الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
توطين التقنية
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 317 ــ 323
2025-08-20
37
إذا أراد كل مسلم أن يعرف واقع التقنية في بلده وأمته، فلينظر حوله إلى وسائل النقل والاتصالات، وإلى الأسلحة والمصانع والدفاتر والأقلام التي يكتب بها، وإلى النظارات التي يرى من خلالها. وإذا فعل ذلك سيجد أنها - في غالب الأمر - من صنع أيد أجنبية، وفي مصانع وبلاد أجنبية، هذا وحده أبلغ من كل وصف وأدل من كل رقم! إذا أردنا بعض التفاصيل لواقع التقنية، فيمكن أن نستدل عليه من خلال بعض الأرقام والمؤشرات المحدودة، وعلى سبيل المثال، فإن العلماء والتقنيين لا يشكلون إلى مجمل السكان سوى نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر، فهم في بنغلادش (20) في كل مليون، وفي مصر (190) على حين أنهم يشكلون في أمريكا الشمالية وأوروبا (4300) في المليون، وفي المعسكر الشرقي (8200) في المليون. ومعنى هذا أن نسبة العلماء والتقنيين في شعب مثل الشعب الأمريكي، تصل إلى مائة ضعف مما هي عليه في دولة إسلامية كبيرة مثل مصر؛ وهي من أغنى الدول الإسلامية وأكثرها وفرة في أعداد العلماء والتقنيين (1).
إن الفقر الأساسي في الصناعات الإسلامية، يتركز في مجالين خطيرين، هما:
مجال الصناعات الثقيلة، ومجال الصناعات الإلكترونية والمتقدمة، وما ذلك إلا لأن هذين النوعين من الصناعات يتطلبان رؤوس أموال ضخمة، إلى جانب بحوث ودراسات علمية متقدمة، وهذا وذاك شحيحان في معظم دول العالم الإسلامي.
إذا ما أردنا أن نعرف ماذا يمكن أن تفعله (التقنية) في دولة من الدول، فلننظر إلى حال دولة من الدول المتقدمة، ولتكن (ألمانيا) التي ليس لها من السكان سوى 61 مليون نسمة (2)، أي مثل (مصر) ولكن ليس لها سوى ربع مساحة مصر، أي 250 ألف كم. هذه الدولة المتوسطة الحجم بلغ ناتجها القومي عام 1987 نحواً من 1327 مليار دولار، وبلغت قيمة صادراتها نحواً من 324 مليار دولار، أغلبها منتجات صناعية، على حين أن الناتج القومي لمصر في ذلك العام كان نحواً من 25 مليار دولار (3)، أي (1) إلى (50) من إنتاج ألمانيا!!
هل من مخرج؟
إن التطورات الهائلة التي تشهدها التقنية على مستوى العالم سلاح ذو حدين، فإذا ما أغمضنا العين عنها، فإن النتيجة ستكون مأساوية بكل ما تعنيه الكلمة، وإذا تفتحنا عليها، وعرفنا كيف نستفيد منها، فإننا سنختصر الكثير الكثير من الزمن والجهد المطلوب لردم الهوة بيننا وبين العالم الصناعي، ولعلنا نقدم في هذا الشأن ما نظنه يساعد على ذلك في الحروف الصغيرة الآتية.
1- إعادة تنظيم البحث العلمي، والتركيز على البحوث التطبيقية التي تستهدف حل مشكلة إنتاجية، أو تطوير منتج، أو إيجاد شكل او نوع صناعي جديد. وهذا يعني تقليص الدعم بل الرفض لكل البحوث التي لا ندري ماذا نصنع بها، وتلك البحوث التي تعالج قضايا هامشية، أو بعيدة عن طلب احتياجاتنا في المرحلة الحالية.
يذكرنا هذا بقصة اليابان مع الطفرة التقنية التي أحدثها طالب واحد قرر أن يتجاوز إغراءات الشهادة، والبحوث التي لا معنى لها إلى إيجاد شيء يعد بداية لتحول صناعي هائل. هذا الطالب هو (تاكيو أوساهيرا) الذي أوفدته حكومته لنيل درجة الدكتوراة في أصول (الميكانيكا) من جامعة (هامبورج) في ألمانيا. لقد ترك ذلك، وتعلم كيف يفك محركاً، ويعيد تركيبه، ثم تعلم كيف يصنع كل آلة فيه بإمكانات شبه ذاتية. وبعد ثماني سنوات عاد إلى اليابان وقد اشترى أدوات مصنع محركات كامل بخمسة آلاف جنيه إنجليزية، أرسلها له (الميكادو) من ماله الخاص. وحين وصل إلى (نجازاكي) قيل له: إن (الميكادو) يرغب في رؤيتك. فقال: لن أستحق مقابلته إلا بعد أن أنشئ مصنعاً كاملاً للمحركات استغرق تشييد المصنع تسع سنوات. وفي يوم من الأيام حمل مساعد له عشرة محركات صنعت في اليابان قطعة إلى قصر (الميكادو) وهناك تم تشغيلها، ووجد الميكادو في هديرها أعذب صوت سمعه في حياته (4).
لو أن (أوساهيرا) فعل كما يفعل كل أولئك الذين توفدهم البلاد الإسلامية لدراسة الهندسة في الغرب، فربما تأخرت صناعة المحرك الياباني عقوداً من الزمان.
هذا يؤكد ضرورة وجود هيئة تشرف على البحث العلمي في كل قطر إسلامي، وتنسق بين جهاته، وتدعم البحوث ذات الأولوية، وتصرف الباحثين عن تلك البحوث والدراسات التي ليس هناك أرضيات تقنية وصناعية للاستفادة منها.
2- إن الأجهزة التي تصنع حديثاً تميل إلى التعقيد الشديد يوماً بعد يوم بدوافع تجارية وتقنية، وتدفقها بهذه الصورة شبه المطلقة، سيجعل من المستحيل استيعابها وفهم آلية عملها والتدرب على إصلاحها وصيانتها فضلاً عن تقليدها. ولذا فإن عدداً من المفكرين والباحثين يرون أنه لا بد من فرض قيود على استيراد التقنيات المتقدمة؛ حتى يتولد الحافز لصيانة الموجود الآن منها والإبداع في إيجاد قطع الغيار لها، ويؤكد ما نقوله أن ورش الصيانة في بعض الدول الإسلامية الفقيرة، قد استطاعت أن تخطو خطوات جيدة في التعامل مع الأجهزة المختلفة، وإن بعض أبناء الدول الصناعية الذين اعتادوا على إصلاح سياراتهم الخاصة في ورشة حديثة، يقومون بنزع الجزء المعطوب وإحلال آخر جديد محله، وإن الدهشة تعتريهم حين يزورون تلك الدول الفقيرة، مثل بنغلادش واندونوسيا، ويكتشفون كيف تتم عمليات الإصلاح، فجميع المركبات تظل صالحة للعمل. في الدول النامية بوساطة رجال أميين، يساعدهم بعض الفتيان، ونظراً لعدم توفر قطع الغيار، فإن المهارات الميكانيكية المكتسبة لهؤلاء أعظم من مهارات خريجي المدارس الصناعية في الدول الغنية، وإن العمر الافتراضي للعربات في الدول النامية أكبر غالباً بثلاث أو أربع مرات من عمرها الافتراضي في الدول الصناعية (5).
هناك من رجالات الصناعة من يدعو إلى استيراد أجهزة ومصانع مستعملة؛ فهي أقل تقدماً فيكون استيعابها أسهل، وسعرها أقل، وهي أقل (أتمة) فاستيعابها للأيدي العاملة أكثر، وهي تتيح فرصة كبيرة للتدرب على الصيانة وصناعة قطع الغيار وهذا يستحق التأمل والمناقشة. لا بد لنا أن نكف عن سياسات تكديس السلع، وأن نكبح من جماح أنفسنا إلى المرفهات والكماليات إذا ما أردنا أن تصنع شيئاً للأجيال القادمة.
3- إن التوجه إلى التصنيع والتطوير، يتطلب أموالاً طائلة في البداية. ويتطلب حماية جمركية وضريبية من قبل الدولة، حيث لا تقوى المنتجات الصناعية المحلية في البداية على منافسة السلع الأجنبية، لا في مستوى الجودة، ولا في رخص الأسعار. وهنا تبرز مسؤولية الدولة في فرض ضرائب ملائمة على كثير من المستوردات حتى توجد الحافز لدى شعبها في التصنيع، وينبغي أن تتصاعد الضرائب كلما كان البديل المحلي ممكن التوفير، أو كانت السلعة أكثر إغراقاً في الكمالية، ويقابل هذا إعفاء المواد الأولية التي تستخدم في الصناعة من أية رسوم.
وهذا كله يشجع الناس على الانتقال والتحول من التجارة إلى الصناعة، ومن الاعتماد على الآخرين إلى الاعتماد على الإمكانات الذاتية. إن الدول الكبرى تخوض حروباً معلنة وخفية من أجل فتح أسواق لمنتجاتها، ومن أجل الحصول على المواد الخام بأسعار رخيصة والدول النامية أولى بالسعي إلى حماية منتجاتها، وتيسير سبل النمو لها.
4- تقدم اليابان وكوريا وباقي النمور الأسيوية دروساً ذات مغزى في سرعة الاستفادة من خبرات الآخرين ونقلها وتوطينها. وقصة الياباني (أوساهيرا) الذي أدخل صناعة المحركات إلى اليابان، ليست تعبيراً عن حادث شاذ، وإنما هي واحدة من مفردات سيرة ذاتية لشعب بأكمله فالشعب الياباني يجيد (التقليد) على نحو باهر، ويعده مدخلاً للإبداع الذاتي. ومما يحكيه التاريخ أن تجار السلاح الأوروبيين كانوا يمرون بسفنهم على بلاد الشرق الأقصى في القرن التاسع عشر، وفي عام مروا على بلاد (الملايو) (6)، التي يقطنها المسلمون، وباعوهم أسلحة كثيرة، ثم مروا على اليابان، وباعوا أهلها بعض الأسلحة، وفي العام الثاني مروا على الملايو، فطلبوا مزيداً من الأسلحة، أما اليابانيون فلم يشتروا منهم شيئاً. لقد قلدوها، وصنعوها، ولم يعودوا في حاجة إلى شرائها (7)!!.
إن التقليد الصناعي، أو ما يسمى بـ (الهندسة العكسية) يعد من أكثر الوسائل فاعلية في تطوير القدرة التقنية للبلدان المستوردة للتقنية المتطورة. حيث يتم التعرف على وحدة إنتاج معينة عن طريق تفكيكها إلى أجزائها الأولية، واكتشاف المواصفات التفصيلية لهذه الأجزاء وطبيعة الترابط بينها، كما يتم التعرف على المواد المستخدمة في إنتاجها عن طريق تحليل مكوناتها (8).
إن هذا كله لا يتم إلا من خلال فهم كامل للوظائف التي تقوم بها الأجزاء المختلفة لمنتج ما، ونظريات هذه الوظائف ونوعيات المواد المختلفة لهذه الأجزاء وخصائصها الطبيعية والميكانيكية، وهذا يشكل أكثر ما تجب معرفته لكن ستظل هناك خبايا تقنية، تعد من دقائق التقنية الحديثة، وليس الحصول عليها سهلا، حتى لو حصلنا على رخص إنتاج لها، ولا بد لفهم ذلك من محاولات معملية، حتى يمكن الوصول إلى المواصفات المرجوة.
وقد رأى بعض زوار اليابان عندما دخلوا مصنعاً للسيارات هناك باب سيارة أمريكية تحت الاختبار؛ حتى يقيسوا عمر الباب وعمر أجزائه المختلفة (9).
إن التقليد القائم على ما ذكرناه من فهم الوظائف وخصائص من المواد... ليس في الحقيقة تقليداً، وإنما هو إبداع في إطار سابق، وهو السبل المهمة لإبداع مستقل وكامل إذا ما تم تكثيف البحوث والتجارب على ما يتم إنتاجه وهو غير (التجميع) الذي يقوم به الكثير من المصانع في بلاد المسلمين حتى يتم هذا لا بد من أن تلزم الحكومات المصانع الكبرى بإقامة مراكز للأبحاث والتطوير خاصة بها؛ ويمكن تحديد نسبة تدريجية من أجزاء المنتج عن طريق (التجميع) يجب أن تصنع محلياً، ويمكن ربط تراخيص الإنشاء بالالتزام بذلك.
ما لم يتم تنسيق الجهود البحثية مع الجهود التصنيعية وفتح قنوات اتصال وتعاون بينها، فإن الصناعة ستبقى جسداً بلا روح، وسيبقى البحث العلمي روحاً بلا جسد!
قد بزغت اليوم شمس عهد جديد، تحتل فيه وسائل الاتصال والمعلومات المتسايلة والمواد الجديدة والتقنيات البالغة الدقة. موضع الصدارة، وبات علينا أن نعرف بعمق موقفنا من هذه الأمور قبل أن يصبح الحديث عن ردم الهوة بيننا وبين الآخرين من دواعي السخرية والاستهزاء!.
إضاءة: إن التبعية بنت الضعف، ولن يولد الاستقلال إلا من رحم القوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ قضية التخلف العلمي والتقني: 122.
2ـ كان هذا قبل توحيد شطري المانيا.
3ـ انظر: كتاب المعلومات عام 1991، ص 379، ومجلة المعرفة العدد (17): شعبان، عام 1417، ص 94.
4ـ انظر: تفاصيل أوسع في (دراسة في البناء الحضاري): 88 وما بعدها.
5ـ أزمة العالم في التعليم من منظور الثمانينيات: 84.
6ـ الشعب الذي يسكن اندونوسيا وماليزيا وسنغافورة و(فطاني) في جنوب تايلاند. 7ـ مقدمات في البحث الحضاري: 115.
8ـ على مشارف القرن الحادي والعشرين: 323.
9ـ مقدمات في البحث الحضاري: 117.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
