الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
حقوق المعلم
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 198 ــ 202
2025-08-06
14
تراثنا مفعم بالنصوص والآثار والأقوال والمواقف التي تشع بالثناء على المعلم والاعتراف بفضله، وأهمية وظيفته في حياة الناس. ولسنا نريد استعراض ذلك، فهو من قبيل المشهور. ومن البديهي أن نتحدث عن حقوق المعلم، فالأعباء التعليمية الثقيلة دون امتيازات لمن يضطلع بها، قد تحول مهنة التعليم إلى ملجأ لكل من لم يجد سبيلاً للنجاح في الحياة، كما تجعلها أضعف وسيلة لتحقيق الرضا الشخصي؛ وحينئذ يكون من المستحيل النهوض بالتعليم ما دمنا لا نستطيع أن نجتذب له أفضل العناصر.
وسنحاول هنا مقاربة هذه المسألة من خلال النقاط التالية:
1- لا نختلف في أننا نعيش في عصر (المادة) حيث ينظر إلى الأشياء من زاوية وظيفتها ونفعها المادي - في المقام الأول - مما أدى إلى ضمور كل المعاني الرمزية، وإعادة صياغة النظر إلى كثير مما يعد مقدساً، وهذا هو سر برود العاطفة نحو الأرحام والأصدقاء وكبار السن والشخصيات العامة...
كان الناس قديماً يأتون بأولادهم الصغار إلى (الكتّاب) ويقولون العبارة المشهورة: (لك اللحم ولنا العظم) (1)، تعبيراً عن تقديرهم لشخص المعلم وحكمته وحرصه على أبنائهم.
أما اليوم فالمعلم موظف يتقاضى أجرا، وفي (التعليم الخاص) يكون الأجر مدفوعاً من قبل أولياء الأمور؛ لذا فإن عليه أن يؤدي واجبه على أحسن وجه، وأن يراعي مشاعر أبنائهم، ويقدر ظروفهم، وقد يحملونه مسؤولية رسوب ابنهم وإخفاقه في دراسته. هذه الوضعية عالمية، وعلى المعلمين أن يكفوا عن الحلم بعودة ما كان يلقاه أسلافهم من أشكال التبجيل والاحترام!
2- هناك انخفاض في الدخل (2) في معظم الدول الإسلامية، وبطء في النمو، وهذا انعكس على جميع فئات الشعب. ومن الممكن لكل أصحاب مهنة علمية، كالطب والمحاماة والهندسة أن يشرحوا للناس عن خطورة اختصاصهم، وحاجة الناس إليه، واستحقاقهم أجوراً مجزية؛ كي يستطيعوا القيام بمهامهم، ومن ثم تبلور اتجاه عام نحو جعل الأجور متناسبة مع سنوات الدراسة والتدريب، فالطبيب يتقاضى أجراً أكثر من المهندس والمهندس أكثر من المعلم وهكذا... ومن ثم فإنه على الدولة أن ترفع جميع الأجور إذا ما لبت مطالب أهل تخصص أو مهنة بعينها، وهذا لا يكون ممكناً في كل الأحوال.
3- إن هناك فرقاً بين عمل المعلم وعمل الطبيب والمهندس؛ فأداء المعلم يقوم على تكامل جانبين الشخصية والمهارة، فالمعلم مربِ وقدوة ورائد إلى جانب كونه ناقلاً للمعلومات ومنمياً للمهارات. على حين يقوم أداء باقي المهن على المهارة على نحو أساسي. هذا يعني أنه لا بد من توفير الأسباب والعناصر التي تساعد المعلم على التمتع بوضعية من شأنها تمكينه من أداء رسالته السامية.
هناك إجماع على أن التعليم لا يمكن أن يكون مهنة المترفين والأثرياء، لكن الحاصل أن هناك وضعاً تقليدياً سيئاً لكل من يلابس العلم والأدب، وقد كانوا قديماً يقولون فلان أدركته حرفة الأدب، فافتقر!
وقد عبر عن هذا المعنى الشاعر محمود غنيم حين قال:
أيحيا الناس في بذخ وعز ونحيا مثل زهاد الــهـنـود
وما شط المعلم أو تجنى ولا هو هام في العيش الرغيد
بل التمس الكرامة في زمان به الأقدار توزن بالنقود
إن السياسات المالية الحكومية في معظم الدول، تعامل قطاع التعليم على أنه قطاع خدمات أي قطاع غير منتج، ولذا فإن معلمي المراحل الابتدائية والثانوية يتقاضون أجوراً تقارب أجور من لم يتلق سوى حظ يسير من التعليم، مثل السباكين والنجارين والطهاة والحلاقين... وهذا دفع بكثير من المعلمين إلى إعطاء (الدروس الخصوصية) أو امتهان أعمال إضافية، شغلتهم عن أداء مهمتهم الأساسية!
في عصر محوره المادة يكون امتلاك الكفاية المادية أمراً مهماً. ويمكن للوضع المتردي للمعلمين أن يحوّل هذه المهنة المحترمة إلى وصمة اجتماعية، بدل أن تكون مصدر فخر واعتزاز لصاحبها!
إن انهيار مكانة المعلم في المجتمع، سيؤدي إلى انهيار ثقته بنفسه، وهذا سيؤدي إلى ضعف قدرته على المساهمة في بحث المشكلات العامة للمجتمع، كما يخفض من مستوى وعيه واهتمامه بالمحيط الذي يعيش فيه.
وانعكاسات ذلك كله على التربية سيئة جدا، حيث إن كل رجالات الأمة يتخرجون من بين يديه، وهو الذي ينفخ فيهم من روحه، ويضفي على عقولهم ونفوسهم من فنه وذوقه وأحاسيسه؛ فإذا ما كان في وضع مترد فإن درجة من العطب ستلحق بكل أولئك الذين نعدهم للمستقبل، وبالأمة معهم أيضاً!!
4- إن الوضع الاقتصادي في أية دولة، ولأية فئة، يحتاج دائماً إلى (حلول مركبة) تقوم على توفير الأعمال، ومحاولة الاستغناء عنه قدر الإمكان في آن واحد. وموضوع تحسين نوعية حياة المعلم، هو من هذا القبيل. ويمكن أن نلمس في هذا الشأن بعض الحلول الممكنة:
أ- لا ينبغي لأي معلم أن ينسى (الرفاهية الروحية) والمعنوية التي يتمتع بها كل من يشعر أنه يؤدي خدمة، ويبلّغ رسالة، ويسهم في تشكيل مستقبل أمته. صحيح أن التعليم إذا لم يمارس بطريقة صحيحة، فإنه يحطم الطالب والأستاذ معا، لكن من الصحيح أيضاً أن معظم المعلمين يشعرون أن ثمار جهودهم قد أينعت، وأصبحت جزءاً من تيار الحياة من خلال ما صقلوه من مواهب، وما هذبوه من نفوس... وفي هذا يقول أحد المربين: (طول حياتي كمعلم زهاء نصف قرن من الزمان اجتمع أمامي طول هذه الفترة مالا يقل عن أربعين ألفاً من الدارسين، يفصحون على نحو ما أنهم يؤمنون بأنني أسهمت بقسط في تكوين عقولهم، وتشكيل شخصياتهم. إن الأحذية القديمة، لا تنطق بمثل هذه الشهادة للصانع الذي أنتجها) (3).
هذا الشعور باستمرار النفع أجيالاً عديدة هو ما عبر عنه الحديث الشريف: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (4).
وهذا ينبغي أن يشكل مصدر ثراء روحي واستغناء عن كثير من الكماليات والمرفهات التي يلهث خلفها أولئك المحرومون من تذوق مباهج المعرفة، ومباهج الثواب العظيم، ومباهج إغناء الحياة بالنور والخير والمثل العليا.
ب- إن جزءاً مهماً من مشكلات كل واحد منا، يعود في الحقيقة إلى (قصوره الذاتي)، وعجزه عن استثمار إمكاناته ومواهبه والفرص المتاحة أمامه. وإن بإمكان كثير من المعلمين أن ينمي معارفه، ويركزها في علم من العلوم أو موضوع من الموضوعات، ويستطيع عن طريق ذلك أن يوجد دخل إضافيا، يساعده على تحمل أعباء الحياة، وذلك من خلال تأليف كتاب أو الكتابة في الصحف أو الاستشارات العلمية... وأعتقد أنه ما من إنسان يتقن علماً من العلوم حتى يصبح حجة فيه، أو متفوقاً تفوقاً ظاهراً إلا وجد في ذلك مصدراً كافياً لحياة كريمة.
ج- إن هناك إمكانات عديدة لتحسين الوضع المادي للمعلمين؛ إذ بالإمكان تأمين مساكن لهم عن طريق التقسيط المريح، وتأمين علاج مناسب لأسرهم، وتخصيص بدل (طبيعة عمل) لهم؛ حيث إن من المجمع عليه دولياً أن مهنة التدريس من أشق المهن التي يعمل فيها الناس. ويمكن تحسين أوضاعهم أيضاً عن طريق وضع رسوم رمزية على التعليم، يدفعها ذوو اليسار من أولياء أمور الطلاب، كما يمكن استخدام المدارس في غير أوقات الدراسة في إقامة أنشطة ثقافية واجتماعية وعلمية في مقابل رسوم محددة، تخصص لدعم العملية التعليمية على نحو عام...
في تصوري أننا سنستطيع أن نفعل الكثير من أجل جعل مهنة التعليم، تجذب أفضل العقول، إذا آمنا بأن تحسين أوضاع التعليم والمعلمين، هو شرط ضروري لجعل الأجيال القادمة، تعيش حياة أفضل من الحياة التي نعيشها. والله الهادي إلى سواء السبيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ أي من حقك أن تضربه الضرب الذي تراه ما لم تكسر عظامه!.
2ـ الارتفاع في الدخل السنوي المشاهد في بعض الدول كثيراً ما يكون وهمياً حيث إن ذلك مظهر من مظاهر التضخم النقدي.
3ـ لماذا نعلم: 238.
4ـ رواه مسلم.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
