تقع مدينة «منف» على مسافة لا تزيد عن عشرين كيلومترًا شمالي القاهرة إذا سار الإنسان في خط مستقيم، وكانت «منف» تُعد مدينة الأحياء في حين أن السرابيوم وما يحيط به من مؤسسات كان مخصصًا للموتى، وكانت مدينة «منف» تقع في وسط الأرض الزراعية المنخفضة، في حين أن السرابيوم كان يصل إليه الإنسان بصعود الجبل تدريجًا في الصحراء.
هذا، وكان معبد الإله «بتاح» — «هيفا ستيون» عند الإغريق — ومعبد العجل «أبيس» الحي (أبيون) يقعان في «منف»، ولكن عندما كان يموت العجل المقدس فإنه كان يُدفن في حجرة تحت الأرض في السربيوم، وكان يُقام فوق هذه الحجرة كذلك معبد للعجل المتوفى، وكان هذا العجل بعد موته يصبح «أوزيرًا» كما كان كل إنسان حي يصبح «أوزيرًا» بعد موته، وكانت تقام له مقصورة على قبره، تقام له فيها الشعائر الجنازية.
فالإنسان الذي كان يُسمى مثلًا — مدة حياته — «بدي باست» يُسمى بعد موته «أوزير-بدي باست»، وكذلك كان العجل المتوفى يُسمى «أوزير حابي» وهذا الاسم المركب نطقه الإغريق «أوسارابيس»، وقد وُحد هذا الاسم في العهد المتأخر جدًّا باسم «سارابيس» و«أوسرابيس» وقد تحدثنا عن هذا الإله في الجزء الرابع عشر من هذه الموسوعة … إلخ.
وكان العجل «أبيس» وهو حي يدعى «حاب» الحي مكرر «بتاح» ملك الحيوان المقدس، وكان يُعبد في «أبيون» «منف» في السربيوم (= بيت أوزير أبيس) بعد موته مثل عجل «ور-مر» (العجل منيفيس) وهو عجل «هليوبوليس» الشهير الذي كان يمثل الإله «رع».
وقد كان يصبح بعد موته «أوزير منيفيس»، وكذلك مثل العجل الآخر المقدس «بوخيس» (بخ) الذي كان يعيش بوصفه روح إله الشمس «رع» الحي في البوخيوم في مدينة «أرمنت»، وهو الذي أصبح بعد موته يُدعى «أوزير بوخيس» الإله العظيم «سيد حتم» (= بيت أتوم).
وهذا القول ينطبق على الحيوانات الأخرى المقدسة مثل أبيس (= تحوت) وغيره.
هذا، وتوجد الآن طريقان رئيسيتان ذاتا أهمية نصل بهما من موقع «منف» القديمة إلى مدفن السربيوم الحقيقي؛ إحداهما: تتبع طريق السياح الحديثة من البدرشين إلى «منف» غربًا مارة بالأراضي الزراعية، ثم تتجه شمالًا عند سقارة حتى يصل الإنسان بها إلى سور مربع مصنوع من لبنات من طمي النيل، ويحتوي على مدافن الإله «باست» التي تسمى «بوباستيون» (= معبد القطة «باست»)، وبعد ذلك جنوبًا نسير في طريق منحدرة غربًا بين هرم «تيتي» والهرم الحجري جنوبي الهضبة الطويلة التي توجد في وسطها (رسمت الجهات الأصلية) (انظر الشكل رقم 1) حتى يصل الزائر إلى بيت «مريت» و«السربيوم» الأصلي.
والطريق الثانية موحدة بالأولى إلى أن يصل الزائر إلى مدفن القطط «بوباستيون» (انظر الشكل رقم 2) حيث توجد مباني أخرى.
ويمكن تلخيص الموقف فيما يأتي: وهو أن مدينة «منف» الواقعة على هضبة في وسط أرض زراعة كانت تُغمر كل سنة من سبتمبر حتى نوفمبر بمياه النيل، وكانت تمتد كذلك إلى الشمال الغربي والغرب حتى الأنوبيون — مكان عبادة الإله «أنوبيس» — وفي جنوبه كان يقع «البوباستيون» الذي بجانبه في الجهة الجنوبية مقابر، وأماكن الدفن هذه كانت في الوقت نفسه تقع شرقي الهرم المدرج الذي أقامه الملك «زوسر»، وكذلك مقبرة ساحره «أمحوتب» ومعبده. و«أمحوتب» هذا كان يُعتبر بمثابة إله الشفاء، وإله الوحي، وهو الذي كان يُعرف في الأوراق الإغريقية باسم «أسكلوبياس» — إله الطب عند الإغريق.
وعندما يمر الإنسان في وسط «الأنوبيون» غربًا يمكنه أن يصل إلى الجزء الغربي من ردهته المسورة، وبعد اختراق بوابة هذا الجدار الذي يحيط به يشاهد الزائر أمامه شارعًا طويلًا أقيم على جانبيه تماثيل «بولهول» تمتد نحو أكثر من كيلو متر تُقطع على الأقدام في مدة ربع ساعة، يصل بعدها الزائر إلى السربيوم الأصلي الذي كان يؤلف «الأنوبيون» بالنسبة له «مدخلًا أماميًّا». ويمكن أن تسمى هذه المباني على رأي العالم «فلكن» بمجموعة المباني الغربية، في حين أن مجموعة المباني الشرقية والضياع كانت تحتوي على معابد «الأنوبيون» و«البوباستيون» و«الأسكلوبيان» وما يحيط بها.
هذه صورة عن طوبغرافية تلك البقعة التي كانت من قبل غير مفهومة، وفسرت بصورة خاطئة.
وكان المدخل الرسمي للسربيوم هو طريق بولهول العظيمة الذي يمكن الوصول إليه عن طريق بولهول الصغيرة ودروموس «الأنوبيون» — الدروموس عبارة عن شارع عريض مرصوف بالحجر، ويقع عموديًّا بالنسبة لواجهة المعبد، ويؤدي إلى مدخله — الذي يخترقه ويتركه عند بوابته الغربية التي تؤدي مباشرة إلى الشارع الطويل المزين بتماثيل بولهول، وعند نهايته ينحني قليلًا نحو الجنوب، وينتهي بزاوية قائمة نحو الجهة الشرقية الغربية، ويتصل بالدروموس الذي يؤدي إلى السربيوم الأصلي، على أنه يمكن الوصول إلى السربيوم بطريق أخرى، وذلك لأنه توجد له بوابة أخرى في الشمال، وعلى أية حال فإن شارع تماثيل بولهول كان على ما يظهر المدخل الرسمي؛ إذ أقيم على جانبيه ما يقرب من أربعمائة تمثال بولهول، وهذه الطريق الطويلة المتجهة شرقًا بغرب تؤدي إلى جبانة قديمة وإلى أخرى أحدث عهدًا، وليس هناك إجماع على عمر هذا الشارع، والمحتمل أنه حديث، وذلك بسبب الإنحناء المفاجئ الذي يوجد في نهايته، ومن الجائز أنه بُني بعد إقامة السربيوم، ولو كان الأمر خلاف ذلك لأقيم السربيوم بحيث يدخل الشارع في الدروموس المكمل له مباشرة، وكان هذا هو المنتظر، والواقع أن الدروموس الذي يؤدي إلى السربيوم يوجد نصفه داخل السور ونصفه الآخر خارجه، والجزء الشرقي من الدروموس ينتهي في معبد «نقطانب»، وعلى ذلك فإن الموكب الذي كان يقصد دخول السربيوم عن طريق تماثيل بولهول والدروموس يكون هذا المعبد على يساره. والجدران السميكة جدًّا التي يبلغ سمك الواحد منها حوالي مترين وارتفاعه حوالي ارتفاع قامة الإنسان، وهذه الجدران التي تُوجد على كلا جانبي الدروموس؛ تقطعها — أولًا من الجهة الشمالية — البوابة التي ينتهي عندها شارع بولهول عند الدروموس، وبعد ذلك تجد على الترتيب التالي المباني الآتية: أولًا: مقصورة لعجل «أبيس» (؟) وفي غربها مقصورة إغريقية وهي التي بإدارة λυχναmаѕ، وسنرى فيما بعد عند ترجمة العقود الديموطيقية أن هذه الإدارة كان من الممكن أن تكون ذات أهمية بسبب أن إضاءة المصباح كانت ضمن واجبات أحد الطرفين المتعاقدين في الوثيقة التي ستأتي بعد. كل ذلك بالإضافة إلى تماثيل قليلة تقع على الجانب الجنوبي لجدار الدروموس، ولا تزال توجد خارج جدار سور السرابيوم الذي يؤلف مستطيلًا كبيرًا ذات حافة مسننة في الجنوب الغربي وهو الذي — كما يُرَى على الشكل رقم 2 — قد تسبب من تكوين الهضبة التي أقيم فيها السرابيوم. وكان المعتقد سابقًا أن كل مجموعة المباني الشرقية، وهي الأنوبيون والبوباستيون والأسكلوبيون؛ كانت تؤلف جزءًا من السرابيوم، وهي في الواقع ليست تابعة له.
والآن نمر في داخل الدروموس وسور السرابيوم العظيم الذي يوجد في موقعه الشرقي. هذا، ويُلحظ أن جدران الدروموس السميكة تصحبه فقط خارج السور، والدروموس بعيد عن هذا السور من الداخل، ومعبد «أوزير أبيس» الذي داخل السور مهدم.
وتحت هذا المعبد الذي يقع في الوسط توجد توابيت كثيرة العدد لعجول «أبيس»، وفي شمال الجدار العظيم المحيط به كان يوجد هناك مدخل.
وكان الطبيعي أن توجد في السرابيوم حياة تشبه الحياة التي كانت تُمارَس في بلدة صغيرة كما كانت الحال في «الأنوبيون»، فكانت الأشياء الكثيرة التي يحتاج إليها آلاف الحجاج — الذين كانوا يفدون إلى هناك كل سنة للحج — تُقدم لهم، وكان الدروموس نفسه يُستعمل بمثابة سوق للبيع والشراء، وكانت حتى الحكومة تبيع متاجر الدولة هناك بالمزاد.
وتحدثنا متون البرديات التي وصلت إلينا من هذا العهد عن كثير من المخاصمات التي كانت تقوم بين سكان السرابيوم وما جاوره، وعلى أية حال لا ينبغي لنا أن ننظر إلى هذه المخاصمات والمجادلات التي كانت تقع بين الأهالي الذين كانوا يسكنون سويًّا على مساحة صغيرة نسبيًّا بصورة قاتمة مظلمة إلى أبعد حد.
وقد حافظنا على هذه الأوراق؛ لأنها وثائق رسمية، غير أن التسجيلات التي كانت تدل على ما بين الأهالي من حسن نية لم تنحدر إلينا، وهذا أمر طبيعي جدًّا؛ لأن المعاملات الحسنة فيما بينهم لم تكن تؤلف أساس شكاية، وإذا كان لزاما علينا أن نفحص مذكرات محكمة لأية بلدة صغيرة، أو نفحص مجموعة وثائق لبعض المحامين؛ فإنا سنحصل على نفس الحكم الخاطئ عن هذه البلدة الصغيرة، ولا نزاع في أن المشاغبين والمشاكسين والأفظاظ والمجرمين الذين يخالفون القانون يوجدون في كل مكان وكل زمان، لا في البيئة التي نتحدث عنها وحسب.
حقًّا لم يكن في الدستور المصري مواد شرعية تحتم إحضار مسجون أمام قاضٍ أو محكمة أو تنفيذ حكمها بشأنه فورًا؛ وذلك لأنه لم يكن هناك دستور أبدًا في مصر التي كانت تُحكم حكمًا استبداديًّا، وعلى أية حال فإن ذلك كان لا يعني أنه لم تكن في مصر عدالة اجتماعية، فقد كان لدى قدماء المصريين حس عظيم بالعدالة في كل عهود تاريخهم، وإني لا أشير هنا إلى قصة الفلاح الفصيح وشكاياته، كما لا أشير إلى تظلمات «بتيسي» التي تحدثت عنها في غير هذا المكان؛ وذلك لأن كلًّا منهما يمكن أن تُستعمل بحدين، ولكن أذكر مثلًا نقش تنصيب الوزير(1)، في عهد الأسرة الثامنة عشرة، فاستمع لبعض ما جاء فيه:
تأمل إذا حضرك شاكٍ من الوجه القبلي أو الوجه البحري؛ أي: من البلاد قاطبة، مستعدًّا للمحاكمة … لأجل سماع قضيته، فواجبك أن ترى أن كل إجراء لازم لذلك قد اتُّخذ على حسب القانون، وأن يكون كل تصرف يتفق مع العرف الجاري … تأمل! عندما يكلف حاكم بسماع قضايا، عليك أن تجعلها علنية، وبذلك تجعل الماء والهواء ينقلان كل ما عساه أن يعمل. تأمل! فإنه بذلك لن يبقى سلوكه خافيًا … إلخ.
وفي الأوقات التي كانت لا تسير الأمور في مجراها الطبيعي نجد أنه حتى في عهد البطالمة كانت العدالة تأخذ طريقها مع كل إنسان، كما يدل على ذلك المراسيم التي أصدرها «بطليموس السابع» و«بطليموس سوتر الثاني» كما سنرى بعد. وعلى ذلك فإن هذه المخاصمات التي نقرأ عنها في وثائق السرابيوم لا بد أن يُنظر إليها على ضوء الأحوال القياسية لأية بلدة. ويلفت النظر أنه لم يسكن الكهنة والموظفون الذين كانت لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعبادة الإله «سرابيس» والآلهة والإلهات الآخرين الذين كان لهم مقصورات ومذابح في داخل حرم السرابيوم، وكذلك داخل حرم الأنوبيون والبوباستيون والأسكلبيون وغيرها وحدهم؛ بل كان يسكن هناك كثير من رجال الأعمال وغيرهم من الأفراد العاديين، فكان هناك الخباز والحمال والخياطة وبائع البردي والبواب والطبيب الذي يحقن المرضى ورجال طب آخرين، وبائع الملابس والحلاق وحامل الحقيبة وتاجر الغلال وصانع السجاد والسقاء، وكل هؤلاء قد جاء ذكرهم في الوثائق صدفة، في حين أنه من المحتمل جدًّا أن هناك عددًا أكبر من ذلك قد كان موجودًا ولم يأت ذكره في البرديات التي وصلت إلينا (2)، ومن الطبيعي أنه كان يوجد بينهم أحيانًا خلافات ومتاعب ومشاحنات، وهذا في طبع الإنسان منذ أن وُجد.
والواقع أن «بطليموس المقدوني» الذي سنتحدث عنه فيما بعد كان مضطرًّا أن يقول — عند تقديمه طلبًا للحصول على وظيفته — للملك: لقد قدمت طلبي لك — أي للملك — بوساطة نافذة المقابلة (يعني بنافذة المقابلة: النافذة التي كان يتقبل منها الملك أو نائبه الشكايات) لأن أولئك الذين في المعبد قوم أشرار، وقد حاصروني؛ لأني إغريقي لدرجة أني رُجمت بالحجارة من النافذة.
هذا، ونصادف نفس «بطليموس المقدوني» سالف الذكر قد ذكر — في نسخة المسودة الأخرى التي تحوي طلبه — ما يأتي: وعلى ذلك فقد رُجمت بالأحجار من النافذة، وعندما حضر رئيس الحرس والحاكم العسكري المسمى «بوزيدو نيوس» في شهر برمودة شكوت إليه عند نافذة المقابلة، وقد استحضرهم وعاقبهم (3). وهذا مثال من بين الأمثلة الأخرى التي تظهر أن الموظفين قد عملوا جهد طاقتهم لإقامة العدالة وحماية الناس، والظاهر أن هذه العدالة كانت دائمًا تجري في صف الإغريق لا المصريين. هذا، ولدينا قصة التوأمين من هذا النوع، وسنتحدث عنها في حينها.
وعلى أية حال فإنه على الرغم من عدم وجود نص شرعي بإحضار مسجون أمام قاضٍ أو محكمة والخضوع لحكمة توًّا، فإنه كان يوجد قانون عام كان على ما يظهر يُطبق، كما يُشَاهَد في الشكوى التي قُدِّمَت ضد «أموسيس» وصحبه فقد جاء فيها: وعلى ذلك أرجوك أيها الملك بألا تسمح بأن أحاصَر دائمًا بحقد على يد أولئك القوم الذين ذكروا فيما سبق، وأُسَب وأُعامَل خلافًا لما يقضي به القانون (4).
وعلى أية حال فإن المراسيم التي أصدرها «بطليموس إيرجيتيس الثاني» على الرغم من أنها جاءت في عهد متأخر من حكم البطالمة عن العهد الذي نتحدث عنه، فإنها تظهر أنه كانت تُوجد روح عدالة في إدارة حكم البلاد. فقد كان على المتهم أن يأخذ ويعطي ما يرضي به على حسب ما جاء في المراسيم والأنظمة؛ أي: إنه كانت توجد مراسيم وأنظمة تحمي حقوق الإنسان، وهذا الموقف — من الوجهة القانونية فيما يخص المواطن — كان منتشرًا كذلك في العهد الفرعوني، كما يشاهد ذلك في أوامر الملك للوزير عند تنصيبه، كما ذكرنا من قبل.
هذا، ويشاهد أنه حتى في عهد الفرس الأجانب الذين حكموا مصر كانوا يحترمون القوانين المصرية، فقد أعطى الملك «دارا» الأمر بجمع القوانين المصرية وتدوينها (5).
وفضلًا عن ذلك فإن مجرد حفظ الشكاوى، واهتمام القوم بتدوينها، يُعتبر برهانًا على أنهم كانوا مؤمنين بأنهم سينالون معاملة طيبة عادلة عن قضاياهم على يد الموظفين الذين كانوا يفصلون في مظالمهم.
وفوق كل ذلك فإن وجود منظمة «نافذة المقابلة» — الشرفة أو البلكونة — يُعد برهانًا على حسن مقاصد الملك ونوابه الذين كانوا يتسلمون المطالب والشكاوى من الأهلين ويفحصونها؛ ومن ثمَّ يمكن الإنسان أن يميز بين «نافذة المقابلة» وبين مقابلة الملك، وذلك أنه كان في مقدور كل فرد أن يظهر أمام «نافذة المقابلة» دون الحاجة للقيام بعمل رسميات خاصة، في حين أنه عندما كان يريد الفرد أن يمثل أمام الملك فإنه كان في هذه الحالة يحتاج إلى تصريح خاص من بعض الموظفين في البلاد؛ ليحظى بمثل هذا الشرف العظيم.
وتدل شواهد الأحوال على أن الحياة في السرابيوم كانت كالحياة في قرية منظمة، وذلك على الرغم من أن الغرض الأصلي من هذا الحرم المقدس هو أن يكون لعبادة العجل «أبيس» المتوفى الذي كان بعد موته يُحنَّط، ثم يُحمل في احتفال رهيب غاية في الفخامة في جناز من الطراز الأول إلى السرابيوم الأصلي ليُدفن في مقره تحت الأرض، وبعد ذلك كانت تقام الشعائر الدينية المتبعة، ثم تُقدم الضحايا له في أيام خاصة من السنة المعبد الذي كان مقامًا فوق حجرة الدفن السفلية، وذلك على غرار ما كان يُعمل لكل إنسان تُوفي.
ولم تكن هذه الشعائر تعمل للعجل وحده؛ بل كانت تُعمل كذلك لذريته التي أنجبتها له البقرات في «منف» الفينة بعد الفينة، وذلك بعد أن تكن قد ماتت ميتة طبيعية.
وهذا السرابيوم الذي كان حافلًا بمظاهر الحياة الزاخرة، ويقع بعيدًا غربي «منف» في الصحراء، هو المكان الذي عُثر فيه على الوثائق التي نحن بصددها، وغيرها مما سنتحدث عنه، وسنرى أنه من الممكن تحديد المكان الذي وجدت فيه هذه الأوراق.
والآن بعد أن قدمنا هذه المعلومات القيمة عن السرابيوم، وهي التي كان لا بد منها لمن أراد أن يعرف شيئًا عن هذا المكان وما جاوره من مبانٍ في العهود المتأخرة على الأقل؛ ينبغي علينا أن نضع وصفًا وترجمة بقدر المستطاع للوثائق البردية الثلاث التي يرجع عهدها لحكم «بطليموس الخامس» وهي التي نوهنا عنها في أول هذا الشرح.
................................................
1- راجع مصر القديمة الجزء الرابع.
2- راجع: W. Otto, Priester und Tempel I, pp. 283 ff.; Papyrus London, 1, 44; Papyrus Paris 34, 36, 40 and 60 bis Verso; and Wilcken, U. P. Z. nos 12, 91, col. II, 1. 16; 148, 1, 7; 120, 1, II; 148, I, 7; pp. 148; 407 note 16, 420; 428, note 22; 563 ff.; 566 ff.; 566 note 20, 636 note 7
3- راجع: Papyrus Greek Vatican 2303, recto, II, 7, 15–17, 27-28 (156, B. O.)
4- راجع: Papyrus Grec Louvre, 2358 = Paris 35ed Presle (163 B.O.) II 32–34 = Wilcken op. cit. No. 6, pp. 129 ff
5- راجع: The Codification of the Egyptian Laws by Darius Mizraim I, p. 180
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة