موشحات ابن زمرك
وقد رأيت أن أعزز ذلك ببعض موشحات ابن زمرك المذكور (1) مما انتقيته من كلام ابن الأحمر.
فمنها قوله متشوقا إلى غرناطة ويمدح الغني بالله:
بالله يا قامة ... ... ومخجل الشمس والقمر
من ملك الحسن في القلوب ... وأيد اللحظ بالحور
من لم يكن طبعه رقيقا ... لم يدر ما لذة الصبا
فرب حر غدا رقيقا ... تملكه نفحة الصبا
نشوان لم يشرب الرحيقا ... لكن إلى الحسن قد صبا
فعذب القلب بالوجيب ... ونعم العين بالنظر
وبات والدمع في صبيب ... يقدح من قلبه الشرر
عجبت من قلبي المعنى ... يهفو إذا هبت الرياح
لو كان للصب ما تمنى ... لطار شوقا إلى البطاح (2)
وبلبل الدوح إن تغنى ... أسهر ليلي إلى الصباح
عساك إن زرت يا طبيبي ... بالطيف في رقدة السحر
أن تجعل النوم من نصيبي ... والعين تحمي من السهر
كم شادن قاد لي الحتوفا ... بمربع القلب قد سكن
يسل من لحظه سيوفا ... فالقلب بالروع ما سكن
خلقت من عادتي ألوفا ... أحن للإلف والسكن
غرناطة منزل الحبيب ... وقربها السؤل والوطر
تبهر بالمنظر العجيب ... فلا عدا ربعها المطر
عروسة تاجها السبيكه ... وزهرها الحلي والحلل
لم ترض من عزها شريكه ... بحسنها يضرب المثل
أيدها الله من مليكه ... تملكها أشرف الدول
بدولة المرتجى المهيب ... الملك الطاهر الأغر
تختال من بردها القشيب ... في حلة النور والزهر
كرسيها جنة العريف ... مرآتها صفحة الغدير
وجوهر الطل عن شنوف ... تحكمها صنعة القدير
والأنس فيها على صنوف ... فمن هديل ومن هدير
كم خرق الزهر من جيوب ... وكلل القضب بالدرر
فالغصن كالكاعب اللعوب ... والطير تشدو بلا وتر
ولائم النصر في احتفال ... وفرح دين الهوى (3) جديد
سلطانها معمل العوالي ... محمد الظافر السعيد
ومخجل البدر في الكمال ... سلطانها المجتبى الفريد
أصفح مولى عن الذنوب ... أكرم عاف إذا قدر
وشمس هدي بلا مغيب ... وبحر جود بلا حسر
مولاي يا عاقد البنود ... تظلل الأوجه الصباح
أوحشت يا نخبة الوجود ... غرناطة هالة السماح
سافرت باليمن والسعود ... وعدت بالفتح والنجاح
يا ملهم القلب للغيوب ... ومطعم النصر والظفر
أسمعك الله عن قريب: ... " على السلامه من السفر "
وقال أيضا (4) من الموشحات الرائقة (5) ، في مثل أغراض هذه السابقة، وأشار إلى محاسن من وصف الدشار:
نسيم غرناطة عليل ... لكنه يبرئ العليل
وروضها زهره بليل ... ورشفه ينقع الغليل
سقى بنجد ربى المصلى ... مباكرا روضه الغمام
فجفنه كلما استهلا ... تبسم الزهر في الكمام
والروض بالحسن قد تحلى (6) ... وجرد النهر عن حسام
ودوحها ظله ظليل ... يحسن في ربعه المقيل
والبرق والجو مستطيل ... يلعب بالصارم الصقيل
عقيلة تاجها السبيكه ... تطل بالمرقب المنيف
كأنها فوقه مليكه ... كرسيها جنة العريف
تطبع من عسجد سبيكه ... شموسها كلما تطيف
أبدعك الخالق الجميل ... يا منظرا كله جميل
قلبي إلى حسنه يميل ... وقبلنا قد صبا جميل
وزاد للحسن فيك حسنا ... محمد الحمد والسماح
جدد للفخر فيك مغنى (7) ... في طالع اليمن والنجاح
تدعى دشارا وفيك معنى ... يخصك الفأل بافتتاح
فالنصر والسعد لا يزول ... لأنه ثابت أصيل
سعد وأنصاره قبيل ... آباؤه عترة الرسول
أبدى به حكمة القدير ... وتوج الروض بالقباب
ودرع الزهر بالغدير ... وزين النهر بالحباب
فمن هديل ومن هدير ... ما أولع الحسن بالشباب
كبت على روضها القبول ... وطرفها بالسرى كليل
فلم يزل بينها يجول ... حتى تبدت له حجول
للزهر في عطلفها رقوم ... تلوح للعين كالنجوم
وللندى بينها رسوم ... عقد الندى فوقه نظيم
وكل واد بها يهيم ... ولم يزل حولها يحوم
شنيلها مد منه نيل ... والشين ألف لمستنيل
وعين واد به تسيل ... من فوق خد له أسيل
كم من ظلال به ترف ... تضفو له فوقها ستور
ومن زجاج به يشف ... ما بين نور وبين نور
ومن شموس بها تصف ... تديرها بينها البدور
مزاجها العذب سلسبيل ... يا هل إلى رشفها سبيل
وكيف والشيب لي عذول ... وصبغه صغرة الأصيل
يا سرحة في الحمى ظليله ... كم نلت في ظلك المنى
روضك الله من خميله ... يجنى بها أطيب الجنى
وبرقها صادق المخيله ... ما زال بالغيث محسنا
أنجز لي وعدك القبول ... فلم أقل مثل من يقول:
يا سرحة الحي يا مطول ... شرح الذي بيننا يطول
ومن ذلك ما كتب به إلى الغني بالله:
أبلغ لغرناطة سلامي ... وصف لها عهدي السليم
فلو رعى طيفها ذمامي ... ما بت في ليلة السليم
كم بت فيها على اقتراح ... أعل من خمرة الرضاب
أدير فيها كؤوس راح ... قد زانها (8) الثغر بالحباب
أختال كالمهر في الجماح ... نشوان في روضة الشباب
أضاحك الزهر في الكمام ... مباهيا روضه الوسيم
وأفضح الغصن في القوام ... إن هب من جوها نسيم
بينا أنا والشباب ضاف ... وظله فوقنا مديد
ومورد الأنس فيه صاف ... وبرده رائق جديد
إذ لاح في الفود غير خاف ... صبح به نبه الوليد
أيقظ من كان ذا منام ... لما انجلى ليله البهيم
وأرسل الدمع كالغمام ... في كل واد به أهيم
يا جيرة عهدهم كريم ... وفعلهم كله جميل
لا تعذلوا الصب إذ يهيم ... فقبله قد صبا جميل
القرب من ربعكم نعيم ... وبعدكم خطبه جليل
كم من رياض به وسام ... يزهى بها الرائض (9) المسيم
غديرها أزرق الجمام ... ونبتها كله جميم (10)
أعندكم أنني بفاس ... أكابد الشوق والحنين
أذكر أهلي بها وناسي ... واليوم في الطول كالسنين
الله حسبي فكم أقاسي ... من وحشة الصحب والبنين
مطارحا ساجع الحمام ... شوقا إلى الإلف والحميم
والدمع قد لج في انسجام ... وقد وهي عقده النظيم
يا ساكني جنة العريف ... أسكنتم جنة الخلود
كم ثم من منظر شريف ... قد حف باليمن والسعود
ورب طود به منيف ... أدواحه الخضر كالبنود
والنهر قد سل كالحسام ... لراحة الشرب مستديم
والزهر قد راق بابتسام ... مقبلا راحة النديم
بلغ عبيد المقام صحبي ... لا زلتم الدهر في هنا
لقاكم بغية المحب ... وقربكم غاية المنى
فعندكم قد تركت قلبي ... فجدد الله عهدنا
ودارك الشمل بانتظام ... من مرتجى (11) فضله العميم
في ظل سلطاننا الإمام ... الطاهر الظاهر الحليم (12)
مؤمن العدوتين مما ... يخاف من سطوة العدا
وفارج الكرب إن ألما ... ومذهب الخطب والردى
قد راق حسنا وفاق حلما ... وما عدا غير ما بدا
مولاي يا نخبة الأنام ... وحائز الفخر في القديم
كم أرقب البدر في التمام ... شوقا إلى وجهك الكريم
منها موشحة عارض بها موشحة ابن سهل التي أولها ليل الهوى يقظان وهي:
نواسم البستان ... تنثر سلك الزهر
والطل في الأغصان ... ينظمه بالجوهر
وراحة (13) الإصباح ... أضاء منها المشرق
تنشرها الأرواح ... فلا تزال تخفق
والزهر زهر فاح ... لها عيون ترمق
فأيقظ الندمان ... يبصرن ما لم يبصر
جواهر الشهبان(14) ... قد عرضت للمشتري
قدحت لي زندا ... يا أيهذا البارق
أذكرتني عهدا ... إذ الشباب رائق
فالشوق لا يهدا ... ولا الفؤاد الخافق
وكيف بالسلوان ... والقلب رهن الفكر
وسحب الهجران ... تحجب وجه القمر
لولا شموس الكاس ... نديرها بين البدور
وعرج الإيناس ... منا على ربع الصدور
لكن لها وسواس ... يغري بربات الخدور
كم واله هيمان ... بصبح وجه مسفر
ضياؤه قد بان ... من تحت ليل مقمر
يا مطلع الأنوار ... كم فيك من مرأى جميل
ونزهة الأبصار ... ما ضر لو تشفي الغليل
يا روضة الأزهار ... وعرفها يبري العليل
فلاعج الأشجان ... فيض الدموع يمتري (15)
هل في الهوى ناصر ... أو هل يجار الهائم
لو كان لي زائر ... طيف الخيال الحائم
ما بت بالساهر ... ودمع عيني ساجم
والحب ذو عدوان ... يجهد في ظلم البري
وصارم الأجفان ... مؤيد بالحور
رحماك في صب ... أذكرته عهد الصبا
بواعث الحب ... قادت إليه الوصبا
لم تهف بالقلب ... ريح الصبا إلا صبا
بليلة الأردان ... قد ضمخت بالعنبر
يشير غصن البان ... منها بفضل المئزر
طيبها حمد ... فخر الملوك المجتبى
من يرجح الطود ... من حلمه إذا احتبى
قد جرد السعد ... منه حساما مذهبا
فالبأس والإحسان ... والغوث للمستنصر
تحمله الركبان ... تحية للمنبر
عصابة الكتاب ... حق لها الفوز العظيم
تختال في أثواب ... ألبسها الطول الجسيم
فحسبها الإطناب ... في الحمد والشكر العميم
خليفة الرحمن ... لا زلت سامي (16) المظهر
يا مورد الظمآن ... ورأس مال المعسر
خذها على دعوى ... تزري على الروض الوسيم
جاءت كما تهوى ... أرق من لدن النسيم
قد طارحت شكوى ... من قال في الليل البهيم
" ليل الهوى يقظان ... والحب ترب السهر "
" والصبر لي خوان ... والنوم من عيني بري " وله في الصبوحيات:
ريحانة الفجر قد أطلت ... خضراء بالزهر تزهر
وراية الصبح قد أظلت ... في مرقب الشرق تنشر
فالشهب من غارة الصباح ... ترعد خوفا وتخفق
وأدهم الليل في جماح ... أعنة البرق يطلق
والأفق في ملتقى الرياح ... بأدمع الغيث يشرق
والسحب بالجوهر استهلت ... فالبرق سيف مجوهر
صفاحه المذهبات حلت ... في راحة الجو تشهر
كم للصبا ثم من مقيل ... بطيبه الزهر يشهد
والنهر كالصارم الصقيل ... في حلية النور يغمد
ورب قال به وقيل ... للطير في حين تنشد
فألسن الورق قد أملت ... مدائحا عنه تشكر
ونسمة الصبح قد تجلت ... في سندس الروض تعثر
والكاس في راحة النديم ... يجلو بها غيهب الهموم
أقبست النار في القديم ... من قبل أن تخلق الكروم
والنهر في ملعب النسيم ... للزهر في عطفه رقوم
فلبة الحلي (17) قد تحلت ... والطل في الحلي (18) جوهر
وبهجة الكون قد تجلت ... والروض بالحسن يبهر (19)
يذكرني وجنة الحبيب ... والآس في صفحة العذار
وشارب الشارب العجيب ... بين أقاح وجلنار
يدير من ثغره الشنيب ... سلافة دونها العقار
حلت لأهل الهوى وجلت ... بالذكر والوهم تسكر
كم من نفوس بها تسلت ... فما لها الدهر منكر
يا غصن بان يميل زهوا ... ريان في روضة الشباب
لو كنت تصغي لرفع شكوى ... أطلت من قصة العقاب
ومن لمثلي ببث نجوى ... للبدر في رفرف السحاب
عزائم الصبر فيك حلت ... وعقدة الصبر تذخر
قد أكثرت منك ما استقلت ... وليت لو كنت تشعر
كم ليلة بتها وبتا ... ضدين في السهد والرقاد
أسامر النجم فيك حتى ... علمت أجفانها (20) السهاد
أرقب بدر الدجى، وأنتا ... قد لحت في هالة الفؤاد
نفسي وليت ما تولت ... دعها على الشوق تصبر
لو سمتها الهجر ما تولت ... ولم تكن عنك تنفر
علمها الصبر في الحروب ... سلطاننا عاقد البنود
معفر الصيد للجنوب ... أعز من حف بالجنود
نصرت بالرعب في القلوب ... والبيض لم تبرح الغمود
عناية الله فيه حلت ... بسعده الدين ينصر
والخلق في عصره تملت ... غنائما ليس تحصر
مولاي يا نكتة الزمان ... دار بما ترتضي الفلك
جللت باليمن والأمان ... كل مليك وما ملك
لم يدر وصفي ولا عياني ... أملك أنت أم ملك
جنودك الغلب حيث حلت ... بالفتح والنصر تخفر
وعادة الله فيك دلت ... أنك بالكفر تظفر
يا آية الله في الكمال ... ومخجل البدر في التمام
قدمت بالعز والجلال ... والدهر في ثغره ابتسام
يختال في حلة الجمال ... والبدر قد عاد في اختتام
ريحانة الفجر قد أطلت ... خضراء بالزهر تزهر
وراية الصبح قد أظلت ... في مرقب الشرق تنشر وقال سامحه الله تعالى:
قد طلعت راية الصباح ... وآذن الليل بالرحيل
فباكر الروض باصطباح ... واشرب على زهره البليل
فالورق هبت من السبات ... لمنبر الدوح تخطب
تسجع مفتنة اللغات ... كل عن السوق يعرب
والغصن بعد الذهاب يأتي ... لأكؤس الطل يشرب
وأدمع السحب في انسياح ... في كل روض لها سبيل
والجو مستبشر النواحي ... يلعب بالصارم الصقيل
قم فاغتنم بهجة النفوس ... ما بين نور وبين نور
وشفع الصبح بالشموس ... تديرها بيننا البدور
ونبه الشرب للكؤوس ... تمزج من ريقة الثغور
ما أجمل الراح فوق راح ... صفراء كالشمس في الأصيل
تغادر الصدر ذا انشراح ... للأنس في طيه مقيل
ولا تذر خمرة الجفون ... فسكرها في الهوى جنون
ولتخش من أسهم العيون ... فإنها رائد المنون
عرضت منها إلى الفتون ... وكل خطب لها يهون
أهيم بالغادة الرداح ... والجسم من حبها عليل
لو بت منها على اقتراح ... نقعت من ريقها الغليل
أواعد الطيف للمنام ... ومن لعيني بالمنام
أسهر في ليلة التمام ... وأنت يا بدر في التمام
وألثم الزهر في الكمام ... عليه من ثغرك ابتسام
سفرت عن مبسم الأقاح ... وريقك العذب سلسبيل
قل لي يا ربة الوشاح ... هل لي إلى الوصل من سبيل
يا كعبة الحسن زدت حسنا ... وللهوى حولك المطاف
وغصن بان إذا تثنى ... لو حان من زهرك القطاف
ألا انعطاف على المعنى ... فالغصن يزهى بالانعطاف
أصبحت تزهو على الملاح ... بذلك المنظر الجميل
ووجهك الشمس في اتضاح ... لو أنها لم تكن تميل
ما الزهر إلا بنظم در ... تحسد في حسنه العقود
للملك الظاهر (21) الأغر ... أكرم من حف بالسعود
محمد الحمد وابن نصر ... وباسط العدل في الوجود
مساجل السحب في السماح ... بالغيث من رفده الجليل
ومخجل البدر في اللياح ... بغرة ما لها مثيل
يا مشرب الحب في القلوب ... وواهب الصفح للصفاح
نصرت بالرعب في الحروب ... والرعب أجدى من السلاح
قد لحت من عالم الغيوب ... لم تعدم الفوز والفلاح
مراكش نهبة افتتاح ... والصنع في فتحها جليل
بشراك بالفتح والنجاح ... والشكر من ذلك القبيل وقال أيضا رحمه الله تعالى:
في كؤوس الثغر من ذاك اللعس ... راحة الأرواح
وتغشى الروض مسكي النفس ... عاطر الأرواح
وكسا الأدواح وشيا مذهبا ... يبهر الشمسا
عسجد قد حل من فوق الربى ... يبهج النفسا
فاتخذ للهو فيه مركبا ... تلحق الأنسا
منبر الغصن عليه قد جلس ... ساجع الأدواح
حلل السندس خضرا قد لبس ... عطفه المرتاح
قم ترى هذا الأصيل شاحبا ... حسنه قد راق
ولأذيال الغصون ساحبا ... في حلى الأوراق
ونديم قال لي مخاطبا ... قول ذي إشفاق
عادة الشمس بغرب تختلس ... هات شمس الراح
إن أرانا الجو وجها قد عبس ... أوقد المصباح
ووجوه الشرب تغني عن شموس ... كلما تجلى
بلحاظ أسكرتنا عن كؤوس ... خمرها أحلى
مظهرات من خفايا في النفوس ... سورا تتلى
ما زمان الأنس إلا مختلس ... فاغتنم يا صاح
وعيون الشهب تذكي عن حرس ... تخصم النصاح
ما ترى ثغر الوميض باسما ... يظهر البشرا
وثناء الروض هب ناسما ... عاطرا نشرا
بث من أزهاره دراهما ... قائلا: بشرى
ركب المولى مع الظهر الفرس ... وشفي (22) وارتاح
بجنود الله دأبا يحترس ... إن غدا أو راح
وجب الشكر علينا والهنا ... بعضنا بعضا
فزمان السعد وضاح السنا ... وجهه الأرضى
أثمرت فيه العوالي بالمنى ... ثمرا غضا
يجتني الإسلام منها ما اغترس ... سيفه السفاح
في ضمير النقع منها قد هجس ... شهب تلتاح
يا إماما بالحسام المنتضى ... نصر الحقا
ثغرك الوضاح مهما أومضا ... أخجل البرقا
وديون السعد منه تقتضى ... توسع الحقا
لك وجه من صباح مقتبس ... بشره وضاح
وجميل الصفح منه ملتمس ... منعم صفاح
هاكها تمزج لطفا بالنسيم ... كلما هبا
قد أتت بالبر والصنع الجسيم ... تشكر الربا
أخجلت من قال في الصبح الوسيم ... مغرما صبا
" غرد الطير فنبه من نعس " (23) ... يا مدير الراح
" وتعرى الفجر عن ثوب الغلس " ... وانجلى الإصباح
وقال أيضا سامحه الله تعالى:
قد أنعم الله بالشفاء ... واستكملت راحة الإمام
فلتنطق الطير بالهناء ... وليضحك الزهر في الكمام
وجوده بهجة الوجود ... وبرؤه راحة النفوس
قد لاح في مرقب السعود ... واستبشرت أوجه الشموس
فالدوح يومي إلى البنود ... أكمامه غطت (24) الرؤوس
والزهر في روضة السماء ... كالزهر قد راق بابتسام
والصبح مستشرف اللواء ... والبدر مستقبل التمام
محاسن الكون قد تجلت ... جمالها العقل يبهر
عرائس بلبها تحلت ... والطل في الحلي جوهر
وألسن الورق قد أملت ... مدائحا عنه تشكر
تستوقف الخلق بالغناء ... كأنها تحسن الكلام
تطنب لله في الثناء ... تقول سلمت يا سلام
كم من ثغور لها ثغور ... تبسم إذ جاءها البشير
ومن خدور بها بدور ... يشير منها له المشير
تقول إذ حفها السرور ... تبارك المنعم القدير
قد أنعم الله بالبقاء ... في ظل مولى به اعتصام
قد صادف النجح في الدواء ... فالداء عنا له انفصام
يهنيك مولاي بل يهنى ... ببرئك الدين والهدى
فالغرب والشرق منك يعنى ... بمذهب الخطب والردى
والله لولاك ما تهنا ... ما فيه من سطوة الردى
يا مورد الأنفس الظماء ... قد كان يشتفها الأوام
وقرة العين بالبهاء ... رددت للأعين التمام
لو أبذل الروح في البشاره ... بذلت بعض الذي ملك
فأنت يا نفس مستعاره ... مولاي بالفضل جملك
لم أدر إذ سطر العباره ... أملك هو أم ملك
لا زلت مولاي في هناء ... مبلغ القصد والمرام
ودمت للملك في اعتلاء ... تسحب أذياله الغمام
وقال في مالقة:
عليك يا رية السلام ... ولا عدا ربعك المطر
مذ حل في قصرك الإمام ... فقربك السؤل والوطر
والدوح في روضك الأنيق ... للشكر قد حطت الرؤوس (25)
والغصن في نهره غريق ... وفي حلاه كما عروس
والجو من وجهك الشريق ... تحسده أوجه الشموس
وأعين الزهر لا تنام ... تستعذب السهد والسهر
تنفث من تحتها الغمام ... ترقيك من أعين الزهر
عروسة أنت يا عقيله ... تجلى على مظهر الكمال
مدت لك الكف مستقيله ... تمسح أعطافك الشمال
والبحر مرآتك الصقيله ... تشف عن ذلك الجمال
والحلي زهر له انتظام ... يكلل القضب بالدرر
قد راق من ثغره ابتسام ... والورد في خدها خفر
إن قيل من بعلها المفدى ... ومن له وصلها مباح
أقول أسنى الملوك رفدا ... مخلد الفخر بالصفاح
محمد الحمد حين يهدى ... ثناؤه عاطر الرياح
تخبر عن طيبه الكمام ... والخبر يغني عن الخبر
فالسعد والرعب والحسام ... والنصر آياته الكبر
ذو غرة تسحر البدورا ... وطلعة تخجل الصباح
كم راية سامها ظهورا ... تظلل الأوجه الصباح
وكم جهاد جلاه نورا ... أظفر بالفوز والنجاح
الطاهر الظاهر الهمام ... أعز من صال وافتخر
لسيفه في العدا احتكام ... جرى به سابق القدر
يا مرسل الخير في الغوار ... لو تطلب البحر تلحق
لك الجواري إذا تجاري ... سوابق الشهب تسبق
تستن في لجة البحار ... فالكفر منهن يفرق
فالدين وليقصر الكلام ... بسيفك اعتز وانتصر
كذاك أسلافك الكرام ... هم نصروا سيد البشر
وقال من غير هذا البحر في المحدث (26) بمالقة:
قد نظم الشمل أتم انتظام ... واغتنم الأحباب قرب الحبيب
واستضحك الروض ثغور الغمام (27) ... عن مبسم الزهر البرود الشنيب
وعمم النور رؤوس الربى ... وجلل النور صدور البطاح
وصافح القضب نسيم الصبا ... فالزهر يرنو عن عيون وقاح
وعاود النهر زمان الصبا ... فقلد الزهر (28) مكان الوشاح
وأطلع القصر برود التمام ... في طالع الفتح القريب الغريب
خدودها قامت مقام الغمام ... فلا اشتكى (29) من بعدها بالمغيب
أصبحت يا رية مجلى النفوس ... جمالك العين بها يبهر
والبشر يسري في جميع الشموس ... وراية الأنس بها تشهر
والدوح للشكر تحط الرؤوس ... وأنجم الزهر بها تزهر
وراجع النهر غناء الحمام ... وقد شدت تسجع سجع الخطيب
بمنبر الغصن الرشيق القوام ... لما انثنى يهفو بقد رطيب
يا حبذا مبناك فخر القصور ... بروجه طالت بروج السما
ما مثله في سالفات العصور ... ولا الذي شاد ابن ماء السما
كم فيه من مرأى بهيج ونور ... في مرتقى الجو به قد سما
خليفة الله ونعم الإمام ... أتحفك الدهر بصنع عجيب
يهنيك شمل قد غدا في التئام ... ممهدا في ظل عيش خصيب
نواسم الوادي بمسك تفوح ... ونفحة الند به تعبق
وبهجة السكان فيه تلوح ... وجوه من نورهم يشرق
وروضه بالسر منه يبوح ... بلابل عن وجده تنطق
لو أن من يفهم عنها الكلام ... فهي تهنيك هناء الأديب
ونهره قد سل منه الحسام ... يلحظه النرجس لحظ المريب
فأجمل الأيام عصر الشباب ... وأجمل الأجمل يوم اللقا
يا درة القصر وشمس القباب ... وهازم الأحزاب في الملتقى
بشرك الرب بحسن المآب ... متعك الله بطول البقا
ولا يزال القصر قصر السلام ... يختال في برد الشباب القشيب
يتلو عليك الدهر في كل عام: ... {نصر من الله وفتح قريب}
وقال من المخلع في الشفاء:
في طالع اليمن والسعود ... قد كملت راحة الإمام
فأشرق النور في الوجود ... وابتسم الزهر في الكمام
قد طلعت راية النجاح ... وانهزم البؤس والعنا
وقال حي على الفلاح ... مؤذن القوم (30) بالمنى
فالدهر يأتي بالاقتراح ... مستقبلا أوجه الهنا
تخفق منشورة البرود ... والسعد يقدم من أمام
والأنس مستجمع الوفود ... واللطف مستعذب الجمام
وأكؤس الطل مترعات ... بأنمل السوسن الندي
والطير مفتنة اللغات ... تشدو بأصوات معبد
والغصن يذهب ثم يأتي ... بالسندس الغض مرتدي
والدوح يومي إلى السجود ... شكرا لذي الأنعم الجسام
والريح خفاقة البنود ... تباكر الروض بالغمام
مظاهر للجمال تجلى ... قد هز أعطافها السرور
وباهر الحسن قد تجلى ... ما بين نور وبين نور
قد هنأت بالشفاء مولى ... بعصره تفخر العصور
ما بين بأس وبين جود ... قد مهد الأمن للأنام
فالدين ذو أعين رقود ... وكان لا يطعم المنام
والكاس في راحة السقاة ... تروح طورا وتغتدي
يهديكها رائق السمات ... ما بين برق وفرقد
والشمس تذهب للبيات ... قد لبست ثوب عسجد
والزهر في اليانع المجود ... يقابل الشرب بابتسام
والروض من حلية الغمود ... قد جرد النهر عن حسام
مولاي يا أشرف الملوك ... وعصمة الخلق أجمعين
أهديك من جوهر السلوك ... يقذفه بحرك المعين
جعلت تنظيمه سلوكي ... وأنت لي المنجد المعين
تحية الواحد المجيد ... ورحمة الله والسلام
عليك من راحم ودود ... يا مخجل البدر في التمام
وقال من الرمل المجزوء:
وجه هذا اليوم باسم ... وشذا الأزهار ناسم
هاتها صاح كؤوسا ... جالبات للسرور
وارتقب منها شموسا ... طالعات في حبور
ما ترى الروض عروسا ... في حلى نور ونور
وأتت رسل النواسم ... تجتلي هذي النواسم
قد أهلت بالبشائر ... أضحكت ثغر الأزاهر
سنحت في يمن طائر ... ونظمن كالجواهر
فانشروها في العشائر ... إن هذا الصنع باهر
وأشيعوا في العوالم ... الغني بالله سالم
أي نور يتوقد ... أي بدر يتلألأ
أي فخر يتخلد ... أي غيث يتوالى
إنما المولى محمد ... رحمة الله تعالى
كفه بحر المقاسم ... وبها حج المباسم
خير أملاك الزمان ... من بني سعد ونصر
ما ترى أن الشواني ... في صعيد البر تجري
قد أطارتها التهاني ... دون بحري وبحر
مذ رأت بحر النعائم ... كلها جار وعائم
فهنيئا بالشفاء ... يا أمير المسلمينا
ولنا حق الهناء ... وجميع العالمينا
إن جهرنا بالدعاء ... ينطق الدهر أمينا
دمت محروس المكارم ... بظبي البيض الصوارم
وقال يهني السلطان موسى ابن السلطان أبي عنان، وقد وجه إليه الغني بالله أمه وعياله عند تملكه المغرب من قبله:
قد نظم الشمل أتم انتظام ... ولاحت الأقمار بعد المغيب
وأضحك الروض ثغور الغمام ... عن مبسم الزهر البرود الشنيب
وعاود الغصن زمان الصبا ... وأشرب الأنس جميع النفوس(31)
وعمم النور رؤوس الربى ... وجلل النور وجوه الشموس
وأطرب الغصن نسيم الصبا ... فالدوح للشكر تحط الرؤوس
واستقبل البدر ليالي التمام ... وصافح الصبح بكف خضيب
وراجع الأطيار سجع الحمام ... بكل ذي لحن بديع غريب
نواسم الوادي بمسك تفوح ... ونفحة الند به تعبق
وبهجة السكان فيه تلوح ... وجوه من نوره يشرق
وعرفه بالطيب منه يفوح ... كأنه من عنبر يفتق
والنهر قد سل كمثل الحسام ... حبابه تطفو وطورا تغيب
وثغرها قد راق منه ابتسام ... يهنئ الحب بقرب الحبيب
كواكب أبراجهن الخدور ... يلوح عنها كل بدر لياح
جواهر أصدافهن القصور ... نظمها السعد كنظم الوشاح
يا حبذا والله ركب السرور ... يبشر المولى بنيل اقتراح
ابتهج الكون بموسى الإمام ... واختال في برد الشباب القشيب
وعاده يخدم مثل الغلام ... شبابه قد عاد بعد المشيب
أكرم به والله وفد الكريم ... مولى سنا(32) الحرة في مقدمه
مرضاتها تحطي بدار النعيم ... وتوجب التوفيق من منعمه
بشر بالنصر وفتح جسيم ... وخيره أجمع في مقدمه
لقاؤها المبرور مسك الختام ... بشرك الله بصنع عجيب
وقصرك الميمون قصر السلام ... خط يحفظ من سميع مجيب
مولاي يهنيك وحق الهنا ... قد نظم الشمل كنظم السعود
قد فزت بالفخر ونيل المنى ... وأنجز السعد جميع الوعود
وقرت العين وزال العنا ... وكلما مر صنيع يعود
فلا يزل ملكك حلف الدوام ... يحوز في التخليد أو في نصيب
يتلو عليك الدهر بعد السلام: ... {نصر من الله وفتح قريب}
وقال رحمه الله تعالى في وصف غرناطة والطرد وغيرهما:
لله ما أجمل روض الشباب ... من قبل أن يفتح زهر المشيب
في عهده أدرت كأس الرضاب ... حبابها الدر بثغر الحبيب
من كل من يخجل بدر التمام ... إذا تبدى وجهه للعيون
ويفضح الغصن بلين القوام ... وأين منه لين قد الغصون
ولحظه يمضي مضاء الحسام ... ويذهل العقل بسحر الجفون
أبصرت منه إذ يحط النقاب ... شمسا ولكن ما لها من مغيب
إذا تجلت بعد طول ارتقاب ... صرفت عنها اللحظ خوف الرقيب
من عاذري منه فؤادا صبا ... للامع البرق وخفق الرياح
يطير إن هب نسيم الصبا ... تعيره الريح خفوق الرياح
ما أولع الصب بعهد الصبا ... وهل على من قد صبا من جناح
فقلبه من شوقه في التهاب ... قد أحرق الأكباد منه الوجيب
والجفن منه سحبه في انسكاب ... قد روض الخد بدمع سكيب
غرناطة ربع الهوى والمنى ... وقربها السؤل ونيل الوطر
وطيبها بالوصل لو أمكنا ... لم أقطع الليل بطول السهر
عما قريب حق فيها الهنا ... بيمن ذي العودة بعد السفر
ويحمد الناس نجاح الإياب ... بكل صنع مستجد غريب
ويكتب الفال على كل باب: ... {نصر من الله وفتح قريب}
ما لذة الأملاك إلا القنص ... لأنه الفال بصيد العدا
كم شارد جرع فيه لاغصص ... وأورد المحروب ورد الردى
وكم بذا الفحص لنا من حصص ... قد جمع البأس بها والندى
ومنها بعد أبيات من الوزن والروي:
مولاي مولاي، وأنت الذي ... جددت للأملاك عهد الجلال
والشمس والبدر من العوذ ... لما رأت منك بديع الجمال
والروض في نعمته يغتذي ... بطيب ما قد حزته من خلال
بشراك بشراك بحسن المآب ... تستضحك الروض بثغر شنيب
ودمت محروس العلا والجناب ... بعصمة الله السميع المجيب انتهى ما انتقيته من كلام ابن زمرك من كتاب ابن الأحمر، رحمه الله
تعالى. وقد عرفت منه ما تسنى للغني بالله ابن الأحمر من الفتوحات والسعود ونفاذ الأمر على ملوك المغرب، فهو الأحق بقول لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى:
ملك إذا عاينت منه جبينه ... فارقته والنور فوق جبيني
وإذا لثمت يمينه وخرجت من ... أبوابه لثم الملوك يميني وكان الغني بالله المذكور معتقدا في الصالحين، حتى إنه كتب وهو بفاس مخلوع إلى ضريح ولي الله سيدي أبي العباس السبتي بمراكش، ومن إنشاء وزيره لسان الدين على لسانه:
يا ولي الإله أنت مطاع ... الأبيات والنثر بعدها، وقد ذكرتهما في الباب الخامس فراجعه (33) ، وكان ذلك بفضل الله تعالى عنوان رجوعه إلى ملكه، ونظم تلك الأماكن في سلكه، حتى حصل له من السعد ما لم يحصل لغيره حسبما يعلم ذلك من كلام لسان الدين وابن زمرك وغيرهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الأزهار: وقد عن لي أن أذكر جملة من موشحاته لغرابتها، ولأن جل ما وقفت عليه منها ينخرط في سلك المعرب، إذ أكثره من مخلع البسيط.
(2) الأزهار: بلا جناح.
(3) الأزهار: الهدى.
(4) ق: ثم ذكر.
(5) الأزهار: الفائقة.
(6) الأزهار: تجلى.
(7) ق: معنى.
(8) الأزهار: قد زانت.
(9) الأزهار: الرائد.
(10) ق: جسيم.
(11) ق: من يرتجي.
(12) ق: الحميم.
(13) الأزهار: وراية.
(14) ق: الشبان.
(15) ق والأزهار: يجري؛ وامترى افتعل من مرى بمعنى استدر.
(16) الأزهار: زاهي.
(17) ق: الشمس.
(18) الأزهار: القضب.
(19) ق: يزهر.
(20) الأزهار: أجفانه.
(21) ق: الطاهر.
(22) ق: وسقي.
(23) تضمين من شعر ابن وكيع.
(24) الأزهار: إلى السجود ... حطت.
(25) ورد بدله في الأزهار:
كم فيك للمغرم المشوق ... من منظر يبهج النفوس
والدوح..................... ... ...................... (البيت)
والجو من وجهك ... ................................
(26) المحدث: اسم بناء بمالقة.
(27) الأزهار: الكمام.
(28) الأزهار: النهر.
(29) الأزهار: لا أشتكي.
(30) الأزهار: الفوز.
(31) ق: الكؤوس.
(32) ق: ثناء؛ وفي الأزهار: مولاتنا.
(33) انظر أيضا أزهار الرياض 1: 273.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة