، يوسف كرم 116، لجنة التأليف والترجمة والنشر ط5 القاهرة 1970 م.
(2) يوسف كرم، الفلسفة اليونانية 118.
(3) المصدر نفسه 118.
(4) المصدر نفسه، 118، وينظر في كتاب (أرسطو) لعبد الرحمن بدوي 56، دار النهضة المصرية ط2 القاهرة 1944 م.
(5) المنطق الصوري والرياضي، عبد الرحمن يدوي 6-7، دار النهضة المصرية القاهرة 1968 م و ص 3.
(6) مناهج البحث العلمي، عبد الرحمن بدوي 7، دار النهضة المصرية القاهرة 1968 م ط1.
(7) مناهج البحث العلمي، عبد الرحمن بدوي 17.
(8) المنطق الصوري والرياضي، بدوي 17.
(9) المنطق الصوري والرياضي، بدوي 21-22.
(10) المنطق الصوري والرياضي، بدوي 23.
(11) المنطق الصوري والرياضي، بدوي 33، والمنطق الصوري، علي سامي النشار 64، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1963 م، ط2.
(12) المنطق الصوري، على سامي النشار 65، وثمة فضل حديث في مناهج البحث عند مفكري الإسلام للمؤلف 35، دار المعارف بمصر القاهرة 1967م ط2.
(13) إحصاء العلوم للفارابي 77، تحقيق عثمان أمين، ط3 الإنجلو / المصرية القاهرة 1967 م ؛ (في اللغة والأدب) إبراهيم مذكور 44، دار المعارف بمصر القاهرة 1971 م.
(14) المنطق الصوري والرياضي. عبد الرحمن بدوي 89- 90.
(15) مسالك الثقافة الإغريقية الى العرب: أوليري 239 ترجمة تمام حسان. الإنجلو المصرية، القاهرة 1959 م، وتاريخ الفلسفة في الإسلام (لدى بور) 28 – 29، ترجمة عبد الهادي أبي ريده، لجنة التأليف والترجمة القاهرة 1954 م، ومناهج البحث عند مفكري الإسلام، علي سامي النشار 5.
(16) مدخل الشفاء لابن سينا 112 تحقيق القنواتي، محمود الخضيري، احمد فؤاد الأهواني. وزارة المعارف القاهرة 1953 م.
(17) مدخل الشفاء: مقدمة إبراهيم مذكور 45.
(18) مدخل الشفاء 46، وينظر أيضا في (الخطابة) لأرسطو طاليس، تحقيق عبد الرحمن بدوي ص (و) من مقدمة المحقق، دار النهضة المصرية 1959 القاهرة وكذا 3 من الكتاب.
(19) كتاب في المنطق، الخطابة لأبي نصر الفارابي 7 تحقيق محمد سليم سالم، دار الكتب المصرية القاهرة 1976 م.
(20) المصدر نفسه (الخطابة) 31.
(21) رسالة في قوانين صناعة الشعراء للفارابي 151، تحقيق عبد الرحمن بدوي ضمن مجلد (فن الشعر) القاهرة 1952، النهضة المصرية.
(22) الشفاء لابن سينا: العبارة: مقدمة إبراهيم مدكور ص (ط)، وينظر كذلك في مناهج البحث عند مفكري الإسلام علي سامي النشار 77-78.
(23) إحصاء العلوم للفارابي 74.
(24) إحصاء العلوم للفارابي 73-74، وينظر أيضا في 57-58 وكذلك 68.
(25) إحصاء العلوم 76، وينظر في مقال إبراهيم السامرائي في الكتاب التذكاري عن الفارابي 327 بغداد 1976 م.
(26) تاريخ الفلسفة في الإسلام، دي بور 44-45، و (في أصول النحو) سعيد الأفغاني 104 ط جامعة دمشق 1966، وينظر في مسألة المعتزلة وتأثرهم بالفلسفة والمنطق على وجه الخصوص في كتاب أوليري: الفكر العربي ومكانه في التاريخ 129، 137، 138، 139، 140، 143، وكتاب دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام 78، 84، 88، 89، إضافة الى الأصول القديمة: الملل والنحل للشهرستاني (1/71) 77، 99، 100، 112، تحقيق محمد فتح الله بدران 1947 القاهرة، ومقدمة ابن خلدون 464، 466، 452 ط بيروت 1900 م.
(27) (في اللغة والأدب) إبراهيم مدكور 44-45.
(28) المنطق الصوري والرياضي. عبد الرحمن بدوي 34-35.
(29) المنطق الصوري والرياضي. بدوي 36، والقصة في الامتاع والمؤانسة، (1/108-128)، تحقيق أحمد أمين – الزين، لجنة التأليف القاهرة 1953 م.
(30) فصول في فقه اللغة، رمضان عبد التواب 92، دار التراث، القاهرة 1973 م.
(31) معيارالعلم للغزالي، مقدمة محققة سليمان دنيا 14، دار المعارف بمصر القاهرة 1960 ط 2، وينظر في المستصفى في علم الأصول للغزالي، للطبعة الأميرية القاهرة 1334 هـ.
(32) مفتاح العلوم للسكاكي 3، المطبعة الأدبية 1317 هـ القاهرة.
(33) مفتاح العلوم 229.
(34) مفتاح العلوم 86.
(35) اللغة بين المعيارية والوصفية. تمام حسان. الإنجلو المصرية 267 القاهرة 1658 م.
(36) مستوى الصواب والخطأ. محمد فرج عيد، رسالة دكتوراه في كلية دار العلوم.
(37) يذكر محمد عيد ان هذا المصطلح كان وضعه عبد الرحمن أيوب في كتابه (دراسات نقدية في النحو العربي)، ينظر كتاب عيد (في أصول النحو العربي) 66.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|