حق الصحفي في الحصول على المعلومات
المؤلف:
الدكتور خالد العزي
المصدر:
التشريعات الإعلامية واخلاقيات المهنة
الجزء والصفحة:
ص 32- 34
2025-10-28
45
حق الصحفي في الحصول على المعلومات:
من البديهي أنه كلما تمكن الإنسان من الحصول على المعلومات والمعرفة كلما أصبح أكثر قدرة على تطوير حياته وأصبحت قراراته أكثر دقة وأصبحت مساهمته في بناء المجتمع أكثر كفاءة، فلا قيمة لحرية الصحافة إذا أوصدت في وجهها أبواب الأخبار.
ومن خلال المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا النص حريته في اعتناق الآراء والحصول على المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، أي يحق لكل شخص أن يتلقى الأخبار والمعلومات وكذلك له حق إرسالها إلى الآخرين كما أكدت المادة ان الحدود الجغرافية لا يجب أن تعيق حق الأشخاص في تلقي المعلومات أو إرسالها، لكن ذلك الحق دائما ما يصطدم بالواقع المغاير عند التطبيق العملي، وفي معظم الدول حتى الأكثر ديمقراطية، وهذا ما أكدته لجنة "ماكبرايد" في تقاريرها الذي جاء فيه إن استقراء التجارب المختلفة يؤكد على أن السلطات بكل أنواعها تميل دائما إلى منع وصول أنواع معينة من المعلومات إلى الجماهير، ولذلك من الصعب مقاومة الرأي القائل بأنه لا توجد حكومة مهما تكن حكيمة ينبغي أن تكون القاضي الوحيد الذي يقرر ما يحتاجه الناس من معرفة.
هذا التقرير ونتائجه وتوصياته ذات أهمية كونه يعكس أمور لازالت مهمة حتى اليوم، وهذه التوصيات حددت مفهوم الحق في الاتصال ومكوّناته الأساسية كونه ينطوي على مجموعة من الحقوق ونبهت إلى مسألة احتكار المعلومات والتكنولوجيا الاتصالية والعقبات أمام امتلاكها كما كشفت الفارق الكبير بين البلدان وحاولت رفع الحيف والهيمنة السائدة بين من يمتلك تكنولوجيا الإعلام وبين من لا يمتلكها، وطبعا الدول العربية من الدول النامية التي لا تملك التكنولوجيا.
ولهذا دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم خبراء الإعلام العربي لوضع تصور لموضوعة الحق في الاتصال سنة 1982، وكان خلاصة ما تم تحديده من مشكلات في الدول العربية ما يأتي:
أ. تركيز وسائل الاتصال في كل قطر على الشؤون المحلية وعلى إبراز الشخصية الذاتية للدولة العربية الواحدة في الغالب.
ب. عدم التوزيع المتساوي للترددات المقررة لكل دولة بما يكفل عدم التداخل فيما بينها وبين دول العالم الثالث وعدم تكامل المحطات الأرضية.
ت. نقص بنوك المعلومات ومراكز البحوث الإعلامية ومعاهد التدريب.
ث. عدم كفالة حرية العاملين في ميدان الاتصال وبالتحديد في المجال الصحفي والثقافي.
ج. قلة التبادل البرامجي إذ أنه بالرغم من أننا نعيش في عصر التكتلات الدولية في المجال السياسي والاقتصادي والإعلامي فإنّ هنالك نقصاً في حجم "التبادل البرامجي".
وهذا ما يميز دول العالم النامي كافة.
لقد دافعت اليونسكو طويلاً عن حق البلدان النامية في الاتصال ونبهت إلى المخاطر المترتبة على سياسة الهيمنة وعدم التكافؤ والتدفق الاتصالي من جانب واحد، فالمعطيات تؤكد وجود وكالات أنباء قليلة تعود ملكيتها إلى بلدان غربية متقدمة صناعياً وتكنولوجياً ومعلوماتياً وتؤكد كذلك تبلور شبكات فضائية عملاقة تحتفظ بأسرار وتقنيات الفضاء، وهذا الواقع يتطلب الانتباه له والعمل على تجاوزه من أجل اعطاء مصداقية لحرية التعبير.
يمكن اعتبار القانون السويدي والفرنسي نموذجا لحرية الحصول على المعلومات، إذ لم يجد المشرع الفرنسي ضرورة لإفراد نص خاص يقرر هذا الحق للصحفيين باعتباره من حقوق المواطنين كافة، وقد ثبت القانون الفرنسي الصادر في 17 تموز 1978م، حق جميع المواطنين في الاطلاع على الوثائق التي عرفها بأنها كل الدراسات والتقارير والبيانات والمحاضر والإحصائيات والأوامر والتحقيقات والنشرات والمذكرات والاستجوابات الوزارية التي تتضمن تفسيرا للقانون الوضعي أو تحديدا للإجراءات الإدارية كما نصت المادة الثانية من هذا القانون على أمكانية الاطلاع على الوثائق الصادرة من وحدات الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات المحلية أو الهيئات ذات النفع العام.
أما في السويد فهنالك نظام يعتبر أفضل نموذج ساطع لدعم حرية الصحافة، بل ونموذج رائع للحرية والديمقراطية للمجتمع ككل، فالقانون يسمح ويحمي حق كل المواطنين في الاطلاع على الوثائق العامة المحفوظة لدى المؤسسات الحكومية، ويحمي حرية الصحفي في التعبير عما يقتنع به دون أي محاسبة قانونية، وجاء في المادة ال 19 من قانون حرية الصحافة وهو وثيقة دستورية تثبيت حق (كل المواطنين في الإطلاع على الوثائق)، رغم أن هنالك قانون للسرية صدر سنة 1980م، والذي يسمح للسلطات حجب بعض الأسرار التي تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية للدولة والتحقيقات الجنائية والمصالح الشخصية والمالية للأفراد والمعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للمواطنين.
ورغم ذلك يحق للمواطنين رفع قضية أمام المحاكم في حالة عدم قناعته بحجب شيء ما، وفي حالة أن تجد المحكمة لا ضرورة للحجب فتقوم بإلزام الحكومة برفع الحجب.
ومن هنا يمكن تفسير ومعرفة موقف الحكومة السويدية الرائع خلال الأزمة الدبلوماسية بينها وبين اسرائيل على أثر نشر صحفي سويدي تقرير يتهم فيه إسرائيل بانتهاكات صارخة ضد الفلسطينيين، وبعيدا عن تفاصيل الموضوع هذا، لاحظنا كيف تحترم السويد قوانينها، وتلتزم بالدستور، فلم تعتذر ولم تحاسب الصحفي، فالدستور قد ضمن له أن يكتب ما يقتنع به دون أدنى محاسبة.
خلاصة القول علينا أن ندرك إن الفساد الإداري والمالي بمختلف أشكاله كان دائما ما ينمو في أجواء النظم السياسية التي تحجب حق امتلاك ونقل المعلومة، ونجد إن المفسدين هم من يعارض سن قوانين خاصة لحرية الحصول على المعلومات من الدولة.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة