حديث العشيرة عند المستشرقين
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص98-100
2025-10-07
313
بلى، لقد كان حديث العشيرة وتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم في منصب الخلافة واضحاً ومسلّماً بحيث نقله بعض المستشرقين، ومنهم: جورج سيل في كتابه (قرآن محمّد) يقول فيه: لقد أظهر محمّد آنذاك محبّة ومودّة كبيرة لعلي، فقد ضمّه إلى صدره وأمر الحاضرين في المجلسي أن يسمعوا له ويعتبروه خليفته وأن يطيعوا أمره، فتفرّق اولئك القوم عن المجلس وهم يقولون لأبي طالب: صار عليك الآن أن تُطيع ابنك! ويقول جون داقن بُرت في كتاب (محمّد والقرآن) ص21 ضمن هذه القصّة: فنهض النبيّ وأظهر أخلاقه الحميدة وشمائله الكريمة، ووهب لمن يتبعه كنزاً أبديّاً (كناية عن السعادة الأبديّة)، وأورد في الختام خطبةً اشتهرت ببلاغتها وفصاحتها ضمّنها الأسئلة التالية: أيّكم يوازرني على هذا الأمر؟ أيّكم يكون وصيّي ووزيري كما كان هارون وصيّ موسى ووزيره؟ فكان السكوت مخيّماً على جماعة الحاضرين، فلم يجرؤ أحد منهم على قبول تلك المهمّة الخطرة التي عرضها عليهم، إلى أن قام ابن عمّ الرسول على، ذلك الشاب الشجاع فصاح: أنا اؤازرك يا ايّها النبيّ!- إلى أن يقول- فطوّق محمّدٌ بيديه ذلك الفتى الكريم وضمّه اليه وصاح: هاكم فانظروا إلى أخي ووزيري! وقد كتب واشنجتن ارونيك الامريكي هذه القصّة في («الكتاب المقدّس» ترجمة الميرزا ابراهيم خان الشيرازي من الانجليزية إلى الفارسيّة، ص 6) ضمن شرحه أحوال النبيّ إلى أن يقول: قال النبيّ: من يتقدّم منكم فيؤاخيني؟ من منكم يكون وزيري ووصيّي وخليفيتي؟ فصمت اهل المجلس مدّةً ولم يجبه أحد، وظلّوا ينظرون إلى بعضهم ويتبسّمون في وجوه بعضهم تعجباً او سخرية، إلى أن قام علي أبي طالب بجرأة الشباب وقوّته غير مُبالٍ بأحد، فتقدّم بقدم صادقة وقال: أنا غلامك وخادمك يا رسول الله، ولو انني لا زلت طفلًا لا أصلح للخدمة.
فألقى النبيّ يده إلى عنق ذلك الشاب الصادق وجذبه اليه فاحتضنه وهو يقول بصوتٍ عال: هاكم فانظروا إلى أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي! ولقد أضحكت جرأة وجسارة وتفاخر طفل كمثل على في محفلٍ كهذا قريشاً وأثارت استهزاءهم، فالتفتوا إلى أبي طالب وهم يقولون في سخرية: وأنتَ بالطبع تنتظرُ منّا ان نركع في حضور ولدك ونقوم بتعظيمه[1].
واجمالًا فانّ علينا ان نتحدّث عن هذا الحديث من جهتين: الاولى في السند، والثانية في الدلالة.
فأمّا من جهة السند، فانّه- وكما ذكر- لا توجد أي شبهة أو شك تعتريه، لأن سنده في نظر أهل السنّة في غاية القوّة والإتقان، لم يضعّفه منهم أحد الّا ابن تيمية حيث قال بأن هذه الحديث موضوع ومفتعل. وليس لكلام ابن تيمية أي اعتبار، لأن الكلّ يعلم انّه كان رجلًا متعصّباً معانداً ومعادياً لأهل البيت، وكان يُنكر الأحاديث المسلّمة لمجرّد تضمّنها لفضيلةٍ من فضائل أهل بيت رسول الله. بل انّ من المسلم عند أهل الفنّ ان ميزان ابن تيمية في ردّ وقبول الروايات هو تضمّنها لفضائل أهل البيت أم عدم ذلك.
يقول اليافعي في (مرآة الجنان): ولابن تيمية فتاوى عجيبة وغريبة عُدّ بسببها مُبعداً عند أهل السنّة، حيث قاموا بسجنه لهذه العلّة، ومن أقبح نظريّاته الحكم بحرمة زيارة قبر الرسول محمّد صلى الله عليه [و آله] وسلّم. والعجب من الحلبي الذي نقل رواية العشرة عن ابن تيمية، إلى قوله: فقال رسول الله: فَمَنْ يُجِيبُني إلى هذَا الأمْرِ ويُوَازِرُني، أي يُعَاوِنُني عَلى الْقِيَامِ بِهِ.
قَالَ عَلي: "أنَا يَا رَسُولِ اللهِ وأنَا أحْدَثُهُمْ سِنّاً، وسَكَتَ الْقَومُ".
ثمّ يختم الحديث إلى هذا الحدّ ولا يتطرّق إلى شيء من مقامات أمير المؤمنين في سؤال النبي وجوابه عليه السلام، فيُسقط كلمة (عَلَي أن يَكونَ أخِي ووَصِيّي وخَليفَتِي مِنْ بَعْدِي) وجواب النبيّ: (فَأنْتَ أخِي ووَصِيِّي وخَليفَتِي مِنْ بَعْدِي). الأعجب من ذلك قوله: وأضاف البعض كلمة (أخِي ووَصِيّي ووَارِثِي ووَزِيرِي وخَليفَتِي مِنْ بَعْدِي)[2].
[1] نقلًا عن كتاب (شيعه در اسلام) سبط، الجزء الاول، ص 5- 7.
[2] (السيرة الحلبية)، المجلد الاول، ص 322.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة