تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (5-6) من سورة الفاتحة
المؤلف:
السيد عبد الأعلى السبزواري
المصدر:
مواهب الرحمن في تفسير القرآن
الجزء والصفحة:
ج1/ ص33-41
2025-06-26
20
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5 ) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ( 6 )
قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ: لفظ الخطاب [ إياك ] استعمل هنا في مقام الحصر، وقد أطلق عليه تعالى في القرآن بضمير الغيبة وضمير المتكلم مع إفادتهما الحصر أيضا، قال تعالى: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [ سورة يوسف، الآية: 40 ]، وقال تعالى: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [ سورة العنكبوت، الآية: 56 ].
ويستفاد الحصر في المقام من أمرين:
أحدهما: سياق الآية المباركة لأن من كان « رَبِّ الْعالَمِينَ » و « الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » و « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » لا وجه لعبادة غيره فإنّ غيره مطلقا مملوك له تعالى ومحتاج إليه ولا وجه أن يدع من له تلك الصّفات في عبادته ويعبد غيره، ومنه يظهر سر قولهم ( عليهم السّلام ): « العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان »، وكثرة إطلاق الجهل على المشركين في الكتاب والسنة.
الثاني: استفادة الحصر من انفصال الضمير وتقديمه وينحل الحصر إلى النفي والإثبات كأنه قال: لا نعبد غيرك ونعبدك، كما في لا إله إلّا اللّه. وسائر موارد الحصر.
وفي الآية المباركة التفات من الغيبة إلى الخطاب لأنه بعد إقرار العبد بالألوهية والاعتراف بالربوبية وانه مالك يوم الجزاء صار لائقا بالمخاطبة الحضورية معه تعالى فارتقى العبد من الغيبة إلى الحضور لارتقاء مقام قلبه عن الغفلة إلى التوجه والحضور.
وللتوجه من الغيبة إلى الحضور مراتب بحسب مراتب المعرفة والطاعة في العبد، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
نَعْبُدُ العبادة: الطاعة وأصل المادة تنبئ عن الذل والخضوع والاستكانة والانقهار في أي هيئة استعملت ومنها العبد والمملوك. فالمادة تشمل العبودية التسخيرية، والعبودية الاختيارية والواقعية والعبادات الباطلة الاعتقادية، كما في قوله تعالى: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [ سورة يس، الآية: 60 ]. وقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [ سورة الأنبياء، الآية: 98 ]، وقوله تعالى: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً [ سورة العنكبوت، الآية: 17 ]، والعبادة: خضوع خاص ناشئ عن الإعتقاد بأن للمعبود عظمة، ولا يحيط بها العقل في المعبود الحقيقي، لعدم وصول الإدراك إلى عظمته فضلا عن ذاته، وان كان مدركا بالآثار، كما عرفت فإنه أعلى وأجلّ من أن يرقى إليه إدراك أحد، ولذا لا تصدق العبادة على الخضوع بالنسبة إلى غيره تعالى.
وقد تطابق العقل والنقل على عدم جوازها لغيره تعالى لأن حقيقتها الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال بحيث لا كمال فوقه وهو منحصر باللّه تعالى، وفي قوله تعالى: أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ( * ) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [ سورة الصافات، الآية: 95 - 96 ] إشارة إلى ذلك، وأنه لا تكون العبادة الا للخالق ومفيض الحياة والإطلاق بالنسبة إلى غيره تعالى اعتقادي باطل لا واقعي حقيقي.
والعناوين الشائعة ثلاثة: العبادة، والطاعة، والانقياد.
والأول - عبارة عن إتيان العمل بقصد التقرب إلى اللّه تعالى سواء كانت صحة العمل في حد نفسه متوقفة على قصد القربة - كالصّلاة والصوم والحج وغيرها من سائر العبادات، فإذا أتى بها من دون قصد القربة يبطل أصل العمل، أو لم تكن كذلك، كقضاء حوائج الإخوان وأداء حقوق النّاس، أو مثل النظافة فإذا كان للّه تعالى يثاب عليه مع حصول الطاعة وإذا لم يكن له تعالى تحصل الإطاعة دون الثواب، فالإطاعة أعم من العبادة، كما أنّ الانقياد أعم من كل منهما لإطلاقه عليهما وعلى إتيان ما يحتمل أنه محبوب للّه تعالى وترك ما يحتمل انه مبغوض له عزّ وجل وإن لم يكن أمر ونهي منه تعالى، وقد فصلنا الكلام في كتابنا [ مهذب الأحكام ].
وقد وردت الإطاعة في كثير من مشتقاتها في القرآن الكريم ؛ قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [ سورة الأحزاب، الآية: 71 ]، وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ سورة الأنفال، الآية: 46 ]، وقال تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [ سورة البقرة، الآية: 184 ]، وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ [ سورة النساء، الآية: 64 ] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
ثم إنّ العبادة هي التوجه إلى المعبود في القيام بما جعله من الوظيفة وإتيان المطلوب الذي أراده من العبد وحيث إنّ اللّه تعالى يطّلع على النوايا كاطّلاعه على الأعمال فلا بد أن تكون النوايا القلبية متوجهة إليه تعالى ومنحصرة في العبودية له تعالى.
وبعبارة أخرى كما أنّ العابد حاضر لدى اللّه تعالى ولا يخفى منه على اللّه شيء وهو عالم السر والخفيات، بل وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [ سورة الحديد، الآية: 4 ]، يعلم خطرات القلوب وحركات الجوارح ولحظات العيون فلا بد وأن يكون توجه العابد إلى مثل هذا المعبود كاملا وكذا في قلبه تاما بحيث لا يخطر في قلبه غيره فإن ذلك يوجب النقص في العبادة والعبودية بل قد يوجب الطرد والهجران والإثم والعصيان، وقد قال علي ( عليه السّلام ) في معنى العبادة: « أن تعبد اللّه كأنك تراه وان لم تكن تراه فإنه يراك ».
ويأتي التفصيل في قوله تعالى: وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ سورة الأعراف، الآية: 29 ].
والدواعي للعبادة كثيرة حتّى عند شخص واحد فربما يختلف دواعيه لها في حالة عن حالة أخرى وكلما كانت العبادة مجردة عن الدواعي الشخصية والمادية كانت العبادة أشد خلوصا للّه تبارك وتعالى ولذا
ورد عن علي ( عليه السّلام ): « أن قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار »، ونسب إليه ( عليه السّلام ): « ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك »، وعن أبي عبد اللّه الصادق ( عليه السّلام ): « العباد ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عزّ وجل خوفا، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء. وقوم عبدوا اللّه عزّ وجل حبا له، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة ».
ولا شك في أن عبادته لحبه تعالى، كما في هذه الرواية من أفضل أنحاء العبادات لخلوصها حتّى عن المسألة عنه تعالى وإضافة شيء إليه عزّ وجل خارجا عن ذاته، ولكن في بعض الروايات عن الإمام علي ( عليه السّلام ) كما تقدم « أن قوما عبدوا اللّه شكرا، فتلك عبادة الأحرار » وهي من أفضلها أيضا ولكن لا تصل إلى مرتبة المحبة، لأن المحبة قد تصل إلى مرتبة الفناء في المحبوب فلا يرى شيئا آخر أبدا وراء أهلية المحبوب والشكر هو لحاظ شيء آخر وراء ذات المحبوب وسيأتي تفصيل هذه المباحث في محالها إن شاء اللّه تعالى.
وإذا تحققت العبادة الواقعية بحيث لا يشوبها شيء كانت ثمرتها عظيمة لا يمكن حدها، وقد ورد في ذلك ما يوجب التحير منه، فعن أبي جعفر ( عليه السّلام ): « إن اللّه جل جلاله قال: ما يتقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه - الحديث - » فإن محبته تعالى لعبده من أجلّ مراتب الكمال وتوجب وصوله إلى مقامات عالية لاستلزام الانقياد والعبودية التامة من العابد الإفاضة المطلقة بالنسبة إليه ويستفاد ذلك من كثير من الروايات، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
وعن المحقق الطوسي أن العبادة أقسام ثلاثة: قلبي كالعقائد الحسنة وبدني كالأعمال الحسنة، واجتماعي كالمعاملات الشرعية والأخلاق الحسنة مع النّاس وسيأتي في الآيات المباركة المناسبة لها تفصيل الكلام.
قوله تعالى: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: الاستعانة طلب العون، والحصر هنا كالحصر في « إِيَّاكَ نَعْبُدُ » لفظي وسياقي وحالي، لأن الغني المطلق من كل جهة، لا بد وأن تنحصر الاستعانة به، والاستعانة بما سواه ان رجعت إليه تكون الاستعانة به، والا تكون شركا من هذه الجهة، فيكون المعنى هنا مشتملا على النفي والإثبات، أي: لا نستعين بغيرك ونستعين بك فقط.
ثم إنّ الاستعانة باللّه تعالى إما اختيارية أو تكوينية بلسان الحال والاستعداد، والثانية من لوازم الإمكان لا تنفك عنه في جميع العوالم فإن المخلوق محتاج في حدوثه وبقائه إلى الخالق ومستعين به بل كل معلول مستعين كذلك من علته، كما ثبت بالبراهين العقلية والنقلية أن مناط الحاجة الإمكان دون الحدوث فجميع ما سواه مستعين به ذاتا وقد تجتمع الاستعانتان، كما في المؤمنين باللّه تعالى فإن فيهم الاستعانة التكوينية والاختيارية، وكل ما تجلت عظمة المستعان في قلوبهم اشتدت استعانتهم به فالاستعانة به تعالى تتفاوت شدة وضعفا.
وتأخير العبادة والاستعانة عن « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » نحو تأخير المعلول عن العلة يعني: من كان رب العالمين ومالك يوم الدين لا بد وان يكون معبودا ومستعانا به. كما أن في تقديم العبادة على الاستعانة اعتراف بالمسكنة والخضوع بألطف وجه في أن يعتني الغني المطلق باستعانته، ومن ثم قيل: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة مع أنه من قبيل تقديم الغاية على ذيها لكثرة أهمية الغاية فإن غاية الاستعانة باللّه انما هي استعانته في عبادته وان ما سواها أمور زائلة وحقيرة، والعاقل لا يستعين باللّه تعالى في أمور زائلة غير دائمة إلّا إذا رجعت إلى ما هو دائم يبقى.
بل إن عبادته تعالى والاستعانة منه عزّ وجل متلازمتان فعبادته استعانة به كما أنّ نفس الاستعانة عبادة له فيكون مثل قول القائل: أديت ديني فقضيت حاجتي أو قوله قضيت حاجتي أديت ديني. وفي ذلك إشارة إلى أن لا ينسب العبد إلى نفسه شيئا فإنه خلاف أدب العبودية.
وجملة « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » دليل واضح على إبطال الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين، كما ذكره الأئمة الهداة ( عليهم السّلام ) على ما يأتي بيان هذا المبحث الشريف مفصلا في الآيات المناسبة له إن شاء اللّه تعالى.
وإنما ذكر « نعبد » و « نستعين » بلفظ الجمع إما باعتبار القارئ ومن معه من الملائكة الحفظة، أو باعتبار من معه في صلاة الجماعة، أو من المصلين، أو باعتبار من معه في الاعتقاد رجاء أن يكون فيهم من يقبل عمله فيقبل منه أيضا، ولأجل تصغير ما يصدر عنه من العمل فإذا التفت إلى أن الكل يعبدونه ويستعينون به عزّ وجل فلا يغتر به ولا يحسب لنفسه وزنا.
والأولى أن يقال: إن لفظ الجمع فيهما للتحريض إلى حفظ وحدة المجتمع الذين يعبدونه تعالى ويستعينون به فكما انهم مجتمعون في وحدة المعبود والعبادة والمستعان به لا بد أن يكونوا كذلك في جميع شؤونهم كما تدل عليه آيات كثيرة، وسيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.
وإنما كرر لفظ « إياك » لتأكيد الحصر وتشديده في كل واحد من العبادة والاستعانة، وإطلاقها وحصرها فيه تعالى يقتضي الاستعانة به في جميع الأمور مطلقا، وهي عبارة أخرى عن الاعتقاد ب « لا حول ولا قوة إلّا باللّه » والعمل بمقتضاه في جميع الأحوال.
قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. هذا هو ثمرة العبادة والغرض الأقصى من الاستعانة وأعلى المقامات الإنسانية. وهي الأمانة التي عرضت عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ [ سورة الأحزاب، الآية: 72 ].
والهداية: الدلالة سواء كانت إلى الحق أو الباطل، وكثيرا ما تستعمل في القرآن في الأول، ومن الثاني قوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [ سورة البلد، الآية: 10 ]، وقوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [ سورة الصافات، الآية: 23 ].
وللهداية مراتب كثيرة متفاوتة يصح تعلق الطلب بجميع مراتبها كما يصح تعلقه بالمراتب الراقية وان كان الشخص واجدا لها بالنسبة إلى المراتب السابقة، ففي كل مرتبة منها تطلب المرتبة الأرقى منها، فلا وجه للإشكال بأن الشخص إذا كان واجدا للهداية لا يصح أن يطلبها من اللّه تعالى ثانيا لأن إبقاء ما يكون واجدا له وتكميل مراتبه وطلب ما فوقه كلها من اللّه تعالى.
والهداية من أفعاله تعالى وهي من صفات الفعل لا صفة الذات وقد اضطربت كلمات الفلاسفة المتألهين في الفرق بين ما هو صفة ذاته تعالى وما هو صفة فعله فجعلوا بعض ما هو صفة الفعل صفة لذاته عزّ وجل وبذلك عسر الجواب عنه ولم ينهضوا بدليل يحسم الاشكال. لكن المستفاد من الآيات الشريفة - على ما سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى - والسنة المقدسة قاعدة كلية وهي: كل ما يصح توصيف اللّه تعالى به وبنقيضه أو ضده فهو من صفة الفعل وكل ما لا يصح ذلك فيه فهو من صفة الذات.
والأول - كالإرادة، قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [ سورة البقرة، الآية: 185 ]، وقال تعالى: يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ سورة المدثر، الآية: 31 ].
والثاني - كالحياة والبقاء والعلم مثل: السميع والبصير والقدير، وسيأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.
ثم إن الهداية إما تكوينية أو تشريعية:
والأولى: ما يعم جميع ما سواه تعالى من المجردات والماديات ويدل على ذلك قوله تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [ سورة طه، الآية: 50 ] فالبلوغ إلى مرتبة الكمال في كل موجود هداية بالنسبة إليه.
والثانية: تخص المؤمن ويطلبها منه عزّ وجل وقد جمعت في الإنسان الهدايتان التكوينية والتشريعية وهو يطلبهما معا أما الأولى بالاستعداد كما في سائر الموجودات والثانية بالطلب الذي يختص به وأما الكافر فله الهداية التكوينية فقط كالنباتات والحيوانات وإنما ترك الهداية التشريعية باختياره بعد ما تمت الحجة عليه.
الصراط: وهو الطريق المؤدي إلى المطلوب. والاستقامة هي الاستواء في مقابل الانحراف والاعوجاج. وإنّها تعم الجميع من الاعتقادات والملكات بل والخواطر النفسانية وأعمال الجوارح من العبادات والمعاملات والمجاملات فإنها إن تطابقت مع رضاء اللّه تبارك وتعالى كانت مستقيمة وإلّا فهي منحرفة قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ سورة آل عمران، الآية: 101 ] فبين تعالى معنى الهداية والصراط المستقيم بل يتحقق الصراط المستقيم في جميع الموجودات فإنّها إن طابقت مع ما جعله اللّه تعالى لها في النظام الأحسن كانت على الصراط المستقيم وإلّا خرجت عنه بعدم بلوغها إلى غاياتها للحوادث الطارئة.
فالهداية إلى الصراط المستقيم متقومة بطرفين: المفيض وهو اللّه تعالى، والمستفيض وهو ما سواه تعالى، لأنّ جميع الموجودات في طريق الاستكمال الذي أعده الحكيم جل شأنه.
ثم إنّ الصراط المستقيم كلي واقعي له أنواع كثيرة متفاوتة في التجرد والتعلق بالمادة وغير ذلك ويتحد مع الجميع اتحاد الجنس مع أنواعه فالمجرد منه كالعقل الكلي والمتعلق بالمادة منه كنفوس الأنبياء والأوصياء، والأولياء والعرضية منه كالكتب السماوية والتشريعات الإلهية.
وقد بين اللّه تعالى معنى الصراط المستقيم الذي يطلبه الإنسان في عدة آيات، منها قوله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً [ سورة الأنعام، الآية: 161 ]، فجعل الدين هو الصراط المستقيم، ومنها قوله تعالى: وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ [ سورة الزخرف، الآية: 61 ]، فجعل اتباع النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) هو الصراط المستقيم، وكذا في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ [ سورة المؤمنون، الآية: 74 ]، ومنها قوله تعالى: وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ [ سورة يس، الآية: 61 ]، وجميع هذه الآيات المباركة بيان لأمر واحد وهو الدين الذي أراده اللّه تعالى لخلقه وعبّر عنه بالنور في الآيات الكثيرة كما سيأتي بيانها.
والانحراف عن الصراط المستقيم وقوع في الظلمات التي لها أنواع كثيرة يجمعها قوله تعالى: « المغضوب عليهم والضالين » على ما سيأتي، وذكره تعالى المغضوب عليهم والضالين بعنوان الجمع إشارة إلى التعدد والاختلاف وعدم الوحدة فيه بخلاف الصراط المستقيم فإنه واحد لا تعدد فيه بوجه وهو النور الذي لم يستعمل في القرآن إلّا مفردا بخلاف الظلمات، قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ [ سورة البقرة، الآية: 257 ] وقوله تعالى: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ [ سورة النور، الآية: 35 ] فالنور والصراط المستقيم لا يعقل التعدد فيه لأن مبدأه منه تعالى كما أن بقاءه به ومنتهاه إليه بخلاف الظلمات فإنها مختلفة حسب الإعتقادات والأهواء الباطلة قال تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [ سورة الأعراف، الآية: 16 ].
نعم المستفاد من مجموع الآيات والروايات أن الظلم والشرك من الشيطان فهما حقيقة واحدة لها مراتب كثيرة ومظاهر متفاوتة والاختلاف في التعبير دون الحقيقة وسيأتي تفصيل ذلك في بيان حقيقة الشيطان إن شاء اللّه تعالى.
الاكثر قراءة في سورة الفاتحة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
