نقد نظريّة عصمة اجتماع أهل الحلّ والعقد
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص16-18
2025-10-29
51
من العجيب- كما سنأتي عليه مفصّلا- أنّ الإمام الفخر الرازي يقرّ بلزوم العصمة عند أولي الأمر في هذه الآية المباركة، بيد أنّه يقول بأنّ العصمة من الخطأ تتحقّق بواسطة اجتماع أهل الحلّ والعقد الذين يختارهم وليّ الأمر، وبكلمة أخرى، فإنّ كلّ فرد من أفراد أهل الحلّ والعقد ليس معصوما ومصونًا من الذنب والزلل بذاته ولكن تتحقّق هذه المصونيّة والعصمة من خلال تبادل أفكارهم واجتماعهم، وبالنتيجة، فالعصمة وليدة اجتماع أهل الحلّ والعقد.
وسنقوم- إن شاء الله- برّد هذا الكلام العاري من الحقيقة مفصّلًا، بَيدَ أنّا نكتفي هنا بذكر نقطة واحدة، وهي انّه لو كان اجتماع أهل الحلّ والعقد مفضيا إلى العصمة، فلما ذا ارتكب عثمان جميع تلك الأخطاء؛ وهو الذي نصبه أهل الحلّ والعقد حسب وصيّة عمر؟ ولما ذا كلّ تلك الزلّات والهفوات الإجتماعية، ومصادرة حقوق الضعفاء، وحرمان الامّة الإسلامية من حقوقها المشروعة، وغيرها من الإنتهاكات التي بلغت حدّاً جعلت فيه كبار المؤرّخين يعترفون بها ويسجّلونها في كتبهم.
أحرق عثمان القرآن، وبقر بطن عمّار بن ياسر، ور كله ركلًا حتى اغمي عليه، واصيب بالفتق، وهو الصحابيّ الجليل الذي كانت منزلته أوضح من الشمس في رائعة النهار؛ وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قولًا يعرفه الصغير والكبير، ونصّه: «عَمَّارٌ مَعَ الحَقِّ والحَقُ مَعَ عَمّارٍ حَيثُ كَانَ، عَمَّارُ جَلْدَةُ بَيْنَ عَينِي وأنْفي»[1]و كذلك قام عثمان بضرب عبد الله بن مسعود لامتناعه عن تسليم القرآن الذي جمعه بنفسه. وأبعد الصحابي الكريم العظيم أبا ذر الغفاري الذي قال في حقّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «مَا أظَلَّتِ الْخَضْراءُ ولَا أقَلَّتِ الغَبراءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أصْدَقَ مِنْ أبِي ذَرٍّ»[2] لا لذنب إلّا لصراحة لهجته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، أبعده من المدينة إلى الشام، ثمّ بعد ذلك إلى الربَذَة على جمل جمّازة بلا غطاء ولا وطاء، فعاش وحيدا غريباً، وتضوّر جوعاً في تلك الفيافي الكأداء إلى أن وافته المنيّة هناك.
وقسّم عثمان بيت مال المسلمين على بني عمومته من آل اميّة وعلى ولاته الذين كانوا جميعهم من أقاربه وأرحامه حتى تعالت صيحات الاستغاثة من حناجر المسلمين. ووهب مروان بن الحكم فدكاً، وهي إرث فاطمة الزهراء بضعة رسول الله، التي ينبغي أن تصل إلى ذريتها، ملّكها ذلك الرجل الفظّ المتهوّر. ودعا الحَكَمَ طريد رسول الله إلى المدينة ووهبه جميع خرج أفريقيا في مجلس من المجالس.
وقد وعظه ونصحه أمير المؤمنين عليه السلام قائلًا: «وَأنّ شَرَّ النَّاسِ عِندَ اللهَ، إمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وضُلَّ بِهِ، فَأمَاتَ سُنَّةً مَأخُوذَةً، وأحيَى بِدْعَةً مَتْرُوكَةً. وإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهُ وآلِهِ يَقُولُ: يُؤتَى يَوْمَ القِيامَةَ بِالإمَامِ الْجَائِرِ ولَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ ولَا عاذِرٌ فيُلْقَى في جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيها كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يُرْتَبَطُ في قَعْرِهَا»[3]
[1]«منتهي الآمال» ج 1، ص 92.
[2]«بحار الأنوار» ج 15، ص 109، طبعة آخوندي.
[3]«نهج البلاغة»، باب الخطب، ص 304 من طبعة عبدة في مصر.
الاكثر قراءة في شبهات وردود
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة