الفاعلُ هو المُسَندُ إليه بعد فعلٍ تام معلوم أو شِبْههِ، نحو "فاز المجتهدُ" و "السابقُ فَرسُهُ فائزٌ".
(فالمجتهد اسند إلى الفعل التام المعلوم، وهو "فاز" والفرس اسند إلى شبه الفعل التام المعلوم، وهو "السابق" فكلاهما فاعل لما أسند إليه).
والمرادُ بشبه الفعلِ المعلومِ اسمُ الفاعل، والمصدرُ. واسمُ التفضيل، والصفةُ المُشبَّهة، ومبالغة اسم الفاعلِ، واسمُ الفعلِ. فهي كلُّها ترفعُ الفاعلَ كالفعل المعلوم. ومنهُ الاسم المستعار، نحو "أكرِمْ رجلا مِسكاً خُلُقُه".
(فخلقه فاعل لمسك مرفوع به، لأن الاسم المستعارة في تأويل شبه الفعل المعلوم والتقدير "صاحب رجلا كالمسك" وتأويل قولك "رأيت رجلا أسداً غلامه" "رأَيت رجلا جريئاً غلامه كالأسد").
وفي هذا الفصل خمسة مباحث
أحكام الفاعل
للفاعل سبعةُ أحكامٍ
(1) وجوبُ رفعه. وقد يُجَرُّ لفظاً بإضافته إلى المصدر، نحو "إكرام المرءِ أباهُ فرضٌ عليه"، أو إلى اسم المصدر، نحو
ص325
"سَلمْ على الفقيرِ سلامَكَ على الغني"، وكحديثِ "من قُبلة الرجلِ امرأتَهُ الوُضوءُ". او بالباءِ، او من، او اللاّمِ الزَّائداتِ. نحو {ما جاءَنا من أحدٍ، وكفي بالله شهيداً، وهَيهات هيهاتَ لما توعَدون}.
(2) وجوبُ وقوعهِ بعدَ المُسندِ، فإن تقدَّمَ ما هو فاعلٌ في المعنى كان الفاعلُ ضميراً مستتراً يعود إليه، نحو "عليٌّ قامَ".
(والمقدم إما مبتدأ كما في المثال، والجملة بعده خبره، وإما مفعول لما قبله نحو "رأيت علياً يفعل الخير" وإما فاعل لفعل محذوف، نحو "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره، فأحد فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور.
وأجازالكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه. فأجازوا أن يكون "زهير" في قولك "زهير قام" فاعلا لجاء مقدماً عليه. ومنع البصريون ذلك. وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده. كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال، على رأي الكوفيين "الرجال جاء" على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير. بل أوجبوا أن يقال "الرجال جاءوا". على أن الرجال مبتدأ، خبره جملة جاءوا، من الفعل وفاعله الضمير البارز. والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق وقد تمسك الكوفيون بقول الزباء
*ما للجمال مشيها وثيدا؟ * أجندلا يحملن أم حديدا؟*
فقالوا لا يجوز أن يكون "مشيها" مبتدأ، لأنه يكون بلا خبر، لأن "وئيداً" منصوب على الحال. فوجب أن يكون فاعلا لوئيداً مقدماً عليه. وقال البصريون أنه ضرورة. أو إنه مبتدأ محذوف الخبر، وقد سدت الحال مسده. أي ما للجمال مشيها يبدو وئيداً. على انه لا حاجة إلى ذلك. فهذا البيت على فرض صحة الاستشهاد به، شاذ يذوب في بحر غيره من كلام العرب.
ونرى أن الاستشهاد به لا يجوز، لأن الزباء هذه مشكوك في كثير من أخبارها. ثم انها لم تنشأ في بيئة يصح الاستشهاد بكلام اهلها. فانها من أهل "باجرما" وهي قرية من اعمال البليخ،
ص326
قرب الرقة، من أرض الجزيرة، جزيرة "اقور"، التي بين الفرات ودجلة، وهي مجاورة لديار الشام. والعلماء لا يستشهدون بكلام الفصحاء المجاورين لجزيرة العرب. فكيف يصح الاستشهاد بكلام امرأة من اهل جزيرة "اقور"؟
وقد قالوا إنها كانت ملكة الجزيرة، وكانت تتكلم بالعربية.
راجع ترجمتها في شرح الشواهد للعيني، في شرح الشواهد الفاعل. وفي مجمع الأمثال للميداني في شرح المثل "ببقةً صرم الرأي". وذكر في جمهرة الأمثال هذه أنها كانت على الشام والجزيرة من قبل الروم. وفي القاموس وشرحه للزبيدي أن الزباء اسم الملكة الرومية، تمد وتقصر، وهي ملكة الجزيرة، وتعد من ملوك الطوائف وهي بنت عمرو بن الظرب أحد أشراف العرب وحكمائهم، خدعه جذيمة الأبرش، وأخذ عليه ملكه وقتله، وقامت هي بأخذ ثأره في قصة مشهورة مشتملة على أمثال كثيرة.
نقول وان تاريخ الزباء يشبه تاريخ زنوبيا، التي يذكرها الروم في اخبارهم ويرجح العلماء انها هي. ويراجع الكلام على "باجرما" مو "جزيرة اقور" في معجم البلدان).
(3) انه لا بُدَّ منه في الكلام. فإن ظهرَ في اللفظ فذاك. وإلاّ فهو ضمير راجعٌ إما لمذكور، نحو "المتجهدُ ينجحُ" أو لما دل عليه الفعلُ، كحديثِ "لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ. ولا يشربُ الخمرةَ حين يشربُها وهو مؤمن". او لما دلَّ عليه الكلامُ، كقولك في جواب هل جاءَ سليمٌ؟ "نَعَمْ جاءَ". أو لما دلَّ عليه المقامُ، نحو {كلاّ إذا بَلغت التراقيَ}، وقول الشاعر
*إذا ما أَعرْنا سَيِّداً من قَبيلةٍ * ذُرا مِنْبرٍ صَلى عَلينا وسَلَّما*
*إذا ما غَضِبْنا غَضْبةً مُضَرِيَّةً * هَتكنا حِجابَ الشَّمْس، أو قَطَرَتْ دَما*
أو لما دَلَّت عليه الحالُ المُشاهَدةُ، نحو "إن كانَ غداً فائتني". وقول الشاعر
ص327
*إذا كان لا يُرضيكَ حتى تَرُدَّني * إلى قَطَريٍّ، لا إخالُكَ راضيا*
(4) أنه يكون في الكلام وفعلهُ محذوف لقرينة دالة عليه كأن يُجابَ به نفيٌ، نحو (بلى سعيدٌ) في جواب من قال (ما جاء أحدٌ)، ومنه قولُ الشاعر
*تَجلَّدْتُ، حتى قيلَ لم يَعْرُ قلبَهُ * من الوجْدِ شيءٌ، قُلْتُ بلْ أعظمُ الْوَجْدِ*
أواستفهامٌ، نقول (مَنْ سافرَ؟) فيقال "سعيدٌ"، وتقول (هل جاءك أحدٌ؟)، فيقال (نعمْ خليلٌ)، قال تعالى {لَئِن سألتَهم من خلقَهم؟ ليقولَنَّ الله}. وقد يكون الاستفهام مقدراً كقوله تعالى {يسبِّح له فيها بالغُدُوَّ والآصال، رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله}، في قراءة من قرأ (يُسبَّح) مجهولاً، ومنه قول الشاعر
*ليُبْكَ يَزيدُ، ضارعٌ لِخصُومَةٍ * ومختَبِطٌ مما تُطيحُ الطَّوائحُ*
ومما جاء فيه حذفُ الفعل، مع بقاءِ فاعله، كل اسمٍ مرفوعٍ بعد أداةٍ خاصةٍ بالفعل، والحذفُ في ذلك واجبٌ، نحو {وإن أحد من المشركين استجارك، فأجِرهُ حتى يسمع كلامَ الله، ثم أبلغْه مأمنَه} ونحو {إذا السماءُ انشقَّت}، ومنه المثلثُ (لوْ ذاتُ سِوارٍ لطمتني)، وقول امرئ القيس
*إذا المرءُ لم يخزُن عليْه لسانهُ * فَلَيْسَ عل شَيءٍ سِواهُ بخزَّانِ*
وقول السموأل
ص328
*إذا المرءُ لم يدْنَس من اللؤْمِ عرضُهُ * فكلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ*
فكل من "أحد والسماءِ وذات والمرء" فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده.
(5) أنَّ الفعلَ يجبُ أن يبقى معه بصيغة الواحد، وإن كان مثنَّى أو مجموعاً، فكما تقولُ "اجتهد التلميذُ"، فكذلك تقول "اجتهدَ التلميذان، واجتهد التلاميذُ" إلا على لغةٍ ضعيفة لبعض العرب، فيطابق فيها الفعل الفاعِلَ. فيقال على هذه اللغة أكرماني صاحباك، وأكرموني أصحابك، ومنه قول الشاعر
*نُتِجَ الربيعُ مَحاسِناً * أَلقَحنها غُرُّ السَّحائِبْ*
وقول الآخر
*تَولّى قِتال المارقينَ بنفسِه * وقد أَسلماهُ مُبْعِدٌ وحَميمٌ*
وما ورد من ذلك في فصيح الكلام، فيُعربُ الظاهرُ بدلاً من المُضمَرِ، وعليه قوله تعالى {وأسرُّوا النّجوى، الذين ظلموا}. أو يعرَب الظاهرُ مبتدأ، والجملة قبله خبرٌ مقدّمٌ. أو يُعرَبُ فاعلاً لفعل محذوف. فكأنه قيل - بعد قوله "وأسرُّوا النّجوى" - من أسرَّها؟ فيقال أسرَّها الذين ظلموا. وهو الحقُّ. وأما على تلك اللغة فيُعربُ الظاهر فاعلاً، وتكون الالفُ والواو والنون أحرفاً للدلالة على التثنية أو الجمع، فلا محلّ لها من الاعرابِ، فحكمها حُكمُ تاء التأنيث مع الفعل المؤنث.
(6) أنَّ الاصلَ اتصالُ الفاعل بفعله، ثم يأتي بعده المفعول. وقد يُعكسُ الامر، فيتقدَّم المفعولُ، ويتأخرُ الفاعلُ، نحو "أكرمَ المجتهدَ أستاذُهُ". (وسيأتي الكلامُ على ذلك في باب المفعول به).
(7) أنه إذا كان مؤنثاً أُنِّث فعله بتاءٍ ساكنةٍ في آخر الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع، نحو "جاءت فاطمةً، وتذهبُ خديجةُ".
وللفعل مع الفاعل، من حيث التذكيرُ والتأنيثُ ثلاثُ حالاتٍ وجوبُ التذكيرِ، ووجوبُ التأنيث، وجوازُ الأمرين.
(2) متى يَجبُ تذكيرُ الفعلِ مَعَ الفاعل؟
يجبُ تذكيرُ الفعل مع الفاعل في موضعين
(1) أن يكون الفاعلُ مذكراً، مفرداً أو مثنّى أو جمعَ مذكرٍ سالماً. سواءٌ أكان تذكيرُه معنًى
ص329
ولفظاً، نحو "ينجحُ التلميذُ، أو المجتهدان، أو المجتهدون"، أو معنى لا لفظاً، نحو "جاء حمزةُ". وسواءٌ أكان ظاهراً، كما مُثِّلَ أم ضميراً، نحو "المجتهدُ ينجحُ، والمجتهدان ينجحان، والمجتهدون ينجحون، وإنما نجح هو، أو أنتَ، أو هما، أو أنتم".
(فان كان جميع تكسير كرجال، أو مذكراً مجموعاً بالألف والتاء، كطلحات وحمزات، أو ملحقاً بجمع المذكر السالم كبنين. جاز في فعله الوجهان تذكيره وتأنيثه كما سيأتي. أما إن كان الفاعل جمع مذكر سالماً. فالصحيح وجوب تذكير الفعل معه. وأجاز الكوفيون تأنيثه، وهو ضعيف فقد أجازوا أن يقال "أفلح المجتهدون وأفلحت المجتهدون").
(2) أن يُفصلَ بينه وبين فاعله المؤنث الظاهر بإلا، نحو "ما قام إلا فاطمةُ".
(وذلك لان الفاعل في الحقيقة إنما هو المستثنى منه المحذوف إذ التقدير "ما قام أحد إلا فاطمة". فلما حذق الفاعل تفرغ الفعل لما بعد (إلا) فرفع ما بعدها على أنه فاعل في اللفظ لا في المعنى. فان كان الفاعل ضميراً منفصلاً مفصولاً بينه وبين فعله بالا، جاز في الفعل الوجهان كما ستعلم).
وقد يؤنث مع الفصل بها، والفاعلُ اسمٌ ظاهرٌ، وهو قليلٌ وخصّهُ جُمهور النحاةِ بالشعر كقوله
*ما بَرِئَتْ منْ ريبةٍ وذَمٍّ * في حَربِنا إلا بناتُ العَمٍّ*
(3) متى يَجِبُ تأنيثٌ الفعْل مع الفاعل؟
يجب تأنيث الفعل مع الفاعل في ثلاثة مواضع
(1) أن يكون الفاعلُ مؤنثاً حقيقياً ظاهراً متصلاً بفعله، مفرداً أو مثنى أو جَمعَ مؤنثٍ سالماً نحو "جاءت فاطمةُ، أو الفاطمتان، أو الفاطماتُ".
(فإن كان الفاعل الظاهر مؤنثاً مجازياً، كشمس، أو جمع تكسير، كفواطم، أو ضميراً منفصلاً، نحو "إنما قام هي"، أو ملحقاً بجمع المؤنث السالم، كبنات أو مفصولاً بينه وبين فعله بفاعل، جاز فيه الوجهان كما سيذكر. أما جمع المؤنث السالم فالأصح تأنيثه. وأجاز الكوفيون وبعض البصريين تذكيره. فيقولون "جاءت الفاطمات. وجاء الفاطمات").
(2) أن يكونَ الفاعلُ ضميراً مستتراً يعودُ إلى مؤنثٍ حقيقي أو مجازىٍّ، نحو "خديجةُ ذهبت، والشمسُ تطلعُ".
(3) أن يكون الفاعلُ ضميراً يعودُ إلى جمع مؤنثٍ سالمٍ، أو جمعٍ تكسير لمؤنثٍ أو لمذكرٍ غير عاقل، غير أنه يؤنث بالتاء أو بنون جمع المؤنث، نحو "الزِّينَباتُ جاءتْ، أو جئنَ، وتجيءُ أو يجئنَ" و (الفواطِمُ أقبلتْ أو أقبلنَ) و (الجمالُ تسيرُ أو يسرْنَ).
ص330
(4) متى يجوز الأمران تذكِيرُ الفِعْل وتأنيثهُ ؟
يجوز الأمران تذكير الفعل وتأنيثه في تسعة أُمور
(1) أن يكون الفاعلُ مؤنثاً مجازياً ظاهراً (أي ليس بضميرٍ)، نحو (طلعتِ الشمسُ، وطلعَ الشمسُ). والتأنيثُ أفصحُ.
(2) أن يكون الفاعل مؤنثاً حقيقياً مفصولاً بينه وبين فعله بفاصلٍ غير "إلا" نحو "حضَرتْ، أَو حضَرَ المجلسَ امرأةٌ"، وقول الشاعر
*إن امرءًا غَرَّهُ مِنْكُنَّ واحدةٌ * بعدي وبَعْدكِ في الدُّنيا لمغْرُورُ*
والتأنيثُ أفصحُ.
(3) أن يكون ضميراً منفصلاً لمؤنثٍ، نحو "إنما قامَ، أو إنما قامت هي"، ونحو "ما قامَ، أو ما قامت إلا هي". والاحسنُ تركُ التأنيثِ.
(4) أن يكون الفاعل مؤنثاً ظاهراً، والفعلُ "نِعم" أو "بِئسَ" أو "ساءَ" التي للذَّمِّ، نحو "نِعمَتْ، أو نِعمَ، وبئسَتْ، أو بِئسَ، وساءت، أو ساء المرأةُ دَعدٌ". والتأنيثُ أجود.
(5) أن يكونَ الفاعل مذكراً مجموعاً بالألف والتاء، نحو "جاء، أو جاءت الطلحاتُ". والتذكير أحسنُ.
(6) أن يكون الفاعلُ جمعَ تكسير لمؤنث أو لمذكر، نحو "جاء، أو جاءت الفواطمُ، او الرجالُ". والأفضلُ التذكيرُ مع المذكر، والتأنيث مع المؤنث.
(7) أن يكون الفاعل ضميراً يعودُ الى جمع تكسيرٍ لمذكر عاقل، نحو (الرجال جاءوا، أو جاءت). والتذكير بضمير الجمع العاقل أفصحُ.
(8) أن يكون الفاعلُ ملحقاً بجمع المذكر السالم، و بجمع المؤنث السالم. فالاول، نحو (جاء أو جاءت البنونَ). ومن التأنيث قوله تعالى {آمنتُ بالذي آمنتْ به بنو إسرائيل}. والثاني نحو (قامت، أو قام البناتُ). ومن تذكيره قول الشاعر (وهو عبدةُ بنُ الطبيب)
*فبكى بناتي شجْوَهُنَّ وزَوجَتي * والظّاعنُون إليَّ، ثم تَصَدَّعوا*
ص331
ويُرجَّحُ التذكيرُ مع المذكر والتأنيث مع المؤنث.
(9) أن يكون الفاعلُ اسم جَمعٍ، أو اسمَ جنسٍ جمعياً. فالاول نحو (جاء، أو جاءت النساء، أو القومُ، أو الرهط، أو الإبل. والثاني نحو "قال، أو قالت العربُ، أو الروم، أو الفرس، أو التركُ"، ونحو (أوراق أو أروقتِ الشجر).
(وهناك حالة يجوز فيها تذكير الفعل وتأنيثه. وذلك إذا كان الفاعل المذكر مضافاً إلى مؤنث. على شرط أن يغني الثاني عن الاول لو حذف تقول "مرَّ، أو مرَّت علينا كرورُ الايام" و "جاء، أو جاءت كلُّ الكاتبات"، بتذكير الفعل وتأنيثه، لانه يصح إسقاط المضاف المذكر وإقامة المضاف إليه المؤنث مقامه، فيقال "مرَّت الايام" و "جاءت الكاتبات". وعليه قول الشاعر
"كما شرقت صدرُ القناة من الدَّم" غيرَ أن تذكيرَ الفعل هو الفصيح والكثير، وإن تأنيثه في ذلك ضعيف. وكثير من الكتّاب اليوم يقعون في مثل هذا الاستعمال الضعيف.
أما إذا كان لا يصحُّ إسقاط المضاف المذكور وإقامة المضاف إليه المؤنث مقامه، بحيث يختلُّ أصل المعنى فيجب التذكير، نحو (جاء غلامُ سعادَ) فلا يصحُّ أبداً أن يقال "جاءت غلامُ سعاد" لانه لا يصحُّ إسقاطُ المضاف هنا كما صحَّ هناك، فلا يقال "جاءت سعاد". وأنت تعني غلامها.
أَقسام الفاعل
الفاعلُ ثلاثةُ أنواع صريحٌ وضميرٌ ومؤوَّلٌ.
فالصريح. مثلُ "فاز الحقُّ".
والضميرُ، إما متصلٌ كالتاء من (قمتَ) والواو من (قاموا) والألف من (قاما) والياء من (تقومينَ)، وإِما منفصلٌ كأنا ونحن من قولك (ما قام إلا أنا، وإنما قام نحنُ) وإما مستترٌ نحو (أقومُ، وتقومُ، ونقومُ، وسعيدٌ يقوم، وسعادُ تقوم).
والمستترُ على ضربين مستتر جوازاً. ويكون في الماضي والمضارع المسنَدَينِ الى الواحد الغائب والواحدة الغائبة، ومستتر وجوباً. ويكون في المضارع والأمر المسنَدَينِ الى الواحد المخاطب، وفي المضارع المسنَد الى المتكلم، مفرداً او جمعاً. وفي اسم الفعل المسنَد الى
ص332
متكلم كأفٍّ أو مخاطب "كصهْ" وفي فعل التعجب، الذي على وزن (ما أفعلَ) نحو ما أحسنَ العلمَ. وفي أفعال الاستثناء كخلا وعدا وحاشا، ونحو "جاء القومُ ما خلا سعيداً".
(والضمير المستتر في أفعال الاستثناء يعود الى البعض المفهوم من الكلام. فتقدير قولك جاء القوم ما خلا سعيداً "جاءوا ما خلا البعض سعيداً". و "ما" إما مصدريةٍ ظرفيةٍ، وما بعدها في تأويل مصدر مضاف الى الوقت المفهوم منها. والتقدير "جاؤوا زمن خلوهم من سعيد" والتقدير "جاؤوا خالين من سعيد".
والفاعلُ المؤوَّلُ هو أن يأتيَ الفعلُ، ويكونَ فاعلُهُ مصدراً مفهوماً من الفعل بعدَهُ، نحو "يَحسُنُ أن تجتهد".
(فالفاعل هنا هو المصدر المفهوم من تجتهد. ولما كان الفعل الذي بعد "أن" في تأويل المصدر الذي هو الفاعل، سمي الفعل مؤولاً).
ويتأوَّلُ الفعلُ بالمصدر بعدَ خمسةِ أحرف، وهي "أنَ وإنَّ وكي وما ولو المصدريتينِ".
فالأول مثل "يُعجبني أن تجتهدَ"، والتقديرُ "يُعجبني اجتهادك".
والثاني مثل "بلغني أنك فاضلٌ"، والتقديرُ "بلغني فضلُك".
والثالث مثل "أعجبني ما تجتهدُ"، والتقديرُ "أعجبني اجتهادك".
والرابع مثل "جئت لكي أتعلّمَ" والتقديرُ "جئتُ للتعلُّم". و "كي" للا يتأوَّلُ الفعل بعدها إلا بمصدرٍ مجرورٍ باللام.
والخامس مثل "وَدِدتُ لو تجتهد"، والتقدير "وَدِدتُ اجتهادَك". "ولو" لا يتأولُ الفعلُ بعدَها إلا بالمفعول، كما رأيت.
والثلاثةُ الأولُ يتأوَّلُ الفعلُ بعدها بالمرفوع والمنصوب والمجرور.
والجملة المؤلفة من الفاعل ومرفوعه تُدعى جملةً فعليّة.
فائدتان
(1) إن وقع بعد (لو) كلمة "أن" فهناك فعل محذوف بينهما تقديره "ثبت". فان قلت "لو
ص333
أنك اجتهدت لكان خيراً لك" فالتقدير "لو ثبت اجتهادك". فيكون المصدر المؤول فاعلاً لفعل محذوف، تقديره "ثبت".
(2) الهمزة الواقعة بعد كلمة "سواء" تسمى همزة التسوية، وما بعدها مؤول بمصدر مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر، و "سواء" قبله خبره مقدماً عليه. فتقدير قوله تعالى {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} "إنذارك وعدم إنذارك سواء عليهم" أي الأمران سيان عندهم. فهمزة التسوية معدودة في الاحراف المصدرية، التي يتأول الفعل بعدها بمصدر. فتكون الاحرف المصدرية، على هذا ستة أحرف.
ص334