الصحافة ما بين: الأخلاقية المهنية والنصوص القانونية
المؤلف:
الدكتور خالد العزي
المصدر:
التشريعات الإعلامية واخلاقيات المهنة
الجزء والصفحة:
ص 26- 31
2025-10-28
40
الصحافة ما بين: الأخلاقية المهنية والنصوص القانونية:
إن حرية التعبير ومنها حرية الصحافة والتي تندرج ضمن الحقوق الصحفية التي منحتها المواثيق الدولية للعاملين في مجال الإعلام والاتصال، تدرجت ضمن ظروف تاريخية صعبة ومعقدة إلى أن أصبحت واقع حقيقي في العديد من البلدان، رغم أن ذلك لا يعني أن كل شيء على ما يرام، فالعديد من الدول في العالم الثالث لازالت لا تحترم قوانينها ولا تلتزم بالمواثيق الدولية، واليوم في العراق بذلت جهود كبيرة من أجل إقرار قوانين تحترم حرية التعبير وتصون حياة وكرامة الإعلاميين، حيث قدم مشروع قانون حماية الصحفيين إلى مجلس النواب لمناقشته، وأكد رئيس مجلس النواب حينها، أن هذا القانون سيكون مفخرة للعراقيين للحفاظ على الحريات، ولحين مناقشة هذا القانون وإقراره ليكون نافذ المفعول، يحتاج إلى التثقيف والتعريف بهذه الموضوعة ليكون واضحاً للجميع ماهية حرية الصحافة وكيف تدرج هذا المفهوم عبر فترة تاريخية طويلة إلى أن تحقق بشكله الأخير. نحاول هنا وعبر هذه الدراسة ألقاء الضوء على ذلك.
تنطلق معظم إن لم نقل جميع الحقوق الصحفية في المواثيق الدولية للعاملين في مجال الإعلام والاتصال من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذلك في المادة (19) التي جاء فيها، "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
ويشرع الإعلان العالمي بشكل واضح كل الوسائل الممكنة لامتلاك المعلومة والحصول على المعرفة والاطلاع على تجارب الآخرين، فقد ربط هذا الحق بالحق في الحصول على المعلومات وتداولها ونقلها وتحليلها وهذا ما تقوم به وسائل الإعلام ويقوم به كل العاملين فيها، وهذا يتطلب تهيئة أساليب فعالة ليتمكن الجمهور من الحصول على المعلومات ومعرفة ما تعمله الحكومات بالنيابة عنه، وإيصال الحقائق له ليتمكن من المساهمة في بناء بلده بحرص.
لقد وقعت معظم دول العالم على تلك المبادئ لكن نرى أنه مازال هنالك بعض الدول التي تعمل ضد مبادئ الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، بل وقامت بسن قوانين خاصة تتعارض وتلك الحقوق، وتحت تبريرات عدة.
بالتأكيد إن العمل الإعلامي يتمتع اليوم بهامش من حرية التعبير في معظم دول العالم وبدرجات متفاوتة، حتى في العراق نجد اليوم حرية غير مسبوقة خصوصاً بعد عام 2003م، عكس ما كان سائداً قبل ذلك من قمع واضطهاد وتغييب للرأي الآخر، رغم الفوضى التي تعم الوضع السياسي حالياً، إلا أن هناك حرية واعدة للصحافة والإعلام.
لقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1996، على عدة حقوق، في مادتها التاسعة، حيث تضمنت التالي:
- لكل فرد الحق في حرية الرأي.
- لكل فرد الحق في حرية التعبير، وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات، أو الأفكار، من أي نوع، وتلقيها، بغض النظر عن الحدود، إما شفاهة، أو كتابة أو طباعة، وسواء كان ذلك، في قالب فني، أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
ترتبط ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة بواجبات ومسؤوليات خاصة فإنها تخضع لقيود معينة، ولكن فقط بالاستناد إلى نصوص القانون، وشرط أن تكون ضرورية وهي:
- من أجل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
- ومن أجل حماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الأخلاق.
هذا وقد أنشأت الأمم المتحدة عدة مراكز للإعلام "وتعد مراكز الأمم المتحدة للإعلام المصادر الرئيسية للمعلومات عن منظومة الأمم المتحدة بالبلدان التي تتواجد بها. وهي مسؤولة عن تعزيز فهم أهداف وأنشطة الأمم المتحدة بنشر المعلومات عن عمل المنظمة للناس في كل مكان وخاصة في البلدان النامية".
وتعتبر شبكة مراكز الأمم المتحدة للإعلام إحدى القنوات الرئيسية التي تعكس صورة الأمم المتحدة للعالم عبر ترجمة المواد الإعلامية للغات المحلية وإشراك قادة الرأي ونشر مقالات الرأي لكبار مسؤولي الأمم المتحدة في وسائل الأعلام الوطنية، وكذلك عبر تنظيم الفعاليات والأحداث لإحياء المناسبات أو لتسليط الضوء مما يساعد على تقريب الأمم المتحدة من الشعوب.
وهنالك العديد من مراكز الأمم المتحدة للإعلام حيث تم إنشاء أول مركزين في عام 1946. ويوجد حالياً 63 مركزاً إعلامياً ومصلحة ومكتباً للإعلام لها في جميع أنحاء العالم. فلا يمكن للأمم المتحدة أن تحقق الأهداف التي قامت من أجلها إلا إذا كانت شعوب العالم على إطلاع تام بأهدافها وأنشطتها.
وتعمل هذه المراكز على ربط المقر الرئيسي للأمم المتحدة مع شعوب العالم وهي كمكاتب ميدانية لإدارة الإعلام، ومن مهامه المساعدة في الحصول على المعلومات حول المنظمة واستراتيجياتها، وسياساتها، وأولوياتها، وأنشطتها المختلفة، بهدف تبليغ رسالة الأمم المتحدة بشكل واضح وآني، ويتم ذلك من خلال أنشطة مشتركة مع الإعلام والاتصال مع السلطات المحلية ووسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، كما تقدم هذه المراكز الدعم اللوجيستي وترتيب اللقاءات الإعلامية والمؤتمرات الصحفية.
إن حقوق البحث والاستقصاء عن المعلومات وامتلاكها هي من بديهيات الأنظمة الديمقراطية، وهو حق من حقوق المواطنة، لو كانت هنالك ديمقراطية حقيقية، التي تتطلب مقداراً من الشفافية في أداء مؤسسات الدولة وسير العمل الحكومي والخاص، وبالتأكيد تعتبر الصحافة والإعلام الناقل الطبيعي للمعلومة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع، وهذا يتطلب حرية إصدار الصحف والمطبوعات والبث الإذاعي والتليفزيوني وغير ذلك، وتكون الحرية متاحة للجميع وبدون تمييز، مع وجود ضمانات دستورية وقانونية تكفل حرية الوصول للمعلومة من قبل الإعلاميين لإيصالها بأمانة للجمهور المتلقي .
إن حرية التعبير هي ممارسات واقعية تحكمها العديد من العوامل السياسية والمصالح الاقتصادية وهذه تختلف باختلاف المجتمعات والدول والحقبة التاريخية، كما أن حرية التعبير التي يتمتع بها أصحاب المؤسسات الصحفية والمسؤولين عن إدارة المؤسسات الإعلامية الأخرى تختلف عن تلك الحرية التي يتمتع بها الجمهور المتلقي.
أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها ، سخرت انتهاكات النازية ضد حقوق الإنسان كل وسائل الإعلام للدعاية النازية وبث الروح العنصرية والحرب النفسية ضد الشعوب الأخرى، فنادت العديد من الدول الأوروبية وغيرها من الدول من أجل سن قوانين لضمان حرية التعبير ورفض كافة أشكال الدعاية العنصرية، فقد تحالفت أجهزة الإعلام الخاصة بدول الحلفاء "الإذاعة البريطانية وراديو موسكو وصوت أمريكا" في مواجهتها، كما أصبحت مسألة الإعلام "حريات ومسؤولياته" من أبرز القضايا التي شملتها مفاوضات سان فرنسيسكو أثناء إعداد مسودة ميثاق الأمم المتحدة. وحددت المادتان 1، 55 من ميثاق الأمم المتحدة المفهوم العام للحق في حرية التعبير كجزء من الحقوق الأساسية للإنسان. لابد من التأكيد أن قوانين حرية الصحافة أخذت حيزاً كبيراً من الاهتمام منذ نشوء الصحافة، وقد عالجت القوانين البريطانية والأمريكية ذلك وهنالك عدة قوانين يمكن الرجوع إليها لكن من المفيد جدا الاطلاع على القانون الأمريكي ففيه من التفاصيل المهمة التي اعتمدت في الكثير من المؤسسات الدولية.
الأساسي، وكان المشرع الفرنسي على وعي بأهمية الدور الذي تقوم به هذه الشركات في تحقيق الإدارة الديمقراطية للمؤسسات الصحفية وتحقيق التعددية والحماية من الاحتكار، وهنالك شروط وضعت يجد أن تتوفر للمساهمين في هذه الشركات، أما في الدول العربية ولو أخذنا مصر كنموذج كونها من الدول العربية الرائدة في مجال الصحافة العربية، والتي لازالت قوانينها وتشريعاتها تكشف عن تحكم السلطة في إصدار الصحف مما يعيق التعددية والتنوع الذي نتحدث عنه.
ففي دستور 1971م ، كفلت المادة 47 حرية الرأي، والمادة 48 كفلت حرية الصحافة والنشر بدون تحديد أو تقييد، وكان من الضروري عقب إصدار دستور 1971 أن يتم إلغاء جميع النصوص القانونية التي تقيد حق إصدار الصحف حيث أنها أصبحت متناقضة مع نص المادتين 47 48 من الدستور، لكن السلطة لم تفعل ذلك، ثم قامت في عام 1980 بإضافة فصل إلى الدستور بعنوان سلطة الصحافة والذي تضمن المادة 209 التي نصت على أن حرية الصحف وملكيتها للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية مكفولة طبقاً للدستور)، ونرى التحديد الواضح للفقرة وهذا يتناقض مع الفقرتين المشار إليهما، ثم جاء القانون رقم 96 لسنة 1996م ليضع قيوداً جديدة على حرية إصدار الصحف ويحدد الصلاحيات، ولمناقشة ذلك الأمر نحتاج إلى عدة دراسات مستقلة لكن ما أردناه هو التنويه إلى واقع حرية الصحافة في أهم بلد عربي كمثال يمكننا من خلاله أخذ صورة تقريبية عن الموضوع.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة