نَقْدُ نَظَرِيَّة «عِصْمَة اجْتِمَاع أهْلِ الْحَلَّ والْعَقْد»					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ					
					
						
						 المصدر:  
						معرفة الإمام					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ج2/ص41-44					
					
					
						
						2025-11-03
					
					
						
						46					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[1]
يقول الزمخشريّ[2]: إنّ المراد من أولي الأمر إمّا علماء الامّة أو الخلفاء الراشدون ومَن تَبِعَهُمْ بِإحسان، أو امراء السرايا. وسار السيوطيّ[3] على نفس النهج فأورد روايات كثيرة في تفسيره. وكذلك فعل عدد كبير من مفسّري العامّة فحذوا حذو صاحبيهما، واستدلّوا أوّلًا بقصّة نزاع عمّار بن ياسر مع خالد بن الوليد، وهي كما يلي: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خالد بن الوليد في سريّة وفيها عمّار بن ياسر. فسار الجيش وأقبل القوم الذين يريدون، فلمّا بلغواقريباً منهم عرسوا ولأن الوقت كان ليلًا فقد صمّم خالد أن يهاجمهم في اليوم التالي. وأتاهم ذو العبينتين فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم، ثمّ أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد يسأل عن عمّار بن ياسر، فأتاه، فقال: يا أبَا الْيَقظَان! إنّي قد أسلمتُ وشهدتُ أن لَا إِلَهَ إِلّا الله وأنّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، وأنّ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا، وإنّي بقيتُ، فهل إسلامي نافعي غداً؟ وإلّا هربتُ. فقال عمّار: بل هو ينفعك فأقِم. فأقام، فلمّا أصبحوا، أغار خالد، فلم يجد أحداً غير الرجل، فأخذه، وأخذ ماله، فبلغ عمّاراً الخبر، فأتى خالداً فقال: خَلّ عن الرجل فإنّه قد أسلم وهو في أمان مِنّي. قال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم فأجاز أمان عمّار، ونهاهُ أن يجير الثانية على أمير. فاستبّا عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم فقال خالد: يا رسول الله أ تترك هذا العبد الأجْدَع يشتمني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: يا خالد! لا تسبّ عمّاراً، فإنّه مَن سبّ عمّاراً، سبّه الله. ومن أبغض عمّاراً، أبغضه الله. ومن لعن عمّاراً، لعنه الله. فغضب عمّار، فقام، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه، فاعتذر إليه، فرضي، فأنزل الله الآية[4].
ويروون عن أبي هريرة قوله: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ أطَاعَنِي، فَقَدْ أطَاعَ اللهَ، ومَنْ أطَاعَ أميري، فَقَدْ أطَاعَني ومَن عَصَانِي، فَقَدْ عَصَى اللهَ. ومَنْ عَصَى أميري، فَقَدْ عَصَاني»[5] وينقلون روايات اخرى أيضاً تفيد أنّ المقصود من أولي الأمر هم الحكّام حتى لوكانوا جائرين ظالمين.
نقول: كما استدللنا سابقاً، فإنّ القصد من أولي الأمر هم المعصومون بلا ريب. وإلّا فإنّ لازمه هو اجتماع الأمر والنهي في موضوع واحد ومن جهة واحدة. وهذا خلاف منطق العقل، ويستلزم المحال. وقد اعترف الفخر الرازيّ بهذا المعنى في تفسيره.
وأمّا رواية خالد وعمّار، فممّا لا شكّ فيه هو أنّ النبيّ لم ينه عمّاراً عن أمان أحد، فهذه الجملة دخيلة على الرواية. ولعلّ الراوي أضافها متعمداً ليمكنه تطبيق آية أولي الأمر على امراء السرايا بوصفهم يحملون هذا العنوان، فتجب حينئذٍ إطاعتهم. أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يحترم أمان كلّ مسلم، حتى لو كان أدنى المسلمين، فكيف بعمّار خصوصاً وقد كان الأمان لإنسان أسلم وأقرّ بالشهادتين.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في خُطبَةٍ خَطَبَها في مَسْجِدِ الخَيْفِ: «بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ. نَضَّرَ اللهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاها، وبَلَّغَها إلى مَن لَمْ يَبْلُغْهُ. يَا أيُّهَا النَّاس! لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ، ورُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَن هُوَ أفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لله. والنَّصِيحَةُ لأئِمّةِ المسلمين. واللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ. فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِن وَرائِهِمْ. الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ تَتَكافَا دِمَآؤُهُمْ وهُمْ يَدٌ عَلَي مَنْ سِواهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أدنَاهُمْ».[6]
ومضافاً إلى ذلك، فإنّ الإمعان في نصّ القصّة المنقولة عن خالد وعمّار تبيّن لنا أنّ خالداً كان عاصياً مذنباً. ولو كان عمّار كذلك، فلِمَ أثنى عليه رسول الله كلّ ذلك الثناء، واعتذر منه خالد؟! وأمّا الحديث القائل: «مَن أطَاعَ أميري فَقَدْ أطَاعَ اللهَ»، لو سلّمنا به فرضاً، فما هي علاقته بآية أولي الأمر؟ فالحديث في محلّه، واولو الأمر اناس معصومون جُعِلَت طاعتهم في حكم طاعة رسول الله مطلقاً.
[1]الآية 59، من السورة 4: النساء.
 
[2]«تفسير الكشّاف» ج 1، ص 524.
 
[3]«الدرّ المنثور» ج 2، ص 176.
 
[4]«الدرّ المنثور» ج 2، ص 176.
 
[6]«تتمّة المنتهى» ص 212؛ و«تاريخ اليعقوبيّ» طبع بيروت سنة 1379، ج 2، ص 109؛ و«مجالس المفيد» طبع النجف، ص 101؛ و«روضة بحار الأنوار» الطبعة الكمباني، ج 17، ص 39؛ و«تحف العقول» ص 42؛ ورواه في تفسير «في ظلال القرآن» ص 125 عن الجزء الأوّل عن الإمام أحمد بن حنبل، وفي «بحار الأنوار» الطبعة الكمباني، ج 15، ص 85 عن «اكمال الدين» للصدوق.
 
 
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  شبهات وردود					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة