تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
المعارف الإلهية في آية النور
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص15-54
2025-07-02
25
{۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[1].
تفسير العلّامة الطباطبائيّ لآية النور:
قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ (بل هي في وسط الصحراء تظلّها السماء، تكتسب من الشمس و الهواء و الأرض) يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ (إلى منزل قُربه) مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، (و تلك المشكاة- أو المؤمنون الذين اهتدوا بنور الله تعالى) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ، رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}[2].
تفسير العلّامة الطباطبائيّ لـ: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}
قال استاذنا الأعظم العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه في تفسير هذه الآيات و الآيات التي تليها و الخاصّة بوصف الكافرين: «تتضمّن الآيات مقايسة بين المؤمنين بحقيقة الإيمان و الكفّار، تميّز المؤمنين منهم بأنّ المؤمنين مهديّون بأعمالهم الصالحة إلى نور من ربّهم يفيدهم معرفة الله سبحانه و يسلك بهم إلى أحسن الجزاء و الفضل من الله تعالى يوم ينكشف عن قلوبهم و أبصارهم الغطاء، و الكفّار لا تسلك بهم أعمالهم إلّا إلى سراب لا حقيقة له، و هم في ظلمات بعضها فوق بعض و لم يجعل الله لهم نوراً فما لهم من نور.
و قد بيّن سبحانه هذه الحقيقة بأنّ له تعالى نوراً عامّاً تستنير به السماوات و الأرض فتظهر به في الوجود بعد ما لم تكن ظاهرة فيه، فمن البيّن أن ظهور شيء بشيء يستدعي كون المُظْهِر ظاهراً بنفسه و (الظَّاهِرُ بِذاتِهِ المُظْهِرُ لِغَيْرِهِ هُوَ النُّورُ)، فهو تعالى نور يظهر السماوات و الأرض بإشراقه عليها، كما أن الأنوار الحسّيّة تُظْهِر الأجسام الكثيفة للحسّ بإشراقها عليها غير أن ظهور الأشياء بالنور الإلهيّ عين وجودها و ظهور الأجسام الكثيفة بالأنوار الحسّيّة غير أصل وجودها.
و نوراً خاصّاً يستنير به المؤمنون و يهتدون إليه بأعمالهم الصالحة و هو نور المعرفة الذي سيستنير به قلوبهم و أبصارهم يوم تتقلّب فيه القلوب و الأبصار فيهتدون به إلى سعادتهم الخالدة فيشاهدون فيه شهود عيان ما كان في غيب عنهم في الدنيا، و مثّل تعالى هذا النور بمصباح في زجاجة في مشكاة يشتعل من زيت في نهاية الصفاء فتتلألأ الزجاجة كأنّها كوكب درّيّ فتزيد نوراً على نور، و المصباح موضوع في بيوت العبادة التي يسبّح الله فيها رجال من المؤمنين لا تلهيهم عن ذكر ربّهم و عبادته تجارة و لا بيع.
فهذه صفة ما أكرم الله به المؤمنين من نور معرفته المتعقّب للسعادة الخالدة، و حرّمه على الكافرين و تركهم في ظلمات لا يُبصرون، فخصّ من اشتغل بربّه و أعرض عن عرض الحياة الدنيا بنور من عنده، و الله يفعل ما يشاء له الملك و إليه المصير.
و قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ....}.
المشكاة على ما ذكره الراغب و غيره: كُوَّةٌ غَيْرُ نافِذَةٍ و هي ما يتّخذ في جدار البيت من الكوّة لوضع بعض الأثاث كالمصباح و غيره عليه و هو غير الفانوس.
و الدرّيّ: من الكواكب، العظيم الكثير النور، و هو معدود في السماء. و الإيقاد: الإشعال، و الزيت: الدهن المتّخذ من الزيتون.
و قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، النور معروف و هو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا، فالأشياء ظاهرة به و هو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر. هذا أوّل ما وُضع عليه لفظ النور، ثمّ عُمّم لكلٌّ ما ينكشف به شيء من المحسوسات على نحو الاستعارة أو الحقيقة الثانية فعُدّ كلّ من الحواسّ نوراً أو ذا نور يظهر به محسوساته كالسمع أو الشمّ و الذوق و اللمس، ثمّ عُمّم لغير المحسوس فعُدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات، كلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المُظْهِر لغيره.
و إذ كان وجود الشيء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء كان مصداقاً تامّاً للنور، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود إنّما هي موجودة بإيجاد الله تعالى كان هو المصداق الأتمّ للنور، فهناك وجود و نور يتّصف به الأشياء، و هو وجودها و نورها المستعار المأخوذ منه تعالى، و وجود و نور قائم بذاته يوجد و يستنير به الأشياء.
فهو سبحانه نور يظهر به السماوات و الأرض، و هذا هو المراد بقوله: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، حيث اضيف النور إلى السماوات و الأرض ثمّ حُمل على اسم الجلالة، و على هذا ينبغي أن يُحمل قول من قال: أن المعنى اللهُ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ، و عمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها و هو الوجود الذي يُحمل عليها تعالى اللهُ عَنْ ذَلِك وَ تَقَدَّسَ.
و من ذلك يستفاد أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء، إذ ظهور كلّ شيء لنفسه أو لغيره إنّما هو عن إظهاره تعالى، فهو الظاهر بذاته له قبله، و إلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين: {أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ}، إذ لا معنى للتسبيح و العلم به و بالصلاة مع الجهل بمن يصلّون له و يسبحونه، فهو نظير قوله: {وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، (الآية 44، من السورة 17: الإسراء)، و سيوافيك البحث عنه إن شاء الله.
فقد تحصّل أن المراد بالنور في قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العامّ الذي يستنير به كلّ شيء، و هو مساوٍ لوجود كلّ شيء، و ظهوره في نفسه و لغيره و هي الرحمة العامّة.
و قوله: {مَثَلُ نُورِهِ} يصف تعالى نوره، و إضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى- و ظاهره الإضافة اللاميّة- دليل على أن المراد ليس هو وصف النور الذي هو الله، بل النور المستعار الذي يفيضه، و ليس هو النور العامّ المستعار الذي يظهر به كلّ شيء و هو الوجود الذي يستفيضه منه الأشياء و تتّصف به، و الدليل على قوله بعد تتميم المثل: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}، إذ لو كان هو النور العامّ لم يختصّ به شيء دون شيء، بل هو نوره الخاصّ بالمؤمنين بحقيقة الإيمان على ما يفيده الكلام.
و قد نسب تعالى في سائر كلامه إلى نفسه نوراً كما في قوله: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ}. (الآية 8، من السورة 61: الصفّ) و قوله: {أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها}. (الآية 122، من السورة 6: الأنعام) و قوله: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}. (الآية 28، من السورة 57: الحديد) و قوله: {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}. (الآية 22، من السورة 39: الزمر) و هذا هو النور الذي يجعله الله لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم إلى ربّهم و هو نور الإيمان و المعرفة.
و ليس المراد به القرآن كما قاله بعضهم فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن و بعده. على أن هذا النور وصف لهم يتّصفون به كما يشير إليه قوله: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ}. (الآية 19، من السورة 57: الحديد) و قوله: {يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا}. (الآية 8، من السورة 66: التحريم) و القرآن ليس وصفاً لهم و إن لوحظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رُجع إلى ما قلناه.
تفسير العلّامة الطباطبائيّ لقوله تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}
و قوله: {كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ}، المُشَبَّه به مجموع ما ذكر من قوله {كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ}- إلى آخره، لا مجرد المِشْكَاة و إلّا فسد المعني، و هذا كثير في تمثيلات القرآن.
و قوله: {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}؛ تشبيه الزجاجة بالكوكب الدرّيّ من جهة ازدياد لمعان نور المصباح و شروقه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك سكوناً من غير اضطراب بتموّج الأهوية و ضرب الرياح، فهي كالكوكب الدرّيّ في تلألؤ نورها و ثبات شروقها.
و قوله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}؛ خبر بعد خبر للمصباح، اي المصباح يشتعل آخذاً اشتعاله من شجرة مباركة زيتونة، اي أنّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها، و المراد بكون الشجرة لا شرقيّة و لا غربيّة أنّها ليست نابتة في الجانب الشرقيّ و لا في الجانب الغربيّ حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار و يفيء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها فلا يصفو الدهن المأخوذ منها فلا تجود الإضاءة، بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها.
و الدليل على هذا المعنى قوله: {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}، فإنّ ظاهر السياق أن المراد به صفاء الدهن و كمال استعداده للاشتعال و أن ذلك متفرِّع على الوصفين: لا شرقيّة و لا غربيّة.
و أمّا قول بعضهم: من أن المراد بقوله: {لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ}، إنّها ليست من شجر الدنيا حتى تنبت إمّا في شرق أو في غرب، و كذا قول آخرين: أن المراد أنّها ليست من شجر شرق المعمورة و لا من شجر غربها، بل من شجر الشام الواقع بين الشرق و الغرب و زيته أفضل الزيت، فغير مفهوم من السياق.
و قوله: {نُورٌ عَلى نُورٍ}؛ خبر لمبتدأ محذوف و هو ضمير راجع إلى نور الزجاجة المفهوم من السياق، و المعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور كذلك، اي في كمال التلمّع.
و المراد من كون النور على النور قيل: هو تضاعف النور لا تعدّده فليس المراد به أنّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر مثله، و لا أنّه مجموع نورين اثنين فقط، بل إنّه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه، و هذا التعبير شائع في الكلام.
و هذا معنى لا يخلو من جودة، و إن كان إرادة التعدّد أيضاً لا تخلو من لطف و دقّة، فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إليه بالأصالة و الحقيقة و نسبة إلى الزجاجة التي عليه بالاستعارة و المجاز، و يتغاير النور بتغاير النسبتين و يتعدّد بتعدّدهما و إن لم يكن بحسب الحقيقة إلا للمصباح و الزجاجة صفر الكفّ منه، فللزجاجة بالنظر إلى تعدّد النسب نور غير نور المصباح، و هو قائم به و مُستَمَدّ منه.
و هذا الاعتبار جار بعينه في الممثَّل له، فإنّ نور الإيمان و المعرفة نور مستعار مُشرِق على قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعالى قائم به و مستمدّ منه.
فقد تحصّل أن الممثّل له هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين، و المثل هو المشبّه به النور المشرق من زجاجة على مصباح موقد من زيت جيّد صاف و هو موضوع في مشكاة، فإنّ نور المصباح المشرق من الزجاجة و المشكاة تجمعه و تعكسه على المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوّة و الجودة.
فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة و انعكاسه إلى جوّ البيت، و اعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة و لا غربيّة للدلالة على صفاء الدهن و جودته المؤثّر في صفاء النور المُشرِق عن اشتعاله و جودة الضياء على ما يدلّ عليه كون زيته {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}، و اعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في إنارتها.
و قوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}؛ استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان و المعرفة و حرمان غيرهم.
فمن المعلوم من السياق أن المراد بقوله: مَنْ يَشاءُ القوم الذين ذكرهم بقوله بعد: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}- إلى آخره، فالمراد بـ {مَنْ يَشاءُ}، المؤمنون بوصف كمال إيمانهم[3].
تفسير العلّامة الطباطبائيّ لقوله تعالى: وَ يَزِيدَهُم مِن فَضْله
و في تفسيره لـ {وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، قال: و قوله: {وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}؛ الفضل العطاء، و هذا نصّ في أنّه تعالى يعطيهم من فضله ما ليس بإزاء أعمالهم الصالحة، و أوضح منه قوله تعالى في موضع آخر: {لَهُمْ ما يَشَاؤُونَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ}، (الآية 35، من السورة 50: ق)، حيث أن ظاهره أن هذا المزيد الموعود أمر وراء ما تتعلّق به مشيّتهم.
و قد دلّ كلامه سبحانه أن أجرهم أن لهم ما يشاؤون قال تعالى:{أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ، لَهُمْ ما يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ}. (الآية 34، من السورة 39: الزمر) و قال:{أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً ، لَهُمْ فِيها ما يَشَاؤُونَ خالِدِينَ}. (الآيتان 15 و 16، من السورة 25: الفرقان) و قال: {لَهُمْ فِيها ما يَشَاؤُونَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ}. (الآية 31، من السورة 16: النحل) (و عليه، فإنّ المؤمنين وحدهم الذين يُثابون على أعمالهم الصالحة التي تقع تحت إرادتهم و في قبضة مشيّتهم.) فهذا المزيد الذي هو وراء جزاء الأعمال أمر أعلى و أعظم من أن تتعلّق به مشيّة الإنسان أو يوصل إليه سعيه، و هذا أعجب ما يعده القرآن المؤمنين و يبشّرهم به فأجد التدبّر فيه»[4].
و يستطرد الاستاذ العلّامة قدّس الله سرّه في بحث فلسفيّ مستقلّ كاشفاً الحقيقة المطلقة لمشيّة البارئ و المتمثّلة بالآية 45، من هذه السورة: {يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، حيث يقول:
«إنّا لا نشكّ في أن ما نجده من الموجودات الممكنة معلولة منتهية إلى الواجب تعالى و أن كثيراً منها- و خاصّة في المادّيّات- تتوقّف في وجودها على شروط لا تحقّق لها بدونها كالإنسان الذي هو ابن، فإنّ لوجوده توقّفاً على وجود الوالدين و على شرائط أخرى كثيرة زمانيّة و مكانيّة، و إذ كان من الضروريّ كون كلّ ممّا يتوقّف عليه جزء من علّته التامّة كان الواجب تعالى على هذا جزء علّته التامّة لا علّة تامّة وحدها.
نعم، هو بالنسبة إلى مجموع العالم علّة تامّة، إذ لا يتوقّف على شيء غيره، و كذا الصادر الأوّل الذي تتبعه بقيّة أجزاء المجموع، و أمّا سائر أجزاء العالم فإنّه تعالى جزء علّته التامّة ضرورة توقّفه على ما هو قبله من العلل و ما هو معه من الشرائط و المعدّات.
هذا إذا اعتبرنا كلّ واحد من الأجزاء بحياله، ثمّ نسبنا وحده إلى الواجب تعالى.
و هاهنا نظر آخر أدقّ و هو أن الارتباط الوجوديّ الذي لا سبيل إلى إنكاره بين كلّ شيء و بين علله الممكنة و شروطه و معدّاته يقضي بنوع من الاتّحاد و الاتّصال بينها، فالواحد من الأجزاء ليس مطلقاً منفصلًا، بل هو في وجوده المتعيّن مقيّد بجميع ما يرتبط به متّصل الهويّة بغيرها.
فالإنسان الابن الذي كنّا نعتبره في المثال المتقدّم بالنظر السابق موجوداً مستقلًّا مطلقاً فنجده متوقّفاً على علل و شروط كثيرة و الواجب تعالى أحدها يعود بحسب هذه النظرة هويّة مقيّدة بجميع ما كان يعتبر توقّفه عليه من العلل و الشرائط غير الواجب تعالى، فحقيقة زيد مثلًا هو الإنسان ابن فلان و فلانة المتولّد في زمان كذا و مكان كذا المتقدّم عليه كذا و كذا المقارن لوجوده كذا و كذا من الممكنات.
فهذه هي حقيقة زيد مثلًا و من الضروريّ أن ما حقيقته ذلك لا تتوقّف على شيء غير الواجب، فالواجب هو علّته التامّة التي لا توقّف له على غيره، و لا حاجة له إلى غير مشيّته، و قدرته تعالى بالنسبة إليه مطلقة غير مشروطة و لا مقيّدة، و هو قوله تعالى: {يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.[5]
بحث روائيّ للعلّامة الطباطبائيّ في تفسير آية النور:
و قد ذكر الاستاذ العلّامة قدّس الله ترابه في معرض كلامه عن البحث الروائيّ: «و في التوحيد و قد روي عن الصادق عليه السلام أنّه سُئل عن قول الله عزّ و جلّ: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ}؛ فقال: "هو مثل ضربه الله لنا؛ فَالنَّبِيّ وَ الأئِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عليهم مِنْ دِلَالاتِ اللهِ، وَ آيَاتِهِ التي يُهْتَدَي بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ وَ مَصَالِحِ الدِّينِ وَ شَرَائِعِ الإسْلَامِ وَ السُّنَنِ وَ الفَرَائِضِ. وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ".
ثمّ قال: أقول: الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق و هو من أفضل المصاديق و هو النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم و الطاهرون من أهل بيته عليهم السلام، و إلّا فالآية تعمّ بظاهرها غيرهم من الأنبياء عليهم السلام و الأوصياء و الأولياء.
نعم، ليست الآية بعامّة لجميع المؤمنين، لأخذها في وصفهم صفات لا تعمّ الجميع كقوله: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}- إلى آخره.
و في «الدرّ المنثور» أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم في قوله: {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ}؛ قال: "قَلْبُ إبْرَاهِيمَ؛ لَا يَهُودِيّ وَ لَا نَصْرَانِيّ".
أقول: و هو من قبيل ذكر بعض المصاديق، و قد ورد مثله من طرق الشيعة عن بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام كما تقدّم.
و فيه أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك و بريدة قالا: قرأ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم هذه الآية: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}، فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: بُيُوتُ الأنْبِيَاءِ.
فقام إليه أبو بكر فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا البَيْتُ مِنْهَا، لِبَيْتُ على وَ فَاطِمَةَ؟! قَالَ: "نَعَمْ! مِنْ أفَاضِلِهَا"![6].
نعم، كان ذلك جزءاً من تفسير هذه الآية الشريفة من دُرر كلام سيّدنا الأعظم و سندنا الأقوم سماحة العلّامة الأكرم حشره الله مع المقرّبين و المخلَصين من أنبيائه و أوليائه المُعظَّمين، و الذي تبرّكنا به في هذا الكتاب.
و أمّا تفصيل و شرح المواضيع التي ذكرها العلّامة، و المستفاد من الآيات المذكورة، فهو على النحو التالي: «الله» اسم جامع للكمال و الجمال و الجلال الربّانيّ، و شامل لجميع الأسماء و الصفات الكلّيّة و الجزئيّة. و لأنّ بحثنا يرتكز على معرفة الله، لا بدّ لنا من البحث و التمحيص في هذه الكلمة المباركة من جميع جهاتها، حتى تنكشف لنا كلّ الامور و الجوانب المتعلّقة بهذه المسألة: من النور البحت للذات و الوجود الصِّرف، حتى نور الأسماء و الصفات الكلّيّة، و عبر مراتب و درجات متفاوتة و مختلفة؛ ثمّ الوصول إلى نور الأسماء و الصفات الجزئيّة، حتى الهيولي المبهمة، و هي المادّة الكثيفة القابلة لعُروض الأجناس و الفصول و الأنواع.
و علينا أن نرى كيفيّة نزول القديم في الحادث، و الكلّيّة في الجزئيّة، و الأنوار المحضة في الأنوار المشوبة بالظُّلمة، و عموماً، الله في اسم الأحديّة و اسم الوحدانيّة.
و أن نرى كيفيّة نزول النور المطلق في شبكات التعيُّن، الواحدة بعد الأخرى و معنى الولاية الكلّيّة و المطلقة و الذي هو واحد و يُعتبر من مختصّات الله سبحانه؟ و للبحث في هذا المقام لا غِنى لنا من استمداد العَون من آية النور المباركة.
نحمد الله عزّ و جلّ على أنّنا أكملنا بحث موضوع الولاية حتى الجزء الخامس من «معرفة الإمام» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة بجميع تفاصيله، بِدءاً من المعنى اللغويّ، و حتى مواطن استخدام هذه الكلمة، و كذا كيفيّة الولاية و مفاد هذه الكلمة و محتواها في الوجود المقدّس لسيّدنا خاتم الرسل و الأنبياء و المقام المقدّس لمولانا أمير المؤمنين و الأئمّة الطاهرين عليهم جميعاً صلوات الله و سلام أنبيائه المرسلين و ملائكته المقرّبين إلى يوم الدين، و قد تمّ بحث كلّ ذلك بالتمام و الكمال. فاتّضح معنى الولاية التكوينيّة و الولاية التشريعيّة.
لعلّ من أهمّ الأبحاث و المواضيع و مسائل الاصول العقائديّة هو البحث في موضوع الولاية. فمعرفة الوليّ (صاحب الولاية) و الآثار المترتّبة على الوليّ و الولاية، و معرفة كيفيّة موضوع مقام الرحمة، و إفاضة الفيض من قِبَل الربّ الفيّاض في الماهيّات الإمكانيّة بوساطة نفس الوليّ، و الآيات الواردة في القرآن الكريم بهذا الصدد، و الروايات المُسَلَّم بها و الموثوقة و الصحيحة المرويّة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم، كلّ ذلك يُعتَبر من أعظم و أكبر المسائل الاصوليّة.
و لقد بحثنا تفسير و معنى و شأن نزول الآية الشريفة: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ}. و الآثار المترتّبة عليها.
و بحثنا كذلك معنى و محتوى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم: "يَا على! أنْتَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِي".
اعتقاد طوائف المسلمين المختلفة في أن الله هو نور السماوات و الأرض.
و يا لها من آية مباركة تلك التي ذُكرت في الجزء الثامن عشر من القرآن الكريم: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، فهي آيةٌ تنشر النورَ في القلوب و تُضفي على الفكر الصفاء و النقاء، و تمنح الروح قوّةً و قدرة.
{اللَّهِ}، اسمٌ جامعٌ لصفات الكمال و مُنزّهٌ عن صفات النقص و العَيْب، ينطوي على كلّ صفات الجمال و الجلال، و يمتلك صَرافةً ذاتيّة محضة، و هو لا متناهٍ في الحياة و العلم و القدرة. هو نور السماوات و الأرض. و لكن، ما معنى كونه نوراً للسماوات و الأرض؟! هل الله سبحانه نورٌ حسيّ، و السماوات و الأرض شيءٌ آخر؟! و هذا النور المحسوس المُشاهَد في السماوات و الأرض هو الله..؟؟ على هذا، ففي غياب السماوات و الأرض و انعدام وجودهما لا وجود للّه كذلك ليكون نوراً للسماوات و الأرض. و عليه فلا وجود للّه إذاً. فما معنى و مُحَصّلة هذا الافتراض في تلك الآية؟! أو أن معنى {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ} أن اللهُ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ، فلا هو و لا حقيقته نور، بل مُنَوِّر، اي أن النور الموجود في السماوات و الأرض إنّما هو نور الله، فهو مُنَوِّر.
الوهّابيّون و الحنابلة يعتقدون بجسمانيّة الله تعالى:
و قد قال بعض العامّة بالقول الأوّل، في حين ذهب بعض الخاصّة ممّن فتحوا باب التأويل إلى انتخاب المعنى الثاني. فالمجموعة الاولى تعتقد بأنّ الله هو جسم و لا إشكال في كون واقعه نوراً مادّيّاً. و الثانية تعتقد بأنّ الله سبحانه ليس مادّة و لا مادّيّاً، و على هذا فنور السماوات و الأرض الذي هو نورٌ ما دّيّ لا يمكن أن يكون هو الله. لذا، لا محالة من تأويل الآية الشريفة و اعتبار النور بمعنى المُنَوِّر، حتى نخرج من هذا المأزق و هو القول بجسميّة الله سبحانه، ممّا يستلزم الشِّرك و نسبته تعالى إلى المحدوديّة و الإمكان. و أمّا القول بالمنوِّر فلا إشكال فيه، ذلك بأنّ الله هو الخالق و الموجِد لجميع الموجودات المجرّدة و المادّيّة، و خلقته و تنويره للسماوات و الأرض بالنور المادّيّ لا يستلزم الإشكال، فينتج عن ذلك معنى معقول و مقبول.
و الحنابلة (أتباع أحمد بن حنبل) هم الطائفة الوحيدة من بين طوائف المسلمين الذين يقولون بالمعنى الأوّل، و يُصرّون على ذلك. و يؤكّد ابن تيميّة الحنبليّ أيضاً، على هذا الرأي، و يصرّ عليه بقوله: أن المراد من آيات القرآن في العبارات و الألفاظ المستعملة فيه، هو هذه المعاني المعروفة المادّيّة و الطبيعيّة و الجسمانيّة. و لا يجوز حَمل ألفاظه و كلماته على غير هذه المعاني. و تُصرّ الوهّابيّة (و هم أتباع محمّد بن عبد الوهّاب و يعتقدون بالمذهب الحنبليّ) على المبدأ المذكور و تؤكّد عليه.
يقول الحنابلة: أن المراد من العرش و الكرسيّ و اليد و النور و الاستواء و النزول و مجيء الربّ، و أمثال ذلك ممّا ورد ذِكرهُ في القرآن الكريم و استُخدِمَ في كثير من الآيات، هو هذه المعاني المستعملة و المتعارف عليها، و لا يجوز بأيّ شكل من الاشكال التصرُّف في الآيات المذكورة أو تغييرها، أو حَمل تلك الألفاظ و الكلمات على مَعانٍ أخرى أوسع و أكثر تجرّداً.
و كان ابن تيميّة يقول صراحةً بأنّ المراد من نزول الله هو هذا النزول المُشاهَد و المحسوس. و أن ما رُويَ في الأحاديث النبويّة من نزول الله سبحانه في ليالى الجمعة، يُقصَد به هذا الشكل من النزول.
و قد كان يقول بصريح العبارة حين يعتلي المنبر و يقوم بإلقاء خُطَبِه: أن النزول المراد به هو هذا النزول المعروف، فالله ينزل تماماً كما أنزِل أنا! انظروا، هكذا! فكان ينزل دَرَجةً من على المنبر و يمثّل و يُشَبِّه للناس كيفيّة نزول الله سبحانه بصورة محسوسة.
{اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، اي أن الله سبحانه هو هذا النور المحسوس.
{الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}[7]، معناه أن الله جلس و استقرَّ على عرشه.
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ}[8]، تعني أن حجم كرسيِّه الذي يجلس عليه و اتّساعه هو بقَدر حجم و اتّساع السماوات و الأرض.
{وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[9]، معناه أن الله سبحانه يأتي في اليوم الآخِر مع ملائكته على شكل صفوفٍ مُتراصّة أو جماعات منظّمة.
و تقول هذه الطائفة كذلك: أن العرش هو بمعنى كرسيّ و عرش السُّلطان و المُلك؛ و كما أن السُّلطان يجلس على كرسيّه و عرشه أثناء حُكمه، و يتّكئُ عليه و يستقرّ فوقه، فإنّ هذه الآية تُفيد معنى أن الله كذلك يجلس و يستقرُّ على كرسيِّه (المناسب في سعته و عظمته له تعالى).
و أن مجلس الله و كرسيّه الذي يستقرّ عليه يوازيان حجم و وسع السماوات و الأرض.
و أن ربّك، يأتي يوم القيامة في صفوف مع ملائكته صفّاً بعد آخر، تماماً كما يتقدّم الناس رافعين أرجُلَهُم من مكان ليضعوها في مكان آخر.
و في تعليقهم على آية {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[10]، يقولون: اي أن الله سبحانه يملك يداً أقوى و أكبر و أعظم و أعلى من سائر الأيدي.
و تعتقد هذه الجماعة كذلك: أن الله لا يمكن رؤيته في الدنيا بحاسّة البصر، إلّا أنّه يمكن رؤيته في الآخرة بهذه العين الباصرة الظاهريّة الحسّيّة التي يملكها البصير.
و سيأتي الله بجسم و اذُن و يد و أرجل نحو الناس تماماً كمجيء الفرد العاديّ في الدنيا، و سيجلس على عرشه، تماماً كالجلوس المتعارف لدينا نحن البشر، كلّ ما في الأمر، أن الله سيبدو أعظم و أكبر و أقوى، لا غير.
معنى النور: الظاهر بذاته، المظهر لغيره
و أمّا حُكماء الإسلام و الفلاسفة اللاهوتيّون العِظام فكلّهم متّفقون على أن الألْفَاظَ إنَّمَا وُضِعَتْ لِلْمَعْنَى العَامِّ. و على هذا فإنّ أيّة كلمة وَضعها الإنسان أو يضعها في المستقبل بأيّ لسان و أيّة لغة، فهي إنّما تُوضَع للمعني العامّ، و ليس لخصوصيّة ذلك المعنى المحدود الحسّيّ و الطبيعيّ و المادّيّ و المُقَيَّد بالزمان أو المكان الفلانيّ.
فإذا أخذنا مثلًا كلمة «مصباح» بنظر الاعتبار، فإنّ هذه الكلمة مصداق للمصباح الموجود في غرفتنا في الليلة الفلانيّة، دون أن يكون لغرفتنا دَخلٌ في ذلك أو أن يكون للّيلة الفلانيّة أثرٌ على معنى المصباح. و لذا فإنّنا نري صِدق هذه الكلمة كذلك على مصباح غرفة صديقنا في ليلة أخرى. و من هنا يتبيَّن أن مفهوم و معنى لفظة «مصباح» لم يكن لهما أثر أو دَخل في خصوصيّة هذا الزمان أو ذاك، أو في خصوصيّة هذا المكان أو غيره، بل يَصدُقان على جميع أنواع المصابيح دون استثناء.
و لذلك فلو أعطينا المفهوم السابق بُعداً آخر أوسع، لشاهدنا أنّه لا دَخلَ هنا مثلًا لكون مِزيَتة المصباح مصنوعة من النحاس أو من البلَّور أو الخَزَف و ما إلى ذلك، بل تُطلَق لفظة مصباح على جميع تلك الأنواع من المصابيح. و إذن، فلا أثر لخصوصيّة المِزيَتة في مفهوم المصباح عموماً.
ففي الأزمنة الاولى كانت لفظة مصباح تَصدُق على كلّ إناء يحتوي على زيت و فيه فتيل و عليه زجاجة تُهيمن على شِدّة و تصاعد شعلته. و لمّا استُبدِلَ الزيت الذي كان يُستخدَم في تلك المصابيح- و كان زيت الخِرْوَع في أغلب الأحيان أو زيت الزيتون- بالنفط المعروف لدينا اليوم، لم يكن ذلك مدعاةً لتغيّر دلالة لفظة مصباح عمّا كانت تعنيه في السابق. و كذلك الحال مع اختراع المصباح الغازيّ حيث ظلّت تُطلَق عليه لفظة مصباح. و ها نحن اليوم نطلق كلمة مصباح حتى على المصابيح الكهربائيّة المنتشرة في عالمنا الحاضر. و ستظلّ كلمة مصباح تُطلَق على الأشكال الجديدة من المصابيح، و التي قد تُستَحدَث في المستقبل سواء كانت تعمل على الطاقة الكهربائيّة أو كانت قُدْرة الإنارة فيها بشكل لا تُقاس بما نستخدمه في عصرنا الحاضر.
و كلّ ذلك كان و لا يزال دون أدنى تصرُّف أو تدخّل في معنى كلمة مصباح أو المفهوم الموضوع له، فقد استخدمها السابقون و ها هم اللاحقون يستخدمونها كما هي عليه دون تغيّر يُذكَر.
و من هنا يتبيّن لنا أن أيّاً من الخصوصيّات المتفاوتة و الأشكال المختلفة لا دَخل لها و لا أثر على معنى كلمة المصباح و مراده و مفهومه الذي وُضِع له هذا اللفظ منذ بداية وجوده و اختراعه و على اختلاف أشكاله، و لا زال كذلك إلى يومنا هذا.
و المصباح في الحقيقة هو كلّ شيء وُضِعَ في مكان أو حيّز محدود لاستخدامه في إنارة الأشياء و إضاءتها.
و كذا كلمة النور، فهي في أصل لفظتها و وضعها أوّل مرّة لم توضع للإشارة إلى النور الحسّيّ المحسوس بحاسّة الباصرة و حسب. بل أن معنى النور هو ذلك الشيء الذي يكون ظاهراً بنفسه و ذاته، و قادراً على إظهار الأشياء الأخرى.
و أحد مصاديق هذه اللفظة هو النور المحسوس المادّيّ و الظاهريّ، كنور الشمس مثلًا و نور القمر و المصباح، ذلك أن هذه الأنوار لا تحتاج بوجودها و ذاتها إلى مُظهِرٍ لها، فهي ظاهرة بذاتها و نفسها. إنّنا لا نري نور الشمس و لا ضوء القمر بمعيّة أشياء أخرى، بل هي مُنيرة و مُضيئة بذاتها، و أمّا بالنسبة إلى الأشياء الأخرى، فإنّنا نراها و نتحسّسها بواسطة نور الشمس و ضوء القمر. إنّنا نلاحظ الصحراء و البحر و الجبال و البراري و البساتين و أشياء كثيرة أخرى و نتعامل معها في أوقات مختلفة و أزمان متباينة، و هي لا تَظهر لنا و لا نتمكّن من إدراكها إلّا بواسطة النور، فتصدق هنا المقولة القائلة النُّورُ هُوَ الظَّاهِرُ بِذاتِهِ، المُظْهِرُ لِغَيْرِهِ، و لهذا فإنّنا نُطلقُ عليه كلمة نور.
و لكنّ كلمة نور لا تقتصر على النور المادّيّ الحسّيّ، فنور الفكر و العقل، و النور النفسيّ و القلبيّ، و نور عالَم الملكوت، و نور الأسماء و الصفات الإلهيّة، و نور الجمال و الجلال، و نور ذات الحقّ تعالى و تقدّس، كلّ ذلك من أمثال النور.
فقد نتكلّم عن فلان قائلين أن له فكراً نورانيّاً، أو عقلًا نورانيّاً، أو نفساً نورانيّة، أو قلباً نورانيّاً، دون أدنى تصرُّف في معنى ما نقصده من إطلاق كلمة النور. و أن أنوار عالَم المثال و عالَم العقل، و نور صفة الجمال أو صفة الجلال للحقّ تعالى هي من الامور المعروفة لدى العرفاء. و أعجب من ذلك كلّه و أوضحه نور ذات الحقّ تعالى.
و عموماً فإنّ أهل العرفان يتعاملون بلفظة النور عند تكلّمهم و تحدّثهم عن الصفات المختلفة للحقّ سبحانه و تعالى، بِدءاً بأوضحها و هو نور القمر و ضوؤه، و انتهاءً بنور الذات السوداء اللون.
و على هذا الأساس و تلك القاعدة فإنّ ذات الله سبحانه نور، لأنّه لا يحتاج في ذاته و نفسه إلى مُنوِّر، و كلّ ما سوى ذلك من العقل الأوّل إلى العقل العاشر، و من أعلى رتبة للاسم و الصفة و حتى أوطئها، كلّها محتاجة إلى نور الله سبحانه.
الله سبحانه هو أصل الوجود، و الموجودات إنّما موجودة بوجوده، و على هذا فإنّ هويّته هي النور الذي هو الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ المُظْهِرُ لِغَيْرِهِ.
{اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، اي أن الله هو أصل وجود السماوات و الأرض، و أصل حقيقتهما و تكوينهما و هو المُوجِدُ لهما.
الله هو الأوّل، و بعده تأتي الموجودات؛ و هو لا يحتاج إلى مُعرِّف، و كلّ الموجودات محتاجة إليه ليُعرّفها؛ هو أصل الوجود و باقي الموجودات موجودة بوجوده؛ هو الظاهر بهُويّته و بقيّة الأشياء ظاهرة بظهوره؛ هو النور، و بقيّة الموجودات مُنوَّرَةٌ بنوره. هو أصل الحقيقة، و بقيّة الموجودات إنّما هي مجاز و عارية.
إن البحث في عموميّة و شموليّة وضع اللفظ للمعني العامّ هو بحث شيِّق. و بحمد الله و حُسنِ توفيقه قد بحثنا بشكل وافٍ في معنى و حقيقة الصراط في المجالس 51 إلى 53، و في معنى و حقيقة الميزان في المجلسينِ 54 و 55 من الجزء الثامن من كتاب «معرفة المعاد» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة.
الموارد التي اطلق فيها لفظ النور في القرآن و الأخبار على الأنوار
كثيرة هي حالات إطلاق لفظة النور في القرآن و الأخبار على الأنوار المعنويّة، و لبيان بعض تلك الحالات نكتفي هنا بذِكْر بعض الأمثلة. فأمّا في القرآن الكريم فقد وردت الآيات التالية:
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.[11]
ففي هذه الآية الشريفة اطلِقت لفظة النور على الهدى و اطلقت الظُّلمة على الكفر.
{يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.[12] هنا اطلِقَت كلمة النور على القرآن الكريم الذي أنزلَه الله على رسوله.
{وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ}.[13]
في هذه الآية شُبِّهت البصيرة بالنور.
{أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ}، (كالغافل الذي قسي قلبه عن ذكر الله تعالى) {فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.[14]
و اطلِقت هنا لفظة النور على قبول دين الإسلام و تَبنّيه، في مقابل القاسية قلوبهم و الرافضين له.
الموارد التي اطلق فيها النور في «نهج البلاغة» و الأخبار على النور المعنويّ
و أمّا ما ورد في الأخبار، ففي «نهج البلاغة» قال مولي الموحّدين و أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين: "وَ نَوَّرَ في قَلْبِهِ اليَقِينُ"[15].
"أحْيِ قَلْبَكَ بِالمَوْعِظَةِ، وَ أمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَ قَوِّهِ بِاليَقِينِ، وَ نَوِّرْهُ بِالحِكْمَةِ، وَ ذَلِّلْهُ بِذِكْرِ المَوْتِ، وَ قَرِّرْهُ بِالفَنَاءِ، وَ بَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ اللَيَالِي وَ الأيَّامِ"[16].
"وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأرَاهُ وَ لَا يَرَاهُ غَيْرِي. وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ في الإسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ خَدِيجَةَ؛ وَ أنَا ثَالِثُهُمَا. أرَى نُورَ الوَحْيِ وَ الرِّسَالَةِ، وَ أشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ"[17].
الأخبار و الروايات الواردة في «أوّل ما خلق الله»
و قد وردت روايات كثيرة عن طريق العامّة و الخاصّة، و كلُّها تؤكِّد على أن أوّل مخلوق خلقه الله سبحانه كان النور. كما ورد أنّه أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ الروح و القلم و العقل.
روي العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه، عن ثامن الحُجَج الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال في مجلس للمأمون، في تعليقه على بحث طويل مع عِمران الصابيّ حول بداية الخَلق: "وَ النُّورُ في هَذَا المَوْضِعِ أوَّلُ فِعْلِ اللهِ الذي هُوَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ"[18].
أوّل ما خلق الله: الحقيقة المحمّديّة
و رُوي في كتاب «عوالي اللئالي» أن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي"[19].
و في حديث آخر أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال: "أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ"[20].
و روي الصدوق في «الخِصال» بسنده عن سَماعة أنّه قال: كنتُ عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام و عنده جماعة من مواليه فجري ذِكر العقل و الجهل ... حتى قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: "إن اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ العَقْلَ وَ هُوَ أوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ مِنْ نُورِهِ"- إلى آخره.[21]
و ورد نظير هذا الكلام في حديث الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام خلال حديث طويل له مع هشام بن الحكم، حيث قال: "يَا هِشَامُ! أن اللهَ خَلَقَ العَقْلَ وَ هُوَ أوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ مِنْ نُورِهِ"[22].
و روي عن عَبادة بن الصامِت قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: "أن أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ. فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ! فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى الأبَدِ"[23].
و عن معاوية بن قُرّة عن أبيه أنّه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه و آله: {ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ}. قَالَ: "لَوْحٌ مِنْ نُورٍ، وَ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ، يَجْرِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".[24]
قال عزيز الدين النسفيّ: جاء في الحديث "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ". و جاء في حديث آخر "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ". و في آخر أنّه "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ رُوحِي". و جاء في آخر أيضاً: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي". و قد وردت أمثال ذلك في كثير من الأحاديث.[25].
و قال في مكان آخر: جاء في حديث نبويّ أنّ: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ". و ورد كذلك أنّ: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ". و في حديث آخر أنّ: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ العَرْشُ".
و وردت أحاديث كثيرة بهذا المعني.[26].
و قال الشيخ نجم الدين الرازي: اعلَم أن مبدأ المخلوقات و الموجودات كان الأرواح الإنسانيّة، و كان مبدأ الأرواح الإنسانيّة الروح المحمّديّة الطاهرة كما قال عليه الصلاة و السلام: "أوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ تعالى رُوحِي". و في رواية أخرى "نوري". و لأنّه عليه الصلاة و السلام كان زبدة و خلاصة الموجودات و ثمرة شجرة الكائنات، إذ "لَوْلَاكَ لَمَا خَلَقْتُ الأفْلَاكَ"، فإنّه كان كذلك مبدأ الموجودات و لا يمكن أن يكون غير ذلك، و ذلك أن الخَلقَ كان على مثال الشجرة، و المصطفي عليه الصلاة و السلام هو ثمرة تلك الشجرة، و الشجرة في الحقيقة لا تكون إلّا من حَبِ الثمرة.[27].
و يقول في مكان آخر: «هنالك لطيفة عجيبة تُستَشَفُّ من قوله عليه الصلاة و السلام: أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ، أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ، أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ رُوحِي، و هي أن هذه الأقوال الثلاثة كلّها صحيحة، و هي في الحقيقة قول واحد، و قد احتار خَلقٌ كثير في كيفيّة هذه التركيبة. فقوله: أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ. إنّما هو قلم الله لا قلمنا نحن، فذلك القلم يجب أن يتناسب و عظمة الله و جلاله، و تلك هي روح محمّد الطاهرة و نوره. فلمّا خلق الحقّ تعالى تلك الروح و نظر إليها بالمحبّة، غلبَ عليها الحياء، فانقسمت الروح قسمين حياءً، فكان العقل شعبة من الروح»[28].
و قال أيضاً: «لقد قطعتُ نَسبي من الدنيا و الآخرة و الجنان الثمان في ذلك اليوم، و جعلته أنَا مِنَ اللهِ. لا جَرم أن أيّ نَسبٍ مُتعلّق بالحدوث منقطع، و أمّا نَسبي فباقٍ، إذ كُلُّ حَسَبٍ وَ نَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلَّا حَسَبِي وَ نَسَبِي، و قال للآخرين: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ}، فقد فُزتُ بالأولويّة و السباق في كلّ ميدان.
فإن كان هناك أوّل في الفطرة، فقد كنتُ أوّل برعم طلع على شجرة الفطرة، إذ أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي.. و إن كان الأمر يتعلّق بساحة يوم القيامة، فأنا أوّل جوهرة تخرج من لآلئ الثري، أنَا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ. و إن أردتَ البحثَ في مقام الشفاعة، أنَا أوَّلُ شَافِعٍ وَ مُشَفَّعٍ. و إن كنتَ تُريد الحديث عن الصراط و التقدّم عليه، أنَا أوَّلُ مَنْ يجوز الصِّرَاطَ. و إن أردتَ معرفة صاحب مقام الصّدارة في مجلس الجنان، فأنَا أوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ. و إذا رُمْتَ النظر إلى سيّد العاشقين و مقتدي المشتاقين، فأنَا أوَّلُ مَنْ يتجلى لَهُ الرَّبُّ. و أوّل عاشق حقيقيّ يفوز بوصال المعشوق.
و ما أطرف أن يكون كلُّ ذلك هو أنا، أمّا أنا فلا أكون أنا، أمَّا أنَا فَلَا أقَولُ أنَا: شعر:
چو آمد روي مهرويم، كه باشم من كه من باشم *** كه آنگه خوش بوم با او، كه من بي خويشتن باشم
مرا گر مايهاي بيني، بدان كان مايه او باشد *** برو گر سايهاي بيني، بدان كان سايه من باشم[29]
إن هذا الذي سَمِعتَهُ من أن محمّداً عليه السلام لا ظلّ له، ناشئ من أن محمّداً كان هو النّور كلّه، إذ {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ}،[30] و لذا، فلا ظلّ للنور كما تعلم. و لمّا كان عليه السلام قد تخلّص من ظلّه، فقد لاذ جميع الخَلق و العالَم كلّه بنوره، إذ إنّ: "آدَمُ وَ مَنْ دُونَهَ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَ لَا فَخْرَ".
لقد غمر النور المحمّديّ العالَم و الوجود و أحاط بهما، إذ إنّ: أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي، فختم الأبدَ بنوره إذ لَا نَبِيّ بَعْدِي.
و بعد شروق شمس الدولة المحمّديّة و طلوع نورها، أفلتْ كواكب ولاية الأنبياء، فنُسِخَت بذلك آية ليلة الأديان الأخرى، حيث حَلَّت آية {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، مَحلّها، إذَا طَلَعَ الصَّبَاحُ اسْتُغْنِيَ عَنِ المِصْبَاحِ.
فالمسكين هو ذلك الأعمي الذي حُرِمَ من كلّ ذلك النور و الضياء. شعر: خورشيد بر آمد اي نگارين ديرست *** بر بنده اگر نتابد از إدبارست[31]
و أورد الشيخ نجم الدين الرازيّ كذلك: خلقت الملائكة من نور.[32]
و قال أيضاً: هذه الطائفة هي أصحاب المَيمَنة، حيث مَشرَبهم من عالَم الأعمال، و مَعادُهم درجات جنّات النعيم. مع هذا فإنّ طريقهم ليس طريقاً بحسب معرفة الذات و الصفات الربّانيّة، إذ إنّهم ما زالوا أسري آفة حُجُب الصفات الروحانيّة و النورانيّة، إذ أن لِلَّهِ [تَعَالَي] سَبْعِينَ ألْفَ حِجَابٍ مِنْ نُورٍ وَ ظُلْمَةٍ.[33]...[34]
و قال في مكان آخر: حِجابُهُ النُّورُ؛ لَوْ كُشِفَتْ لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ ما انْتَهَي إليه بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ[35].
لا جَرم أن قيل لهذه الطائفة: احذَروا من أن تخلطوا بين العقل و العِقال في ميدان التفكُّر في ذات الحقّ جلّ و علا الذي لا حدّ له، تَفَكَّرُوا في آلَاءِ اللهِ وَ لَا تَتَفَكَّرُوا في ذَاتِ اللهِ![36] و ذكر في مناسبة أخرى: «و أمّا ما قاله من أنّنا متى ما حصلنا على عقل أكبر، فإنّنا نجد الحبّ فيه أظرف و أشرف و أثبت، كما أن سيّد الكائنات [صلوات الله عليه] كان أعقل الموجودات و أعشقها على الإطلاق.
الإنسان الكامل هو من تتجلّي فيه تمام شئون آية النور
و اعلَم حقّاً بأنّ نور العقل في كمال و سموِّ مرتبته، هو بمثابة مشكاة الجسد و زجاجة القلب، و زيت المصباح «الروح» بمثابة صفاء الزيت، إذ {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ }. و مع أن الملائكة كانت تمتلك زيت الرُّوحانيّة و صفاءه الذي هو نور العقل، حيث خُلِقَتِ المَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، و كان ذلك الزيت مستعدّاً لاكتساب ناريّة النور الإلهيّ {وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}، إلّا أنّهم لم يحصلوا لا على مشكاة الجسد، و لا زجاجة القلب، و لا مصباح السِّرّ، و لا فتيلَ الخَفيّ، حيث إنّهم لم يستحقّوا اكتساب ناريّة النور الإلهيّ بدون هذه الأسباب.
و أمّا الحيوانات فعلى الرغم من حصولها على مشكاة الجسد و زجاجة القلب، إلّا أن ذلك كان في غياب زيت الروحانيّة و صفاء النور [الذي هو العقل] فكانوا في مقام العجز كذلك إذ فَأبَيْنَ أن يَحْمِلْنَهَا وَ أشْفَقْنَ مِنْهَا.
فأعطي الإنسان تمام الاستعداد و كمال التَّهيُّؤ لقبول تلك الأمانة، التي هي في الحقيقة نور الفيض دون واسطة، إذ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، فوُهِبَ جسداً مَثَله كمثل المشكاة، و قلباً على صفة الزجاجة، و زيت روحٍ بصفاء العقل الذي أنار زجاجة قلبه بذلك النور الساطِع، فأصبحت {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ}، و وضعَ زجاجة القلب و مصباح السِّرّ و فتيلَ الخَفيّ، فتجلّت هذه المجموعة و منها آدمُ بنارِ النور الإلهيّ إذ خُلِقَ آدَمُ فَتَجَلَّى فِيهِ مِصْبَاحٌ، فأصبح فيمن يستحِقُّ [نار] النور الإلهيّ حيث {وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ}.
فكلُّ مصباح كان زيته أصفي، و صفاؤه في النورانيّة أكثر، فهو في النورانيّة {نُورٌ عَلى نُورٍ} و اكتمل و ظَرُفَ بمجرّد اتّصال نار النور الإلهيّ به. و لمّا لَم يُمنَحْ أيّ مصباحٍ موهبة قبول النورانيّة و كمال الاستعداد لذلك إلّا مصباح سيِّد الكائنات صلى الله عليه و آله، و لمّا كان زيت مصباحه أتمَّ و أكمل و كان صفاء زيته الذي هو العقل لا ألطفَ و لا أظرف منه، فلا جَرَمَ أن يكون قد وصل إلى درجة الكمال لقبول نور الفيض دون واسطة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، فكان يُردّد و يُكثر من قراءة هذا الدعاء في كلّ صباح و هو:
الأدعية التي اطلق فيها لفظ النور على الله تعالى
"اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً وَ في سَمْعِي نُوراً وَ في بَصَرِي نُوراً وَ في لِسَانِي نُوراً، وَ عَنْ يَمِينِي نُوراً وَ عَنْ يَسَارِي نُوراً [وَ مِنْ فَوْقِي نُوراً] وَ مِنْ تَحْتِي نُوراً [وَ أمَامِي نُوراً وَ خَلْفِي نوراً] وَ اجْعَلْنِي نُوراً وَ أعْظِمْ لي نُوراً".
و لمّا كان كلّ وجوده هو ذلك النور، حينئذٍ دعاه الحقّ تعالى نوراً، حيث قال: {[قَدْ] جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ}.[37]
و بالجملة فقد اطلِقَت كلمة النور في كثير من أدعيتنا على الحقّ المتعال، ففي دعاء الجوشن الكبير وردت الجمل التالية:
"يَا نُورَ النُّورِ، يَا مُنَوِّرَ النُّورِ، يَا خَالِقَ النُّورِ، يَا مُدَبِّرَ النُّورِ، يَا مُقَدِّرَ النُّورِ، يَا نُورَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً قَبْلَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً بَعْدَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً فَوْقَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً لَيْسَ كَمِثْلِهِ نُورٌ"[38].
و في المناجاة الشعبانيّة: "إلَهِي هَبْ لي كَمَالَ الانقِطَاعِ إلَيْكَ، وَ أنِرْ أبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إلَيْكَ، حتى تَخْرِقَ أبْصَارُ القُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إلَى مَعْدِنِ العَظَمَةِ، وَ تَصِيرَ أرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ"[39].
حتّى قوله: "إلَهِي وَ ألْحِقْنِي بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَأكُونَ لَكَ عَارِفاً وَ عَنْ سِوَاكَ مُنْحَرِفاً وَ مِنْكَ خَائِفاً مُرَاقِباً، يَا ذَا الجَلَالِ وَ الإكْرَامِ".[40]
و ورد أيضاً في دعاء ليلة عرفة ما يلي: وَ بِاسْمِكَ السُّبُّوحِ القُدُّوسِ البُرْهَانِ الذي هُوَ نُورٌ عَلَى كُلِّ نُورٍ، وَ نُورٌ مِنْ نُورٍ يَضِيءُ مِنْهُ كُلُّ نُورٍ؛ إذَا بَلَغَ الأرْضَ انْشَقَّتْ، وَ إذَا بَلَغَ السَّمَاوَاتِ فُتِحَتْ، وَ إذَا بَلَغَ العَرْشَ اهْتَزَّ. و بعد الجمل السابقة، تأتي هذه الجمل: أسْألُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ الذي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ فَجَعَلْتَهُ دَكَّاً وَ خَرَّ موسى صَعِقاً[41].
و جاء في آخر الدعاء المذكور (دعاء ليلة عَرَفة) ما يلي: أنْتَ الذي أشْرَقْتَ الأنْوَارَ في قُلُوبِ أوْلِيَائِكَ حتى عَرَفُوكَ وَ وَحَّدُوكَ.
هذا و قد أفرد محمّد بن يعقوب الكلينيّ باباً خاصّاً في «اصول الكافي» و ذكر فيه أن الأئمّة عليهم السلام هم نور الله عزّ و جلّ، و قد أورد ستّ روايات بهذا الصدد نورِدُ منها اثنتينِ هنا على سبيل المثال:
الاولى: روي بسنده المتّصل عن أبي خالد الكابلي أنّه قال: سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ و جلّ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا}.[42] فَقَالَ: يَا أبَا خَالِدٍ! النُّورُ وَ اللهِ نُورُ الأئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؛ وَ هُمْ وَ اللهِ نُورُ اللهِ الذي أنْزَلَ، وَ هُمْ وَ اللهِ نُورُ اللهِ في السَّمَاوَاتِ وَ في الأرْضِ. وَ اللهِ يَا أبَا خَالِدٍ! لَنُورُ الإمَامِ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ أنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ المُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ.
وَ هُمْ وَ اللهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ المُؤْمِنينَ، وَ يَحْجُبُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتَظْلِمُ قُلُوبُهُمْ. وَ اللهِ يَا أبَا خَالِدٍ! لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَ يَتَوَلَّانَا حتى يُطَهِّرَ اللهُ قَلْبَهُ، وَ لَا يُطَهِّرُ اللهُ قَلْبَ عَبْدٍ حتى يُسَلِّمَ لَنَا وَ يَكُونَ سِلْماً لَنَا، فَإذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللهُ مِنْ شَدِيدِ الحِسَابِ وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ الأكْبَرِ[43].
الثانية: روي بسند متّصل آخر منه عن صالح بن سهل الهَمَدانيّ أنّه قال: قال أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام في قول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ}: فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ {فِيها مِصْباحٌ}. الحَسَنُ {الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ}. الحُسَيْنُ {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}. فَاطِمَةُ كَوْكَبٌ دُرِّيّ بَيْنَ نِسَاءِ أهْلِ الدُّنْيَا.
«توقد من شجرة مباركة» إبْرَاهِيمُ عليه السلام. {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ} لَا يَهُودِيَّةٍ وَ لَا نَصْرَانِيَّةٍ. {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ } يَكَادُ العِلْمُ يَنْفَجِرُ بِهَا. {وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ} إمَامٌ مِنهَا بَعْدَ إمَامٍ.
{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ} يَهْدِي اللهُ لِلأئمَّةِ مَنْ يَشَاءُ؛ {وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ}.
قُلْتُ: {أَوْ كَظُلُماتٍ}؟ قَالَ: الأوَّلُ وَ صَاحِبُهُ. {يَغْشاهُ مَوْجٌ} الثَّالِثُ. {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ} الثَّانِي. {بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ} مُعَاوِيَةُ لَعَنَهُ اللهُ وَ فِتَنُ بَنِي امَيَّةَ؛ {إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ} المُؤْمِنُ في ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ {لَمْ يَكَدْ يَراها}. {وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً} إمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، {فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} إمَامٍ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَ قَالَ في قَوْلِهِ: {يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ}[44]: أئِمَّةُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، تَسْعَي بَيْنَ يَدَيِ المُؤْمِنِينَ وَ بِأيْمَانِهِمْ حتى يُنَزِّلُوهُمْ مَنَازِلَ أهْلِ الجَنَّةِ.[45]
و روي الكلينيّ بهذا المضمون بسند آخر عن علي بن جعفر عليه السلام، عن أخيه موسى عليه السلام.
أصل طينة الأئمّة عليهم السلام من النور
و ذكر الكلينيّ في باب خَلق الأبدان و الأرواح و القلوب للأئمّة عليهم السلام أربع روايات، نكتفي هنا بذكر واحدة منها فقط: روي بسنده المتّصل عن محمّد بن مروان عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال سمعته يقول: أن اللهَ خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ، ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنَا مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ مِنْ تَحْتِ العَرْشِ، فَأسْكَنَ ذَلِكَ النُّورَ فِيهِ، فَكُنَّا نحن خَلْقاً وَ بَشَراً نُورَانِيِّينَ لَمْ يَجْعَلْ لأحَدٍ في مِثْلِ الذي خُلِقْنَا مِنْهُ نَصِيباً. وَ خَلَقَ أرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ طِينَتِنَا، وَ أبْدَانَهُمْ مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ أسْفَلَ في ذَلِكَ الطِّينَةِ، وَ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لأحَدٍ في مِثْلِ الذي خَلَقَهُمْ مِنْهُ نَصِيباً إلَّا لِلأنْبِيَاءِ. وَ لِذَلِكَ صِرْنَا نَحْنُ وَ هُمْ: النَّاسَ، وَ صَارَ سَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لِلنَّارِ وَ إلَى النَّارِ[46].
و أورد الكلينيّ كذلك في باب ولادة النبيّ صلى الله عليه و آله و وفاته أربعين رواية نورد منها في هذا المقام ثلاثة:
1- روي بسند متّصل عن جابر بن يزيد قال: قال لي أبو جعفر (الباقر) عليه السلام: يَا جَابِرُ! أن اللهَ أوَّلُ مَا خَلَقَ، خَلَقَ مُحَمَّداً صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عِتْرَتَهُ الهُدَاةَ المُهْتَدِينَ. فَكَانُوا أشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ! قُلْتُ: وَ مَا الأشْبَاحُ؟! قَالَ: ظِلُّ النُّورِ، أبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أرْوَاحٍ. وَ كَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ وَاحِدَةٍ وَ هي رُوحُ القُدُسِ. فَبِهِ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ وَ عِتْرَتُهُ.
وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ، عُلَمَاءَ، بَرَرَةً، أصْفِيَاءَ؛ يَعْبُدُونَ اللهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ، وَ السُّجُودِ، وَ التَّسْبِيحِ، وَ التَّهْلِيلِ؛ وَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ، وَ يَحُجُّونَ، وَ يَصُومُونَ.[47]
2- روي بسند متّصل عن أحمد بن على بن محمّد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام أنّه قال: إن اللهَ كَانَ إذْ لَا كَانَ. فَخَلَقَ الكَانَ وَ المَكَانَ. وَ خَلَقَ نُورَ الأنْوَارِ الذي نُوِّرَتْ مِنْهُ الأنْوَارُ. وَ أجْرَى فِيهِ مِنْ نُورِهِ الذي نُوِّرَتْ مِنْهُ الأنْوَارُ.
وَ هُوَ النُّورُ الذي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِيَّاً. فَلَمْ يَزَالا نُورَيْنِ أوَّلَيْنِ، إذْ لَا شَيْءَ كُوِّنَ قَبْلَهُمَا. فَلَمْ يَزَالا يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ في الأصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حتى افْتَرَقَا في أطْهَرِ طَاهِرَيْنِ: في عبد الله وَ أبِي طَالِبٍ عليهم السَّلَامُ.[48]
الزهراء عليها السلام من رجال آية النور و في بيوتها
3- و روي كذلك بسند متّصل أيضاً عن مُرازِم عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تعالى: يَا مُحَمَّدُ! إنِّي خَلَقْتُكَ وَ عَلِيَّاً نُوراً، يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ، قَبْلَ أن أخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَ أرْضِي وَ عَرْشِي وَ بَحْرِي، فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَ تُمَجِّدُنِي.
ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً، فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي وَ تُقَدِّسُنِي وَ تُهَلِّلُنِي. ثُمَّ قَسَّمْتُهَا ثِنْتَيْنِ وَ قَسَّمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَصَارَتْ أرْبَعَةً: مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ، وَ على وَاحِدٌ، وَ الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ ثِنْتَانِ.
ثُمَّ خَلَقَ اللهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ. ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ فَأفْضَى[49] نُورَهُ فِينَا[50].
أما و إنّنا لنقرا في زيارة الجامعة الكبيرة: خَلَقَكُمُ اللهُ أنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ حتى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ «في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»[51].
و روي في تفسير «نور الثَّقلَيْن»[52] بسند متّصل منه عن جابر، عن الإمام
أبي جعفَر (الباقر) عليه السلام في قوله عزَّ و جلّ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}، أنّه قال: هِيَ بُيُوتُ الأنْبِيَاءِ، وَ بَيْتُ على مِنْهَا.
و روي في تفسير «البرهان»[53] عن الشيخ الحافظ رجب البرسيّ قال: روي ابن عبّاس أنّه قال: كنتُ في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و قد قرأ القارئ: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ.
فقلتُ: يا رسول الله! ما البيوت؟! فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: بُيُوتُ الأنْبِيَاءِ عليهم السَّلَامُ، وَ أوْمَي بِيَدِهِ إلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهَا ابْنَتِهِ.
نعم، لقد تبيّن من هذه الأبحاث بصورة لا تقبل الشكّ معنى نور الله و أحقّيّة الوِلاية و عظمتها التي هي عين التوحيد، و كذلك طريق إفاضة النور من مقام وحدة الربوبيّة عزَّ و جلّ الذي هو عين النور و أصل الجود و الوجود، و طلوعه في المصباح، و استمداد المصباح من زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ، و تلألئه في الزجاجة، و انعكاسه في المشكاة،، و حفظ و صيانة المشكاة للنور، و إفاضة النور و نشره في فضاء الغرفة، و انتفاع الناس بوساطة ذلك في فضائه النيِّر و المتلألئ كلٌّ بحسب رتبته.
و عَلِمنا كذلك سرّ الولاية و الإمامة اللتين هما معدن النور و منبعه. و كذا كيفيّة اتّحاد الأنوار الخمسة الطيِّبة و وحدتها، و التي من جملتها المقام الأقدس للسيّدة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها، و كيفيّة نشوء نورها المقدّس و إيجاده من نشء و مبدأ عالَم الإيجاد و نشأة الحياة في سلسلتَي التكوين و التشريع. و مع عدم وجود صفة الذكورة و الانوثة في عوالم التجرُّد، و أن الولاية الحقّة هي ولاية الله، و هي واحدة، فإنّه و مع الأخذ بنظر الاعتبار مسألة نشأة الكثرة فقد دُعيتْ بالرجال و وُضِعَت في بيوت أنوار الوحي و الإلهام و ذِكْر الله تعالى.
و على أيّة حال فقد يكون سبب ذِكر نور جلال تلك السيّدة الكبرى في الأخبار و الآثار بلحاظ صفة الانوثة في عالَم الكثرات، ممّا يجعل كلّ ناظر يغضّ النظر عن ذلك و يُمنَع من الاطّلاع على جمالها الذي هو جمال الله. أن نور ذلك الجمال الربّانيّ الأزليّ الأبديّ السرمديّ يَبرُقُ و يتلألأ بشكل يُعمي بصر كلّ عين عاجزة؛ و لهذا صار نور الجلال حجاباً لنور الجمال. و سيملأ دويّ ملائكة القدس: غُضُّوا أبْصَارَكُمْ، أسماع الخَلق و أركان ساحة المحشر الكبرى عند عبور سيّدة نساء العالمين، و تعبر تلك السيّدة معدن الولاية و منجم الإمامة يُغَطّيها حجاب تتدلّي منه آلاف الحُجُزات[54]، و يربط كلّ واحد من شيعتها نفسه بواحدة من تلك الحُجُز و يتمسّك بها. فتتقدّم صلوات الله عليها حتى تمثل بين يدي الله سبحانه في موقف عظيم و مشهد رهيب، واضعة في كفّها اليمني رأس ولدها الحسين بينما وضعت في كفّها اليسرى قميصه الملطَّخ بالدماء، فتقول: ربّاه! لقد ضحّي ولدي الحسين بكلّ ما لديه في سبيلك، فهذا رأسه و هذا قميصه! فما جزاؤه عندك يا ربّ؟! فيتقدّم رِضوان خازن الجنّة و مالِك خازن جهنّم في الحال و يسلّمانها مفتاحي الجنّة و النار، و يضعانه في كفّيّ السيّدة الكبرى قائلينِ: أن الله يقول: لقد أعطانا ولدك الحسين كلّ ما لديه، فسنعطيه نحن كلّ ما لدينا؛ فخذي مفتاحي الجنّة و النار و أدخلي مَن شئتِ من أحبّائكِ إلى الجنّة، و ألقي بمن شئتِ من أعدائكِ إلى النار، فهذا الموقف موقف العدل لديّ.
وَ لَها جَلَالٌ لَيْسَ فَوْقَ جَلَالِهَا *** إلَّا جَلَالُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ
وَ لَهَا نَوَالٌ لَيْسَ فَوْقَ نَوَالِهَا *** إلَّا نَوَالُ اللهِ عَمَّ نَوَالُهُ
مِشْكَاةُ نورِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ *** زَيْتونَةٌ عَمَّ الوَرَي بَرَكاتُها
هي قُطْبُ دائِرَةِ الوُجودِ وَ نُقْطَةٌ *** لَمَّا تَنَزَّلَتْ أكْثَرَتْ كَثَرَاتُها
هي أحْمَدُ الثَّانِي وَ أحْمَدُ عَصْرِها *** هي عُنْصُرُ التَّوْحِيدِ في عَرَصاتِها
[1] سورة النور(24) الآية 35.
[2] الآيات 35 إلى 38، من السورة 24: النور.
[3] «الميزان في تفسير القرآن» ج 15، ص 130 إلى 135.
[4] «الميزان في تفسير القرآن» ج 15، ص 140.
[5] «الميزان» ج 15، ص 149 و 150؛ و هذه الآية هي الآية 45، من السورة 24: النور.
[6] «الميزان في تفسير القرآن» ج 15، ص 152 و 153.
[7] الآية 5، من السورة 20: طه.
[8] الآية 255، من السورة 2: البقرة.
[9] الآية 22، من السورة 89: الفجر.
[10] الآية 10، من السورة 48: الفتح.
[11] الآية 257، من السورة 2: البقرة.
[12] الآيتان 15 و 16، من السورة 5: المائدة.
[13] الآية 40، من السورة 24: النور.
[14] الآية 22، من السورة 39: الزمر.
[15] «نهج البلاغة» الحكمة 373، طبعة عيسى البابي الحلبي؛ و في طبعة مصر مع تعليقة للشيخ محمّد عبده: ج 2، ص 225: أيُّهَا المُؤْمِنُونَ! إنَّهُ مَنْ رَأي عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَ مُنْكَراً يُدْعَي إليه فَأنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَ بَرِئَ، وَ مَنْ أنْكَرَهُ بِلِسانِهِ فَقَدْ اجِرَ وَ هُوَ أفْضَلُ مِنْ صاحِبِهِ، وَ مَنْ أنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيا وَ كَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هي السُّفْلَي فَذَلِكَ الذي أصَابَ سَبِيلَ الهدى وَ قَامَ على الطَّرِيقِ وَ نَوَّرَ في قَلْبِهِ اليَقِينُ.
[16] «نهج البلاغة» ج 2، ص 38 و 39، الرسالة 31، طبعة مصر مع تعليقة للشيخ محمّد عبده، وصيّته عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام كتبها إليه بحاضرين، عند انصرافه من صفّين.
[17] «نهج البلاغة» الخطبة 190؛ و في طبعة مصر مع تعليقة للشيخ محمّد عبده: ج 1، ص 392.
[18] «بحار الأنوار» ج 10، ص 314، باب مناظرات الرضا و احتجاجاته، الحديث الأوّل، الطبعة الحديثة.
[19] «بحار الأنوار» ج 1، ص 97، باب حقيقة العقل و كيفيّته و بدو خلقه، الحديث السابع.
[20] «المصدر السابق»، الحديث الثامن.
[21] «المصدر السابق»، ص 109، كتاب العقل و الجهل، الحديث السابع.
[22] «المصدر السابق»، ص 158، الحديث الثلاثون.
[23] «بحار الأنوار» ج 57، ص 374، باب القلم و اللوح المحفوظ و الكتاب المبين، الحديث الرابع و العشرون.
[24] «بحار الأنوار» ج 57، ص 374، الحديث الخامس و العشرون.
[25] «الإنسان الكامل» لعزيز الدين النسفيّ، ص 220 و 398، طبعة طهران، قسم المعهد الإيرانيّ و الفرنسيّ بتصحيح ماريجان موله.
[26] «نفس المصدر السابق»
[27] «مرصاد العباد» ص 37، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.
[28] «المصدر السابق» ص 51 و 52.
[29] «مرصاد العباد» ص 133 و 134.
يقول «إذا أقبل حبيبي بطلعة كالبدر، فمن الذي سأكونه يا ترى، لأكون أنا بذاتي؛ و ساسرُّ به حينئذٍ إذ سأكون بلا «أنا».
و أن شاهدتَ من جوهرٍ في، فاعلم أن ذلك جوهره هو، و أن شاهدتَ فيه من ظلٍّ، فاعلم أن ذلك ظلّي أنا».
[30] مقتبس من ذيل الآية 15، من السورة 5: المائدة: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ}.
[31] «مرصاد العباد» ص 134؛ و كذلك ص 158 و 159.
«أشرقت الشمس فالوقت متأخّر أيّها المعشوق، فإذا لم تسطع على فذلك بسبب الإدبار».
[32] رسالة «عشق و عقل» ص 40، منشورات بنگاه ترجمه و نشر كتاب، الطبعة الثانية؛ و في تعليقة ص 111 يقول: مقتبس من «صحيح مسلم» كتاب الزهد، و «مسند أحمد بن حنبل» ج 6، ص 158 و 168، نقلًا عن «المعجم المفهرس».
[33] ذُكرت هذه الرواية في «مرصاد العباد» ص 101 و 311. و ذكرها كذلك الملّا عبد الرزّاق الكاشانيّ في شرح «منازل السائرين» ص 7 و 290، منشورات بيدار، و ذكرها أيضاً المعلِّق على الكتاب في ص 415. و قال العلّامة محمّد بن محمود الآمليّ في كتاب «نفائس الفنون» ج 2، ص 59 و 60، حيث يقول: «الفصل الثامن: في بيان مشاهدات الأنوار و مراتبها»: قال الله تعالى: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ، أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ، وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}. اعلم أنّه بسبب انصقال مرآة القلب تدريجيّاً بمصقلة الذِّكر، و امّحاء أدران الطبيعة و ظلمة البشريّة عنها، يكون ظهور الأنوار الغيبيّة فيها أقوي. و تتوهّج تلك الأنوار على غرار توهُّج الشمعة و المصباح و المشعل و النيران، و ذلك عند ما يكون الخيال لا يزال يشوب تلك الأنوار. و بعد ذلك تتراءي للعيان الأنوار العلويّة، حيث تكون في البداية على صورة كواكب متناثرة، و بعد ذلك على صورة قمر و من ثمّ تظهر بصورة شمس حتى تظهر الأنوار المجرّدة من المحالّ. و عند ما تنسلخ الأنوار من الحُجُب تماماً و لا يكون للخيال مجالًا للتصرّف فيها، تنعدم حينئذٍ الألوان و الأشكال، فيسود انعدام اللون و الشكل و الكيفيّة و الصورة؛ ذلك أن تلوّث الصفات البشريّة هو الذي يجعل الروح تُدرك شكل و لون النور من وراء حجاب الخيال، فعند ما تسود الروحانيّة المحضة و يتمّ الخروج من تلك حُجُب الخيال تنتفي الأشكال و الألوان. لكن على الرغم من أن الله سبحانه و تعالى هو مظهر جميع الأنوار و ذلك حسب ما تصرّح به الآية: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ} و أن كثرة هذه الأنوار و قلّتها يكون بحسب صفاء القلب و صقالته من ظلمة البشريّة، إلّا أن ظهورها يكون مختلفاً و متبايناً و ذلك بسبب اختلاف و تباين منشأ مشاهداتها و يقال لهذه الأنوار الأنوار الأرضيّة و ذلك عند ما تكون على صورة امور سفليّة مثل البروق و اللوامع و اللوائح و المشاعل و القناديل و المصابيح. أمّا عند ما تكون على صورة أجرام علويّة كالكواكب و الأقمار و الشموس فيقال لها الأنوار السماويّة.
و على هذا فإنّها تظهر بصورة برق إذا كانت منشأ مشاهدتها الذِّكر، أو بصورة مشكاة أو قنديل إذا كانت منشأ مشاهدتها المعرفة.
(تابع الهامش في الصفحة التالية...)
[34].(...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
و من هنا يقول الحقّ تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ}، اي أنّه تبارك و تعالى مظهر الأنوار السماويّة و الأرضيّة، و أن نور عرفانه يظهر على السالك على صورة مشكاة، فإذا كانت الروحانيّة منشأ مشاهدتها و التي تنعكس على القلب السماويّ تبعاً لمقدار صقالته، يكون ظهورها على مثال الكواكب و الأقمار و الشموس. فعلي سبيل المثال، إذا كان صفاء القلب بمقدار الكوكب، يُري نور الروح بمقدار ذلك الكوكب، و إذا كانت مرآة القلب صافية تماماً، يُري القمر كاملًا، و إذا كانت هناك بقيّة من الكدورة، يُري القمر ناقصاً، و عند ما يكتمل صفاء مرآة القلب و تقبّلها لنور الروح، تصبح المشاهدة بمقدار الشمس؛ و كلّما كان الصفاء أكثر، كان سطوع الشمس أكبر. و إذا وقعت مشاهدة القمر و الشمس في آنٍ واحد، يكون القلب حينئذٍ القمر الذي يعكس النور فيُنير الروح به، و تكون الروح الشمس. و انعكاس إشعاعات الأنوار لصفات الحقّ عزّ و علا من وراء الحُجُب الروحانيّة على مرآة القلب هو بمقدار صفائها».
[35] جاء في تعليقة ص 110: «مأخوذ عن حديث نبويّ، «صحيح مسلم» باب الإيمان، ص 293؛ مقدّمة كتاب ابن ماجة، ص 13؛ «مسند أحمد» ج 4، ص 401 و 405. و أصل الحديث هو: «حِجابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ...».
أقول: ذكرها كذلك مُؤلِّف «مرصاد العباد» ص 310؛ كما ذكرها المعلِّق على كتاب «شرح المنازل» ص 7.
[36] رسالة «عشق و عقل» ص 53 و 54.
[37] رسالة «عشق و عقل»، ص 76 إلى 78.
[38] «مفاتيح الجنان» ص 93، طبعة الإسلاميّة، سنة 1379 هـ، نقلًا عن «البلد الأمين» و «المصباح» للكفعميّ، و هو مرويّ عن الإمام سيّد الساجدين، عن أبيه، عن جَدّه رسول الله صلى الله عليه و آله.
[39] «مفاتيح الجنان» ص 158، نقلًا عن ابن خالويه، قال: «إنّها مناجاة أمير المؤمنين و الأئمّة من ولده عليهم السلام، كانوا يدعون بها في شهر شعبان».
[40] «مفاتيح الجنان» ص 159.
إن تشبيه آية النور المباركة لحالات نفس السالك إلى الله هي من أروع التشبيهات في هذا المقام. و ليس أجدر من أن ننقل هنا نصّ عبارات استاذ السلوك و العرفان آية الحقّ و الإيقان السيّد مهدي بحر العلوم في الرسالة المنسوبة إليه.
يقول السيّد بحر العلوم:
«و أمّا السالك فإنّه يري آثار و فيوضات ذلك. و من جملة الآثار حصول الأنوار في القلب حيث يكون في البدء على شكل مصباح ثمّ على شكل شعلة ثمّ كوكب ثمّ قمر ثمّ بعد ذلك على شكل شمس، ثمّ تنخمد و تزول ألوانها. و الكثير منها يكون على شكل برق و أحياناً تكون بصورة مشكاة و قنديل، و هذان الاثنان يحصلان أكثر ما يحصلان بفعل المعرفة و السبق من الذِّكر. و قد أشار الإمام أبي جعفر عليه السلام إلى المرتبة الاولى كما روي ذلك ثقة الإسلام في «الكافي» أن الإمام عليه السلام قال في بيان أقسام القلوب: وَ قَلْبٌ أزْهَرُ أجْرَدُ. فَقُلْتُ: وَ مَا الأزْهَرُ؟ فَقالَ: فيهِ كَهَيْئَةِ السِّراجِ- إلى أن قالَ: وَ أمَّا القَلْبُ الأزْهَرُ فَقَلْبُ المُؤْمِنِ. و قد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض هذه المراتب قائلًا: قَدْ أحْيَا قَلْبَهُ وَ أمَاتَ نَفْسَهُ حتى دَقَّ جَليلُهُ وَ لَطُفَ غَليظُهُ وَ بَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ البَرْقِ.
إن إحدى المعاني الباطنية للآية الشريفة: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ} هي شرح لهذه المراحل حيث يستحيل شخص الإنسان في هذه الأحوال إلى مشكاة فيها مصباح و الذي يمثّل القلب، و في تلك الزجاجة مصباح و المذكور بالنور، و يتحوّل القلب بعد نشر ذلك إلى ما يُشبه الكَوْكَبٌ الدُّرِّيّ فيكون ساطعاً نيّراً مثلُهُ كمثل نور الشجرة المباركة الكثير النفع و هو ما يمثّل النورانيّة و الروحانيّة لذكر الله حيث ليس بشرقيّ و لا غربيّ، بل نابع عن الطريق الباطن و الذي هو كذلك ليس بشرقيّ و لا غربيّ. وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ اي إذا لم يغفل عن ذكر الله و الذي يؤدّي إلى مقارنة الشيطان المخلوق من النار بنصّ الآية الشريفة {وَ مَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، و يزيد {نُورٌ على نُورٍ}نوراً على نوره حتى يغدو جميع ذلك نوراً. وَ هَذِهِ الزُّجاجَةُ {في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}. و في بيان مَثَلُ نورِهِ قال عليه السلام: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الآصَالِ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ.* («رسالة السير و السلوك المنسوبة إلى بحر العلوم» ص 194 إلى 197 مع مقدّمة و شرح للسيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، منشورات حكمت).
* اي في بيان تحقّق هذا النور و مصداقيّته فإنّه يقول أن رجالًا يُسبّحون الله في الصباح و المساء في تلك البيوت.
[41] «مفاتيح الجنان» ص 253، حيث ذُكِرَ أن في الرواية أنّه يُدعي به في ليلة عَرَفة و ليالي الجُمَع.
[42] صدر الآية 8، من السورة 64: التغابن.
[43] «اصول الكافي» ج 1، ص 194، كتاب الحجّة، باب أن الأئمّة عليهم السلام نور الله عزّ و جلّ، الحديث الأوّل.
[44] مقطع من الآية 12، من السورة 57: الحديد.
[45] «اصول الكافي» ج 1، ص 195، الحديث الخامس.
[46] «اصول الكافي» ج 1، ص 389، باب خلق أبدان الأئمّة و أرواحهم و قلوبهم عليهم السلام، الحديث الثاني.
[47] «المصدر السابق»، ص 442، كتاب الحجّة، باب مولد النبيّ صلى الله عليه و آله و وفاته، الحديث العاشر.
[48] «اصول الكافي» ج 1، ص 441 و 442، الرواية التاسعة.
[49] جاء في بعض النسخ فَأضَاءَ.(التعليقة).
[50] «المصدر السابق»، ص 440، الحديث الثالث.
[51] «مفاتيح الجنان» ص 547، عن الشيخ الصدوق في «الفقيه» و «العيون»، عن موسى بن عبد الله النخعيّ، عن الإمام عليّ النقيّ عليه السلام.
[52] تأليف الشيخ عبد علي بن جمعة العروسيّ الحويزيّ، ج 3، ص 607.
[53] تأليف السيّد هاشم البحرانيّ، ج 2، ص 737، الطبعة الحجريّة.
[54] الحُجزة ج حُجَز و حُجُزات و حُجَزات و حُجْزات: مَعقَد الإزار.[ المنجد].(م)
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
