x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
خمس مراحل من حياة موسى (عليه السلام)
المؤلف: محمد جواد مغنية
المصدر: تفسير الكاشف
الجزء والصفحة: ج6 ، ص54-61 .
18-11-2014
6816
المرحلة الاولى : خوفه من تآمر الاقباط عليه .
قال تعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص : 14].
تقدم بنصه الحرفي في الآية 22 من سورة يوسف . وجاء هناك وصفا ليوسف ، وهنا وصفا لموسى .
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص : 15].
المراد بالمدينة هنا مصر . . وفي ذات يوم دخل موسى بعض شوارعها دون أن يشعر أحد به ، فرأى رجلين يتشاجران ويقتتلان : أحدهما قبطي من أتباع فرعون ، والآخر إسرائيلي من جماعة موسى ، وكان الأقباط بوجه العموم يضطهدون الإسرائيليين ، ويحسبونهم خدما لهم وعبيدا ، فاستنجد الإسرائيلي بموسى ، فوكز موسى القبطي بيده أو بعصاه بقصد التأديب والردع عن البغي ، لا بقصد القتل ، فوقع جثة هامدة ، ويسمى هذا بقتل الخطأ « قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ » . هذا إشارة إلى الشجار والقتال الذي وقع بين القبطي والإسرائيلي ، لا إلى الوكز أو القتل غير المقصود ، والمعنى ان القتال بين الاثنين مصدره وسوسة الشيطان واغراؤه بالمعاصي والذنوب .
« قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » . كل تقصير في حق اللَّه تعالى ينسبه الأنبياء والأولياء إلى أنفسهم فهو دعاء وخشوع للَّه سبحانه ، ولا دلالة فيه على الذنب والتقصير ، لأن العارف باللَّه حقا يتهم نفسه بالتقصير في طاعة اللَّه وعبادته ، ومن أجل هذا يسأله العفو والصفح عن الذنب ، وقديما قيل : سيئات الأبرار حسنات الأشرار . انظر ما قلناه بعنوان التوبة والفطرة ج 2 ص 275 « قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ » . سأل موسى ربه العفو ، وأعطاه عهدا على نفسه أن يكون حربا على الطغاة المجرمين كفرعون وجنوده ، وعونا لكل مؤمن صالح .
« فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ » . خاف موسى ان يطالب بدم القبطي ، وتوقع الشر من فرعون وقومه . . وبينما هو كذلك « فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ » يطلب النصر من موسى بصياح وصراخ « قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ » . ما شأنك تشتبك كل يوم مع قبطي ؟ وتسبب لنا المتاعب والمشاكل ؟ ألا ترعوي عن غيك وضلالك ؟ .
« فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما » . أراد موسى أن يبطش بالقبطي لأن الأقباط هم الذين كانوا يعتدون على الإسرائيليين ويعاملونهم معاملة العبيد كما أشرنا ، وقد ظن القبطي أن موسى يريد قتله ، ولذا « قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ » . بالأمس قتلت رجلا ، واليوم تريد قتلي ، هل أنت من الجبارين ، أم المصلحين ؟ ويومئ هذا إلى أن موسى كان معروفا بالصلاح وحسن السلوك ، وان القتل لا يتفق مع سيرته ومسلكه .
المرحلة الثانية خروج موسى خوف القتل .
« وجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ » .
علم فرعون وحاشيته بما كان من موسى مع القبطي الأول الذي قتله خطأ ، والثاني الذي قال له : أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي فتشاوروا في أمر موسى ، وصمموا على قتله ، ولما علم أحد المؤمنين بذلك أسرع إلى موسى ، وأخبره بما دبروا له ، وأشار عليه بالفرار من القوم الظالمين ، وقال كثير من المفسرين : ان هذا المؤمن هو الذي أشارت إليه الآية 28 من سورة غافر :
(وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) ؟ .
« فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » . قبل موسى النصح من المؤمن ، وخرج من مصر بلا زاد وماء وظهر ورفيق ، وهو خائف يترقب أن تلحق به جلاوزة فرعون ، وفوق هذا لا يدري أين يتجه ؟ فالتجأ إلى ربه ، وسلم إليه أمره ، وسأله الهداية والنجاة من فرعون وقومه « ولَمَّا تَوَجَّهً تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ » . سار موسى دون أن يقصد بلدا معينا ، وهو على يقين من ربه ، وانه سيرشده إلى الطريق القويم الذي يؤدي به إلى النجاح والفلاح ، وأخذ سبحانه بيده ، واتجه به إلى مدين بلد شعيب ، وبين مصر وبينها صحراء واسعة الأطراف ، ممتدة الأبعاد ، يقطعها المسافر مشيا في ثمانية أيام ، فاجتازها موسى برعاية اللَّه وتوفيقه ، وكان يأكل من نبات الأرض . . وبالأمس القريب كان في قصر فرعون يتمتع بما لذ وطاب ، ولكن حشائش الأرض والخوف خير الف مرة عند المخلصين الأحرار من النعمى مع الظلمة الطغاة كما قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : واللَّه لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .
المرحلة الثالثة : لقاء موسى مع النبي شعيب (عليهما السلام )
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا } [القصص : 23، 24] موسى . . فقد انتهى به السير إلى بئر ، فوجد عنده جماعة من الرعاء يستقون منها لماشيتهم ، ورأى امرأتين في ناحية عن جماعة الرعاء ، ومعهما غنيمات تحاول أن ترد الماء ، والمرأتان تصرفانها عنه . . أثار هذا المنظر انتباه موسى ، وقال لهما : لما ذا تمنعان غنمكما عن الماء ، وهي عطاشى ؟ فقالتا : نحن نسوة ضعاف ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، وأبونا شيخ كبير يعجز عن الرعي والسقي ، فننتظر حتى يفرغ الرعاء فنستقي ، فتحركت في نفس موسى نخوة الدين والإنسانية وسقى لهما .
ولا عجب إذا أنجد موسى نسوة ضعافا ، فقد ينجد المرأة الضعيفة الكافر والشقي ، وأيضا لا عجب أن يعيش شعيب وبناته من كد اليمين وعرق الجبين ، فهذه هي سيرة الأنبياء وخلفائهم الأتقياء من قبل ومن بعد ، وإنما العجب أن لا يكون لهذه الروح القرآنية أي أثر في نفوسنا نحن الذين ندعي العلم باللَّه وكتابه وسيرة أنبيائه . . وأعجب العجب أن نتسابق ونتنافس في طلب الدنيا ومظاهرها .
« ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » . سقى موسى غنم الفتاتين ، وذهب إلى شجرة يتفيأ ظلالها ، وكان قد أنهكه وأعياه التعب والجوع ، فسأل اللَّه من فضله وكرمه ، ولم يبالغ ويلح في المسألة لأن المطلوب سد الخلة وكفى ، ولو طلب الآخرة لبالغ وألح ، وفي نهج البلاغة :
واللَّه ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، وقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه . الصفاق الجلد الأسفل ، والتشذب انهضام اللحم .
« فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا » . رجعت الفتاتان إلى أبيهما ، وأخبرتاه بما كان ، فقال لواحدة منهما : اذهبي وادعيه لنجزيه على إحسانه ، فجاءته الفتاة يكسوها الحياء والخجل ، والطهر والعفاف ، وقالت له ما قال أبوها « فَلَمَّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » . استجاب موسى للدعوة ، ورحب به الشيخ وشكره على صنيعه ، ولما طابت نفس موسى واطمأنت إلى الشيخ حدثه بما جرى له مع فرعون وقومه فقال له الشيخ : لا تخف . . انك عندنا في مكان حصين أمين ، لا سلطان عليك فيه لفرعون ولا لغيره من الظالمين .
واختلف المفسرون في هذا الشيخ من هو ؟ فأكثرهم على أنه شعيب ، وقال فريق منهم : انه غيره . . ولا مستند لهؤلاء وأولئك إلا مرجحات لا تغني عن الحق شيئا . . ولسنا نهتم بمثل هذه الاختلافات ، ما دامت لا تمت إلى العقيدة والحياة بسبب . . وقد اخترنا اسم شعيب لهذه الشخصية لمجرد التعبير عنها ، ولأن هذا الاسم هو الشائع بين الأكثرية كما شاع بين طلاب النجف وعلمائها : ليس النزاع في التسمية من دأب المحصلين .
( قالت إحداهما ) وهي التي استدعته إلى أبيها كما يشعر وصفها له بالقوي الأمين « يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ » . وما شهدت إلا بما رأت من قوته وهو يسقي لها ولأختها ، ومن عفته حين توجهت إليه بالدعوة إلى أبيها {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص : 27]. موسى الشريد الطريد والفقير الذي لا يملك شيئا ، والذي عاش أياما على نبات الأرض حتى سأل اللَّه لقمة يقيم بها الأود ، هذا الجائع اللاجئ يعرض عليه شيخ جليل إحدى ابنتيه ، ويدع له الخيار في أيتهما يريد . . إذن ، لا بد أن يكون هناك سر . . أجل ، هناك سر ، وهو يكمن في شخصية موسى وعظمته التي لمسها الشيخ في صنعه مع ابنتيه ، وفي حديثه وسيرته مع فرعون وقومه التي قصها عليه ، فأدرك الشيخ بفطرته النقية الصافية ان هذه الشخصية سيكون لها ابعد الآثار لأن الأعمال التي تصدر عن الإنسان تكون في الغالب من نوع واحد . .
فالشيخ - إذن - هو الفائز الرابح بهذه المصاهرة ، وأي ربح أعظم من مصاهرة الأنبياء والأتقياء ؟ .
« على ان تأجرني الخ » معناه ان رعيت عندي بأجر زوّجتك إحدى ابنتي بمهر ، تماما كما تقول : ان فعلت كذا فعلت أنا كذا ، وهذا هو المعنى الصحيح للآية .
« قالَ ذلِكَ بَيْنِي وبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ » .
هذا من كلام موسى ، والأجل الأول الثماني الحجج ، والثاني العشر ، والمعنى ان موسى قال للشيخ : قبلت ورضيت بالزواج والرعي ، والخيار لي في قضاء الثماني أو العشر ، فأيهما اخترت فلا حجة لك عليّ ، واللَّه شهيد على ما أوجبته أنت على نفسك ، وما أوجبته أنا على نفسي . وفي الحديث : ان موسى
قضى أبرّ الأجلين أي العشر ، وفي كثير من التفاسير انه اختار الصغرى ، وهي التي قالت له : ان أبي يدعوك ، وقالت لأبيها : انه القوي الأمين .
قَضى مُوسَى الأَجَلَ الآيات 29 إلى 32
[المرحلة الرابعة : اللقاء مع الله تعالى : ]
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [القصص : 29]
بعد أن أتم موسى المدة التي اتفق عليها مع أبي زوجته جمع أشتات متاعه ، وسافر قاصدا مصر مع أهله ، وفي قاموس الكتاب المقدس : ذهب موسى إلى مصر مع زوجته وابنيه . ولما وصل إلى الصحراء ضل الطريق في ليلة مظلمة باردة كما يشعر قوله : لعلكم تصطلون . وبينا هو حائر في أمره رأى نارا تضيء ، فقال لأهله : انتظروا مكانكم ، فأنا ذاهب إلى النار لآتيكم بخبر عن الطريق ، أو بقطعة من النار تستدفئون بها . وتقدم في الآية 10 من سورة طه والآية 7 من سورة النمل .
« فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الأَيْمَنِ » أي الجانب المحاذي ليمين موسى « فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » . البقعة القطعة من الأرض ، وهي مباركة لكثرة أنبيائها وكثرة خيراتها ، وقوله : ( من الشجرة ) يشعر بأن اللَّه سبحانه خلق الكلام في الشجرة ، وقد استدل بهذه الآية من قال ان كلام اللَّه حادث وليس بقديم . وتقدم في الآية 52 من سورة مريم والآية 12 من سورة طه .
« وأَنْ أَلْقِ » - إلى قوله - « الآمِنِينَ » تقدم في الآية 10 من سورة النمل « اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ واضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ » . اسلك يدك في جيبك أدخلها فيه ، والجيب فتحة القميص . ومن الرهب أي إذا وضعت يدك على صدرك يذهب ما بك من الخوف . وتقدم في الآية 107 من سورة الأعراف ج 3 ص 375 والآية 22 من سورة طه والآية 33 من سورة الشعراء والآية 12 من سورة النمل .
الرحلة الخامسة : اللقاء الاخير بين موسى وفرعون وهلاك فرعون .
« قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » تقدم في الآية 14 من سورة الشعراء « وأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ » . ردءا معينا لي على بث الدعوة ، وفيه إيماء إلى انه لا بد لكل دعوة من أنصار ، وان العلم وحده لا يكفي لإثبات الدفاع عن الحق ما لم تقترن الحجة بطلاقة اللسان وفصاحة البيان ، وأيضا تدل الآية على ان القرآن يبارك وسائل الدعاية كالصحف والإذاعات وغيرها على شريطة أن تتجه إلى احقاق الحق والانتصار لأهله ، وإبطال الباطل والتشهير بأعوانه ، تماما كما استعمل هارون علمه وفصاحته ضد الطاغية فرعون .
وقيل : ان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين . . ولا ندري كيف نجا من الذبح ، وغير بعيد ان هارون ولد قبل أن يأمر فرعون بذبح كل مولود يولد لبني إسرائيل . وفي التوراة الأصحاح 32 من سفر الخروج ان هارون هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل ، وبنى له مذبحا ، وليس السامري كما جاء في الآية 96 من سورة طه .
( قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ) . سأل موسى ربه أن يشد أزره بأخيه هارون ، فاستجاب له ، وآتاه سؤله ، أما قول موسى : « فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » فقد أجابه عنه تعالى بقوله : ( ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) . في الآية 46 من سورة طه : « قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى » . وقال هنا : اني سلحتكما بسلاح يرهب فرعون وجنوده ، ويمتنعون بسببه عنكما وعن الذين يؤمنون بكما ، وهذا السلاح أو السلطان هو الآيات والمعجزات من انقلاب العصا حية وتحوّل اليد البيضاء إلى الجراد ، والقمل ، والضفادع ، وغير ذلك .
( فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الأَوَّلِينَ ) . تقدم في الآية 110 من سورة الأعراف والآية 63 من سورة طه ( وقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ ومَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) . كذبوا موسى وقالوا له : أنت ساحر ، فأجابهم جواب من لا يكترث بتكذيبهم وعنادهم ثقة منه باللَّه ووعده ، ويتلخص الجواب بأن اللَّه يعلم اني على الحق والهدى ، وانكم على الباطل والضلال ، وأيضا يعلم ان العاقبة الحميدة لي ولمن اتبعني ، ولكم عقبى الهلاك في الدنيا ، وعذاب النار في لآخرة .
( وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) . قال هذا لأنه وجد من يصدقه . . وحفظت مثالا أيام الطفولة ، وما زلت على ذكر منه ، وهو « قيل لفرعون : من الذي فرعنك ؟ قال : ما وجدت أحدا يردعني » وأكثر الناس « يتفرعنون » لولا القوة الرادعة . انظر تفسير الآية 24 من سورة النازعات :
« فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى » . وفي قاموس الكتاب المقدس ان فرعون كلمة مصرية ، ومعناها البيت الكبير ، وهي لقب لملوك مصر .
( فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ ) . عجز فرعون عن مقابلة الحجة بالحجة ، وخاف من موسى وعصاه ، فحاول أن يخفي خوفه وعجزه بالتمويه على شعبه العريق في السذاجة ، فأظهر الشك في وجود إله سواه ، وانه سينظر ويبحث عن هذا الإله . . فإن وجده طلبه للبراز . . وإلا - وهذا هو المظنون عند فرعون - كان موسى من الكاذبين . . وليؤكد هذا التمويه على أعين الرعاع الذين عبدوه قال لوزيره هامان :
أوقد النار ، واصنع الآجر لبناء صرح رفيع أصعد منه إلى السماء ، لأبحث عن إله موسى . . ولم يبن هامان الصرح - كما نظن - لأنه على يقين من مكر فرعون وتدليسه ، وأي عاقل يحاول البناء إلى ما لا نهاية ، ويتوهم انه بالخشب والآجر يبلغ السماوات العلى ، ويعلم من فيها وعليها ؟ .
( واسْتَكْبَرَ هُوَ وجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ ) .
تعاظموا وتعالوا على الناس ، وأخذتهم العزة بالإثم ، وعاثوا في الأرض شرا وفسادا ، والسبب الأول والأخير انهم لا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر ، ولا بمبدأ وضمير ، ولا بشيء إلا بأنفسهم ومنافعهم ، ولذا أخذهم جل وعز أخذ عزيز مقتدر ( فَأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) .
ألقت أم موسى وليدها في اليم خوفا من فرعون ، فالتقطه هذا العدو للَّه ولموسى لينتفع به أو يتخذه ولدا . ولما شبّ موسى وكبر حاول جهده أن ينفع فرعون وينقذه من الهلاك والعذاب ، ولكنه نفر وتكبر ، فكان عاقبة أمره ان أهلكه سبحانه في نفس اليم الذي ألقي فيه موسى ، والتقطه منه آل فرعون . . وان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار . . ولكن أين هم ؟ .
« وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ويَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ » . ضمير جعلناهم يعود إلى فرعون وجنوده ، والمعنى انهم في الدنيا ضالون ومضلون ، وانهم في الآخرة هم الأخسرون ، ومعنى جعلناهم ان اللَّه سبحانه قضى وقدر أن من يسلك طريق الضلال فهو ضال ، تماما كما قضى وقدر أن من يسلك طريق الهلاك فهو هالك ، وبيّنا ذلك فيما تقدم أكثر من مرة . وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ان الأئمة في كتاب اللَّه نوعان : أئمة الهدى ، وهم الذين أشار سبحانه إليهم بقوله :
« وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا - 73 الأنبياء » فيقدمون أمر اللَّه قبل أمرهم ، وحكمه قبل حكمهم ، وأئمة يدعون إلى النار ، يقدمون أمرهم قبل أمر اللَّه ، وحكمهم قبل حكمه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللَّه .
«وأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ » . عليهم في الدنيا لعنة اللَّه ولعنة اللاعنين ، ولهم في الآخرة عذاب الجحيم.