حكمة تقسيم المعيشة والرحمة
المؤلف:
الفيض الكاشاني
المصدر:
تفسير الصافي
الجزء والصفحة:
ج4، ص388 - 390
2025-10-07
359
قال تعالى:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم والمراد بالرحمة النبوة نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا وهم عاجزون عن تدبيرها ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل بينهم تألف وتضامن وينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى من ذلك ورحمة ربك هذه يعني النبوة وما يتبعها خير مما يجمعون مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه.
في الأحتجاج وفي تفسير الأمام (عليه السلام) في سورة البقرة عن أبيه (عليهما السلام) قال إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش وساق الحديث كما سبق ذكره في سورة بني اسرائيل إلى أن قال قال له عبد الله بن أبي امية لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من في ما بيننا مالا وأحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف ثم ذكر شيئا إلى أن قال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأما قولك لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه وليس هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع فيخصه بالنبوة لذلك ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في طاعته والأجل في خدمته وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تبطأ عن طاعته وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمة ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحداً أو قبح صورته وكيف حسن صورة واحد وأفقره وكيف شرف واحدا وأفقره وكيف أغنى واحدا ووضعه ثم ليس لهذا الغني أن يقول هلا اضيف إلى يساري جمال فلان ولا للجميل أن يقول هلا اضيف إلى جمالي مال فلان ولا للشريف أن يقول هلا اضيف إلى شرفي مال فلان ولا للوضيع أن يقول هلا اضيف إلى ضعتي شرف فلان ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم قال الله تعالى أهم يقسمون رحمه ربك يا محمد نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا فأحوجنا بعضا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب إما سلعة معه ليست معه وإما خدمة يصلح لما لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من ذلك الفقير فهذا الفقير محتاج إلى مال ذلك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ثم ليس للملك أن يقول هلا إجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ولا للفقير أن يقول هلا إجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة