معارضات لقصيدة ابن جابر في تضمين السور
وقد عارض منحاها جماعة فما شقوا لها غبارا، ومن معارضاتها قول بعضهم:
بسم الإله افتتاح الحمد والبقره ... مصليا بصلاة لم تزل عطره
على نبي له الرحمن ممتدح ... في آل عمران أيضا والنسا ذكره
كذا بمائدة الأنعام فضله ... ووصفه التم في الأعراف قد نشره
أنفاله نزلت أيضا براءة من ... يحبه وهو مشغول بما أمره
به نجا يونس من حوته ونجا ... هود ويوسف من سجن به عبره
أقسم برعد إبراهيم أن له ... في حجر نحل ترى الآيات مشتهرة
سبحان جاعله كهفا لأمته ... ومريم زوجة في جنة نضره
طه به الأنبيا للحج قد وفدوا ... والمؤمنون على النور اقتفوا أثره
آيات فرقانه ذلت لها الشعرا ... وسورة النمل قد قصت لنا سيره
والعنكبوت على غار له نسجت ... والروم ولت برعب منه منكسره
لقمان حكمته من بعض حكمته ... فاسجد لرب على الأحزاب قد نصره
كم في سبا عبرة للقلب قد فطرت ... فلذ بياسين تنجو يا أخا البرره
قد صفت الأنبيا والرسل قاطبة ... خلف النبي بأمر الله مؤتمره
إن صاد قلبي الهوى تنزيل منقذه ... وغافر الذنب كم ذنب له غفره
كم خلعة فصلت للطائعين له ... وأمرهم بينهم شورى بلا نكره
لم تلههم زينة الدنيا وزخرفها ... كانوا يروها كدخان له قتره
إذا جثا الخلق والأحقاف قد شرفت ... فذاك يوم على الكفار قد نصره
محمد خص بالفتح المبين وقد ... أتاه في الحجرات الوحي بالخبره
قاف الوفاق وذر الطور نجم هدى ... وشق رب السما للمصطفى قمره
من يمتحن صفنا في يوم جمعتنا ... فليس يلفى به غش ولا كدره
مطهر من نفاق ليس بينهم ... تغابن طلقوا دنياهم القذره
وحرموها وفي ملك لها زهدوا ... كزهد صاحب نون حققن خبره
إن تسألوني عن نوح نبي هدى ... والمصطفى سامع الجن الذي جهره
مزمل اسمه مدثر، وله ... يوم القيامة للإنسان ما ضمره
للمرسلات نبا في يوم نازعة ... عبوس تكوير شمس فيه منفطره
مطفف الكيل قد بانت خسارته ... في سوم شق السما أبراجها النضره
كم طارق سبح الأعلى بغاشية ... والفجر بلدته بالشمس مستتره
والليل قمه ولا تترك صلاة ضحى ... يشرح لك الصدر والخيرات مدخره
بسورة التين اقرأ أنها نزلت ... في ليلة القدر، والأنوار منتشره
ولم يكن مثل خير الرسل أحمدنا ... منه تزلزلت الكفار والفجره
بعاديات لها قرع بهامته ... أعمى التكاثر من قلب له بصره
من كان في عصه همازة أبدا ... يلقاه قبل قريش قاهر قهره
ويل لمانع ماعون تراه غدا ... مباعدا كوثر الهادي الذي أثره
الكافرون إذا جا نصر خالقنا ... تبا لهم لعنوا هم أمة كفره
أخلص لرب فلق الناس تنج إذا ... يوم المعاد غدا من شرة عسره
وصل رب على الهادي وعترته ... وآله وعلى أصحابه العشره وممن سلك هذا المنهج الشيخ القلقشندي إذ قال:
عوذت حبي برب الناس والفلق ... المصطفى المجتبى الممدوح بالخلق
إخلاص وجدي له والعذر يقلقني ... تبت يدا عاذل قد جاء بالملق
يهدي لأمته والنصر يعضده ... والكافرون وعذالي على نسق
هذا له كوثر والدين شرعته ... والمصطفى من قريش دين وتقي
ألم تر الماء قد سحت أصابعه ... ويل لكل جهول بالنبي وشقي
في كل عصر ترى آياته كثرت ... أضحى تكاثرها في سائر الأفق
وعند قارعة فهو الشفيع لنا ... والعاديات من الأجفان في طلق
وزلزلت من غرامي كل جارحة ... وكل بينة تحكي لكم علقي
يا عالي القدر رفقا مسني ضرر ... فالله قد خلق الإنسان من علق
ولو دعا التين والزيتون جاء له ... والشرح عنه (1) طويل غير مختلق
يبدو كشمس الضحى والليل طرته ... كالشمس في بلد والفجر في أفق
إني بغاشية لولاك يا أملي ... أنت الشفيع إلى الأعلى وخير تقي
كم طارق منك بالإحسان يطرقني ... مثل البروج أتى في أحسن الطرق
وفي انشقاق فؤادي عبرة، وبه ... ويل من الصد، والأجفان في أرق
والانفطار به مما يكابده ... والشمس قد كورت في القلب ذي الحرق
والصب في عبس والنازعات به ... وقد أتى نبأ من دمعه الغدق
ومرسلات دم الإنسان جارية ... إلى القيامة من دمعي ومن حرقي
وبالمدثر إني ماسك أبدا ... وبالمزمل إن ألجمت بالعرق
فالجن والإنس في خير ببعثته ... هذا ونوح به أنجى من الغرق
وفي المعارج معراج الرسول علا ... حقا، وفي حاقة كنز لمخترق
والله مرسله في نون بشره ... والملك خيره حتى رأى ولقي
وجاء بالحل والتحريم أمته ... وبالطلاق من الدنيا لمنطلق
وفي التغابن تهجار به ربحوا ... إذ المنافق في خسر وفي نفق
يا صاحب الجمعة الغراء يا أملي ... في الصف عند امتحاني أنج من زلقي
وأنت في الحشر عوني في مجادلتي ... عسى تزيل حديد النار من عنقي
وعند واقعة إن كان لي رمق ... فاشفع إلى ربك الرحمن من رمقي
لم أرع يا قمري للنجم في سهر ... إلا لعلك من نار الجحيم تقي
قلبي الكليم غدا للطور مرتقيا ... ودر دمعي غدا بالذاريات سقي
وقاف يعجز عن حمل الغرام بكم ... وليس في حجرات الدمع من رمق
إنا فتحنا قتالا للعذول ففي ... أحقاف جاثية في الغيظ والحنق
دخان زخرف ما العذال فيه هبا ... شوراي تتركه في أنف محترق
وعز من فصلت في مدحه سور ... نبينا المصطفى الهادي إلى الطرق
فغافر الذنب كم أهدى به زمرا ... وكم سقى كفه صاد بمندفق
وليس غيرك في الصافات أقصده ... وأنت ياسين لي من سائر الفرق
يا فاطرا قد سبا الأحزاب طلعته ... كم سجدة لك في الأسحار والغسق
لقمان يشهد أن الروم تعرفه ... والعنكبوت فقد سدت عن الغلق
هذا ولي قصص بالنمل قد كتبت ... هامت بها الشعرا في خده اليقق
تبارك الله من بالنور كلله ... قد أفلح الحج لما زاره فوقي
يا أيها الأنبيا طه ختامكم ... ويا ابن مريم خذ من مسكه العبق
لاذوا بكهف لهم سبحان خالقه ... حتى أتى الأمر بعد الخوف والفرق
فالركن والحجر حقا قد أضاء له ... وذاك دعوة إبراهيم ذي الخلق
والله ربي برعب الرعد ينصره ... مسير شهر بلا سيف ولا درق
فيوسف مع هود والخليل إذا ... ويونس شربوا من كأسه الدهق
لتوبتي أرتجي الأنفال منه غدا ... فإنني رجل أضحيت في قلق
أعراف أنعام إنعام له اشتهرت ... وكم لمائدة أسدى لمرتزق
كل النسا لم تلد مثل الرسول إذا ... فينا وفي آل عمران ولم تطق
أعطيت خاتمة من سورة البقرة ... لم يعطها أحد فيما مضى وبقي
فأنت فاتحة الأنبا وخاتمهم ... وكلهم قد أتوا بالود والملق
والقلقشندي محب قال سيرته ... في مدح خير الورى الممدوح بالخلق
فاقبل هدية عبد أنت مالكه ... وانظر إليه فإن العبد في قلق
صلى عليك إله العرش ما طلعت ... ورقا على فنن والورق في الورق وهذه القصيدة وإن لم تلحق بلاغة قصيدة ابن جابر فهي مما يتبرك به، والأعمال بالنيات.
ووقفت على أخرى من هذا النمط هي بالنسبة إلى هذه كنسبة هذه إلى قصيدة ابن جابر، وهي:
بحمد إله العرش أستفتح القولا ... وفي آية الكرسي أستمنح الطولا
وفي آل عمران أتى ذكر أحمد ... نساؤهم بالعقد قد أنعموا القولا
بأعراف رحماه بأنفال جوده ... شرفنا وفضلنا وتبنا إلى المولى
له يونس نادى وهود ويوسف ... وذاكره في الرعد لا يسمع الهولا
ودعوة إبراهيم كان محمد ... وفي الحجر خير الخلق قد فضل الرسلا
له أمة كالنحل قد صح فضلهم ... فسبحان من أسرى بأحمدنا ليلا
علا فضله والناس في كهف نيله ... ومريم في الأخرى يكون لها بعلا
وطه له فضل على الخلق كلهم ... ولكن جميع الأنبياء علا فضلا
ولولاه ما حج المقام وكعبة ... فأفلح من قد طاف فيها ومن حلا
ومن نوره الوهاج كل منور ... وفرقانه قد أخمد الكفر والبطلا
ترى الشعرا كالنمل حول محمد ... إذا قصص في العنكبوت لهم تتلى
علا ديننا روما ولقمان عالم ... بأن السيوف أسجدت كل من ضلا
والأحزاب يسبيهم بحكمة فاطر ... وياسين قد صفت له الملأ الأعلى
وصاد جميع الكافرين بزمرة ... له غافر في الحرب قد فصلت فصلا
وشوراه في الدنيا بها كل زلفة ... وقد زخرف الكفار في دينهم جهلا
لقد رأوا الدخان حول بيوتهم ... بجاثية الأحقاف قد قتلوا قتلا
محمدنا لم يخلق الله مثله ... وفي الحجرات فضله أبدا يتلى
وقد أنزل الجبار قافا بذكره ... كما تذر الكفار ريح بها تبلى
بطور سما والنجم ما ضوء احمد ... كما قمر بل نور خير الورى أجلى
به الله رحمن وفي وقعة ترى ... حديدا به الكفار يجدلهم جدلا
وقد سمع الغفار دعوة أحمد ... بحشر، ولكن بامتحان به تبلى
صففنا بجمع للأعادي فمنهم ... منافق إن الكفر في درك سفلى
يرى غبنه في الخبر منهم مطلق ... ولكن من يحرم نعيما فقد ضلا
لأحمد ملك لا يوازيه سيد ... ونون لقد قلنا مقالا به استعلى
بحق لقد سالت أباطح مكة ... بفضل الذي قد كان نوح به استعلى
صحيح بأن الجن جاءت لأحمد ... ومزمل كان الغمام له ظلا
لمدثر فضل القيامة واضح ... أتاه، وجمع المرسلات حوت سبلا
وعم بجدواه فلا من منازع ... فحيث تراه لا عبوسا ولا بخلا
لقد كورت شمس بها انفطر السما ... لويل أتى الكفار وانشق واستولى
ولكن بروج الجو تزهو بأحمد ... وفي طارق الأفلاك فضله الأعلى
وغاشية كالفجر حلت ببلدة ... بها حرم أمن كشمس جلت ليلا
وفاق الضحى حقا جبين محمد ... كما بانشراح الصدر قد خصه المولى
فأقسم بالتين الذي عم نفعه ... وبالقلم الأعلى لقدر له أعلى
ألم يكن الكفار قد ضل سعيهم ... وقد زلزلوا بالعاديات كما يتلى
وقارعة جلت وألهاهم الهوى ... والعصر إن الويل يقريهم نزلا
ألم تر أن الله فضل أحمدا ... لأمن قريش حيثما سلكوا السبلا
أريت بأن الكوثر العذب خصه ... به، وجميع الكفر لن يردوا أصلا
لقد نصر الرحمن ربي محمدا ... فأردى أبا لهب ولم يكتسب نيلا
فيا أحد إني بفضلك عائذ ... إذا غسق الديجور ناديت يا مولى ولم أقف على غير هذه الأبيات من هذه القصيدة، وقد سقط منها كما رأيت سورة الناس، فقلت مكملا على نمطه:
ويا مالكا للناس إني لائذ ... بعفوك فاغفر عمد عبدك والجهلا
ويا رب عاملنا بما أنت أهله ... من الجود والرحمى وإن لم نكن أهلا
وصل على مسك الختام محمد ... أتم صلاة تملأ الحزن والسهلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ق: مني.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة