الإمامة هي الهيمنة على عالم الأمر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص157-160
2025-10-13
354
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتابَهُمْ ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ، ومَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلًا}[1].
انّ كلّ موجود من الموجودات الخارجيّة، وحتى أفعال الإنسان، له وجهتان، وجهة ظاهريّة مشهودة ومحسوسة تُدعى بالوجهة الخلقيّة والملكيّة، ووجهة باطنيّة غير مشهودة ولا محسوسة تُدعى بالوجهة الأمريّة والملكوتيّة.
والوجهة الملكوتيّة والأمريّة هي التي تظهر بواسطتها الوجهة الخلقيّة والملكيّة، مثل إرادة الانسان التي يقوم بواسطتها بفعل الأفعال في الخارج.
والإمام هو الذي يستطيع هداية البشر إلى الله من الوجهة الملكوتيّة، وتلك هي الهداية بالأمر وليست زمانية ولا مكانية، والآية الشريفة: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا}[2] تعرّف اولئك الأفراد.
وتشير هذه الآية انّ كلّ ما يرتبط بأمر الهداية، أي القلب والعمل، فانّ باطنه وحقيقته بيد الإمام، وذلك الباطن والحقيقة- وهي الوجهة الأمريّة لتلك الأمور- حاضر دوماً عند الإمام لا يغيب عنه. وهذا المقام يستلزم الاطّلاع على أسرار الملكوت الذي سيكون اليقين من لوازمه. وبناءً على هذا فانّ مقام الإمامة أشرف من النبوّة.
مقام الإمامة أشرف من النبوّة: ورد في (الكافي) عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعالى اتَّخَذَ إبْرَاهِيم عَبْدًا قَبْلَ أنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيًّا، وإنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا قَبْلَ أنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولًا، وإنّ اللهَ اتَّخَذَهُ رَسُولًا قَبلَ أن يَتَّخِذَهُ خَليلًا، وإنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ خَليلًا قَبلَ أن يجعلهُ إمَامًا، فَلمّا جَمَعَ لَهُ الأشْيَاءَ قَالَ: إني جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا.
قَالَ: فَمِنْ عِظَمِهَا في عَينِ إبراهِيم قَالَ: ومِن ذُرِّيَّتِي؟ قَالَ {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.
قَالَ: لَا يَكُونُ السَّفِيهُ إمَامَ التَّقِيّ"[3].
وذلك لأن معنى النبوّة اتّصال القلب بعالم الملكوت، وتلقّي الوحي من جبرئيل، وهذا المعنى أقوى في الرسول، كما انّه سيكون هناك أيضاً مشاهدة الملائكة وملائكة الوحي، لكنه يمكن في نفس الوقت ان لا يكون لكلّ منهم سيطرة على ملكوت بني آدم أو إحاطة بالقلوب ليسيروا بهم إلى الكمال وإلى مقامهم الواقعي، فمقام الأنبياء والمؤمنين والعلماء هو مقام الإرشاد والتبليغ وإراءة الطريق فقط.
قال الله تعالى: {وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ}[4].
وتبيّن هذه الآية دائرة مأموريتهم، وهي مجرّد البيان والدلالة على الطريق، وأمّا الإضلال والهداية فهي بيد الله تعالى وليس بيد الأنبياء منها شيء، خلافاً للإمام الذي يهدي بنفسه بإذن الله. يقول في هذا الشأن: {وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ}[5].
وقال أيضاً: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[6].
نعم هذا كلّه دلالة على الطريق وليس منصباً للإمامة.
معنى الإمام: وبناءً على هذا فإن أقوال وأحاديث الفقهاء هي فقط من باب نقل الرواية وبيان الحكم، لا من جهة حجّية الرأي والفعل والقول؛ ومن الخطأ أن يُطلق عليهم إسم الإمام. فالإمام هو الذي صار له- بوصوله إلى مقام اليقين وكشف الملكوت- الهيمنة على عالم الأمر، وصار باطن الأفعال مكشوفاً له، وصار بإمكانه- بسيطرته على الباطن- أن يهدي القلوب إلى المقاصد والغايات.
والأمر هو الإذن الذي تصدر المعجزة بواسطته من الأنبياء العظام، فأحيوا به الموتى وقاموا بالأعمال الخارقة للعادة.
لقد قال عيسى بن مريم، على نبينا وآله وعليه السلام، لبني اسرائيل: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ والْأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[7].
ففي هذه الآيات تعدّ خوارق العادات المنسوبة إلى عيسى بن مريم منوطةً بإذن الله تعالى، ولإنّ إذن الله ليس إجازة وأمراً اعتباريّاً وترخيصاً خارجاً عن الملكوت، لذا فقد اعطى عيسى بن مريم قوّة التصرّف في أمر الملكوت، بحيث يتصرّف في ملكوت الأشياء بإرادته الملكوتيّة، وبحيث يستطيع تغيير ماهيّة الأشياء، فصار يُحيي الموتى ويُبرء الأبرص والأعمى دون أسباب ودون إعداد المقدّمات في الخارج.
[1] الآية 71 و72، من السورة 17: الإسراء.
[2] الآية 73، من السورة 21: الأنبياء.
[3] (اصول الكافي)، المجلّد الاول، ص 175.
[4] الآية 4، من السورة 14: ابراهيم.
[5] الآية 38، من السورة 40، المؤمن.
[6] الآية 122، من السورة 9: التوبة.
[7] الآية 50، من السورة 3: آل عمران.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة