القوة الكهرومغناطيسية
المؤلف:
د. مهند البديري
المصدر:
الفيزياء من الخرافة الى الحقيقة
الجزء والصفحة:
ص248
2025-11-02
19
إن قوة الفعل المتبادل بين الشحنات كبيرة جداً ، وهذا ساعد كولوم كثيراً في صياغة قانون لها دون أن يستخدم أجهزة حساسة، او معقدة. فقد استخدم كولوم جهاز الميزان الالتوائي لصياغة قانون القوة بين الشحنات الكهربائية ينص قانون كولوم على أن القوة الكهربائية بين جسمين مشحونين يتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب شحنتيهما . وعكسيا مع مربع المسافة بين الجسمين وهذا القانون مماثل لقانون قوة الجذب من حيث الصيغة الذي ينص على أن قوة الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما، وعكسيا مع مربع المسافة بينها ، ولا يوجد فرق في الصيغة للقانونين الا ان الشحنة في قانون القوة الكهربائية تحل محل الكتلة في قانون الجذب.
ان قوة الفعل المتبادل بين الشحنات كبيرة جدا ؛ وهذا ساعد كولوم كثيرا في صياغة قانون لها دون ان يستخدم أجهزة حساسة ، او معقدة . فقد استخدم كولوم جهاز الميزان الالتوائي (forsional balance) لصياغة قانون القوة بين الشحنات الكهربائية. وبعد هذا القانون اصبح للشحنة وحدة قياس سميت باسم كولوم.
ان القوة الكهربائية بين الجسمين المشحونين ، وقوة الجذب بين الجسمين تتناقص مع زيادة المسافة الفاصلة بين الجسمين، وتعتبر كلتا القوتين قوى بعيدة المدى أي ان تأثيرها يمتد مسافات كبيرة نسبيا ، والاختلاف الوحيد بين القانونين هو ان القوى الكهربائية تصبح قوة تنافر اذا تشابه الجسمان بنوع الشحنة ، وقوة تجاذب اذا اختلف الجسمان بنوع الشحنة اما قوة الجذب فكل الاجسام في الكون تشترك بنوع واحد من الكتلة أي لا توجد كتلة سالبة وكتلة موجبة فكل الكتل موجبة ؛ وبذلك تكون القوة الميكانيكية هي قوة جذب دائما. كما ان القوة الكهربائية تعتمد على الابعاد الهندسية للأجسام المشحونة .
قد يعترض معترض فيقول: اذا كانت كل الكتل موجبة فلماذا لا تتنافر كما تتنافر الشحنات الموجبة؟ وهذا فهم خاطئ للموجب والسالب في الشحنة الكهربائية والموجب والسالب للكتل فالموجب والسالب في الشحنة الكهربائية ليس المقصود منه زيادة، او نقصان في الشحنة بل هو خاصية لنوع الشحنة كما ان الذكر والانثى يختلفان من حيث الخواص الا ان كليهما انسان ان القوة الكهربائية تكون منعدمة التأثير الخارجي في الاجسام المتعادلة كهربائيا أي الاجسام التي تتساوى فيها مجموع الشحنات الموجبة ومجموع الشحنات السالبة اما قوة الجذب فهي شاملة ، ولا تنعدم بين أي جسمين .
ان القوى الكهربائية اكبر بكثير من قوة الجذب ، وهذا هو احد الأسباب الذي جعلنا لا نشاهد في الطبيعة أي تجاذب، او تنافر بين الاجسام الكبيرة المشحونة ، فالأجسام الكبيرة المشحونة تكون دائما متعادلة أي انها تستوعب بلهفة كبيرة الشحنات المتعاكسة واكثر الاجسام الموجودة في الطبيعة تكون متعادلة كهربائيا لكننا نرى أثر القوة الكهربائية واضحاً داخل الذرات حيث البروتونات الموجبة والالكترونات السالبة فمكونات الذرة تتجاذب وتتنافر كهربائيا طبقا لقانون كولوم للقوة الكهربائية.
أدى اكتشاف كولوم لقانون القوة الكهربائية الى دراسة الخواص الكهربائية الأخرى للأجسام حيث اخذت الاكتشافات تتوالى الواحدة تلو الاخرى دون انقطاع. ان جاذبية المواد المغناطسية تشبه جاذبية المواد المكهربة فالمواد المغناطسية يمكن ان تتجاذب او تتنافر على حد سواء ، كما يحصل في الجسيمات المشحونة كهربائيا وهي تفوق كثيرا جاذبية الاجسام المكهربة. بحث كولوم الفعل المتبادل بين المواد المغناطيسية من الناحية الكمية بالطريقة نفسها التي بحث بها القوة المتبادلة بين الجسيمات المشحونة واكتشف قانون الفعل المتبادل لأقطاب المغناطيس ، واعتبر ان اقطاب المغناطيس هي أماكن لتركيز الشحنات المغناطسية الماثلة للشحنات الكهربائية.
ومن الجدير بالذكر ان الفعل المتبادل بين المواد المغناطسية ماهي الا حركة شحنات كهربائية أي لا يوجد شحنات مغناطيسية بالمعنى . تختلف القوة المغناطسية اختلافا جوهريا عن القوة الكهربائية ، حيث انها لا تتميز بطابع مركزي مثل القوة الكهربائية ، أو قوة الجذب ، فالإبرة المغناطيسية مثلا لا تنجذب نحو السلك الكهربائي، ولا تتنافر معه بل تدور، او تنحرف .
كما ان القوة المغناطيسية اضعف بكثير من القوة الكهربائية في الظروف الاعتيادية اما اذا اقتربت الجسيمات من سرعة الضوء عندئذ تصبح متساوية مع بعضها.
ان دور القوة المغناطسية بالمقارنة مع القوة الكهربائية هو دور متواضع، لكنها تلعب دورا رئيسا في التكنولوجيا ، والصناعة ، ومثال على ذلك المحركات الكهربائية لم تقدم القوانين الخاصة بالقوة الكهربائية والقوة المغناطسية لنا إجابة عن كيفية انتقال هذه القوة من شحنة الى أخرى، كما أن قانون الجذب لم يقدم إجابة عن كيفية انتقال قوة الجذب من جسم الى اخر.
يشير ماكسويل الى ان التأثير بين الاجسام على بعد مسافة معينة يمكن تفسيره بوجود عوامل وسيطة معينة تقوم بنقل التأثير، لكن هذا التأثير يجهله الكثير ، فالذي يجهل خواص الهواء مثلا يمكن له ان يفكر بان صوت الجرس يؤثر في آذاننا مباشرة اما كيفية انتقال صوت الجرس في الهواء فهي غير مفهومة بالنسبة له.
يقول ماكسويل: ان الكثير من العقول غرقت في التفكير، والتأمل حول التيارات الخفية التي تحيط بالكواكب ، والمغناطيسيات، وحول الأجواء غير المرئية التي تحيط بالأجسام المكهربة، وقد كانت هذه التأملات ظريفة في بعض الأحيان لكنها تتميز بنقص مهم وهو انها بقيت بلا جدوى تماما، ولم تقدم للعلم أي شيء يستحق الذكر".
ظهرت نظرية التأثير المباشر عن بعد عبر الفراغ دون وسيط لتفسير انتقال القوى، وتشير هذه النظرية الى ان الاجسام تتميز بقابلية الإحساس المباشر بوجود بعضها دون وسيط ، وهذه النظرية اقترحها نيوتن، فأيدها بعض العلماء احتراما لهيبة نيوتن، ونفوذه على الرغم من انها غير ملائمة للواقع. و أنصار هذه النظرية يحتجون على صحتها بالمغناطيس الذي يجذب قطعة الحديد دون أي وسيط.
ان الاتصال التام بين الاجسام غير موجود في الطبيعة؛ فكل جسم مؤلف من ذرات، وهذه الذرات لا تتصل اتصالا تاما بل يفصل بينهما فراغات؛ ولذلك لابد من وجود وسيط. كان الفلاسفة القدماء يعتقدون بان التماس المباشر أساس الحصول الفعل المتبادل بين الاجسام، لكنهم لا يعلمون ان لا وجود لتماس مباشر؛ ذلك لأنهم كانوا يفهمون بأن الذرة هي جسم صلب غير قابل للانقسام واثبت العلم الحديث ان الذرة معظمها فراغ ، وتؤثر مكوناتها بعضها على بعض عبر هذا الفراغ ، فافترض عالم الفيزياء فاراداي شيئا أشبه بالخطوط المرنة غير المرئية تنقل التأثير المتبادل بين الأجسام المشحونة.
استطاع العالم ماكسويل توحيد القوة الكهربائية والقوة المغناطسية بقانون واحد سمي قانون القوة الكهرومغناطيسية.
ان القوة الكهرومغناطيسية هي التي تساعد الكائنات الحية على رؤية الأشياء؛ ذلك لان الضوء هو احد اشكالها حيث يتكون من موجات كهرومغناطيسية، وبدون هذه القوة تفقد الحياة معناها.
والقوة الكهرومغناطيسية تعتمد على الفعل المتبادل بين شحنات الجسيمات الأولية المكونة للذرة ، وبدون هذا الفعل المتبادل بين مكونات الذرة تحلل الذرة ، وتفتت الى مكوناتها الاصلية.
فالنواة الموجبة تجذب الاكترونات السالبة داخل الذرة كما تجذب الشمس الكواكب. ان الجسيمات المشحونة داخل الذرة ترتبط بعضها مع بعض بالقوة الكهربائية فلولا هذه القوة التي تربط الجسيمات المشحونة داخل الذرة لتلاشت الذرة وتلاشت المادة وأصبح الكون من غير مادة.
ان هذه القوة مخفية داخل الذرات عميقا ولا يمكن العثور عليها الا بواسطة الأجهزة الفيزيائية المعقدة؛ ولذلك تسمى قصيرة المدى ؛ لأنها محصورة داخل ابعاد الذرة التي لا نراها ، ولا تلمسها.
الاكثر قراءة في الكهرومغناطيسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة