تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
أقسام النسخ
المؤلف: السيد مير محمدي زرندي
المصدر: بحوث في تاريخ القرآن
الجزء والصفحة: ص 199-256 .
4-1-2016
2341
أقسام النسخ ومحل البحث منها :
وقد ذكروا للنسخ أقساما ثلاثة ، فإنه :
١ - تارة يقع على التلاوة للآيات.
٢ - واخرى عليها وعلى الحكم الذي دلت عليه.
٣ - وثالثة يقع على الحكم فقط ، وهذا هو المهم في بحثنا هنا. فلنذكر الآيات التي ادعي نسخها ، ونذكر ما قيل أو ما ينبغي أن يقال فيها.
وقبل ذلك لا بأس بالإشارة إلى أمر مهم ، وهو أن الاستثناء أو التخصيص أو الغاية إذا حصلت فليست نسخا ، ولعل الأمر قد اشتبه على من أكثر في موارد النسخ ، حيث ذكر موارد لا تدخل تحت النسخ ، أو لعله جرى في ذلك على اصطلاح خاص عنده غير مشهور عندنا. ولذا فنحن سوف لا نتعرض لتلك الموارد ، بل نكتفي بالتحقيق في الموارد العشرين التي ذكرها في الإتقان على أنها من موارد النسخ ، وتمييز ما يدخل في النسخ منها من غيره ، وقد نظمها السيوطي في أبيات له مراعيا في ذلك ترتيب السور القرآنية ، وهي :
وقد أكثر الناس في المنسوخ من عدد * وأدخلوا فيه آيا ليس تنحصر
وهاك تحرير آي لا مزيد لها * عشرين حررها الحذاق والكبر
آي التوجه حيث المرء كان وأن * يوصي لأهليه عند الموت محتضر
وحرمة الأكل بعد النوم مع رفث * وفدية لمطيق الصوم مشتهر
وحق تقواه فيما صح من أثر * وفي الحرام قتال للألى كفروا
والاعتداد بحول مع وصيتها * وأن يدان حديث النفس والفكر
والحلف والحبس للزاني وترك اولي * كفر وإشهادهم والصبر والنفر
ومنع عقد لزان أو لزانية * وما على المصطفى في العقد محتظر
ودفع مهر لمن جاءت وآية نجواه * كذاك قيام الليل مستطر
وزيد آية الاستئذان من ملكت * وآية القسمة الفضلى لمن حضروا (١)
ولتفصيل الكلام في هذه الموارد وإحقاق الحق فيها نفيا أو إثباتا نقول :
آية التوجه
1- قوله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 115].
قال السيوطي في الإتقان : إنها - على رأي ابن عباس - منسوخة بقوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة : 144].
وعن تفسير النعماني (2) - الذي نقله المجلسي (3) ولخصه السيد علم الهدى في رسالة المحكم والمتشابه - عن علي (عليه السلام) أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أول مبعثه يصلي إلى بيت المقدس جميع أيام بقائه بمكة ، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر عيرته اليهود وقالوا : أنت تابع لقبلتنا ، فأحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك منهم ، فأنزل الله عليه - وهو يقلب وجهه في السماء وينتظر الأمر - {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة : 144].
وقال الزرقاني : إنه لا تعارض بين الآيتين حتى تكون إحداهما نسخا ، فإن معنى قوله تعالى " ولله المشرق والمغرب... الخ " أن الآفاق كلها لله ، وليس الله في مكان خاص منها ، وليس له جهة معينة فيها ، وإذا فله أن يأمر عباده باستقبال ما يشاء من الجهات في الصلاة ، وله أن يحولهم من جهة إلى جهة (٤).
وقريب منه ما في تفسير بعض الأعاظم ، بل كلامه أتى من كلام الزرقاني ، حيث قال في تفسير قوله تعالى {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة : 142] :
أما اعتراضهم فهو أن التحول عن قبلة شرعها الله سبحانه للماضين من أنبيائه إلى بيت ما كان به شئ من هذا الشرف الذاتي ما وجهه ؟ فإن كان بأمر من الله فإن الله هو الذي جعل بيت المقدس قبلة ، فكيف ينقض حكمه وينسخ ما شرعه ؟ واليهود ما كانت تعتقد النسخ. وإن كان بغير أمر الله ففيه الانحراف عن مستقيم الصراط ، والخروج من الهداية إلى الضلال ، وهو تعالى وإن لم يذكر في كلامه هذا الاعتراض إلا أن ما أجاب به يلوح ذلك.
وأما الجواب فهو : أن جعل بيت من البيوت كالكعبة أو بناء من الأبنية أو الأجسام كبيت المقدس أو الحجر الواقع فيه قبلة ليس لاقتضاء ذاتي منه ، يستحيل التعدي عنه ، أو عدم إجابة اقتضائه ، حتى يكون بيت المقدس في كونه قبلة لا يتغير حكمه ولا يجوز إلغاؤه ، بل جميع الأجسام والأبنية وجميع الجهات التي يمكن أن يتوجه إليها الإنسان في أنها لا تقتضي حكما ولا تستوجب تشريعا على السواء ، وكلها لله يحكم فيها ما يشاء وكيف يشاء (5).
وعليه ، فيمكن القول : إن قوله تعالى { ولله المشرق والمغرب } ليس فيه إنشاء حكم مستحب أو واجب ، بل أراد الله تعالى أن يدفع إشكالا أوردوه على تحويل القبلة ، فهو يريد أن يقول : إن جميع الأرض شرقها وغربها عنده تعالى سيان ، وله أن يأمر الناس أولا بالتوجه إلى بيت المقدس ، ثم يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة ، فلا إشكال.
ولكن يبقى في المقام سؤال هو : أنه كيف إذا يصح تمسك الأئمة (عليهم السلام) بقوله تعالى " أينما تولوا فثم وجه الله " على جواز الصلاة إلى غير القبلة ، وذلك كما في الرواية المروية عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته ، قال : يسجد حيث توجهت ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة ، يقول { فأينما تولوا فثم وجه الله } (6).
فهذا الحديث يدل بظاهره على أن الآية في مقام إنشاء الحكم ، حيث استدل بها الإمام ، فكيف يصح ما تقدم من أنها ليست في مقام إنشاء الحكم ؟ وأجيب بأنه لا تنافي بين ما قلناه وبين استدلال الإمام (عليه السلام) بالآية على جواز السجدة حيث توجهت ، فإن ذكره (عليه السلام) للآية لعله لدفع توهم المستشكل ، أي ليفهم أن جميع الجهات هي لله لا للاستدلال بها على الحكم الشرعي. إن الصلاة إذا كانت على الناقة إلى غير القبلة كانت صحيحة ، لأن النافلة يشترط فيها فقط التوجه لله ، والجهات كلها لله ، بخلاف الفريضة فإنها يجب فيها التوجه إلى الكعبة بإجماع المسلمين ، بل يستفاد وجوب ذلك من قوله تعالى : {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} فإن وجوب استقبال الكعبة في الصلاة لا يتصور إلا إذا كانت الصلاة واجبة.
هذا بالإضافة إلى ما ورد عن الأئمة (عليهم السلام) من اختصاص قوله تعالى " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " بالفريضة ، وذلك مثل ما روي بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإن الله عز وجل قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) في الفريضة { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره }... الحديث (7).
وهكذا ، فإن النتيجة تكون : أنه ليس بين الآيات تناف لتكون إحداهما ناسخة للأخرى.
٢ - قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } [البقرة : 180].
قال في الإتقان : الآية منسوخة ، قيل بآية المواريث ، وقيل بحديث : ألا لا وصية لوارث ، وقيل بالإجماع (8).
ولم يعدها في تفسير النعماني من الآيات التي نقلها عن علي أنها من المنسوخات مما يدل على أنها ليست منها.
وقال كمال الدين عبد الرحمن العتائقي : قالوا : نسخت الوصية للوالدين بآية المواريث ، وهي {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء : 11] - إلى أن قال : - وفي هذا نظر ، لأن هذه الآية لا تنافي ذلك. ويؤيد ذلك ما روي عن الضحاك ، فإنه قال : من لم يوص لقرابته فقد ختم عمله بمعصية. وقال الحسن وقتادة وطاووس والعلاء بن يزيد ومسلم بن يسار : هي محكمة غير منسوخة (9).
وقال الإمام الخوئي : والحق أن الآية محكمة غير منسوخة.
وقال بعض الأعاظم بعد ذكر الآية : لسان الآية لسان الوجوب ، فإن الكتابة تستعمل في القرآن في مورد القطع واللزوم ، ويؤيده ما في آخر الآية من قوله " حقا " فإن الحق أيضا كالكتابة يقتضي معنى اللزوم ، لكن تقييد الحق بقوله " على المتقين " مما يوهن الدلالة على الوجوب والعزيمة ، فإن الأنسب بالوجوب أن يقال : حقا على المؤمنين. وكيف كان ، فقد قيل : إن الآية منسوخة بآية الإرث ، ولو كان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون الندب وأصل المحبوبية (10).
والذي يستفاد من كلامه - ولو كان كذلك - أن النسخ غير ثابت عنده ، مضافا كما أنه قد استفاد من تقييد الحق بكونه " على المتقين " أن نظر الآية إلى الاستحباب ، وهو كذلك أيضا ، فإن الاستحباب باق ولم ينسخ جزما.
ثم إن المستفاد من الفقهاء الإمامية رضوان الله عليهم هو أن الوصية للوالدين والأقربين نافذة من دون نقل إشكال من أحدهم على هذا أو نقل قول من أحد بنسخ الآية الدالة على ذلك.
قال المحقق الحلي : تصح الوصية للأجنبي والوارث.
وقال الشيخ محمد حسن في شرحه : بلا خلاف بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه (11).
وأما غير الإمامية فيقول ابن رشد : إنهم اتفقوا على أن الوصية لا تجوز لوارث لقوله (صلى الله عليه وآله) : لا وصية لوارث - إلى أن قال : - وأجمعوا كما قلنا إنها لا تجوز لوارث إذا لم تجزها الورثة (12).
وكلامهم كما تراه ناظر إلى الوارث لا الأقربين مطلقا ، بل هو يختص بالوارث إذا لم تجز الورثة ذلك.
وكيف كان ، فإننا لا نرى وجها لنسخ آية الوصية للوالدين والأقربين ، بعد ثبوت حكمها وتأييده بالروايات المروية عن الأئمة (عليهم السلام) بالأسانيد المعتبرة ، ونذكر منها ما رواه الحر العاملي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الوصية للوارث ، فقال : تجوز. قال : ثم تلا هذه الآية * {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} * (13).
نعم ، قد ذكرنا قبل قليل أن أهل السنة قد ذكروا حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : لا وصية لوارث ، فمن ثبت هذا عنده وكان ممن يرى نسخ القرآن بالسنة فلابد وأن يقول بالنسخ بالنسبة للوارث فقط ، لا مطلق الأقربين.
٣ - قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183].
قال في الإتقان نقلا عن ابن عربي : إنه منسوخ بقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة : 187].
والقول بالنسخ هنا مبني على أن التشبيه في قوله " كما كتب " تشبيه في جميع الجهات في أصل الصوم ، وفي عدده ، وفي كل مكان شرطا لصوم " الذين من
قبلنا " ، والمعروف أنه كان من جملة شروط صحة صيامهم الإمساك عن الرفث في الليل ، فنسخ بقوله " أحل لكم... الخ ".
وأما إذا قلنا : إن التشبيه إنما هو في أصل الوجوب لا في جهات أخرى وفاقا لبعض العلماء (14) فلا تعارض بين الآيتين ولا نسخ في البين. نعم ، تكون الآية الثانية ناسخة للحكم الثابت بالسنة.
ففي تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) : إن الله تعالى لما فرض الصيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان على معنى صوم بني إسرائيل في التوراة ، فكان ذلك محرما على هذه الأمة. وكان الرجل إذا نام في أول الليل قبل أن يفطر قد حرم عليه الأكل بعد النوم ، أفطر أو لم يفطر ، وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرف بمطعم بن جبير شيخا ، فكان الوقت الذي حفر فيه الخندق حفر في جملة من المسلمين ، وكان ذلك في شهر رمضان ، فلما فرغ من الحفر وراح إلى أهله صلى المغرب ، وأبطأت عليه زوجته بالطعام فغلب عليه النوم ، فلما أحضرت الطعام أنبهته ، فقال لها : استعمليها أنت ، فإني قد نمت وحرم علي ، وطوى ليلته وأصبح صائما ، فغدا إلى الخندق فجعل يحفر مع الناس ، فغشي عليه ، فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حاله فأخبره ، وكان من المسلمين شبان ينكحون نساءهم بالليل سرا لقلة صبرهم ، فسئل النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك فأنزل عليه : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث - إلى قوله تعالى : - وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } فنسخت الآية ما تقدمها.
والمراد من قوله (عليه السلام) " نسخت الآية ما تقدمها " أنها نسخت ما ثبت من الحكمين ، وهما حرمة الرفث في الليل ، وحرمة أكل الطعام والشراب إذا نام قبل أن يفطر ، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) " لما فرض الصيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان بالليل والنهار ". فالآية نسخت الحكمين اللذين ثبتا بالسنة ، لا أنها نسخت ما يستفاد من قوله تعالى { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } لأنها تدل على وجوب أصل الصوم على هذه كالتي قبلها ، وهو ثابت لم ينسخ. وأما الحكمان المتقدمان فهما مستفادان من الأخبار كالرواية المتقدمة ، وكالذي ذكره الجصاص حول الآية ، حيث قال : إنه كان من حين يصلي العتمة يحرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى القابلة ، رواه عطية عن ابن عباس. وعن معاذ : أنه كان يحرم ذلك عليهم بعد النوم ، وكذلك ابن أبي ليلى عن أصحاب محمد ، قالوا : ثم إن رجلا من الأنصار لم يأكل ولم يشرب حتى نام ، فأصبح صائما ، وأجهده الصوم - إلى أن قال : - ونسخ به تحريم الأكل والشرب والجماع بعد النوم.
٤ - قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة : 184].
قال في الإتقان : قيل : إنها منسوخة بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة : 185]. وقيل : محكمة.
وقال العتائقي : هذه الآية نصفها منسوخ ونصفها محكم ، وكان الرجل إذا شاء صام ، وإذا شاء أفطر وأطعم مسكينا ، ثم قال تعالى {فمن تطوع خيرا} فأطعم مسكينا {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} ، فنسخ بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} تقديره : فمن شهد منكم الشهر حيا حاضرا صحيحا عاقلا بالغا فليصمه.
وقال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان : خير الله المطيقين الصوم من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا وبين أن يفطروا ويكفروا عن كل يوم بإطعام مسكين ، لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ، ثم نسخ بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }.
ويقول البعض : إنه روي عن أبي سلمة بن الأكوع أنه قال : لما نزلت الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من شاء منا صام ، ومن شاء أن يفتدي فعل ، حتى نسختها الآية بعدها (15).
ثم لا يخفى أن النسخ مبني على أن يكون المراد من قوله تعالى " يطيقونه " هو يسعونه ويقوون عليه ، كما في مجمع البيان ، حيث قال : يقال : طاق الشئ يطوقه ، وأطاق إطاقة إذا قوي عليه. وكذا قال غيره (16).
وأما إذا كان المراد منه ما قاله بعض المحققين (17) من أن معنى " يطيقون الصوم " أن الصوم على قدر طاقتهم ، بأن يكونوا قادرين عليه لكن مع الشدة والحرج ، فلا نسخ ، لبقاء الحكم بالتخيير على من كان الصوم عليه حرجيا كالشيخ والشيخة ، فيجوز لهم : إما الفدية ، وإما الصوم ، لكن الصوم خير لهم. { وأن تصوموا خير لكم } . ثم نقل عن تفسير المنار نقلا عن شيخه : أنه لا تقول العرب أطاق الشئ إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمل به مشقة شديدة.
وفي تفسير الجلالين مثل لقوله تعالى " يطيقونه " بالشيخ والمريض لكنه قدر كلمة " لا ".
وكيف كان ، فإن التأمل في الآيتين يعطي أن المراد من قوله تعالى " وعلى الذين... الخ " غير ما يراد من قوله تعالى قبلها " كتب عليكم الصيام - إلى قوله : -
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر }.
والحقيقة أن المستفاد هاهنا أحكام ثلاثة : وجوب أصل الصوم ، وخروج المسافر والمريض عن العموم ، ووجوب القضاء عليهما في أيام اخر. وهذا الأخير هو حكم الذين يكون الصوم عليهم حرجيا ، وكان على قدر طاقتهم لا دونها.
والذي يسهل الأمر هو ورود أخبار كثيرة دالة على أن المراد من هؤلاء الشيخ الكبير وذو العطاش ، وذلك مثل ما رواه السيد البحراني في تفسيره البرهان ، بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال (عليه السلام) : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش.
ومثل ما روي عن علي (عليه السلام) : أنه تأول قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه} على الشيخ الكبير (18).
وما روي عن ابن عباس أنه قال : إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد (19).
والحاصل : أن المراد من قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه } من كان في الصوم عليه حرج ومشقة ، كما تدل عليه الأحاديث الكثيرة ، إما بإفادة اللفظ له وضعا ، أو بتقدير كلمة " لا " في الجملة. وعلى التقديرين فالمراد منه هو الشيخ والشيخة وأمثالهما ممن يكون في الصوم عليه حرج ومشقة. وهذا الحكم قد بقي في الشريعة ، ولم ينسخ كما يظهر لمن راجع الكتب الفقهية.
قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران : 102].
قال في الإتقان : قيل : إنه منسوخ بقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن : 16].
وقال العتائقي في جملة ما قال : فقالوا : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ما حق تقاته ؟ فقال : أن يطاع ولا يعصى وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر. قالوا : ومن يطيق ذلك ؟ (و) نسخها قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } (20).
وعدها في تفسير النعماني مما رواه عن علي (عليه السلام) من المنسوخات.
ونجد في قبال هؤلاء من يقول بعدم النسخ ، كالشيخ الزرقاني ، حيث قال في مناهل العرفان ما حاصله : إنها غير منسوخة ، فإن معنى تقوى الله حق تقاته هو الإتيان بما يستطيعه المكلفون ، دون ما خرج عن استطاعتهم ، وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين ، بل تكون إحداهما مفسرة للأخرى ، فلا نسخ.
ولكن الذي يبدو لنا هو أن المستفاد من قوله { حق تقاته } أمر أعظم وأشد مما يستفاد من قوله تعالى { ما استطعتم } ، وكأن الآية الأولى تدل على أنه يجب تحصيل ما أراده الله تعالى وأحبه ، وترك ما نهى عنه وأبغضه بأي وجه أمكن وبأي طريق ، فلابد من أن يتحرز المكلف من النسيان والغفلة ، ولو بالاحتياطات الشاقة التي تمنع ذلك ، ومعلوم أن هذا أمر صعب جدا. وأما الآية { ما استطعتم } فهي تخفف ذلك ، وتقول : إننا الآن نطلب منكم قدر وسعكم ، أي بمقدار الوسع العرفي لا العقلي ، فحينئذ يكون بين الآيتين تعارض ، فلابد من القول بالنسخ.
وهذا المعنى هو الذي يظهر من كل مورد وقع فيه نظير هذا التعبير ، كقوله تعالى {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج : 74] ، وقوله سبحانه {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد : 27].
وكقول الإمام (عليه السلام) لمعاوية بن وهب : يا معاوية ، ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل نعمته ثم لا يعرف الله حق معرفته (21).
ومن المعلوم أن معاوية بن وهب - مع جلالته وعظم شأنه - لم يكن يفقد المعرفة المتعارفة بالله عز وجل ، وإنما استحق العتاب منه (عليه السلام) بسبب عدم وصوله إلى حق المعرفة التي ترتفع عن مستوى المعرفة المتعارفة.
إذا ، فيستفاد من كلمة { حق تقاته } درجة من التقوى تزيد على الدرجة التي تستفاد من قوله { ما استطعتم }. فتكون هذه ناسخة لتلك.
هذا بالإضافة إلى أنه قد روي عدد من الروايات الدالة على النسخ في هذه الآية عن أئمة الهدى (عليهم السلام) ، ونحن نذكر على سبيل المثال :
١ - ما رواه السيد هاشم البحراني بسند صحيح عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل { اتقوا الله حق تقاته } قال : يطاع ولا يعصى ، ويذكر ولا ينسى ، ويشكر ولا يكفر (22).
٢ - ما رواه أيضا في حديث آخر أنه (عليه السلام) قال : { اتقوا الله } منسوخة ، قلت : وما نسخها ؟ قال : قول الله { اتقوا الله ما استطعتم }.
إلى غير ذلك من الروايات الدالة على النسخ عن أهل البيت (عليهم السلام).
٣ - وفي تفسير الجلالين قال في بيان الآية : بأن يطاع ولا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر ولا ينسى ، فقالوا : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ومن يقوى على هذا ؟ فنسخ بقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم }.
قوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ} [البقرة : 217].
قال في الإتقان : إنها منسوخة بقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة : 36].
وقال العتائقي : إنها منسوخة بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة : 5].
وعبر الزرقاني في المناهل عن ذلك بلفظ " قيل ".
ونجد في قبال هؤلاء من يقول بعدم النسخ فيها ، وأنها من المحكمات ، ولم يعدها النعماني من المنسوخ المنقول عن علي. وعدم النسخ محكي عن عطاء (23) ، وبه قال الزرقاني في المناهل ، والإمام الخوئي في تفسير البيان.
وقال الطبرسي بعد نقله النسخ عن قتادة وغيره : إن تحريم القتال في أشهر الحرم وعند المسجد الحرام باق عندنا على التحريم فيمن يرى لهذه الأشهر حرمة ، ولا يبتدئون فيها القتال ، وكذلك في الحرم. وإنما أباح الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) قتال أهل مكة عام الفتح ، فقال (صلى الله عليه وآله) : إن الله أحلها لي في هذه الساعة ، ولم يحلها لأحد من بعدي إلى يوم القيامة (24).
ثم إن التأمل في هذه الآية يعطي أنها محكمة غير منسوخة ، فإنها قررت تحريم القتال في الشهر الحرام ، حين ورد فيها قوله تعالى { قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله } ولكن لو كان القتال جزاء لما هو أعظم وأشد منه لم يكن فيه بأس.
ويستفاد من الآية أنها وقعت عن سؤال حول قضية حدثت آنذاك ، ولعلها هي ما في تفسير البرهان في بيان هذه الآية : عن علي بن إبراهيم : أنه كان سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة ، يتعرض بعير قريش ، حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من الصحابة إلى النخلة - إلى أن قال : - وقد نزلت العير وفيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي ، وكان حليفا لعتبة بن ربيعة ، فقال ابن الحضرمي : هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم بأس ، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح حمل عليهم عبد الله بن جحش فقتل ابن الحضرمي وقتل أصحابه ، وأخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة. فكان ذلك أول يوم من رجب من أشهر الحرم ، فعزلوا العير وما كان عليها ، ولم ينالوا منها شيئا.
فكتبت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنك استحللت الشهر الحرام ، وسفكت فيه الدم ، وأخذت المال. وكثر القول في هذا ، وجاء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقالوا : يا رسول الله ، أيحل القتل في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام } الآية.
فتحصل : أن القتال الذي وقع في الشهر الحرام بإذن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يدل على نسخ حرمة القتال فيه ، لأنه إنما كان جزاء لما هو أعظم وأشد.
هذا بالإضافة إلى أن صدر الآية - وهو قوله : { قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به... الخ } - يأبى عن النسخ ، إذ كيف ينسخ أمر كبير فيه صد وكفر ؟!
وكيف يصح تجويز أمر كهذا ؟! إلا أن يكون عقابا لهم على ذنب أعظم وأشد ، وهذا الذنب قد أشير إليه في ذيل الآية ، حيث قال * {وإخراج أهله منه أكبر عند الله} * الآية.
وأما قوله تعالى { فقاتلوا المشركين كافة } فهو وإن كان له عموم زماني بمقتضى إطلاقه فيشمل الشهر الحرام بالإطلاق إلا أن النهي الصريح عن القتال فيه يقيد هذا العموم ، ويكون وجوب قتال المشركين مختصا بغير الأشهر الحرم. ويؤيد ذلك الإجماع المنقول عن الطبرسي على أن التحريم باق إلى الآن ، وقد سبق.
وقال العلامة الحلي : كان الغرض في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) الجهاد في زمان ومكان دون آخر ، أما الزمان فإنه كان جائزا في جميع السنة ، إلا في الأشهر الحرم - وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم - لقوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }. - إلى أن قال : - إذا عرفت هذا فإن أصحابنا قالوا : إن تحريم القتال في أشهر الحرم باق إلى الآن لم ينسخ في حق من يرى لأشهر الحرم حرمة ، وأما من لا يرى لها حرمة فإنه يجوز قتاله فيها. وذهب جماعة من الجمهور إلى أنهما منسوختان بقوله { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } (25).
ثم إن القول بنسخ تحريم القتال - كما حكيناه عن العتائقي ونسب إلى النحاس - غريب وعجيب ، ولعله كان غفلة وسهوا منهم ، فإن قوله تعالى { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } قد علق الحكم فيه على قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } فكيف يكون ناسخا ؟!
قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة : 240].
ذكر في الإتقان : أنها منسوخة بآيتين ف " متاعا إلى الحول " منسوخ بآية {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 234].
والوصية منسوخة بقوله {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء : 12].
وفي تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) : أن العدة كانت في الجاهلية على المرأة سنة كاملة ، وكانت إذا مات الرجل ألقت المرأة خلف ظهرها شيئا ، بعرة أو ما يجري مجراها ، وقالت : البعل أهون إلي من هذه ، ولا أكتحل ولا أتمشط ولا أطيب ولا أتزوج سنة ، فأنزل الله تعالى في الإسلام : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } فلما قوي الإسلام أنزل الله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم... الخ }.
وممن قال بالنسخ هنا العتائقي قال : وليس في كتاب الله آية تقدم ناسخها على منسوخها في النظم إلا هذه الآية.
وكذا الشيخ الطبرسي في مجمع البيان ، وقال : اتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة.
وقال الزرقاني في مناهل العرفان : والحق هو القول بالنسخ ، وعليه جمهور العلماء. ثم قال : إن البعض يقول : إن الآية محكمة ، ولا منافاة بينها وبين الثانية ، لأن الأولى خاصة فيما إذا كان هناك وصية للزوجة بذلك ولم تخرج ولم تتزوج ، أما الثانية ففي بيان العدة والمدة التي يجب عليها أن تمكثها ، وهما مقامان مختلفان.
والذي يبدو لنا هو أن ما يظهر من الآيتين موافق لما نقله الزرقاني عن بعض ، من أنهما تتضمنان لحكمين مختلفين ، الأول : بيان وظيفة الأزواج بالنسبة لزوجاتهم بأن يوصوا لهن. والثاني : بيان وظيفة الزوجات أنفسهن بالنسبة إلى العدة ، وأنه يجب عليهن التربص أربعة أشهر وعشرا ، ولا تنافي بين هذين الحكمين ، فلا وجه للنسخ.
ولكننا مع ذلك نجد أن الطبرسي قد نقل اتفاق العلماء على أن آية الوصية منسوخة بآية التربص ، والزرقاني نقل اتفاق جمهور العلماء على ذلك.
ونجد أيضا عدة روايات تدل على وقوع النسخ في الآيتين ، ونحن نذكر على سبيل المثال :
١ - ما تقدم عن تفسير النعماني عن علي (عليه السلام).
٢ - ما رواه السيد هاشم البحراني عن العياشي عن معاوية بن عمار قال : سألته عن قول الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول } قال : منسوخة ، نسختها آية { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ونسختها آية الميراث.
٣ - عن أبي بصير قال : سألته عن قول الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } قال : هي منسوخة ، قلت : وكيف كانت ؟ قال : كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ، ثم أخرجت بلا ميراث. ثم نسختها آية الربع والثمن ، فالمرأة ينفق عليها من نصيبها (26).
إذا ، فالنسخ ثابت بالإجماع والأخبار ، ولعل ثبوته ووضوحه هو الموجب لعدم ذكر الإمام الخوئي لهذه الآية في جملة المنسوخات ، وذلك لأنه قال في أول البحث : نحن نذكر الآيات التي كان في معرفة وقوع النسخ فيه وعدم وقوعه غموض في الجملة.
وكيف كان ، فإن النسخ ثابت ، ولم يخالف فيه أحد ظاهرا إلا الشافعي على ما في تفسير الجلالين ، وقال السيوطي فيه : السكنى ثابتة عند الشافعي ولم تنسخ.
قوله تعالى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة : 284].
قال في الإتقان : إنها منسوخة بقوله بعده {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة : 286].
وقال العتائقي : فشق نزولها { إن تبدوا... الآية } عليهم ، ثم نسخ ذلك بقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، والمنسوخ قوله : { أو تخفوه }.
ولكن لم يعد تفسير النعماني هذه الآية من المنسوخات فيما نقله عن علي ، وكذلك فإن الإمام الخوئي لم يتعرض لها ، وكأنه لا يراها من الآيات المنسوخة.
وقال في مناهل العرفان : والذي يظهر لنا أن الآية الثانية مخصصة للأولى ، وليست ناسخة ، فكان مضمونها : أن الله تعالى كلف عباده بما يستطيعون مما أبدوا في أنفسهم أو أخفوا ، لا تزال هذه الإفادة باقية ، وهذا لا يعارض الآية الثانية ، حتى يكون ثمة نسخ.
وفي مجمع البيان للطبرسي قال : قال قوم : إن هذه الآية منسوخة بقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ورووا في ذلك خبرا ضعيفا ، وهذا لا يصح ، لأن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز ، فكيف ينسخ ؟ وإنما المراد بالآية ما يتناوله الأمر والنهي من الاعتقادات والإرادات. وغير ذلك مما هو مستور عنا - إلى أن قال : - فعلى هذا يجوز أن تكون الآية الثانية مبينة للأولى ، وإزالة توهم من صرف ذلك إلى غير وجهه ، وظن أن ما يخطر بالبال أن تتحدث به النفس مما لا يتعلق بالتكليف فإن الله يؤاخذ به ، والأمر بخلاف ذلك.
ولكن الظاهر لنا من الآية الشريفة هو أن معناها : أن ما في أنفسنا من السوء سواء ابدي أو أخفي مما يحاسب الله به فله تعالى أن يغفر لمن يشاء فضلا ويعذب من يشاء عدلا.
ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الأخبار الكثيرة من المؤاخذة على النية ، وهي كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال :
١ - ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : نية المؤمن خير من عمله ، ونية الكافر شر من عمله (27).
والحديث دال على أن الكافر يؤخذ بنيته أشد مما يؤخذ بعمله.
٢ - ما رواه أيضا عن أبي هاشم قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا... الخ (28).
ورواه مثله البرقي في المحاسن والصدوق في العلل.
وفي قبال هذه الأخبار أخبار دالة على العفو عن النية مطلقا أو عن النية إذا كانت من المؤمن فقط ، فمن ذلك :
١ - ما رواه الحر العاملي عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته : أن من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن هم بحسنة وعملها كتبت له عشرا ، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه ، ومن هم بها وعملها كتبت عليه سيئة (29).
٢ - ما رواه أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة ، وإن هو عملها كتبت له عشر حسنات ، وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه (30).
فالأخبار متعارضة كما ترى ، فلابد من الجمع بينها ، وقد تعرض علماء الأصول في مبحث التجري إلى طرق الجمع بينها ، فراجع.
ولكن لا تفوتنا هنا الإشارة إلى شئ وهو : أن المرتكز في أذهان المسلمين جميعا - حتى صغارهم ونسائهم - هو أن النية لا يؤاخذ أحد بها ، وهو يؤيد القول بالعفو.
وتكون النتيجة بعد كل ذلك هي : أنه ليس المراد من قوله " أو تخفوه " ما يعرض للأنفس من الخواطر القهرية الخارجة عن الاختيار والوسع ، حتى ينسخ بقوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة : 286] بل المراد منه هي النية التي هي مقدورة واختيارية ، وهي معفو عنها من المؤمن.
قوله تعالى {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء : 33].
قال في الإتقان : قيل : إنها منسوخة ، وقيل : لا ، ولكن تهاون الناس في العمل بها. وقال العتائقي : نسخها {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال : 75].
وقال الزرقاني كذلك ، ثم قال : وقيل : إنها غير منسوخة ، لأنها تدل على توريث مولى الموالاة ، وتوريثهم باق ، غير أن رتبتهم في الإرث بعد رتبة ذوي الأرحام ، وبذلك يقول فقهاء العراق (31).
والذي يمكننا القول به هنا هو أن قوله تعالى {والذين عقدت أيمانكم} كغيره من الآيات القرآنية يدل إجمالا على وجوب إيتاء النصيب لمن كان بينه وبين الميت عقد يمين ، ولكن ما هو هذا النصيب ؟ وضمن أي شروط ؟ الجواب : غير معلوم. فلو قلنا : إن الآية تفيد وجوب إيتاء النصيب لمن كان له ولاية بعقد اليمين الثابتة في الشريعة بنحو من الأنحاء الثلاثة لكانت الآية محكمة غير منسوخة.
والأنحاء الثلاثة لعقد اليمين هي إجمالا مع بيان الدليل :
١ - الموالاة بالعتق.
٢ - ولاء ضمان الجريرة.
٣ - الولاء بالنبوة والإمامة.
وتفصيل ذلك هو :
أما الولاء بالعتق - بمعنى أن من أعتق عبدا فله ولاؤه الموجب لإرثه ، إذا لم يكن له وارث من أرحامه - فهذا ثابت في الإسلام ، وقد نقل الإجماع عليه (32).
وتدل عليه أخبار كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال :
١ - ما رواه الفيض الكاشاني عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قالت عائشة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن أهل بريرة اشترطوا ولاءها ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الولاء لمن أعتق (33).
والحديث مذكور في كتب السنة والشيعة على حد سواء ، قال ابن رشد بعد قوله " الولاء لمن أعتق " : لما ثبت من قوله (صلى الله عليه وآله) في حديث بريرة : الولاء لمن أعتق (34).
٢ - ما رواه الفيض أيضا عن الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة أعتقت رجلا ، لمن ولاؤه ؟ ولمن ميراثه ؟ قال : للذي أعتقه ، إلا أن يكون له وارث غيرها (35).
وللمسألة فروع كثيرة مذكورة في كتب الفقه ، فمن أراد التوسعة فليراجع.
وأما ولاء ضمان الجريرة فقد قال الشيخ صاحب الجواهر : إنه لا خلاف نصا وفتوى في مشروعيته بالإجماع بقسميه على أن من توالى وركن إلى أحد يرضاه فاتخذه وليا يعقله ويضمن حدثه ويكون ولاؤه له صح ذلك ، ويثبت به الميراث ، بل كان الميراث في الجاهلية وصدر الإسلام بذلك (36).
وتدل عليه أخبار كثيرة :
منها : ما رواه الفيض الكاشاني عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في العبد يعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة التي فرضها عليه مولاه ، لمن يكون ولاء العتق ؟ قال : يذهب فيوالي من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه ، قلت له : أليس قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الولاء لمن أعتق ؟ قال : هذا سائبة ، لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت : فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه ؟ قال : لا يجوز ذلك ، ولا يرث عبد حرا. ثم قال في بيان الوافي : العقل الدية ، والسائبة : العبد الذي يعتق على أن لا ولاء له (37).
ويستفاد من الحديث أن هذا المعتق لو كان حرا لكان وارثا ، ولكن الرق هو المانع من إرثه هنا ، وفي غيره من موارد الإرث.
ومنها : ما رواه أيضا عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث : من تولى رجلا ورضي بذلك فجريرته عليه وميراثه له (38).
فتحصل لدينا : أن عقد ضمان الجريرة يستلزم الإرث مع فقد الوارث النسبي والمعتق ، والمسألة محررة في الفقه ، فراجع.
وأما الإرث بولاء النبوة والإمامة فقد نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : أنا وارث من لا وارث له (39).
وقال في جواهر الكلام : وإذا عدم الضامن كان ميراثا للإمام ، نصا وإجماعا بقسميه (40).
وتدل عليه أخبار كثيرة ، نذكر منها :
١ - ما رواه الفيض الكاشاني عن عمار بن أبي الأحوص عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : ما كان ولاؤه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن ولاءه للإمام وجنايته على الإمام وميراثه له (41).
٢ - ما رواه أيضا عن العقرقوفي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن المملوك يعتق سائبة ؟ قال : يتولى من شاء ، وعلى من يتولى جريرته وله ميراثه ، قلنا له : فإن سكت حتى يموت ولم يتوال ؟ قال : يجعل ماله في بيت مال المسلمين (42).
ويستفاد من الحديث : أن مال من لا وارث له يجعل في بيت مال المسلمين ، فيحمل على الحديث السابق الذي يقول إن المال للنبي (صلى الله عليه وآله) أو للإمام بعده ، ولكن لا على أنه ملك شخصي له يتصرف فيه كما يريد ، بل على أنه له بما هو نبي وبما أنه إمام ، فهو في الحقيقة من شؤون المنصب ، ومن أجله فلابد وأن يجعل في بيت مال المسلمين ، ليصرفه النبي أو الإمام في صلاح الإسلام والمسلمين. فالتوريث بعقد الإيمان في الإسلام - كما هو الظاهر - يكون بأحد الأنحاء الثلاثة المتقدمة. فإذا كان المراد بقوله " والذين عقدت أيمانكم " هو هؤلاء الموالي الثلاثة ، فالآية تكون محكمة غير منسوخة ، وإذا كان المراد من الآية معان أخرى فلابد من طرحها حتى نتأمل فيها لنحكم فيها بالنسخ أو بالإحكام.
قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [النساء : 15].
قال في الإتقان : إنها منسوخة بآية النور {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور : 2].
وقال العتائقي - بعد ذكر الآية : - قال (عليه السلام) : " لهن سبيل الثيب بالثيب الرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة ، وتغريب عام " فالآية منسوخة بالسنة.
وقال السيد عبد الله شبر في تفسيره - بعد ذكره للآية - : كان ذلك عقوبتهن في أول الإسلام ، فنسخ بالحد. وكذا قال الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان.
وفي تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) : إن الله تبارك وتعالى بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرأفة والرحمة ، فكان من رأفته ورحمته أنه لم ينقل قومه في أول نبوته عن عاداتهم ، حتى استحكم الإسلام في قلوبهم ، وحلت الشريعة في صدورهم ، فكان من شريعتهم في الجاهلية أن المرأة إذا زنت حبست في بيت ، وأقيم بأودها حتى يأتيها الموت. وإذا زنى الرجل نفوه عن مجالسهم وشتموه وآذوه وعيروه ، ولم يكونوا يعرفون غير هذا. قال الله تعالى في أول الإسلام {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء : 15 ، 16]. فلما كثر المسلمون وقوي الإسلام واستوحشوا الأمور الجاهلية أنزل الله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} إلى آخر الآية ، فنسخت هذه الآية آية الحبس والأذى (43).
وقال الجصاص - بعد ذكر الآية - : لم يختلف السلف في أن ذلك كان حد الزانية في الإسلام ، وأنه منسوخ (44).
وقال الزرقاني - بعد أن ذكر أن الآية منسوخة بآية النور - : وذلك بالنسبة إلى البكر رجلا كان أو امرأة ، أما الثيب من الجنسين فقد نسخ الحكم الأول بالنسبة إليهما ، وابدل بالرجم الذي دلت عليه تلك الآية المنسوخة التلاوة ، وهي { الشيخ والشيخة فارجموهما البتة }. وقد دلت عليه السنة أيضا (45).
ونجد في قبال هؤلاء من قال بأن الآية غير منسوخة ، إما لأن الحكم وهو الحبس لم يكن مؤبدا بل كان مغيى بغاية ، وفقدان الحكم لحصول الغاية ليس نسخا ، كما لو قيل : أحبس فلانا إلى الظهر ، فجاء الظهر (46).
وإما لعدم التنافي بين الآيتين ، فإن الحكم الأول وهو الحبس شرع للتحفظ عن الوقوع في الفاحشة مرة أخرى ، والحكم الثاني وهو الحد شرع للتأديب على الجريمة الأولى وصونا لباقي النساء عن ارتكاب مثلها ، فلا تنافي بين الحكمين ، لينسخ الأول بالثاني. نعم ، إذا ماتت المرأة بالرجم أو الجلد ارتفع وجوب الإمساك في البيت لحصول غايته ، وفيما سوى ذلك فالحكم باق ما لم يجعل الله لها سبيلا (47).
والذي يبدو لنا من ظاهر الآية هو أن المراد من قوله تعالى " الفاحشة " بحسب ما هو ظاهر لفظها - بقطع النظر عن الأخبار الواردة في تفسيرها - أنها ما تزايد قبحه وتفاحش ، كما نص عليه في بعض المعاجم (48) ، وهذا أمر عام يشمل كل ما تمارسه النساء الفواسق من منكرات ، مثل المساحقة والزنا. فالآية مع عمومها وشمولها للمساحقة غير منسوخة بما دل على حد الزنا المخصوص به. نعم ، يحتمل النسخ في حد الزنا فقط ، لو قلنا بأن الحبس كان في بدء الإسلام حدا ، ثم نسخ بالجلد. هذا لو نظرنا إلى الآية مع قطع النظر عن الروايات الواردة فيها.
وأما إذا توجهنا إلى الروايات المفسرة للآية - ولا محيص لنا عن الأخذ بها - فإننا نرى أن تلك الروايات قد فسرت الفاحشة بالزنا ، واعتبرت الإمساك أنه الحد ، ونذكر على سبيل المثال :
١ - ما رواه السيد هاشم البحراني بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : كل سورة النور نزلت بعد سورة النساء ، وتصديق ذلك : أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة النساء { واللاتي يأتين الفاحشة... الخ } أما السبيل فقد ذكره تعالى في قوله { سورة أنزلناها } الآية (49).
٢ - ما رواه العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله {واللاتي يأتين الفاحشة... الخ } قال : هذه منسوخة. قال : قلت : كيف كانت ؟ قال (عليه السلام) : كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود ادخلت بيتا ، ولم تحدث ولم تكلم ولم تجالس ، وأوتيت فيه بطعامها وشرابها حتى تموت ، قلت : فقوله : { أو يجعل الله لهن سبيلا } ؟ قال : جعل السبيل الجلد والرجم والإمساك في البيوت (50).
٣ - ما رواه أيضا عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم - إلى : - سبيلا } قال : منسوخة ، والسبيل هو الحدود (51).
٤ - ما رواه السيوطي عن مسلم : أنه لما بين الحد قال (صلى الله عليه وآله) : خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا (52).
٥ - وعن ابن عباس قال : السبيل الذي جعله لهن : الجلد والرجم (53). وكذا قال ابن رشد ، ونسبه إلى الحديث الوارد.
وبعد هذا ، فلا مجال للتشكيك فيما يراد من " الفاحشة " ، إذ قد ثبت أن المراد بها هو الزنا ، وكان الحد عليه في بدء الإسلام هو الحبس في البيوت ، ضمن شروط معينة ، مثل عدم التكلم معها ولا مجالستها ، ثم نسخ الحكم بالجلد والرجم ، وكان ذلك سبيلا لهن.
ولا ينبغي الإيراد على ذلك بأنه كيف يكون الرجم سبيلا لهن ؟ وأنه إذا كان ذلك سبيلا لهن فماذا يكون السبيل عليهن ؟
إذ قد رأينا أن الروايات قد فسرت السبيل بما ذكرنا من الجلد والرجم ، ووقع التعبير به في كلمات العلماء. مع أن الرجم ا لمؤدي إلى قتل الزاني والزانية ربما يكون أسهل على غالب الناس من الحبس المؤبد ، دون أن يتكلم معها أو يجالسها أحد ، وكذا هو أسهل من نفي الزاني من مجالسهم وشتمه وتعييره.
قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } [المائدة : 106].
قال في الإتقان : { أو آخران من غيركم } منسوخ بقوله {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق : 2].
وقال الزرقاني - بعد ذكر الآية - : إنها منسوخة بقوله " وأشهدوا ذوي عدل منكم " ثم قال : وقيل : إنه لا نسخ (54).
وعن زيد بن أسلم ومالك والشافعي وأبي حنيفة : أنها منسوخة ، وأنه لا يجوز شهادة كافر بحال (55).
ونجد في قبال هؤلاء من يقول بعدم النسخ ، وأن الحكم الذي تضمنته الآية مستمر إلى الآن ، لكنهم خصوه بالسفر ، وبما إذا لم يكن مسلم يوصى إليه ، وهو مذهب الإمامية بأجمعهم ، كما وأن السيد شبر قال في قوله تعالى { من غيركم } : من أهل الذمة ، ولا تسمع شهادتهم إلا في هذه القضية. وقال الإمام الخوئي في كتابه " البيان " : إن الآية محكمة ، وذهب إليه الشيعة الإمامية ، وإليه ذهب جمع من الصحابة.
وفي تفسير النعماني لم يعد هذه الآية من المنسوخات المنقولة عن علي. والذي يظهر لنا أن الآية حيث وقعت في سورة المائدة - وهي آخر سورة نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) - فإنها وكذلك سائر آيات سورة المائدة لم تتعرض للنسخ بما ورد في غيرها من السور ، ويدل على ذلك ما رواه العياشي :
١ - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : نزلت المائدة قبل أن يقبض النبي (صلى الله عليه وآله) بشهرين أو ثلاثة (56).
٢ - وعن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) ، قال : كان القرآن ينسخ بعضه بعضا ، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بآخره ، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة ، فنسخت ما قبلها ، ولم ينسخها شئ (57).
وروى أبو بكر الجصاص عن ضمرة بن جندب وعطية بن قيس ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المائدة من آخر القرآن نزولا ، فأحلوا حلالها ، وحرموا حرامها (58).
وعن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال : في المائدة ثماني عشرة فريضة ، وليس فيها منسوخ (59).
هذا بالإضافة إلى ما ورد في أخبار الفريقين في تفسير الآية الكاشف عن بقاء الحكم واستمراره وإن كانت هذه الأخبار مختلفة المضمون ، ففي بعضها : قال (عليه السلام) : قوله { أو آخران من غيركم } هما كافران. وفي بعضها الآخر : هما من أهل الكتاب.
وفي بعض ثالث : فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب (60). وغير ذلك من القيود الواردة في كتب التفسير ، ونحن نذكر بعضها شرحا للقصة التي كانت سببا لنزول الآية على ما قالوا.
روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن رجاله رفعه قال : خرج تميم الداري وابن بيدي وابن أبي مارية في سفر ، وكان تميم الداري مسلما ، وابن بيدي وابن أبي مارية نصرانيين ، وكان مع تميم الداري خرج له فيه متاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع ، فاعتل تميم الداري علة شديدة ، فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بيدي وابن أبي مارية ، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته ، فقدما المدينة ، وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة ، وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته ، فافتقد القوم الآنية والقلادة ، فقال أهل تميم لهما : هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرة ؟ فقالا : لا ، ما مرض إلا أياما قلائل ، قالوا : فهل سرق منه شئ في سفره ؟ قالا : لا ، قالوا : فهل أتجر تجارة خسر فيها ؟ قالا : لا ، قالوا : فقد افتقدنا أفضل شئ ، كان معه آنية منقوشة بالذهب مكللة بالجواهر وقلادة ، فقالا : ما دفع إلينا فقد أديناه إليكم ، فقدموهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأوجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليمين ، فحلفا ، فخلى عنهما.
ثم ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما ، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا : يا رسول الله ، قد ظهر على ابن بيدي وابن أبي مارية ما ادعيناه عليهما ، فانتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الله عز وجل الحكم في ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " الآية. فأطلق الله عز وجل شهادة أهل الكتاب على الوصية فقط إذا كان في سفر ، ولم يجد المسلمين (61).
وروى علي بن إبراهيم بسند صحيح عن يحيى بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : فإن عثر على أنهما شهدا بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما حتى يجئ بشاهدين ، فيقومان مقام الشاهدين الأولين... الحديث (62).
ثم إن قبول شهادة الكافر في الوصية مما لا خلاف فيه في الجملة. فقد قال المحقق الحلي : تقبل شهادة الذمي خاصة في الوصية ، إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يشترط كون الموصي في غربة ، وبالاشتراط رواية مطرحة.
وقال شارح المختصر النافع : إن أصل الحكم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع (63).
ثم لا يخفى أن الآية الشريفة تدل بإطلاقها على قبول شهادة الكافر بجميع أصنافه في الوصية. فمن خص الحكم بشهادة الذمي إذا كان مرضيا في دينه فإنما استند إلى الروايات الواردة في تفسير الآيات ، المقيدة بما ذكر ، وهذا من موارد تقييد الكتاب بالسنة.
وكذا من قال بقبول شهادة الذمي مطلقا ولو لم يكن في الغربة فإنما استند إلى عموم العلة الواردة في الأخبار. قال في الرياض في وجه عدم اشتراط الغربة :
إنه لاحتمال ورود الحصر والشرط مورد الغالب فلا عبرة بمفهومها مع إطلاق كثير من النصوص (64).
بل العموم يستفاد من التعليل الوارد في بعض الروايات ، وهو قوله (عليه السلام) : " لا يصلح ذهاب حق أحد " والحكم يتبع العلة في التعميم والتخصيص ، كما هو محرر في محله.
وأما أهل السنة فقد اختلفوا ، فعن أبي حنيفة : أنه يجوز ذلك على الشروط التي ذكرها الله. وعن مالك والشافعي : أنه لا يجوز ذلك ، ورأوا أن الآية منسوخة. والنتيجة بعد كل ما قدمناه هي : أن القول بالنسخ لا يساعد عليه الدليل ، وما دل على اعتبار الإسلام في الشهادة عام يخصص بما ورد في حجية قول الكافر في مورد خاص ، لا أنه ينسخ به.
قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال : 65].
قال في الإتقان : إنها منسوخة بالآية بعدها {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 66].
وقال في تفسير الجلالين - في تفسير الآية الأولى - : ثم نسخ لما كثروا بقوله " الآن... الخ ".
وقال العتائقي - بعد ذكر الآية - : نسخ ذلك بقوله " الآن... الخ ".
وقال الزرقاني : إنها منسوخة بقوله سبحانه " الآن... الخ ". ووجه النسخ : أن الآية الأولى أفادت وجوب ثبات الواحد للعشرة ، وأن الثانية أفادت وجوب ثبات الواحد للاثنين ، وهما حكمان متعارضان ، فتكون الثانية ناسخة للأولى.
وفي تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) : إن الله تعالى فرض القتال على الأمة ، فجعل على الرجل الواحد أن يقاتل عشرة من المشركين ، فقال : { إن يكن منكم ... الخ } ، ثم نسخها سبحانه فقال :{ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن... } الآية ، فنسخ بهذه الآية ما قبلها ، فصار من فرض المؤمنين في الحرب ، إذا كانت عدة المشركين أكثر من رجلين لرجل لم يكن فارا من الزحف.
وقال الطبرسي في تفسير مجمع البيان في معنى الآية : والمعتبر في الناسخ والمنسوخ بالنزول دون التلاوة. وقال الحسن : إن التغليظ على أهل بدر ، ثم جاءت الرخصة.
ونجد في قبال هؤلاء من يقول بعدم النسخ ، وقد حكاه الزرقاني بقوله : لا تعارض بين الآيتين ولا نسخ ، لأن الثانية لم ترفع الحكم الأول ، بل هي مخففة على معنى أن المجاهد إن قدر على قتال العشرة فله الخيار رخصة من الله له بعد أن اغتر المسلمون ، وقد كان واجبا تعيينيا.
وقال الإمام الخوئي : والحق أنه لا نسخ في حكم الآية. وقال في وجهه ما حاصله : إن النسخ يتوقف على إثبات الفصل بين الآيتين نزولا ، وإثبات أن الآية الثانية نزلت بعد مجئ زمان العمل بالأولى ، ولا يستطيع القائل بالنسخ إثبات ذلك ، هذا بالإضافة إلى أن سياق الآيتين أصدق شاهد على أنهما نزلتا مرة واحدة.
ونتيجة ذلك : أن حكم مقاتلة العشرين للمائتين استحبابي ، ومن الممتنع أن يقال : إن الضعف طرأ على المؤمنين بعد قوتهم ، فإنه خلاف الواقع ، فإن المسلمين صاروا أقوياء يوما فيوما (65).
كانت تلك بعض الكلمات حول الآية. والذي يظهر لنا هو أن الآية منسوخة بقوله تعالى " الآن... " الآية. وبيان ذلك : أن المستفاد من الآية هو أنه يجب على النبي تحريض المؤمنين على القتال ، وترغيبهم في الجهاد ، بذكر الثواب عليه ، وذكر ما وعدهم الله من الظفر ، وغير ذلك مما يشجع المؤمن على الجهاد. كما ويستفاد منها أنه يجب على المؤمنين قتال الكفار إذا كان عددهم عشر عدد الكفار ، وأن عليهم أن يثبتوا في الحرب ولا يفروا ، ثم خفف الله تعالى عليهم ، فأوجب عليهم القتال إذا كان عدد الكفار ضعف عدد المؤمنين ، فلو زاد الكفار على ذلك لم يجب على المؤمنين المقاومة ويجوز الفرار.
ثم إن قوله تعالى { إن يكن منكم... الخ } خبر معناه الأمر بمقاومة الواحد للعشرة ، ووعدهم بالغلبة إن صبروا ، ثم خفف عنهم فأمرهم بمقاومة الواحد للاثنين. ومما يدل على إرادة الأمر من الجملة الخبرية قوله تعالى : { الآن خفف الله عنكم } فإن التخفيف لا يكون إلا بعد التكليف.
وبعد هذا ، فإذا كان التكليف الثاني يغاير الأول ويباينه باعتبار أن الأول أشد من الثاني وأصعب منه فلابد من القول بالنسخ.
ويؤيد هذا عدد من الأحاديث ، منها : ما تقدم في تفسير النعماني عن علي (عليه السلام).
ومنها : ما عن شيخ الطائفة في التهذيب فقد روى بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان يقول : من فر من الرجلين في القتال من الزحف فقد فر ، ومن فر من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفر (66).
ومنها : ما روي في الدر المنثور بطرق عديدة عن ابن عباس وغيره مما يقرب من المعنى المذكور.
وأما الإشكال على النسخ بأن الضعف لا يمكن أن يحدث في المسلمين بعدما كانوا أقوياء بل كانت قوتهم تزداد يوما فيوما فقد أجيب عنه بأن المراد من الضعف ليس ضعف العدة والعدة ، بل المراد ضعف البصيرة واليقين ، الذي يحدث حين يكثر المسلمون ، ويختلط فيهم من هو أضعف يقينا وبصيرة.
وقال بعض المفسرين هنا - ولنعم ما قال - : وقد أثبتت التجربة القطعية أن المجتمعات المؤتلفة لغرض هام كلما قلت أفرادها وقويت رقباؤها ومزاحموها وأحاطت بها المحن والفتن كانت أكثر نشاطا للعمل وأحد في الأثر. وكلما كثرت أفرادها وقلت مزاحماتها والموانع الحائلة بينها وبين مقاصدها ومطالبها كانت أكثر خمودا وأقل تيقظا وأسفه حلما (67).
وعلى هذا ، فنحن نقول : إن الآية ناسخة للأولى ، وإنها نزلت بعدها وإن كانت حسب الترتيب القرآني متصلة بالأولى ، والناسخ يشترط أن يكون متأخرا في الزمان لا في ترتيب الكتاب.
بقي شئ تحسن الإشارة إليه في المقام وهو : أن هذه النسبة - أي نسبة الواحد إلى اثنين - إنما تكون مؤثرة فيما لو كانت في ضمن الكثرة والفئة ، كما يشعر به قوله تعالى { إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين }. وعلى هذا ، فلو انفرد اثنان من الكفار بواحد من المسلمين من دون وجود فئة وكثرة فيمكن القول بعدم وجوب الجهاد والثبات على الواحد ، كما عن الشيخ في المبسوط والخلاف ، والعلامة في القواعد (68).
قوله تعالى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة : 41].
قال في الإتقان : إنها منسوخة بآيات العذر ، وهي قوله * { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ } [النور : 61] [الفتح : ١٧] ، وقوله {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة : 91 ، 92] ، وقوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة : 122].
وقال العتائقي : نسخ ذلك بقوله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية ، وبقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء : 71].
وقال الشيخ الزرقاني : إنها نسخت بآيات العذر. وعن ابن عباس والحسن وعكرمة أنها منسوخة بقوله تعالى : { وما كان المؤمنون } (69).
ونجد في قبال هؤلاء من قال بعدم النسخ.
ومنهم الإمام الخوئي ، حيث قال في جملة كلام له : إن قوله تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} بنفسه دليل على عدم النسخ ، فإنه دل على أن النفر لم يكن واجبا على جميع المسلمين من بداية الأمر فكيف يكون ناسخا للآية المذكورة ؟ وفي تفسير النعماني لم يعد هذه الآية في جملة ما نقله عن علي من الآيات المنسوخة.
والذي يظهر لنا هو : لا بآيات العذر ، ولا بآية النفر كافة ، ولا بآية الحذر.
أما أنها غير منسوخة بآيات العذر فلأن قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور : 61] وإن كان ينافي إطلاق قوله تعالى " انفروا " لكن هذه المنافاة لا توجب المعارضة والمباينة ليكون اللاحق ناسخا للسابق ، بل الذي تعارف العمل به عند كل أحد هو حمل المطلق على المقيد ، والقول بأن موضوع المطلق ليس هو كل إنسان ، بل موضوعه كل إنسان غير مريض وغير أعرج وغير أعمى. ولا يخفى أن تخصيص العام وتقييد المطلق أمر شائع ومعروف ، حتى قيل : ما من عام إلا وقد خص ، وهذا بخلاف النسخ الذي هو نادر جدا في الشريعة ، فلا يصار إليه إلا بعد عدم وجود غيره من وجوه الجمع ، من التخصيص والتقييد.
وأما أنها غير منسوخة بقوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} بعدم تسليم العموم في قوله " انفروا " ولم نقل إنه خاص بمن أمر فاثاقل ، كما في قوله تعالى : {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة : 38] - لو سلمنا هذا - فإننا نقول : إنه إذا تعارض العام وهو جميع المسلمين ، والخاص وهو بعضهم ، فطريق الجمع بينهما هو أن يحمل العام على الخاص ، لشيوع التخصيص ، خصوصا من المقننين الذين يصدرون عادة أحكاما عامة أو مطلقة أولا ، ثم يخصصونها أو يقيدونها.
هذا بالإضافة إلى ما سبق من بعض المحققين من أن ظاهر قوله تعالى { وما كان المؤمنون... الخ } هو أن النفر لم يكن واجبا على جميع المسلمين من بداية الأمر.
هذا كله على فرض التسليم بأن المراد بالنفر هو الخروج إلى الجهاد ، وأما إذا كان المراد منه النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وتشرفهم بلقائه (صلى الله عليه وآله) ليستفيدوا ويتفقهوا منه (صلى الله عليه وآله) فلا يكون للآية صلة بالجهاد ، وتخرج عن موضوع البحث في النسخ.
ولعل ظهور الآية يعطي ذلك ، لأن كلمة " فلو لا " التحضيضية لنفر طائفة منهم ظاهر في أنه يجب على هذه الطائفة منهم الخروج ، ثم عين غاية خروجهم هذا بقوله " ليتفقهوا " ومن المعلوم أن النفر للتفقه لا يكون إلا إلى النبي لا إلى الجهاد ، وتدل على هذا المعنى - الذي نرى أنه هو ظاهر الآية - أخبار كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال :
١ - ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن يعقوب بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس ؟ قال : أين قول الله عز وجل {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122] قال : هم في عذر ما داموا في الطلب ، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم (70).
٢ - ما رواه السيد هاشم البحراني عن عبد المؤمن الأنصاري قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إن قوما رووا : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : اختلاف أمتي رحمة ، فقال : صدقوا ، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ، قال : ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنما أراد قول الله تعالى { فلولا نفر من كل فرقة... الخ } ، فأمرهم الله أن ينفروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويختلفوا إليه ، فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم ، إنما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلاف في الدين ، إنما الدين واحد (71). والنتيجة هي : أنه إذا كان المراد بالنفر النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) - كما عن الجبائي وأبي عاصم - فلا تنسخ بها آيات الجهاد ، وتكون الآية محكمة غير منسوخة.
قوله تعالى {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور : 3].
قال في الإتقان : قوله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية ... الخ } منسوخ بقوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور : 32] .
وقال العتائقي : إن الآية نسخت بقوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} . ثم قال : وفيه نظر.
وقال الزرقاني : إنها منسوخة بقوله ( وأنكحوا... الخ ) لأن الآية خبر بمعنى النهي (72).
ونقل الجصاص عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة بالآية بعدها ، وكان يقال : هي من أيامى المسلمين (73).
وفي قبال هؤلاء من يقول بعدم النسخ ، فمنهم :
١ - الإمام الخوئي ، حيث قال في جملة كلام له : إن الآية غير منسوخة ، فإن النسخ فيها يتوقف على أن يكون المراد من لفظ النكاح هو التزويج ، ولا دليل يثبت ذلك. على أن ذلك يستلزم القول بإباحة نكاح المسلم الزاني المشركة ، وبإباحة نكاح المشركة المسلمة الزانية ، وهذا مناف لظاهر الكتاب العزيز ، ولما ثبت من سيرة المسلمين. والظاهر أن المراد من النكاح الوطي... الخ (74).
٢ - ما عن الضحاك وابن زيد وسعيد بن جبير وإحدى الروايتين عن ابن عباس ، فيكون نظير قوله { الخبيثات للخبيثين } في أنه خرج مخرج الأغلب الأعم (75).
وكيف كان ، فإن البحث يقع في أمرين :
الأول : في حرمة زواج الزاني من المؤمنات ، وحرمة زواج الزانيات من المؤمنين. وإنما يتزوج الزاني الزانية وبالعكس.
الثاني : في جواز زواج المسلم من المشركة ، والمسلمة من المشرك.
أما الأول فقد يقال : إن الآية قد نسخت بقوله تعالى * {وأنكحوا الأيامى منكم} * لعموم الأيامى للزاني والزانية ، فيجوز إنكاحهما ، لدخولهم في موضوع الأمر.
وأجيب بأن آية إنكاح الأيامى تعم الزناة وغيرهم ، وتلك الآية خاصة بالزناة ، والخاص لا ينسخ بالعام ، بل يخصص العام به ، كما هو مقرر في علم الأصول من تقدم التخصيص على النسخ ، لكثرة التخصيص وقلة النسخ.
هذا بالإضافة إلى أن الأخبار قد دلت على بقاء الحكم وعدم النسخ ، وأنه لا يجوز تزوج المرأة المعلنة بالزنا ، وكذا الرجل المعلن به إلا أن تعرف توبتهما.
غاية الأمر : أن الحكم قد قيد بما إذا كان الزاني والزانية معلنين ، وبما إذا أقيم عليهما الحد ، وهذا من تقييد الآية بالسنة ، ولا مانع منه ، ونذكر من تلك الأخبار على سبيل المثال :
١ - ما رواه الشيخ الحر العاملي (رحمه الله) بسنده عن الحلبي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ، ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا ، إلا بعد أن تعرف منهما التوبة (76).
٢ - وما رواه أيضا عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل { الزاني لا ينكح إلا زانية... الخ } قال : هن نساء مشهورات بالزنا ، ورجال مشهورون بالزنا ، قد شهروا بالزنا ، وعرفوا به ، والناس اليوم بذلك المنزل ، فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا (منهم) لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه توبة (77).
هذا ، ولكننا نجد مع ذلك أن بعض أصحابنا قد أفتى بجواز نكاح الزاني لغير الزانية ، وبالعكس ، ولكنه مكروه ، ولعل حملهم الآية على الكراهة من أجل تلك النصوص الواردة الدالة على جواز نكاح الزانية. قال المحقق الحلي : من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها ، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا (78).
وقال الشارح : والمعروف من مذهب الأصحاب جواز مناكحة الزاني على كراهة ، فإنهم حكموا بكراهة تزويج الفاسق مطلقا ، من غير فرق بين الزاني وغيره (79).
وأما أهل السنة فجمهورهم يقول بجواز نكاح الزانية ، ولكنه مذموم. قال ابن رشد : واختلفوا في زواج الزانية ، فأجاز هذا الجمهور ، ومنعها قوم - إلى أن قال : - وإنما صار الجمهور على ذلك لحمل الآية على الذم لا على التحريم ، لما جاء في الحديث : أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وآله) في زوجته : أنها لا ترد يد لامس ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) : طلقها ، فقال : إني أحبها. فقال له : فأمسكها (80).
وأما الثاني - وهو جواز نكاح المسلم المشركة والمسلمة المشرك - فإن قبلنا دلالة الآية عليه فإننا نقول : إن الناسخ تارة يكون هو قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة : 10].
وتارة يكون ناسخها هو قوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة : 221].
وعلى كلا التقديرين يكون النسخ على خلاف ما قرروه من تقديم التخصيص على النسخ ، لأن نسبة الآيتين إلى الآية الأولى - التي في سورة النور - هي العموم والخصوص مطلقا ، فلابد في الجمع بينهما من القول بالتخصيص الذي هو شائع ، لا بالنسخ الذي هو نادر. اللهم إلا أن يكون ثمة قرينة تمنع من التخصيص وتحتم النسخ ، كما لو كان العام مما يأبى عن التخصيص ، فقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات } وإن كان عاما يشمل الزاني وغيره ، والآية الأولى خاصة بالزاني ، إلا أن ذلك العام شديد الظهور والنصوصية بحيث يأبى عن التخصيص ، فلابد من القول بالنسخ (81).
والذي يسهل الأمر هو إجماع المسلمين على أنه لا يجوز زواج المسلم الزاني للمشركة ، وكذا زواج المسلمة الزانية للمشرك.
قال الشيخ الطبرسي بعد ذكر قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات } : هي عامة عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفار. وقال المحقق الحلي : لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا (82). وعلق الشارح على قوله " إجماعا " بقوله : من المسلمين كلهم كتابا وسنة (83). وقال ابن رشد : واتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية (84).
وبعد هذه الجولة فإن النتيجة تكون هي : أن دلالة الآية على جواز نكاح المشرك للمسلمة الزانية والمشركة للمسلم الزاني - لو سلمت - فهي منسوخة إما بالآيتين السابقتين ، أو بالسنة النبوية التي يكشف عنها إجماع المسلمين.
قوله تعالى {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب : 52].
قال في الإتقان : إنها منسوخة بقوله تعالى { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب : 50].
وقال العتائقي : إن قوله " لا يحل... الخ " نسخ بقوله تعالى " إنا أحللنا... الخ ". وهي من أعجب المنسوخ ، لأنها بعد الناسخة.
وقال الزرقاني : إنها منسوخة بقوله تعالى " إنا أحللنا... الخ ". ثم قال : واعلم أن هذا النسخ لا يستقيم إلا على أن هذه الآية متأخرة في النزول عن الآية الأولى ، وهي كذلك على ترتيب النزول ، وإن كانت في المصحف متقدمة عن الأولى.
وقال الشيخ المقداد السيوري : إنها منسوخة بقوله تعالى " إنا أحللنا... الخ " وهو فتوى أصحابنا (85).
وفي قبال هؤلاء من قال بعدم النسخ ، فإنهم إما صرحوا بعدم النسخ ، أو فسروا الآية من دون إشارة إلى أنها منسوخة ، أو أنهم نسبوا النسخ إلى " القيل " مما يدل على أنهم هم لا يقولون به ، ونذكر من هؤلاء :
١ - الشيخ الطبرسي ، الذي قال في مجمع البيان ، في تفسير آية : { لا يحل لك النساء من بعد } أي من بعد النساء اللواتي أحللناهن لك في قوله { إنا أحللنا لك... الخ } وهي ستة أجناس - إلى أن قال : - وله أن يجمع ما شاء من العدد ، ولا يحل له غيرهن من النساء. عن أبي بن كعب وعكرمة والضحاك.
ويلاحظ أنه (رحمه الله) قد رفع التنافي بين الآيتين بذلك حين فسر كلمة " من بعد " بأن المراد من بعد النساء اللواتي ذكرن قبل ، وعلى هذا فلا يكون ثمة تناف بين الآيتين لتنسخ إحداهما الأخرى.
٢ - العلامة الطباطبائي ، الذي قال : قوله { لا يحل لك النساء... الخ } ظاهرها لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها - إلى أن قال : - لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله { إنا أحللنا لك... الخ } كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات ، وهي الأصناف الستة التي تقدمت (86).
والذي يبدو لنا هو أن الآية غير منسوخة ، وأن قوله تعالى : { إنا أحللنا لك... الخ } كما أنها متقدمة في المصحف كتابة كذلك هي متقدمة نزولا ، إذ من البعيد جدا تقديم ما تأخر نزوله على آية تقدم نزولها في سورة واحدة ، خصوصا إذا كان الآمر بوضع الآيات في مكانها هو النبي (صلى الله عليه وآله).
ولبيان ذلك نقول : إن الله تبارك وتعالى قد أحل لنبيه أصنافا ستة من النساء ذكرها في آية : { إنا أحللنا... الخ } بالإضافة إلى ما ملكته يمينه. ثم قال سبحانه { ولا يحل لك النساء من بعد } أي بعد المذكورات ، فما حرمه على رسوله هو زواج غير ما ذكر في الآية المشتملة على الأصناف الستة ، وأما منهن فلا دليل يدل على انحصار الزواج منهن في عدد خاص ، فيجوز له التزوج منهن أي عدد شاء ، ولو كان فوق التسع.
نعم ، لو قيل : إن معنى قوله تعالى " من بعد " أي من بعد أزواجك اللواتي عندك في زمان نزول الآية ، وهن تسع نساء - كما هو معروف - للزم القول بعدم جواز ما زاد على التسع ، وكانت التسع في حقه (صلى الله عليه وآله) كالأربع في حقنا ، ولكن هذا القيل مخالف لظاهر الآية ، كما لا يخفى على من تأمل فيها.
فمعنى الآيتين - والله أعلم - : أنه يجوز لك الزواج من النساء المذكورات في آية " إنا أحللنا لك... الخ " أي عدد شئت. وأما من غيرهن فلا يجوز لك ذلك حتى ولو كان استبدالا بأن يستبدل بعض الستة المذكورات في الآية بغيرهن من أصناف أخرى. ويدل على ما ذكرنا بعض الروايات أيضا ، ونذكر على سبيل المثال :
ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عز وجل {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} قلت : كم أحل الله له من النساء ؟ قال : ما شاء من شئ ، قلت : * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج... الخ) * ؟ - إلى أن قال : - ولو كان الأمر كما يقولون ، قد أحل لكم ما لم يحل له ، إن أحدكم يستبدل كما أراد... الحديث (87).
وثمة أخبار أخرى تفيد هذا المعنى لا مجال لذكرها ، وقد صرح الإمام في بعضها بأن المراد من النساء الممنوعة على النبي (صلى الله عليه وآله) هي المحرمات المعدودة في سورة النساء ، من الام والبنت وغيرهما من المحارم. لكن هذا كما ترى يصادم ظهور الآية لو كان المراد من هذه الأخبار ظاهرها. ولعلنا لم نستطع نحن إدراك ما يرومون (عليهم السلام) إليه ، قال الفيض الكاشاني : إن هذه الأخبار كما ترى ، رزقنا الله فهمها (88).
وعن عائشة قالت : لم يمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم (89).
قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة : 10].
وقوله تعالى {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة : 11].
قال العتائقي : إن الآيتين منسوختان بقوله تعالى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة : 1].
وقال في الإتقان : إن قوله تعالى {وإن فاتكم شئ} قيل : إنه نسخ بآية السيف ، وقيل بآية الغنيمة وقيل : محكم.
وكذا نقله الزرقاني في مناهله عن بعض ، لكنه هو قد اختار الإحكام ، لإمكان الجمع بينهما ، بأن يدفع من الغنائم مثل مهور هذه الزوجات المرتدات اللاحقات بدار الحرب - يدفع إلى الكفار - ثم تخمس الغنائم أخماسا ، وتصرف في مصارفها الشرعية.
وقال الجصاص في أحكام القرآن : إن هذه الأحكام في رد المهر ، وأخذه من الكفار ، منسوخ عند جماعة من أهل العلم ، غير ثابت الحكم شيئا.
والذي يبدو لنا هو أن آيات سورة الممتحنة مشتملة على أحكام تعبدية إسلامية ، لا ربط لها بالاتفاق الذي كان في صلح الحديبية بين النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل مكة ، كما قيل من أنه إن لحق بالمسلمين رجل من أهل مكة ردوه إليهم ، وإن لحق بأهل مكة رجل من المسلمين لم يردوه إلى المسلمين.
وهذه الأحكام التعبدية التي تدل عليها الآيتان هي :
١ - إذا هاجر إليكم نساء مؤمنات فامتحنوهن بإحلافهن على أنهن لم يخرجن إلا للإسلام ، لا بغضا بزوج ، ولا حبا بأحد ، وحينئذ فلا يجوز ردهن إلى الكفار لقوله تعالى {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}.
٢ - يجب على المسلمين أن يؤتوا الكفار ما أنفقوا عليهن من المهور.
٣ - يجوز تزوج المسلمين بهن وإن كان لهن أزواج في بلاد الكفر ، لأن الإسلام أوجب بينونتهن من أزواجهن ، بشرط إعطائهن مهورا جديدة وعدم الاكتفاء بما أعطى أزواجهن الكفار.
٤ - إذا كان للمسلمين زوجات باقيات على الكفر فلا يقيمون على إنكاحهن ، لأن الإسلام أبانهن منهم.
٥ - يجوز للمسلمين أن يطلبوا من الكفار مهور نسائهم اللواتي يلحقن بالكفار.
٦ - ما ذكره الله تعالى بقوله {وإن فاتكم شئ} أي فاتتكم الزوجات أو فاتكم المهر بسببهن { من أزواجكم } المهاجرات { إلى الكفار فعاقبتم } أي أصبتم عقبى ، يعني غنيمة { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } من المهر.
فهذه أحكام ستة ثبتت بهاتين الآيتين إلى أن يثبت النسخ ، وما يتوهم كونه ناسخا هو :
الأول : قوله تعالى {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة : 3] بأن يقال : إذا كان الله بريئا من المشركين فلا يناسب ذلك وجوب إيتاء المهر للمشركين المحاربين ، فيما إذا انحازت نساؤهم المؤمنات إلى المسلمين ، فالحكم لابد وأن يكون مختصا بوقت الهدنة.
ويرد عليه : أنه إذا كان إيتاؤهم المهر لا يناسب الكفر وزمان الحرب معهم فالحكم بالإيتاء ليس ثابتا في عصر الحرب حتى ينسخ ، وإذا كان يناسب ولا ينافي فهذا الحكم ثابت حتى يثبت الناسخ.
هذا بالإضافة إلى أننا نجد في الشريعة موارد ظاهرة في أن الكفر لا ينافي احترام أموالهم ، وذلك كودائعهم التي عند المسلمين ، حيث قد أفتى الأصحاب بوجوب ردها إليهم.
قال المحقق الحلي : يجب إعادة الوديعة على المودع مع المطالبة ولو كان كافرا (90). وقال شارح الشرائع مستدلا لذلك : لإطلاق الأدلة ، وخصوص خبر الصيقل ، وغيره من النصوص المستفيضة المتواترة ، المأمور فيها برد الأمانة على صاحبها ولو كان قاتل علي أو الحسنين أو أولاد الأنبياء أو مجوسيا أو حروريا (91).
الثاني : قوله تعالى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة : 1] وقد عاهد المشركون المسلمين ، ثم نكثوا فلا عهد لهم عند الله وعند رسوله ، وقد أمر الله تعالى المسلمين بقتالهم بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ...} [التوبة : 5] فإنهم {إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة : 8].
ويرد عليه : إن قتال ناكثي العهد لا يرتبط ولا يتنافى مع ثبوت الأحكام الستة المتقدمة.
الثالث : قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ...} [الأنفال : 41]. فهذه الآية تفيد أن خمس الغنيمة لله وللرسول ولمن ذكر في الآية ، وأربعة أخماسها الباقية للغانمين ، كما هو مقرر في الشرع.
فما يدل على أن بعض الغنيمة يجب أن يصرف في إيتاء المهر - كما في الآية المتقدمة - يعارض هذه الآية ، فلابد وأن يقال : إن هذه الآية ناسخة لآية إيتاء المهر.
ويرد عليه : أن نسبة إحدى الآيتين إلى الأخرى هي نسبة العام إلى الخاص.
ومن المقرر أن العام لا ينسخ الخاص بل يخصص به ، وفيما نحن فيه نجد أن آية الغنيمة تدل على أن الغنيمة تصرف فيما قررت له ، وإطلاقها يقتضي أن ذلك شامل لجميع الغنائم ، ولكن آية إيتاء المهر خاصة بموردها ، ودالة على لزوم إعطاء المهر
من الغنيمة ، فيجمع بينهما بأن يعطى المهر أولا ، ثم يقسم ما بقي منها أخماسا. ويدل على ذلك ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) ، ونذكر على سبيل المثال : ما رواه الشيخ الطوسي بسند صحيح عن ابن أذينة وابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل لحقت امرأته بالكفار - إلى أن قال (عليه السلام) في جملة ما قال : - على الإمام أن يعطيه مهرها مهر امرأته الذاهبة... لأن على الإمام أن يجيز جماعة من تحت يده ، وإن حضرت القسمة فله أن يسد كل نائبة تنوبه قبل القسمة ، وإن بقي بعد ذلك شئ يقسمه بينهم ، وإن لم يبق شئ لهم فلا شئ عليه (92).
وإذا تأملت بهذا الحديث وغيره مما ذكر في محله (93) فإنك سوف تحكم ببقاء ذلك الحكم ، وبوجوب إجرائه على الإمام ، كما أن عليه أن يسد كل نائبة تنوبه قبل القسمة.
قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة : 12].
قال في الإتقان : الآية منسوخة بالآية بعدها {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة : 13].
وقال العتائقي : إن المجادلة مدنية ، فيها من المنسوخ آية { يا أيها الذين آمنوا ... الخ } بقوله { أأشفقتم أن تقدموا... الخ لآ. كذا قال ابن شهرآشوب (94).
وقال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الآية : قوله { ذلك خير لكم وأطهر } تتطهرون بذلك لمناجاته (صلى الله عليه وآله) ، كما تقدم الطهارة على الصلاة - إلى أن قال : - وقوله { أأشفقتم... الخ } قال سبحانه ناسخا للحكم الأول ، وأنكم أهل الميسرة أخفتم الفاقة وبخلتم بالصدقة ، فتاب على تقصيركم ، وأمركم عوض الصدقة ، وهو واجب مالي بشئ آخر ، وهو إما واجب بدني ، أو واجب مالي غير متكرر كالزكاة.
وقال الزرقاني : إن الآية منسوخة بقوله تعالى عقب تلك الآية " أأشفقتم... الخ ". ثم نقل قول من قال بعدم النسخ ، مستدلا بأن الآية الثانية بيان للصدقة المأمور بها في الآية الأولى ، وأنه يصح أن تكون صدقة غير مالية كإقامة الصلاة ونحو ذلك. ثم أورد عليه بقوله : إن هذا ضرب من التكلف في التأويل ، يأباه ما هو المعروف من معنى الصدقة ، حتى أصبح لفظها حقيقة عرفية في البذل المالي وحده.
هذا بعض ما قيل في المقام حول نسخ هذه الآية وعدمه.
والذي يبدو لنا هو أن الآية الثانية إذا نظرنا إليها باستقلالها - مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في تفسيرها - فإننا سوف نقتنع بأنها ناسخة للآية الأولى ، وفيها توبيخ للصحابة أولا ، ثم ترخيصهم بالمناجاة له (صلى الله عليه وآله) من دون تقديم صدقة ، لكن مع إقام الصلاة وغير ذلك مما ذكرته الآية الشريفة ، هذا بالنسبة لمن يقدر على الصدقة ، وأما من لا يجد فإن الله غفور رحيم.
ويبقى أن نشير هنا إلى أن ترك الصدقة قبيح ، ويستفاد قبحه من التوبيخ والعتاب الوارد في الآية { أأشفقتم... الخ } إذ لا توبيخ إلا على القبيح. والسر في قبحه هو : أن من يزور النبي (صلى الله عليه وآله) ويناجيه إذا أمر بالتصدق قبل النجوى فترك ذلك ضنا بالمال وحرم نفسه من التشرف بزيارة النبي من أجل ذلك يكون بلا ريب قد فعل أمرا قبيحا ، لأنه يكشف عن عدم اعتنائه بما فاته من فوائد وبركات يستفيدها من الحضور بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) من أجل مقدار من المال وحبا بالدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.
وهنا يرد سؤال وهو : لماذا ترك أهل اليسار والمال من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) التصدق بين يدي نجواهم ؟ ولم يعمل بهذا الحكم إلا الفقير مالا - علي بن أبي طالب - كما نصت عليه الروايات الواردة من طرق الشيعة وغير الشيعة على حد سواء ، ونحن نذكر على سبيل المثال :
١ - ما رواه علي بن إبراهيم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قال : قدم علي بن أبي طالب بين يدي نجواه صدقة ، ثم نسخها قوله * {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة} * (95).
٢ - ما رواه أيضا عن مجاهد قال : قال علي (عليه السلام) : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي آية النجوى ، كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فجعلت أقدم بين يدي كل نجوى أناجيها النبي (صلى الله عليه وآله) درهما. قال : فنسخها قوله : { أأشفقتم... الخ } (96).
٣ - ما عن الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور وابن راهويه وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن علي قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها بعدي ، آية النجوى... الحديث (97).
٤ - ما رواه الطبري عن مجاهد قال : قال علي (رضي الله عنه) : آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي... الحديث (98).
نعم ، لماذا لم يعمل الصحابة ذوو المال واليسار بهذه الآية وعمل بها فقط علي (عليه السلام) ؟ مع قبح ذلك منهم ، وعدم وجود مانع لهم من ذلك سوى ضنهم بالمال ، وإيثارهم له على زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والاستفادة منه.
ومن العجيب هنا ما نقل عن الفخر الرازي فإنه قال في دفع هذا الإشكال عن
الصحابة ما نصه : وذلك (لأن) الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير ، فإنه لا يقدر على مثله ، فيضيق قلبه. ويوحش قلب الغني ، فإنه لما لم يفعل الغني ذلك وفعله غيره صار ذلك الفعل سببا للوحشة (99).
فإنه بالتأمل في كلمات الرازي لابد وأن يرد الإشكال على الله ، الذي شرع حكما هذا حاله وهذا مآله عند الصحابة الذين يتعصب لهم الرازي ويجره هذا التعصب إلى مزالق خطرة كما جرى له هنا. وأيضا كلامه هذا يقتضي عدم وجوب الزكاة والخمس وغير ذلك من الحقوق المالية التي لا تفترق عن هذا المقام في شئ.
هذا بالإضافة إلى أن قوله " إن الفقير لا يقدر على مثله ، فيضيق قلبه " يدل على أن الرازي قد غفل تماما عن قوله تعالى في آخر الآية { فإن لمن تجدوا فإن الله غفور رحيم } الصريح في أن الأمر بالصدقة مخصوص بالمتمكن ، وأما الفقير فله أن يزور النبي (صلى الله عليه وآله) ويناجيه من دون تقديم شئ.
وأما قوله " يوحش قلب الغني إذا لم يفعل ذلك وفعله غيره " فهو أيضا غريب ، إذ أنه لا يوجب جواز الترك ، وإلا لجاز على الأوامر كلها ، لأن تركها مع فعل الغير لها يوجب الوحشة أيضا ، فهل يلتزم أحد بذلك ؟! أعاذنا الله عن الزلل في القول والعمل.
قوله تعالى { يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل : 1 - 4].
قال في الإتقان (100) : إنها منسوخة بآخر السورة {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل : 20] .
وكذا قاله الزرقاني في المناهل ، ثم قال بعد بيان له : ولا ريب أن هذا الحكم الثاني رافع للحكم الأول ، فتعين النسخ (101).
ومثله قال العتائقي.
وفي قبال هؤلاء من قال بعدم النسخ ، منهم :
١ - العلامة الطباطبائي ، قال - بعد ذكر قوله تعالى { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } : المراد به التخفيف في قيام الليل من حيث المقدار لعامة المكلفين تفريعا على علمه تعالى أنهم لن يحصوه. ولازم ذلك التوسعة في التكليف دون النسخ ، بمعنى كون قيام الثلث أو النصف أو الأدنى من الثلثين لمن استطاع ذلك بدعة محرمة (102).
٢ - السيد شبر في تفسيره عبر عن تعويض الحكم بالتخفيف لا النسخ.
والذي يبدو لنا في معنى الآية هنا هو أنه يجب على النبي (صلى الله عليه وآله) القيام في الليل ، وتجب عليه أيضا صلاة الوتر. أما وجوب القيام في الليل فقد دلت عليه هذه الآيات ، وقوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء : 79].
ثم إنه (صلى الله عليه وآله) كان إذا قام في الليل ليصلي أو ليقرأ القرآن أو ليستغفر تأسى به بعض أصحابه ، وقاموا لذلك من دون أن يكونوا مأمورين بذلك.
وأما وجوب الوتر عليه (صلى الله عليه وآله) فهو مما دلت عليه الروايات كقوله (صلى الله عليه وآله) : ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم : السواك ، والوتر ، والأضحية (103).
وفي نبوي آخر : كتب علي الوتر ولم يكتب عليكم ، وكتب علي السواك ولم يكتب عليكم ، وكتبت علي الأضحية ولم تكتب عليكم (104).
وهذا ، يتضح منه عدم صحة ما ذهب إليه بعض العامة من عدم وجوب الثلاثة عليه ، فإن هذه الروايات تدفع قوله هذا وترده.
ثم لا يخفى أن قيام الليل ربما يحصل بصلاة الوتر فيتداخلان وتكون صلاة الوتر هذه امتثالا لكلا الحكمين ، وربما يحصل قيام الليل بقراءة القرآن المجيد فيسقط به وجوب القيام ويبقى وجوب الوتر على حاله.
فإذا تبين أنه يجب على النبي (صلى الله عليه وآله) في الليل أمران فإن هذا الوجوب يبقى إلى أن يثبت الناسخ كما في غيرها من الأحكام ، وقد تقدم عن قريب بعض الأقوال في ذلك. ونضيف هنا ما ذكره الشيخ محمد حسن في جواهر الكلام حيث قال : وعن بعض الشافعية أن ذلك (يعني وجوب القيام) قد نسخ ، وعن آخرين : أن ذلك كان واجبا عليه وعلى الأمة ثم نسخ. ثم قال : ولم يثبت شئ من ذلك عندنا.
وحيث إن بحثنا هذا خاص في الآيات القرآنية المنسوخة فلسوف نقتصر على الحديث عن نسخ وجوب قيام الليل الثابت بالقرآن ، ونترك الحديث عن نسخ وجوب صلاة الوتر لأنها إنما ثبتت بالقرآن - إلا على قول من قال : إن قيام الليل كناية عن الصلاة فيه ، ومن ذلك صلاة الوتر - فنقول :
الذي يظهر لنا هو أن الآية التي في أول السورة منسوخة بالآية التي في ذيل السورة { إن ربك يعلم... الخ }. حيث إنها تفيد أن وجوب القيام الثابت في حق النبي - وكان بعض الصحابة يقومون معه (صلى الله عليه وآله) تأسيا واتباعا - كان صعبا جدا على أكثر الناس ، الذين لا يتيسر لهم عادة إحصاء نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه ، كما قال تعالى * {علم أن لن تحصوه... الخ} * فجاء الترخيص لهم بترك القيام في الليل ، واستعيض عنه بقراءة القرآن.
ومن المعلوم أن هذا نسخ لما كان واجبا ، ولما كان بعض الصحابة يفعله تأسيا واتباعا فما ذكره بعض المحققين من أن هذا تخفيف لا نسخ - كما تقدم - لا يصح ، لأن ما كان واجبا تعيينا إذا زال حكمه كان ذلك نسخا ، سواء بقي بعد ذلك على الاستحباب إذا دل دليل على ذلك من إطلاق أو عموم لأدلة العمومات أم لا.
هذا ، ولا تفوتنا أخيرا الإشارة إلى أن المراد من قوله تعالى " ما تيسر " هو ما يسهل على الناس ، وهم منه في يسر وراحة ، وهو يختلف باختلاف الناس قوة وضعفا ، وبحسب اعتيادهم وعدمه. ومع ذلك فنجد أن البعض قد حاول تقدير ذلك وتحديده :
فعن سعيد بن جبير : أن ما تيسر خمسون آية.
وعن ابن عباس : مائة آية.
وعن الحسن : أن من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن.
وعن كعب : من قرأ مائة آية في ليلة كتب من القانتين.
وعن السدي : مائتا آية.
وعن جويبر : ثلث القرآن (105).
قوله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور : 58].
قال في الإتقان : قيل : إنها منسوخة ، وقيل : لا ، ولكن تهاون الناس في العمل بها. ثم قال في آخر كلامه : والأصح فيها الإحكام.
وقال العتائقي : نسخها بقوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور : 59].
وقال الشيخ المقداد السيوري : ظن قوم أن الآية منسوخة ، وليست كذلك. ثم قال : وقال ابن جبير : يقولون : هي منسوخة ، لا والله ما هي منسوخة. لكن الناس تهاونوا بها ، وقيل للشعبي : إن الناس لا يعملون بها ، فقال : الله المستعان (106).
وقال الزرقاني : قيل : إنها منسوخة ، لكن لا دليل على نسخها ، فالحق أنها محكمة ، وهي أدب عظيم يلزم الخدم والصغار البعد عن مواطن كشف العورات (107).
والذي يظهر لنا هو أن الآية باقية لم تنسخ ، ويساعد على ذلك الاعتبار والعرف ، لأن حماية الأعراض وحفظ الأنظار عما لا يليق رؤيته أمر غير قابل للنسخ.
هذا بالإضافة إلى فقدان الدليل على النسخ ، ولتوضيح ذلك نرشد إلى التأمل في الآيات التالية :
١ - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [النور : 27 ، 28].
والذي يستفاد من هاتين الآيتين هو الأهمية التي أعطاها الله لهذا الأمر ، حيث أوجب تعالى فيهما على من دخل بيت غيره أن يستأذن أهل ذلك البيت ويسلم عليهم. ثم الخيار بعد هذا الأدب لصاحب البيت فيأذن له بالدخول إن لم يكن لديه مانع فيدخل ، وإلا فإن رأى أن دخوله ليس فيه صلاحا أو كان لديه مانع من ذلك فسكت أو رده بقوله : ارجع فليرجع. وهذا يوجب - كما قيل - استحكام الاخوة والألفة والتعاون العام على إظهار الجميل وستر القبيح ، ويبعد عن التطلع إلى عورات الناس.
ومما يؤكد على مدى أهمية الموضوع لدى الشارع ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله لسمرة بن جندب : ما أراك يا سمرة إلا مضارا في قصة مشهورة ، رويت بطرق عديدة ، وهي على حسب رواية الحر العاملي عن الفقيه عن أبي عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان ، فكان إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شئ من أهل الرجل يكرهه ، قال : فذهب الرجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكاه فقال : يا رسول الله ، إن سمرة يدخل علي بغير إذني ، فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعاه : فقال : يا سمرة ، ما شأن فلان يشكوك ويقول : يدخل بغير إذني ، فترى من أهله ما يكره ذلك ؟ يا سمرة ، استأذن إذا أنت دخلت. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ؟ قال : لا ، قال : لك ثلاثة ، قال : لا ، قال : ما أراك يا سمرة إلا مضارا ، اذهب يا فلان فاقطعها (فاقلعها) واضرب بها وجهه (108).
وفي رواية أخرى : فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيع ، فقال (صلى الله عليه وآله) : لك بها عذق يمد لك في الجنة... الحديث (109).
فمحافظة النبي (صلى الله عليه وآله) على الأعراض مما لا يشوبه شك أو ترديد ، وهو واضح من الحديث المذكور ، حتى أنه (صلى الله عليه وآله) غضب على سمرة فقال له بعد قلع النخلة : انطلق ، فاغرسها حيث شئت (110).
٢ - قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور : 58].
فهذه الآية تدل على وجوب الاستئذان على من ملكت الأيمان ، وعلى الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ، في ثلاث ساعات ، عبر عنها الله بأنها " ثلاث عورات " لا ينبغي التطلع فيها ، لأن الإنسان يكون عادة في هذه الأوقات مبتذلا في ملابسه ، أو على حال لا يحب أن يراه أحد ، فلابد من الاستئذان في هذه الأوقات حتى من المماليك والأطفال غير البالغين ، وإن جاز لهم في غيرها الورود بلا إذن مسبق ، لأن مهنتهم وهي الخدمة يصعب معها الاستئذان لكل ورود ودخول. كما قال الله تعالى في ذيل الآية {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور : 58] فكأن الآية كالاستئذان من الآية السابقة التي توجب الاستئذان على كل أحد. ويصير معنى الآيتين بعد ضم إحداهما إلى الأخرى - والله أعلم - : أنه يجب على المؤمنين الاستئذان للدخول إلا المماليك وغير البالغين من الصبيان الأحرار ، فإنه يجب عليهم الاستئذان في مواقيت خاصة.
٣ - قوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور : 59].
فهذه الآية تفيد أن الأطفال إذا بلغوا الحلم كانوا كغيرهم من الأحرار البالغين الذين دلت الآية السابقة { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا... الخ } على وجوب الاستئذان عليهم في كل الساعات إذا أراد الدخول إلى غير بيوتهم ولو كانوا من المحارم بالنسبة إلى أهل ذلك البيت.
وتكون النتيجة هي : أنه قد ظهر من بيان معاني الآيات إجمالا أنه لا مقتضي للنسخ ، ولا تنافي بين الآيات حتى نضطر إلى النسخ ، لأن الواجب على الأطفال هو الاستئذان في ثلاث ساعات فقط ، أما إذا بلغوا فهم كغيرهم من الأحرار حيث يجب عليهم الاستئذان في جميع الأوقات.
هذا بالإضافة إلى وجود أخبار تدل على بقاء الحكم وعدم نسخه ، ونذكر على سبيل المثال :
١ - ما رواه الشيخ الكليني بسنده إلى جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ليستأذن الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات كما أمركم الله ، ومن بلغ الحلم فلا يلج على امه ولا على أخته ولا على خالته ولا على سوى ذلك إلا بإذن ، فلا تأذنوا حتى يسلم ، والسلام طاعة لله عز وجل. قال : وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحلم في ثلاث عورات ، إذا دخل في شئ منهن ولو كان بيته في بيتك. قال : وليستأذن عليك بعد العشاء التي تسمى العتمة ، وحين تصبح ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، وإنما أمر الله عز وجل بذلك للخلوة ، فإنها ساعة غرة (١11) وخلوة (112).
٢ - ما رواه أبو بكر الجصاص عن عطاء بن يسار : أن رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وآله) قال : أستأذن على أمي ؟ قال : نعم ، أتحب أن تراها عريانة (113).
وهكذا يتضح أنه لا دليل على النسخ ، بل الدليل على عدمه ، مضافا إلى أن بقاء الحكم أمر يساعده الاعتبار والتحفظ على الأعراض.
قوله تعالى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء : 8].
قال في الإتقان : قيل : إنها منسوخة ، وقيل : لا ، ولكن تهاون الناس في العمل بها ، ثم قال في ذيل البحث : والأصح فيها الإحكام.
وقال العتائقي : نسخت بآية المواريث { يوصيكم الله... الخ }.
وفي تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) : أنها نسخت بقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ...} [النساء : 11].
وعن سعيد بن المسيب وأبي مالك والضحاك أنها منسوخة بآية المواريث (114).
وفي مقابل هؤلاء من قال بعدم النسخ ، فمنهم : ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وإبراهيم ، ومجاهد ، والشعبي ، والزهري ، والسدي. واختاره البلخي والجبائي والزجاج وأكثر المفسرين والفقهاء (115).
وقال الزرقاني : والظاهر أنها محكمة ، لأنها تأمر بإعطاء اولي القربى واليتامى والمساكين الحاضرين لقسمة التركة شيئا ، وهذا محكم باق على وجه الندب ما دام المذكورون غير وارثين ، ولا تعارض ولا نسخ. ثم قال في ذيل البحث : وعن ابن عباس أن الآية محكمة غير أن الناس تهاونوا بالعمل بها (116).
وقال العلامة الطباطبائي - بعد قوله : إن الرزق في الآية هل هو على نحو الوجوب أو الندب ، وهو بحث فقهي خارج عن وضع الكتاب ما معناه - : إن النسبة بين الآيتين ليست نسبة التناقض... ولا موجب للنسخ ، خاصة فيما إذا قلنا بأن الرزق مندوب ، كما أن الآية لا تخلو من ظهور فيه (117).
وكيف كان ، فالذي يظهر لنا هو أن الآيتين ليستا متعارضتين حتى نحتاج في رفع ذلك إلى القول بأن إحداهما نسخت الأخرى ، لأن آية الرزق توجب على الورثة إعطاء شئ لهم من التركة واجبا على الورثة ، والأولياء فيما لو كانوا صغارا ، وآية المواريث تجعل التركة للوارث كل على حسب نصيبه منها. فلا تنافي بين كون التركة للوارث وبين أن يجب عليه أو يستحب له إعطاء شئ منها لاولي القربى ، كما هو شأن كل واجب مالي ، أي أن الملاك بما هم ملاك يجب عليهم إعطاء مقدار من مالهم للفقراء ، غاية الأمر أن الرزق في الآية غير مقدر ، وأوكل تقديره إلى الورثة أنفسهم حسب ما يشاؤون.
هذا كله إذا كنا نحن والآية فقط ، أما إذا كان ثمة دليل خارجي على ثبوت النسخ فهو المتبع ، وما يمكن أن يكون دليلا على ذلك هو :
١ - ما روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير من أن الناس قد تهاونوا بهذا الحكم ، وقد تقدم.
فهذا يكشف أن الحكم الوجوبي قد نسخ ، إذ من المعلوم أن الناس لا يتهاونون بأمر واجب عليهم متعلق بالتركة بحيث يمتنعون عن أداء الحق مع وجود الحكام والولاة ، الذين لا يسكتون على مثل هذا.
٢ - ما سبق في تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) : أن الآية نسخت بآية المواريث.
٣ - ما رواه العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قول الله * {وإذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} * قال : نسختها آية الفرائض (118).
وفي خبر آخر عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (119).
٤ - أن الرزق لو كان واجبا لشاع وجوبه ، لأنه أمر مالي يبتلى به كل وارث ، فكيف خفي حكمه علينا ؟ واختلف فيه المفسرون بأنه هل هو منسوخ أو باق على الإحكام ؟
وهكذا ، وبعد ملاحظة هذه الأمور يحصل للباحث الاطمئنان بعدم وجوب الرزق. وأما الاستحباب فالأمر فيه سهل ، فلو لم تدل الآية عليه لدلت عليه عمومات استحباب الإنفاق والإطعام ، كقوله تعالى {مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ : 39] وغيرها من الآيات والأخبار الدالة على رجحان الإنفاق في كل حال ، فراجع.
ونكتفي بهذا المقدر من البحث حول الناسخ والمنسوخ في القرآن ، وقد اتبعنا في بحثنا كما ترى ترتيب الأشعار التي نظمها السيوطي في المقام ، كما أننا اقتصرنا على خصوص الموارد العشرين التي تعرض لها السيوطي ، ونأمل أن نوفق في فرصة أخرى للبحث عن الموارد الباقية إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على سيد المرسلين محمد وآله المنتجبين.
________________________
(١) الإتقان : ج ٢ ص ٢٣.
(2) قال الشيخ النوري في خاتمة المستدرك ص ٣٦٥ : إن التفسير للشيخ الجليل الأقدم أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الكاتب - إلى أن قال : - إن الكتاب في غاية الاعتبار ، وصاحبه شيخ أصحابنا الأبرار.
(3) بحار الأنوار : ج ٩٣ ص ١.
(4) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٥٢.
(5) تفسير الميزان : ج ١ ص ٣١٨.
(6) تفسير البرهان للسيد البحراني : في تفسير آية ١١٥ من سورة البقرة.
(7) تفسير البرهان : في تفسير آية ١٤٤ من سورة البقرة.
(8) الإتقان : ج ٢ ص ٢٢.
(9) الناسخ والمنسوخ للعتائقي الحلي من علماء المائة الثامنة : ص ٣٠.
(10) تفسير الميزان : ج ١ ص ٤٣٩.
(11) جواهر الكلام : ص ٦٧٥ كتاب الوصية الطبع القديم.
(12) بداية المجتهد لابن رشد : ج ٢ ص ٣٢٨.
(13) وسائل الشيعة : ج ١٣ ص ٣٧٤ ب ١٥ من أبواب أحكام الوصايا ح ٢ ، والآية ١٨٠ من سورة البقرة.
(14) كالإمام الخوئي في تفسير البيان : ص ٢٠٦ ، والزرقاني في مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٥٥.
(15) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٥٥.
(16) راجع أقرب الموارد : مادة " طوق ".
(17) هو الإمام الخوئي في تفسير البيان : ص ٢٠٨.
(18) أحكام القرآن للجصاص : ج ١ ص ٢٢١.
(19) تفسير الجلالين : في تفسير الآية.
(20) راجع الناسخ والمنسوخ للعتائقي الحلي.
(21) سفينة البحار : مادة " عرف ". وفيها : أن معاوية بن وهب سأل الإمام (عليه السلام) وقال : ما تقول : يابن رسول الله في الخبر الذي روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى ربه على أي صورة يراه - إلى أن قال : - فتبسم (عليه السلام) فقال : ما أقبح بالرجل... الخ ، ثم قال : إن محمدا لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان.
(22) تفسير البرهان : ج ١ ص ٣٠٤.
(23) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٥٦.
(24) تفسير مجمع البيان : ج ١ ص ٣١٢.
(25) منتهى المطلب : ج ٢ ص ٨٩٨ كتاب الجهاد.
(26) تفسير البرهان : ج ١ ص ٢٣٢.
(27) الكافي : ج ٢ ص ٨٤ باب النية ح ٢ و ٥.
(28) الكافي : ج ٢ ص ٨٤ باب النية ح ٢ و ٥.
(29) وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٦ ب ٦ من أبواب مقدمات العبادات ح ٦ و ٧.
(30) وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٦ ب ٦ من أبواب مقدمات العبادات ح ٦ و ٧.
(31) مناهل العرفان : ج ٣ ص ١٥٩.
(32) جواهر الكلام : كتاب الإرث باب ميراث المعتق.
(33) الوافي : كتاب المواريث باب ١٥٥.
(34) بداية المجتهد : ج ٢ ص ٣٥٥.
(35) الوافي : كتاب المواريث باب ١٥٥.
(36) جواهر الكلام : كتاب الإرث باب ميراث ضامن الجريرة.
(37) الوافي : كتاب المواريث باب ١٥٥.
(38) الوافي : كتاب المواريث باب ١٥٥.
(39) كنز العمال : ج ٢ ص ٤٦٢ عن أحمد وأبي داود وابن ماجة.
(40) جواهر الكلام : كتاب الإرث باب ميراث الإمام.
(41) الوافي : كتاب المواريث باب ١٥٥.
(42) الوافي : كتاب المواريث باب ١٥٥.
(43) بحار الأنوار : ج ٩٣ ص ٦ نقلا عن تفسير النعماني.
(44) أحكام القرآن للجصاص : ج ٣ ص ٤١.
(45) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٦٠.
(46) راجع مجمع البيان : في تفسير الآية نقلا عن بعض.
(47) تفسير البيان للإمام الخوئي : ص ٢١٥.
(48) راجع أقرب الموارد ومجمع البحرين مادة " فحش ".
(49) تفسير البرهان : ج ١ ص ٣٥٢.
(50) تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٢٧.
(51) تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٢٧.
(52) تفسير الجلالين : في تفسير الآية.
(53) أحكام القرآن للجصاص : ج ٣ ص ٤١.
(54) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٦١.
(55) تفسير البيان : ص ٢٤٠.
(56) تفسير العياشي : ج ١ أول سورة المائدة.
(57) تفسير العياشي : ج ١ أول سورة المائدة.
(58) أحكام القرآن للجصاص : ج ٤ ص ١٦١.
(59) أحكام القرآن للجصاص : ج ٤ ص ١٦١.
(60) راجع تفسير العياشي : ج ١ ص ٣٧٦ ح ٢١٧ - ٢٢٠.
(61) الكافي : ج ٦ ص ٥ باب الإشهاد على الوصية ح ٧.
والظاهر أن القصة لابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص وكان مسلما ومات في الطريق وقد أوصى ، وأما تميما فكان نصرانيا وأسلم سنة تسع من الهجرة وتوفي سنة أربعين. (كما في تفسير مجمع البيان وكنز العرفان للفاضل السيوري).
(62) تفسير البرهان للبحراني : في تفسير الآية.
(63) راجع رياض المسائل في شرح المختصر النافع : شرائط الشهود.
(64) رياض المسائل : شرائط الشهود.
(65) تفسير البيان : ص ٢٤٩.
(66) التهذيب : ج ٦ ص ١٧٤ باب النوادر من كتاب الجهاد ح ٢٠.
(67) تفسير الميزان : ج ٩ ص ١٢٤.
(68) راجع جواهر الكلام : كتاب الجهاد باب عدم جواز الفرار.
(69) تفسير البيان : ص ٢٥٠.
(70) الكافي : ج ١ ص ٣٧٨ باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام ح ١.
(71) تفسير البرهان : ج ٢ ص ١٧٢.
(72) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٦٢.
(73) أحكام القرآن للجصاص : ج ٥ ص ١٠٧.
(74) تفسير البيان : ص ٢٥٥.
(75) تفسير مجمع البيان : في تفسير الآية.
(76) وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٣٣٥ ب ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح ١ و ٢.
(77) وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٣٣٥ ب ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح ١ و ٢.
(78) شرائع الإسلام : المقصد الثاني في مسائل في تحريم العين من كتاب النكاح.
(79) جواهر الكلام : ص ٩٨ الطبع القديم.
(80) بداية المجتهد : ج ٢ ص ٣٩.
(81) راجع تفسير الميزان : ج ١٥ ص ٨٠.
(82) شرائع الإسلام : المقصد الثاني السبب السادس الكفر.
(83) جواهر الكلام : ص ١٠٧ الطبع القديم.
(84) بداية المجتهد : ج ٢ ص ٤٣.
(85) كنز العرفان : ج ٢ ص ٢٤٤.
(86) تفسير الميزان : ج ١٦ ص ٣٣٦.
(87) الكافي : ج ٥ ص ٣٨٧ باب ما أحل للنبي (صلى الله عليه وآله) من النساء ح١.
(88) تفسير الصافي : في تفسير الآية.
(89) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٦٣.
(90) شرائع الإسلام : كتاب الوديعة.
(91) جواهر الكلام : ص ٥٠٦ كتاب الوديعة الطبع القديم.
(92) التهذيب : ج ٦ ص ٣١٣ باب ٩٢ من أبواب كتاب المزار ح ٧٢.
(93) راجع تفسير البرهان : ج ٤ ص ٣٢٥ في تفسير الآية.
(94) متشابهات القرآن : ج ٢ ص ٢٢٨.
(95) تفسير القمي : ج ٢ ص ٣٣٧.
(96) تفسير القمي : ج ٢ ص ٣٣٧.
(97) تفسير الدر المنثور : في تفسير الآية.
(98) تفسير الطبري : في تفسير الآية.
(99) التفسير الكبير : في تفسير الآية.
(100) الإتقان : ج ٢ ص ٢٣.
(101) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٦٥.
(102) تفسير الميزان : ج ٢٠ ص ٧٥.
(103) بحار الأنوار : ج ١٦ ص ٣٨٢.
(104) بحار الأنوار : ج ١٦ ص ٣٨٢.
(105) راجع تفسير مجمع البيان : ج ٥ ص ٣٨٢.
(106) كنز العرفان : ج ٢ ص ٢٢٦ في الآية الرابعة من النوع الرابع.
(107) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٦٣.
(108) وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٣٤٠ و ٣٤١ ب ١٢ من أبواب إحياء الموات ح ١ و ٣.
(109) وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٣٤٠ و ٣٤١ ب ١٢ من أبواب إحياء الموات ح ١ و ٣.
(110) ونقل في شرح النهج لابن أبي الحديد : ج ٤ ص ٧٣ عن شيخه أبي جعفر : أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي : أن هذه الآيات نزلت في علي بن أبي طالب * {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى... الخ} * [البقرة : ٢٠٤ و ٢٠٥] وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم ، وهي قوله تعالى * {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} * [البقرة : ٢٠٧] فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل.
(111) الغرة : الغفلة.
(112) الكافي : ج ٥ ص ٥٢٩ ح ١.
(113) أحكام القرآن للجصاص : ج ٥ ص ١٧٠.
(114) راجع تفسير مجمع البيان : ج ٢ ص ١١ ، وأحكام القرآن للجصاص : ج ٢
ص ٦٨.
(115) راجع تفسير مجمع البيان : ج ٢ ص ١١ ، وأحكام القرآن للجصاص : ج ٢ ص ٦٨.
(116) مناهل العرفان : ج ٢ ص ١٥٩.
(117) تفسير الميزان : ج ٤ ص ٢٠٠.
(118) تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٤٨ ح ٣٤ و ٣٦.
(119) تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٤٨ ح ٣٤ و ٣٦.