روايات علماء أهل السنّة المشهورين في مقام أمير المؤمنين عليه السّلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص39-45
2025-10-01
274
سنذكر بعض الروايات التي أوردها علماء العامّة المعروفون في كتبهم ليتضّح مقام أمير المؤمنين عليه السلام ومنزلته في نظرهم.
فقد روى في (ينابيع المودّة) عن جابر بن عبد الله الأنصاري انّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قال: "كَفُّ عليّ كَفِّي"[1].
ومن البيّن انّ المراد باليد الآثار المترتّبة على اليد من الأخذ والعطاء والكتابة والحرب وغير ذلك، واجمالًا فانّ المراد به كلّ ما تفعله اليد. ولأنّ هذه الأفعال مترتّبة على إرادة النفس واختيارها، فانّ تساوى الكفّين سيلازم المساواة في جميع المبادئ والمراحل الفعلية من الحالات النفسيّة ومكارم الأخلاق والصفات الحسنة. وورد أيضاً عن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "يَا أبا بَكر كِفّي وكَفُّ عليّ في الْعددِ سَواءٌ"[2]. وفي رواية أخرى: يا "أبا بَكْر كَفِي وكَفٌّ عليّ في العدلِ سَواءٌ"[3].
وبالطبع فانّ التساوي في العدل كما بينا يتلازم مع تساوي الصفات النفسيّة ومكارم الأخلاق والإطّلاع على السرائر، الذي سينجم عنه في مرحلة الفعل أن تكون أفعاله وسيرته كأفعال وسيرة النبيّ الأكرم.
وامّا التساوي في العدد فهو كناية عن التساوي في جميع مراتب القدرة ومراحلها، فكلّ شيء يستطيع الرسول صلى الله عليه وآله فعلَه فانّ أمير المؤمنين هو الأخر يستطيع فعله، لأنّ اليد في هذا التعبير الذي افتُرض لها عدد فيه معلولٌ للقدرة وآلة لإجراء النوايا النفسانية والإرادات الروحيّة.
وبناءً على هذا فانّ هذا التعبير يبيّن تساوي قدرة رسول الله مع قدرة علي عليه السلام، وهكذا فانّ المعجزات العجيبة التي ظهرت على يد الرسول الأكرم موجودة كلها في مركز إرادة وقدرة علي عليه السلام.
يروي محبّ الدين الطبري في (الرياض النّضرة)، عن أنس بن مالك قال: "قال رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم: مَا مِنْ نَبِيّ إلّا ولَهُ نظير في امَّته، وعلى نظيري"[4].
وهذه الرواية تبين بأنّه لا يوجد أحدٌ في جميع أمّة رسول الله يماثله في الصفات الروحيّة والكمالات النفسيّة كعلي بن أبي طالب، فقد كان مولى الموحدين وحده نظيراً لرسول الله صلى الله عليه وآله.
وجاء نظير هذه الرواية في (ينابيع المودّة) عن أنس بن مالك برواية صاحب (الفردوس): "قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه [و آلهِ] وسلم: مَا مِنْ نَبِيّ إلَّا ولَهُ نظير من أمَّتي ... إلى أن قال وعَلي بنُ أبي طَالِبٍ نظيري".[5] ويقول (في صحيح البخاري) في باب مناقب علي: "قَال النبيّ صلى اللهُ عليه [و آلِه] وسَلم لِعلي: أنْتَ مِني وأنَا مِنْكَ"[6].
وهذا التعبير يبيّن غاية الإتحاد والتلاحم مع عليّ عليه السلام، كأنّ وجودهما كان وجوداً واحداً تجلّى في جسمين.
كما نقل ابن حجر الهيتمي المكيّ في (الصواعق المحرقة[7]، عن البراء بن عازب؛ ونقل محبّ الدين الطبري في (الرياض النضرة) انّ رسول الله صلى اللهُ عليه [و آلِه] وسَلم قال: "عَليٌ مِني بمنزلَةِ رَأسِي مِنْ بَدَني"[8].
وهذا التعبير يدلّل على غاية الاتّحاد والتكاتف والتلاحم، فرسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كما انّ الجسم لا حياة له بدون الرأس، فانّ حياتي مرتبطة ومنوطة بحياة علي. ويروي في (ينابيع المودّة) عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: "عَليّ مِني مثلُ رَأسِي مِنْ بَدَني"[9].
ويروي في (ينابيع المودّة) عن أبي هُريرة أنّه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه [و الِهِ] وسَلّم بَعَثَ بَعْثَيْنِ، وبَعَثَ على أحَدِهِما عَليّاً وعلى الآخَرِ خالِدَ بْنَ الْوَليدِ،
وقالَ: "إذَا الْتَقَيْتم فَعَلى على النَّاس، وإذا افْتَرَقْتم فَكُلُّ على جُنْدِهِ"، فَلَقينا بَني زُبيدة، فاقْتَتَلْنا وظَفَرْنا عَليهم، وسَبيناهُم، فَاصْطَفَى عليّ مِنَ السَّبْي واحِداً لِنَفْسِهِ.
فَبَعَثَني خالِدٌ إلى النَّبيّ صلى اللهُ عليه [و آله] وسلّم حتى اخْبِره ذلكَ، فَلمّا أتَيْتُ وأخْبَرْتُهُ فَقُلْتُ: يا رَسولَ الله بَلَّغتُ ما ارْسِلْتُ بِهِ؟ فقالَ: "لَا تَقَعُوا في عليّ، فَإنَّهُ مِنّي وأنَا مِنْهُ، وهُوَ وَليّي ووَصِيّي مِنْ بَعْدِي"[10]. رواه الإمام أحمد في مسنده.
وروى ابن الأثير في (أسد الغابة)[11]، بسنده المتّصل عن عمران بن الحصين؛ والقندوزي في (ينابيع المودّة)[12] عن (سنن الترمذي) عن عمران بن الحصين؛ كما روى محبّ الدين الطبري عن عمران بن الحصين[13] قال: بعث رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السريّة فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاهد أربعة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلم فقالوا: اذا لقينا رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم أخبرناه بما صنع علي. وكان المسلمون اذا رجعوا من السفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم، فلما قدمت السريّة فسلموا على رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم أ لم تَرَ إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا: فَأقبَلَ إليهِم رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه [و آلِه] وسَلم والْغَضَبُ يُعْرَفُ في وَجْهِهِ، فقالَ: "ما تُريدُونَ مِنْ عليّ؟ مَا تُريدُونَ مِنْ عليّ؟ ما تُرِيدُونَ مِنْ عليّ؟ إنّ عَليًّا مِني وأنَا مِنْ عليّ، وهُوَ وَليّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي"[14].
بلى، أني لأولئك الذين لم يتحمّلوا رؤية عليّ وهو يأخذ تلك الأمَة بينما كان قوام الإسلام مرهوناً بتضحياته الفريدة، أن يتحمّلوا رؤيته عليه السلام وهو يتزعّم جميع المسلمين في العالم ويمسك بيده زمام أمور المسلمين؟! لذا فقد فعلوا معه ما فعلوا، فقضى ثلاثين عاماً مُمتحناً يتجرّع الغصص، إلى أن انهالوا بالسيف على مفرقه الشريف وهو في محرابه، ودفنوا تلك الروح الكليّة والحياة السرمديّة تحت الأرض، فبكى في عزائه قلوب الجنّ والإنس ووحوشُ الفلوات وطيور السماء.
يكتب ابن الأثير: وأنْبَأنا جَدّي، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ عَلي عن عُبيدِ اللهِ بنِ موسى، حَدَّثَنا الحَسنُ بنُ كثير عَنْ أبيه قالَ: خَرَج على لِصَلاةِ الفَجْرِ فَاسْتَقْبَلَهُ الأوزُ يَصِحْنَ في وَجهِهِ؛ قالَ: فجَعَلْنا نَطْرُدهنَّ عنْهُ.
فقالَ: "دَعوهُنَّ فإنَّهُنَ نَوائحٌ؛ وخَرَجَ فَاصِيبَ"[15].
بلى لقد بكت طيور السماء ووحوش الفلوات في عزاء ابنه أيضاً؛ يقول ابن شهر آشوب: ودفن جثثهم بالطفّ أهلُ الغاضريّة من بني أسد بعد ما قتلوه بيوم، وكانوا يجدون لأكثرهم قبوراً، ويرون طيوراً بيضاً[16].
يروي المجلسي رضوان الله عليه عن بعض مؤلّفات الأصحاب انّه روى عن طريق أهل البيت: "أنَّهُ لمَّا استُشهِدَ الحُسَينُ عليه السّلامُ بَقِيَ في كَربَلا صَرِيعاً، ودَمُهُ على الأرضِ مَسْفوحًا، وإذا بِطايِرٍ أبْيَض قَد أتَى وتمسَّحَ بِدَمِهِ؛ وجَاءَ والدَّمُ يَقْطُرُ مِنهُ فَرَأى طُيُورًا تحت الظِّلَالِ على الغُصُونِ والأشْجارِ، وكُلٌّ مِنهم يَذْكُرُ الْحَبَّ والْعَلَفَ والماءَ.
فَقَالَ لهم ذَلِكَ الطَّيرُ المُلَطّخُ بالدَّمِ: يَا وَيْلَكُمْ! أ تشتغِلُونَ بِالملَاهي، وذِكْرِ الدُّنيا والمناهي، والحسين في أرْضِ كَرْبَلَا في هذَا الحرِّ مُلقَى على الرَّمضاءِ ظَامِئٌ مَذبُوحٌ ودَمُهُ مَسْفُوحٌ.
فَعَادَتِ الطُّيورُ، كُلٌّ مِنهم قَاصِدًا كَرْبلَا؛ فَرَأوا سَيِّدَنَا الحسين عَليه السَّلامُ مُلْقَى في الأرضِ جُثَّةً بِلا رَأسٍ ولَا غُسلٍ ولَا كَفَنٍ، قَد سَفَّتْ عَليهِ السَّوافي، وبَدَنُهُ مَرْضُوضٌ، قَدْ هَشَمَتْهُ الْخَيلُ بِحَوَافِرِهَا؛ زُوَّارُهُ وُحُوشُ الْقِفَارِ، ونَدَبَتْهُ جِنُّ السُّهُولِ والأوعار، قَدْ أضَاءَ التُّرابُ مِن أنوارِهِ، وأزْهَر الجوُّ مِن أزهَارِه.
فَلمّا رَأتهُ الطُّيورُ تَصَأيَحْنَ، وأعْلَنَّ بالْبُكاءِ والثُّبورِ وتَوَاقَعْنَ على دَمِهِ يَتمرَّغْنَ فِيهِ، وطارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهم إلى نَاحِيَةٍ يُعْلِمُ أهْلها عَنْ قَتْلِ أبي عبد الله عليه السّلامُ"[17].
[1] (ينابيع المودّة)، ص 252.
[2] (ينابيع المودّة)، ص 252.
[3] ولا يُستبعد أنّ الحديثين كانا كلاهما (في العدل) فصُحِّف أحدهما إلى (في العدد).
[4] (الرياض النضرة)، ج 3، ص 153.
[5] (ينابيع المودّة)، ص 235.
[6] (صحيح البخاري)، ج 2، ص 299.
[7] (الصواعق المحرقة)، ص 123.
[8] (الرياض النضّرة)، ج 3، ص 149.
[9] (ينابيع المودّة)، ص 236.
[10] المصدر السابق، ص 233.
[11] (أسد الغابة)، ج 4، ص 27.
[12] (ينابيع المودّة)، ص 53 و54.
[13] (الرياض النضرة)، ج 3، ص 164.
[14] يبيّن في كتاب (على والوصيّة) من ص 352 إلى 354 موارد عديدة شكي فيها البعضُ أمير المؤمنين إلى رسول الله فتغيّر صلوات الله عليه وآله وردعهم وهدّدهم وسمّي عليّاً أخاً ووصيّاً ووليا كلّ مؤمن.
[15] (أسد الغابة)، ج 4، ص 36.
[16] (المناقب)، ج 2، ص 224.
[17] (بحار الانوار)، الطبعة الكمباني، ج 10، ص 241.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة