صحت الرواية عندنا أن الله تعالى جعل أم الإمام المهدي ( عليه السلام ) حفيدة قيصر الروم ، وأن أمها من ذرية شمعون الصفا وصي عيسى ( عليهما السلام ) .
وشمعون هو بطرس ، الذي يقول المسيحيون إنه قُتل في روما ، وعلى قبره أقيمت كنيسة القديس بطرس ومركز الفاتيكان .
وتقول روايتنا إنه بقي مع قومه في المنطقة ، وكان يتنقل بين طبرية وصور وأنطاكية وبابل ، واستشهد في هذه المنطقة ، لكن لا نعلم أين بالتحديد ، ويوجد قبر في جنوب لبنان يسمى شمع ، يقال إنه قبره ( عليه السلام ) .
وقد سافر بطرس ( عليه السلام ) إلى روما مرات ، وبقي ذات مرة سنوات ، وآمنت على يده زوجة قيصر ، لكنه رجع وبقي مع قومه ، وليس عندنا رواية عن أولاده ، ومن بقي منهم في روما وصار من أهلها .
وقد روى في إثبات الهداة ( 3 / 569 ) عن الفضل بن شاذان ( رحمه الله ) في كتابه إثبات الرجعة : ( عن محمد بن عبد الجبار قال : قلت لسيدي الحسن بن علي ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه . قلت : ممن هو يا ابن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم . ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ، ثم يظهر ) .
أقول : سند الرواية صحيح بامتياز ، لأن الفضل بن شاذان الثقة يرويها عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) بواسطة واحدة ، هو محمد بن عبد الجبار ، وهو ثقة .
وهذا يدل على أن والدة الإمام ( عليه السلام ) مليكة أونرجس من ذرية شمعون الصفا ، وصي عيسى ، سلام الله عليهما ، وهي تقوي صحة الرواية المفصلة التالية .
كيف جاء الله بمليكة إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) ؟
الرواية المعتمدة عندنا في قصتها رواها الصدوق ( قدس سره ) في كمال الدين ( 2 / 417 ) : ( عن محمد بن بحر الشيباني قال : وردت كربلا سنة ست وثمانين ومائتين ، قال : وزرت قبر غريب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم ، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم ( عليه السلام ) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة ، المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر ، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب ، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه ، وثفنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي لقد نال عمك شرفاً بما حَمَّلَهُ السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم ، التي لم يحمل مثلها إلا سلمان ، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسره .
قلت : يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم ، فقلت : أيها الشيخ ومن السيدان ؟ قال : النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى . فقلت : إني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة إني خاطب علمهما ، وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما ، قال : إن كنت صادقاً فيما تقول ، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم ، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت ، أنا بشر بن سليمان النخاس ، من ولد أبي أيوب الأنصاري . أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى ، قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما ، قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري ( صلى الله عليه وآله ) فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام . فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى ، وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً ، فإذا أنا بكافور الخادم رسولٌ مولانا أبي الحسن علي بن محمد ( صلى الله عليه وآله ) يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر ، فلما جلست قال : يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها : بسرٍّأ طلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمَة . فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً ، فقال : خذها وتوجه بها إلى بغداد ، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها ، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس ، عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ، فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية ، فأعلم أنها تقول : واهتك ستراه ، فيقول بعض المبتاعين علي بثلاث مائة ديناراً - فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربية : لوبرزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة ، فأشفق على مالك ، فيقول النخاس : فما الحيلة ولا بد من بيعك . فتقول الجارية : وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له : إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فناولْها لتتأمل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته ، فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر بن سليمان النخاس : فامتثلت جميع ما حدَّهُ لي مولاي أبو الحسن ( عليه السلام ) في أمر الجارية ، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً ،
وقالت لعمر بن زيد النخاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحُّهُ في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي ( عليه السلام ) من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها ( عليه السلام ) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها ، وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ، ولا تعرفين صاحبه ؟
قالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء ( عليهم السلام ) ، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك : أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون ، أنبئك العجب العجيب : إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه ، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاث مائة رجل ، ومن ذوي الأخطار سبع مائة رجل ، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهوملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر ، إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان ، وقامت الأساقفة عُكَّفاً ونُشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار ، وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه ! فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدي : أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان ، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده ، لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول ، وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً ، ودخل قصره وأرخيت الستور !
فأُرِيتُ في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين ، قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً ، في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمد ( صلى الله عليه وآله ) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول : يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد وزوجني وشهد المسيح وشهد بنومحمد والحواريون ، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل ، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم .
وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي ، فلما برَّحَ به اليأس قال : يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا ؟ فقلت : يا جدي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء .
فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدي ، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران ، وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم : هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد ، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي ، فقالت لي سيدة النساء ( عليها السلام ) : إن ابني أبا محمد لايزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى ، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنك ، وزيارة أبي محمد إياك فتقولي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن أبي محمداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك ، فإني منفذته إليك . فانتبهت وأنا أقول : وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد ، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد ( عليه السلام ) في منامي ، فرأيته كأني أقول له جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك !
قال : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك ، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية !
قال بشر : فقلت لها وكيف وقعت في الأسر ؟ فقالت : أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدَّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ، ثم يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم ، مع عدة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك بإطلاعي إياك عليه .
وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس ، فقال : اسم الجواري . فقلت : العجب أنك رومية ولسانك عربي . قالت : بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية ، حتى استمر عليها لساني واستقام .
قال بشر : فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري ( عليه السلام ) فقال لها : كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني . قال : فإني أريد أن أكرمك ، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشرى لك فيها شرف الأبد ؟ قالت : بل البشرى ، قال : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . قالت : ممن ؟ قال : ممن خطبك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية . قالت : من المسيح ووصيه ؟ قال : فممن زوجك المسيح ووصيه ؟ قالت : من ابنك أبي محمد . قال : فهل تعرفينه ؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه ؟
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : يا كافور أدع لي أختي حكيمة ، فلما دخلت عليه قال ( عليه السلام ) لها : ها هيه ، فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد ، وأم القائم ( عليه السلام ) ) .
ملاحظات
1 . راوي هذه الرواية العالم المؤلف الأديب محمد بن بحر الشيباني ( رحمه الله ) ، وقد تقدم توثيقه ، وأن الصدوق ( رحمه الله ) استشهد على عقائد المذهب بفقرات من كتبه .
أما سيدنا الخوئي ( قدس سره ) فطبَّقَ منهجه المتشدد ، وَضَعَّفَ الرواية ! قال ( 4 / 224 ) : ( لكن في سند الرواية عدة مجاهيل ، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه ) . يقصد بذلك قول الإمام الهادي ( عليه السلام ) لبشر بن سليمان الأنصاري : فأنتم ثقاتنا أهل البيت . ويقصد أن ذلك لا يثبت وثاقة سليمان ، لأنه هو الذي رواه .
لكنا لا نقول بصحتها بسبب هذه الفقرة بل بسبب رواية محمد بن عبد الجبار الصحيحة المتقدمة ، وبسبب وثاقة الشيباني ، وبسبب ارتضاء الصدوق والقميين لها رغم تشددهم . ولأن دواعي الوضع هنا منتفية .
بل يكفينا لتصحيحها رواية ابن عبد الجبار المتقدمة ، ومبنى الشيخ الأنصاري الذي صحح به رواية استشارة عمر لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الفتوحات وإذنه بها .
قال ( قدس سره ) في المكاسب ( 2 / 243 ) : « والظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دل على أنها للمسلمين . وأما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني ، وهي أغلب ما فتحت ، فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضاً بإذن مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأمره ، ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن الله تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن . . إلى أن قال : فإن القائم بعد صاحبه ، يعني عمر بعد أبي بكر ، كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي ، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظر في ذلك غيري . . . ثم قال : وفي سند الرواية جماعة تُخرجها عن حد الاعتبار ، إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها ، مع ما عُرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يخرجون في كتبهم رواية في راويها ضعف ، إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابرٌ لضعفها في الجملة ) .
فهذا كافٍ في تصحيح رواية مليكة رضي الله عنها . فكيف إذا أضفنا اليه الصحيحة المتقدمة عن محمد بن الجبار ، وهي بنفسها كافية لتصحيحها .
2 . تدل رواية مليكة على المستوى العلمي والعقلي الجيد لبشر الأنصاري ( رحمه الله ) لأنه لم يحدث الشيباني حتى امتحنه واطمأن إلى أنه عالم موالٍ : ( قال : إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم ، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت . أنا بشر بن سليمان . . ) .
3 . ما وصفته مليكة من سقوط الزينة والصلبان والعريس من المنصة ، وتكرار ذلك مع العريس الثاني الذي أرادوها لها ، كان آيةً ربانية لقيصر ليفهم أن هذا العمل نحسٌ فيتركه ، وقد فَهم ذلك وتركه . وقد رأيتُ بعض النواصب يسخر من قصة نرجس رضي الله عنها ، وفي نفس الوقت يؤمن بكراماتٍ لابن تيمية أعظم منها ، ويأتمُّ بمن لا يعقل الخطاب والجواب !
4 . كانت تسمى مليكة ، ونرجس ، وسوسن ، وريحانة ، وصقيل . ( كشف الحق / 33 ) . وسبب هذا التعدد أن الخليفة وظف جاسوسات يأتينه بأخبار بيت الإمام ( عليه السلام ) ومن هي حامل من نسائه . وقد زادت رقابتهم على الأئمة ( عليهم السلام ) لما اقترب الأمر من الإمام الثاني عشر ، لأنه الموعود ( عليه السلام ) الذي يُنهي دولة الظالمين .
السيدة حكيمة تروي ولادة الإمام المهدي ( عليه السلام )
1 . اتفقت الروايات على أن وصول نرجس إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) كان محفوفاً بالكرامات ، وكذا زواجه بها ، وحملها وولادتها الإمام المهدي ( عليه السلام ) .
وقد حفظ الله وليه من تجسس الخليفة المشدد ، وروت عمته حكيمة بنت الإمام الجواد ( عليه السلام ) ولادته ( عليه السلام ) بروايات متعددة .
ويلاحظ المتأمل في النص أن حكيمة شخصية محترمة في إيمانها وعقلها ، فهي تعرف مقام المعصوم عند الله تعالى ، ولا تتبجح بأنها بنت المعصوم وأخته ، وأنها من ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا بمكانتها عند الأئمة ( عليهم السلام ) .
بل عندما سئلت بعد وفاة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) عن الحجة ، حولت السائل على أم الإمام العسكري سمانة المغربية رضي الله عنها ، لأن الإمام ( عليه السلام ) أوصى إليها ، ولم تقل حكيمة إنها هي أولدت الإمام المهدي ( عليه السلام ) وشاهدته .
وقد روت مصادرنا عدة روايات في زواج الإمام العسكري ( عليه السلام ) من مليكة ، وفي ولادتها للإمام المهدي ( عليه السلام ) ، وتلقى علماؤنا روايات السيدة حكيمة بالقبول لأنها جليلة موثوقة عند الأئمة ( عليهم السلام ) وعند شيعتهم . ومن الطبيعي أن تتفاوت رواياتها في بعض التفاصيل بسبب تفاوت مستوى فهم الرواة ودقتهم .
2 . قال الطوسي في الغيبة / 147 : ( وروي أن بعض أخوات الحسن ( عليه السلام ) ( أي حكيمة ) كانت لها جارية ربتها تسمي نرجس ، فلما كبرت دخل أبو محمد فنظر إليها فقالت له : أراك يا سيدي تنظر إليها ؟ فقال : إني ما نظرت إليها إلا متعجباً ، أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها ، ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن ( عليهما السلام ) في دفعها إليه ففعلت ، فأمرها بذلك ) .
بعد أن أرسل الإمام الهادي ( عليه السلام ) بشر بن سليمان فاشترى مليكة ، سلمها لأخته حكيمة لتعلمها فرائض الإسلام ، ويبدو أنها بقيت عندها مدة يسيرة .
3 . قال أحمد بن إبراهيم ( كمال الدين / 507 ) : ( دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن صاحب العسكر ( عليهم السلام ) في سنه اثنتين وستين ومائتين [ بالمدينة ] فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم ، ثم قالت : والحجة ابن الحسن بن علي فسمته ، فقلت لها : جعلني الله فداك معاينة أو خبراً ؟ فقالت خبراً عن أبي محمد ( عليه السلام ) كتب به إلى أمه . فقلت لها : فأين الولد ؟ فقالت : مستور ، فقلت : إلى من تفزع الشيعة ؟ فقالت : إلى الجدة أم أبي محمد ( عليه السلام ) ، فقلت لها : أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟ فقالت : اقتداءً بالحسين بن علي ( عليهما السلام ) فإن الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر ، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين ، ثم قالت : إنكم قوم أصحاب أخبار ، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي يقسم ميراثه وهو في الحياة ) !
4 . روى الطبري في دلائل الإمامة / 499 ، عن محمد بن القاسم العلوي ، قال : ( دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى ( عليهم السلام ) فقالت : جئتم تسألونني عن ميلاد ولي الله ؟ قلنا : بلى والله .
قالت : كان عندي البارحة وأخبرني بذلك ! وإنه : كانت عندي صبية يقال لها نرجس ، وكنت أربيها من بين الجواري ولا يلي تربيتها غيري ، إذ دخل أبو محمد ( عليه السلام ) عليَّ ذات يوم ، فبقي يُلِحُّ النظر إليها ، فقلت : يا سيدي هل لك فيها من حاجة ؟ فقال : إنا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة ، ولكنا ننظر تعجباً أن المولود الكريم على الله يكون منها .
قالت قلت : يا سيدي فأروح بها إليك ؟ قال : إستأذني أبي في ذلك ، فصرت إلى أخي ( عليه السلام ) فلما دخلت عليه تبسم ضاحكاً وقال : يا حكيمة ، جئت تستأذنيني في أمر الصبية ، إبعثي بها إلى أبي محمد ، فإن الله عز وجل يحب أن يشركك في هذا الأمر . فزينتها وبعثت بها إلى أبي محمد ( عليه السلام ) ، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبل جبهتي فأقبل رأسها ، وتقبل يدي فأقبل رجلها ، وتمد يدها إلى خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك ، فأقبل يدها ، إجلالاً وإكراماً للمحل الذي أحلها الله تعالى فيه !
فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن ( عليه السلام ) فدخلت على أبي محمد ذات يوم فقال : يا عمتاه ، إن المولود الكريم على الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) سيولد ليلتنا هذه ! فقلت : يا سيدي في ليلتنا هذه ؟ قال : نعم . فقمت إلى الجارية فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها حملاً ، فقلت : يا سيدي ليس بها حمل فتبسم ضاحكاً وقال : يا عمتاه ، إنا معاشر الأوصياء ليس يحُمل بنا في البطون ، ولكنا نُحمل في الجنوب !
فلما جَنَّ الليل صرت إليه فأخذ أبو محمد ( عليه السلام ) محرابه ، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل ، وعجزت عن ذلك ، فكنت مرة أنام ومرة أصلي إلى آخر الليل ، فسمعتها آخر الليل في القنوت لما انفتلت من الوتر مُسَلِّمَةً صاحت : يا جارية الطست ، فجاءت بالطست فقدمته إليها فوضعت صبياً كأنه فلقة قمر ، على ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَالْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً . وناغاه ساعة حتى استهل وعطس ، وذكر الأوصياء قبله حتى بلغ إلى نفسه ، ودعا لأوليائه على يده بالفرج . ثم وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمد ( عليه السلام ) فلم أره ، فقلت : يا سيدي ، أين الكريم على الله ؟
قال : أخذه من هو أحق به منك ، فقمت وانصرفت إلى منزلي فلم أره ، وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمد فإذا أنا بصبي يدرج في الدار ، فلم أر وجهاً أصبح من وجهه ، ولا لغةً أفصح من لغة ، ولا نغمةً أطيب من نغمته فقلت : يا سيدي من هذا الصبي ، ما رأيت أصبح وجهاً منه ولا أفصح لغة منه ولا أطيب نغمة منه ؟ قال : هذا المولود الكريم على الله . قلت : يا سيدي وله أربعون يوماً وأنا أرى من أمره هذا ! قالت : فتبسم ضاحكاً ، وقال : يا عمتاه ، أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة ، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر ، وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة !
فقمت فقبلت رأسه وانصرفت إلى منزلي ، ثم عدت فلم أره ، فقلت : يا سيدي يا أبا محمد ، لست أرى المولود الكريم على الله !
قال : استودعناه من استودعته أم موسى موسى ( عليه السلام ) ، وانصرفت وما كنت أراه إلا كل أربعين يوماً ) .
5 . وقال المسعودي في إثبات الوصية ( 1 / 257 ) : ( وروى جماعة من الشيوخ العلماء ، منهم علان الكلابي ، وموسى بن محمد الغازي ، وأحمد بن جعفر بن محمد ، بأسانيدهم أن حكيمة بنت أبي جعفر عمة أبي محمد ( عليه السلام ) كانت تدخل إلى أبي محمد ( عليه السلام ) فتدعو له أن يرزقه الله ولداً ، وأنها قالت : دخلت عليه يوماً فدعوت له كما كنت أدعو ، فقال لي : يا عمة أما إنه يولد في هذه الليلة ، وكانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، المولود الذي كنا نتوقعه ، فاجعلي إفطارك عندنا ، وكانت ليلة الجمعة ، فقلت له : ممن يكون هذا المولود يا سيدي ؟ فقال : من جاريتك نرجس . قالت : ولم يكن في الجواري أحب إلي منها ولا أخف على قلبي ، وكنت إذا دخلت الدار تتلقاني وتقبل يدي وتنزع خفي بيدها .
فلما دخلت إليها ففعلت بي كما كانت تفعل ، فانكببت على يدها فقبلتها ومنعتها مما تفعله ، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثله فأنكرت ذلك ، فقلت لها : لا تنكري ما فعلته ، فإن الله سيهب لك في ليلتنا هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة . قالت : فاستحيَتْ . قالت حكيمة : فتعجبت وقلت لأبي محمد : إني لست أرى بها أثر حمل ! فتبسم صلى الله عليه وقال لي : إنا معاشر الأوصياء لا نُحمل في البطون ولكنا نحمل في الجنوب . وفي هذه الليلة مع الفجر يولد المولود المكرم على الله إن شاء الله . قالت : فنمت بالقرب من الجارية ، وبات أبو محمد ( عليه السلام ) في صُفَّةٍ في تلك الدار فلما كان وقت صلاة الليل قمت والجارية نائمة ما بها أثر الولادة ، وأخذت في صلاتي ثم أوترت ، فبينا أنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع ودخل في قلبي شئ ، فصاح أبو محمد ( عليه السلام ) من الصُّفَّة : لم يطلع الفجر يا عمة بعد ، فأسرعتُ إلى الصلاة وتحركت الجارية ، فدنوت منها وضممتها إليَّ وسميت عليها ، ثم قلت لها : هل تحسين شيئاً ؟ قالت : نعم . فوقع عليَّ سباتٌ لم أتمالك معه أن نمت ، ووقع على الجارية مثل ذلك ، فنامت وهي قاعدة ! فلم تنتبه إلا وهي تحس مولاي وسيدي تحتها ، وبصوت أبي محمد ( عليه السلام ) وهو يقول : يا عمتي هات ابني إليَّ ، فكشفتُ عن سيدي صلى الله عليه فإذا أنا به ساجداً منقلباً إلى الأرض بمساجده ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا . فضممته إليَّ فوجدته مفروغاً منه ، يعني مطهراً لختانة ، ولففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد ( عليه السلام ) فأخذه وأقعده على راحته اليسرى ، وجعل يده اليمنى على ظهره ، ثم أدخل لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ، ثم قال : تكلم يا بنيَّ ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن علياً أمير المؤمنين ، ثم لم يزل يعد السادة الأوصياء صلى الله عليهم ، إلى أن بلغ إلى نفسه ، فدعا لأوليائه على يديه بالفرج ، ثم صمت عن الكلام .
قال أبو محمد ( عليه السلام ) : إذهبي به إلى أمه ليسلم عليها ورديه إلي ، فمضيت به فسلم عليها فرددته ، فوقع بيني وبينه كالحجاب ، فلم أر سيدي فقلت له : يا سيدي أين مولاي ؟ فقال : أخذه من هو أحق منك ومنا .
فإذا كان في اليوم السابع جئت فسلمت وجلست فقال ( عليه السلام ) : هلمَّ ائتني به ، فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر ، ففعل كفعاله الأول ، وجعل لسانه في فيه ثم قال له تكلم يا بني ، فقال له : أشهد أن لا إله إلا الله ، وثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة ( عليهم السلام ) حتى وقف على أبيه ثم قرأ هذه الآية : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَاكَانُوا يَحْذَرُونَ .
وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمد ( عليه السلام ) فإذا بمولاي يمشي في الدار فلم أر وجهاً أحسن من وجهه صلى الله عليه ، ولا لغة أفصح من لغته ، فقال أبو محمد ( عليه السلام ) : هذا المولود الكريم على الله جل وعلا . قلت : يا سيدي ، ترى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً ! فتبسم وقال : يا عمتي أوَما علمت أنا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثل ما ينشأ غيرنا في الجمعة ، وننشأ في الجمعة مثل ما ينشأ غيرها في الشهر ، وننشأ في الشهر مثل ما ينشأ غيرنا في السنة . فقمت فقبلت رأسه وانصرفت .
ثم عدت وتفقدته فلم أرهُ ، فقلت لسيدي أبي محمد ( عليه السلام ) : ما فعل مولانا ؟ فقال : يا عمة ، استودعناه الذي استودعتْ أم موسى ) .
6 . وروى الطبري في دلائل الإمامة / 497 : ( حدثني محمد بن إسماعيل الحسني ، عن حكمية ابنة محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) أنها قالت : قال لي الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) ذات ليلة ، أو ذات يوم : أحب أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنه يحدث في هذه الليلة أمر . فقلت : وما هو ؟ قال : إن القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة . فقلت : ممن ؟ قال : من نرجس . فصرت إليه ودخلت إلى الجواري فكان أول من تلقتني نرجس فقالت : يا عمة كيف أنت أنا أفديك . فقلت لها : بل أنا أفديك يا سيدة نساء هذا العالم . فخلعت خفي وجاءت لتصب على رجلي الماء ، فحلفتها ألا تفعل وقلت لها : إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة . فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة ، ولم أر بها حملاً ولا أثر حمل ، فقالت : أي وقت يكون ذلك . فكرهت أن أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت . فقال لي أبو محمد ( عليه السلام ) : في الفجر الأول .
فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت ، ونامت نرجس معي في المجلس ، ثم انتبهت وقت صلاتنا فتأهبت ، وانتبهت نرجس وتأهبت .
ثم إني صليت وجلست أنتظر الوقت ، ونام الجواري ونامت نرجس ، فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء وإذا الكواكب قد انحدرت ، وإذا هو قريب من الفجر الأول ، ثم عدت فكأن الشيطان أخبث قلبي ، قال أبو محمد : لاتعجلي فكأنه قد كان ، وقد سجد فسمعته يقول في دعائه شيئاً لم أدر ما هو ، ووقع علي السبات في ذلك الوقت ، فانتبهت بحركة الجارية ، فقلت لها : بسم الله عليك ، فسكنت إلى صدري فرمت به علي وخرت ساجدة ، فسجد الصبي وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وعليٌّ حجة الله ! وذكر إماماً إماماً حتى انتهى إلى أبيه . فقال أبو محمد : إليَّ ابني . فذهبت لأصلح منه شيئاً فإذا هو مُسوى مفروغ منه فذهبت به إليه ، فقبل وجهه ويديه ورجليه ، ووضع لسانه في فمه ، وزقه كما يزق الفرخ ، ثم قال : إقرأ ، فبدأ بالقرآن من : بسم الله الرحمن الرحيم . . إلى آخره .
ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره فنظرت ثم قال : سلموا عليه وقبلوه وقولوا : استودعناك الله وانصرفوا . ثم قال : يا عمة ، ادعي لي نرجس فدعوتها وقلت لها : إنما يدعوك لتودعيه ، فودعته ، وتركناه مع أبي محمد ( عليه السلام ) ثم انصرفنا . ثم إني صرت إليه من الغد فلم أره عنده ، فهنأته فقال : يا عمة هو في ودائع الله ، إلى أن يأذن الله في خروجه ) .
7 . وفي كمال الدين ( 2 / 426 ) : ( حدثنا محمد بن عبد الله الطهوي قال : قصدت حكيمة بنت محمد ( عليه السلام ) بعد مضي أبو محمد ( عليه السلام ) أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها ، فقالت لي : أجلس فجلست ، ثم قالت : يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يُخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) تفضيلاً للحسن والحسين ، وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلٌ لهما ، إلا أن الله تبارك وتعالى خص وُلد الحسين بالفضل على ولد الحسن ( عليهما السلام ) كما خص ولد هارون على ولد موسى ( عليه السلام ) وإن كان موسى حجة على هارون ، والفضل لولده إلى يوم القيامة .
ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقون ، كيلا يكون للخلق على الله حجة ، وإن الحيرة لا بدَّ واقعةٌ بعد مضي أبي محمد الحسن ( عليه السلام ) . فقلت : يا مولاتي هل كان للحسن ( عليه السلام ) ولد ؟
فتبسمت ثم قالت : إذا لم يكن للحسن ( عليه السلام ) عقب فمن الحجة من بعده ، وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .
فقلت : يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته ( عليه السلام ) . قالت : نعم ، كانت لي جارية يقال لها : نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها ، فقلت له : يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك ؟ فقال لها : لا يا عمة ولكني أتعجب منها فقلت : وما أعجبك منها ؟ فقال ( عليه السلام ) : سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل ، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، فقلت : فأرسلها إليك يا سيدي ؟ فقال : إستأذني في ذلك أبي ( عليه السلام ) قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن ( عليه السلام ) فسلمت وجلست فبدأني ( عليه السلام ) وقال : يا حكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمد قالت فقلت : يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك ، فقال لي : يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ، ويجعل لك في الخير نصيباً . قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد ( عليه السلام ) ، وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياماً ، ثم مضى إلى والده ( عليهما السلام ) ووجهت بها معه .
قالت حكيمة : فمضى أبو الحسن ( عليه السلام ) وجلس أبو محمد ( عليه السلام ) مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي ، فقالت : يا مولاتي ناوليني خفك ، فقلت : بل أنت سيدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا لتخدميني ، بل أنا أخدمك على بصري ، فسمع أبو محمد ( عليه السلام ) ذلك فقال : جزاك الله يا عمة خيراً ، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف ، فقال ( عليه السلام ) : لا يا عمتا بيتي الليلة عندنا ، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل ، الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها ، فقلت : ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحَبَل ؟
فقال : من نرجس لا من غيرها ، قالت : فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حَبل ، فعدت إليه ( عليه السلام ) فأخبرته بما فعلت فتبسم ثم قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل ، لأن مثلها مثل أم موسى ( عليه السلام ) لم يظهر بها الحبل ، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى ( عليه السلام ) وهذا نظير موسى ( عليه السلام ) .
قالت حكيمة : فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا ، قالت حكيمة : فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب ، حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبتْ فزعةً فضممتها إلى صدري وسميت عليها ، فصاح أبو محمد ( عليه السلام ) وقال : إقرئي عليها : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها : ما حالك ؟ قالت : ظهر بي الأمر الذي أخبرك به مولاي ، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثلما أقرأ وسَلَّمَ عليَّ . قالت حكيمة : ففزعت لِمَا سمعت ، فصاح بي أبو محمد ( عليه السلام ) لا تعجبي من أمر الله عز وجل إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً ، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً ، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها ، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب ، فعدوت نحو أبي محمد ( عليه السلام ) وأنا صارخة ! فقال لي : إرجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها . قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غَشَّى بصري ، وإذا أنا بالصبي ( عليه السلام ) ساجداً لوجهه ، جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبابتيه وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن جدي محمداً رسول الله ، وأن أبي أمير المؤمنين ، ثم عَدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه . ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري ، وثبت وطأتي ، وأملا الأرض بي عدلاً وقسطاً .
فصاح بي أبو محمد ( عليه السلام ) فقال : يا عمة تناوليه وهاتيه ، فتناولته وأتيت به نحوه ، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي ، سَلَّمَ على أبيه فتناوله الحسن ( عليه السلام ) مني ، والطير ترفرف على رأسه ، وناوله لسانه فشرب منه ، ثم قال : إمضي به إلى أمه لترضعه ورديه إليَّ ، قالت : فتناولته أمه فأرضعته فرددته إلى أبي محمد ( عليه السلام ) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له : أحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً ، فتناوله الطير وطار به في جو السماء ، وأتبعه سائر الطير ، فسمعت أبا محمد ( عليه السلام ) يقول : أستودعك الله الذي أودعته أم موسى موسى ، فبكت نرجس فقال لها : أسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك ، وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه ، وذلك قول الله عز وجل : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ . قالت حكيمة فقلت : وما هذا الطير ؟ قال : هذا روح القدس الموكل بالأئمة ( عليهم السلام ) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم .
قالت حكيمة : فلما كان بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجه إليَّ ابن أخي فدعاني فدخلت عليه ، فإذا أنا بالصبي متحركٌ يمشي بين يديه ، فقلت :
يا سيدي هذا ابن سنتين ؟ فتبسم ( عليه السلام ) ثم قال : إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم ، وإن الصبي منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة ، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ، ويعبد ربه عز وجل ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة ، وتنزل عليه صباحاً ومساءً .
قالت حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً ، إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمد ( عليه السلام ) بأيام قلائل ، فلم أعرفه فقلت لابن أخي ( عليه السلام ) : من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال لي : هذا ابن نرجس ، وهذا خليفتي من بعدي ، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي . قالت حكيمة : فمضى أبو محمد ( عليه السلام ) بعد ذلك بأيام قلائل ، وافترق الناس كما ترى . ووالله إني لأراه صباحاً ومساءً ، وإنه لينبؤني عما تسألون عنه فأخبركم ، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشئ فيبدأني به ، وإنه ليرد عليَّ الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي . وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي ، وأمرني أن أخبرك بالحق .
قال محمد بن عبد الله : فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله عز وجل ، فعلمت أن ذلك صدقٌ وعدلٌ من الله عز وجل ، لأن الله عز وجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحداً من خلقه ) !
8 . وروى القطب الراوندي في الخرائج ( 1 / 455 ) : ( عن حكيمة : قال لي أبو محمد : بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها . قلت : وممن ؟ قال :
من مليكة . قلت : لا أرى بها حملاً . قال : يا عمه مَثَلُها كمثل أم موسى . فلما انتصف الليل صليت صلاة الليل ، فقلت في نفسي : قَرُبَ الفجر ، ولم يظهر ما قال أبو محمد . فنادى أبو محمد : لا تعجلي فارتعدت مليكة ، فضممتها إلى صدري وقرأت قل هو الله أحد وإنا أنزلناه وآية الكرسي ، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقرائتي ! قالت : وأشرق نور البيت ، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجداً إلى القبلة فأخذته ، فناداني أبو محمد : هلمى بابنى يا عمة . فأتيته به فوضع لسانه في فمه ، ثم أجلسه على فخذه ، وقال : أنطق بإذن الله يا بنيَّ ! فقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . وصلى الله على محمد المصطفى ، وعلي المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي أبي !
قالت : وغمرتنا طيور خضر ، فنظر أبو محمد إلى طاير منها فقال له : خذه فاحفظه حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره . قالت حكيمة : قلت لأبي محمد : ما هذا الطاير وما هذه الطيور ؟ قال : هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة ، ثم قال : يا عمه رديه إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاتَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . فرددته إلى أمه ، قالت : وكان مطهراً مفروغاً منه ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا . قالت حكيمة : دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوماً من ولادة صاحب الأمر ، فإذا مولانا الصاحب ( عليه السلام ) يمشى في الدار ، فلم أر لغة أفصح من لغته ، فتبسم أبو محمد : إنا معاشر الأئمة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في السنة . قالت : ثم كنت أسأل أبا محمد عنه بعد ذلك فقال : استودعناه الذي استودعت أم ولدها ) .
طلبت والدة الإمام المهدي أن تموت قبل زوجها !
روى في كمال الدين : 2 / 431 : ( عن أبي علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمد ( عليه السلام ) ، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارَّةً من جعفر فتزوج بها ، قال أبو علي : فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد ( عليه السلام ) وأن اسم أم السيد صقيل ، وأن أبا محمد ( عليه السلام ) حدثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعوالله عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله ! فماتت في حياة أبي محمد ( عليه السلام ) ، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه : هذا قبر أم محمد . قال أبو علي : وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد ( عليه السلام ) رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء ، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير ، فأخبرنا أبا محمد ( عليه السلام ) بذلك فضحك ثم قال : تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود ، وهي أنصاره إذا خرج ) .
أقول : يتضح بهذا الطلب شفافية روح والدة الإمام المهدي ( عليه السلام ) وعمق مشاعرها ، فاختارت أن يميتها الله تعالى في حياة زوجها الإمام العسكري ( عليه السلام ) لأنها لا تتحمل وحشية السلطة التي أخبرها بها الإمام ( عليه السلام ) ، وأرادت أن تتشرف بصلاته عليها ودفنها بيده ، لتكون أمامه في الآخرة .
الاكثر قراءة في الولادة والنشأة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة