تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (2-4) من سورة الفاتحة
المؤلف:
السيد عبد الأعلى السبزواري
المصدر:
مواهب الرحمن في تفسير القرآن
الجزء والصفحة:
ج1/ ص23-33
2025-06-26
18
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ( 2 ) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ( 3 ) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( 4 )
قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ: الألف واللام للجنس أو الاستغراق، والمعنى واحد والفرق بالاعتبار فإذا لوحظ الحمد من حيث طبعه وذاته الشامل لجميع ما يدخل تحته من الأفراد يطلق عليه الجنس وإذا لوحظ من حيث الأفراد فهو استغراق، فالحقيقة واحدة والفرق بالإجمال والتفصيل. وعلى أي تقدير يفيد الانحصار به تعالى، كما سيأتي التفسير.
الحمد: هو الثناء على الجميل الاختياري، والمعنى أنّ كل حمد يصدر من أي حامد اختياريا كان أو غير اختياري ( تكويني ) فهو للّه تعالى لأنّ الكل مخلوق ومربوب له عزّ وجل فهو الخالق والمدبر لجميع ما سواه فيرجع ما سواه إليه سبحانه، قال تعالى: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [ سورة الشورى، الآية: 53 ] فكما أنه تعالى مبدأ الكل يستلزم أن يكون حمد الكل له، وفي الآيات دلالات واضحة عليه، قال تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [ سورة التغابن، الآية: 1 ] وقال تعالى: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ سورة الروم، الآية: 18 ]، وقال تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ [ سورة القصص، الآية: 70 ].
ثم إنّ هناك عناوين أربعة: الحمد، والمدح، والشكر، والتسبيح.
ونسب إلى أهل اللغة وجمع من الأدباء والمفسرين أنّ الأول - هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، والثاني - هو الثناء باللسان على الجميل ولو لم يكن.
اختياريا، كما في قولك: مدحت اللؤلؤ على صفائها، والنجوم اللامعة على جلائها وبهائها، فيكون الفرق بينهما بالعموم والخصوص. ولم يرد لفظ المدح في القرآن الكريم، كما أنّه لم يستعمل الحمد فيه إلّا للّه تبارك وتعالى. والثالث ما أنبأ عن عظمة المنعم سواء أكان بالقلب أو اللسان أو الأركان، فالتفكر في عظمته تعالى شكر له وذكره باللسان وفعل الصّلاة شكر له أيضا، فالحمد أعم من الشكر من ناحية المتعلق، لأنّه الجميل الاختياري سواء أكان للحامد أم لغيره، وأخص منه من ناحية المورد لأنّ مورده اللسان فقط في الإنسان، والشكر بالعكس فإنّ متعلقة الإنعام على الشاكر فقط ومورده يعم القلب واللسان والأركان. وقد ورد الشكر في القرآن بالنسبة إليه تعالى كثيرا، قال تعالى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [ سورة البقرة، الآية: 152 ]، وقال تعالى: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [ سورة البقرة، الآية: 172 ]، وقد يكون من اللّه عزّ وجل لعباده قال تعالى: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [ سورة الإسراء، الآية: 19 ]، وقال تعالى: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً [ سورة النساء، الآية: 147 ]. والمراد بشكره تعالى هو الجزاء على الخير سواء كان في الدنيا، أو في الآخرة أو فيهما معا. كما يقع من الخلق للخلق قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [ سورة لقمان، الآية: 14 ]. والتسبيح هو التنزيه عن كل نقص مطلقا ويختص ذلك باللّه تعالى كاختصاص الحمد به تعالى، قال تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [ سورة الصافات، الآية: 159 ]، وقال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [ الإسراء، الآية: 44 ] ويأتي التفصيل. هذا ما هو المعروف بينهم.
وهنا وجه آخر وهو أن مادة ( ح م د ) مع مادة ( م د ح ) واحدة في أصل المواد، وإنما الاختلاف بالتقديم والتأخير وهذا الاختلاف أوجب اختصاص لفظ الحمد باللّه تعالى، وإطلاق المدح على غيره أيضا، فيكون لفظ الحمد كلفظ ( اللّه، والرحمن ) مختصا به تعالى فلا ينبغي إطلاقه بالنسبة إلى غيره عزّ وجل ولو أطلق يكون بمعنى المدح، بخلاف المدح فإنه يطلق على غيره تعالى إطلاقا شائعا هذا من ناحية الحصر اللفظي.
وأما من ناحية الحصر المعنوي فلا ريب في أن الممكنات له ومنه وبه تعالى وقد ثبت في محله أن كل ما بالغير يكون بذاته وكماله منه فكمال الكل ومحمودية الكل ترجع إليه.
ثم إنّ الحمد يكون من اللّه تعالى لذاته المقدسة وهو كثير في القرآن، قال تعالى: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ سورة الروم، الآية: 18 ]، وقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ [ سورة فاطر، الآية: 1 ] وقال تعالى: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ [ سورة الجاثية، الآية: 36 ].
ويكون من خلقه له تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [ سورة الأعراف، الآية: 43 ].
وأما التسبيح فيقع منه تعالى ومن خلقه له، ولكن لا يقع من الخلق للخلق، كما يأتي التفصيل.
قوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ: لهذا الاسم [ رب ] الشريف منزلة عظيمة في الكتب السماوية لا سيما القرآن المهيمن على جميعها فهو من أمهات الأسماء المقدسة كالحي، والقيوم بل هو الأم وحده، لأنه ينطوي فيه الخالق والعليم والقدير والمدبر والحكيم وغيرها، فإنه غير الخلق كما يستفاد من قوله تعالى: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ [ سورة الأنبياء، الآية: 56 ] أي خلقهنّ.
وقد ذكر بعض المفسرين تبعا لجمع من اللغويين أنّ الرب بمعنى المالك والملك أو الصاحب. لكن التدبر في استعمالات هذا اللفظ يعطي أن الملك شيء وربانيته شيء آخر قال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ [ سورة الزمر، الآية: 6 ] وقال تعالى بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ [ سورة النّاس: الآية: 4 ] فإن فيه خصوصية - ليست هي في المالك والملك والصاحب - وهي الربوبية الحقيقية الناشئة عن الحكمة الكاملة التي لا يتصور النقص فيها بوجه، فالتكوين شيء وتنظيم عالم التكوين بتربيبه على النظام الأحسن شيء آخر، قال تعالى: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ( سورة الأنعام، الآية: 164 ]. ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكر عدم صحة استعمال كل واحد منها مقام الآخر في الاستعمالات الصحيحة إلّا بالعناية.
وعلى أية حال فإنّ الرب مجمع جميع أسماء أفعال اللّه المقدسة لأن جميع أفعاله تبارك وتعالى متشعبة من جهة تدبيره تعالى، وتربيبه في كل موجود بحسبه فالرب مظهر الرحمة والخلق والقدرة والتدبير والحكمة فهو الشامل لما سواه تعالى، فإنهم المربوبون له تعالى على اختلاف مراتبهم.
فكم فرق بين الربوبية المتعلقة برسوله الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) أو سائر الأنبياء العظام أو الملائكة المقربين وما تعلق بسائر النّاس.
فالربوبية لها مراتب تختلف باختلاف مراتب المربوب والمتعلق، قال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [ العلق، الآية 3 ]، وقال تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [ سورة الزمر، الآية: 75 ] وقد ورد في الأثر عن الأئمة الهداة ( عليهم السّلام ): « رب الملائكة والروح ».
وقد قرن هذا اللفظ في القرآن الكريم بما يفيد عظمته وجلالته قال تعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ [ سورة الصّافات، الآية: 180 ]، وقال تعالى: وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [ سورة المؤمنون، الآية: 86 ]، وقال تعالى: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [ سورة الصافات، الآية: 126 ]، وقال تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ سورة يس، الآية: 58 ]، وقال تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [ سورة سبأ، الآية: 15 ] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
ولجلال عظمته وقع مقسما به قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [ سورة النساء، الآية: 65 ] وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ سورة الحجر، الآية: 92 ]، وقال تعالى: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [ سورة الذاريات، الآية: 23 ].
ولأجل ما تقدم - من أنه أم الأسماء، وكونه مظهرا لجملة من أسمائه المقدسة - لم يرد في القرآن الكريم دعاء من عباده إلّا مبدوّءً باسم الرب قال تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [ سورة البقرة، الآية: 201 ] وقال تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا [ سورة آل عمران، الآية: 147 ] وقال تعالى: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [ سورة إبراهيم، الآية: 35 ] وقال تعالى: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [ سورة البقرة، الآية: 260 ] وغيرها من الآيات المباركة.
ولعل السر في ذلك هو إفادة هذا اللفظ حالة الانقطاع إلى اللّه تعالى أكثر من غيره ولذا وقع من أنبيائه العظام في تلك الحالة قال تعالى عن لسان نبينا الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ): « يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [ سورة الفرقان، الآية: 30 ]، وقال تعالى عن لسان نوح ( عليه السّلام ): رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً [ سورة نوح، الآية: 5 ].
فليس في أسمائه المقدسة أعم نفعا وأكمل عناية ولطفا من اسم ( الرب ) بالمعنى الذي ذكرناه، ولعل المراد بقوله تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [ سورة المؤمنون، الآية: 88 ] وقوله تعالى: أَ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ سورة الأعراف، الآية: 185 ] وقوله تعالى: فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [ سورة يس، الآية: 83 ] هو الربوبية العظمى الإلهية فإن التغييرات والتبدلات اللازمة لعالم الكون والفساد، والإفاضات الحاصلة منه تعالى على العوالم هي عبارة عن الملكوت المضافة اليه تعالى.
مع أن الثابت في علم الفلسفة ان ما سواه تبارك وتعالى يحتاج إليه تعالى في البقاء كما يحتاج إليه في أصل الحدوث ففي كل لحظة - بل أقل منها - له رحمة خالقية وربوبية بالنسبة إلى ما سواه من الموجودات وهذا هو معنى القيمومية المطلقة التي لا يمكن إحاطة الإنسان بها وبالربوبية العظمى كعدم إمكان الإحاطة بذاته تعالى وتقدس شأنه.
قوله تعالى: الْعالَمِينَ: جمع عالم وهو أيضا جمع، لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط والنفر، واشتقاقه من العلامة بمعنى الدلالة فكل ما هو مخلوق علامة وآية كاشفة عن خالقه، كما أن كل معلول أو مصنوع علامة للعلة أو الصانع. والممكن علامة عقلية للواجب بالذات، فكل ممكن عالم من عوالمه عزّ وجل بذاته وكذا كل ما يتعلق من عوارضه وآثاره وخواصه من أدنى الموجودات إلى أرقاها فجميع الموجودات عوالمه وجميع عوالمه آياته ويأتي في الأخبار تفسير العالمين بالجماعات من المخلوقات أيضا.
وعن جمع إن العالم لا يطلق إلّا على كل جماعة متمايزة لأفرادها صفات تقربها من العقلاء وإن لم تكن منهم وذاك لأن هذه العوالم هي التي يظهر فيها معنى التربية. وهو فاسد لأنه إن كان المراد به التغليب فله وجه، وإن كان المراد عدم الصدق الحقيقي على ما لا يعقل فهو مخالف لصحة إطلاق عالم التكوين فإن إطلاقه يشمل الجمادات أيضا. وإن اثر التربية يظهر في كل ما يسمى شيئا قال تعالى: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [ سورة الأنعام، الآية: 164 ]. فلا اختصاص للتربية بمن يعقل.
ثم إنّ معنى العالم ومدلوله وسيع جدا وغير محدود بحد، بل غير متناه - بالمعنى الذي سنبينه إن شاء اللّه تعالى - فمن أقرب العوالم إلى الإنسان عالم التراب - الذي يكون محسوسا له وهو عظيم لم يتمكن الإنسان من إدراك جميع خصائصه وجهاته. مع أنه من أجل العوالم نفعا، وكذا بالنسبة إلى عالم الإنسان الذي كل من أراد فهمه لا يزداد إلّا تحيرا فيه، وهكذا غيرهما من العوالم، فليس للإنسان إلّا الاعتراف بالعجز والقصور أمام جلال عظمته تبارك وتعالى.
والعوالم تارة: تكون في نفسها مترتبة منظمة بأن يكون كل سابق مقتضيا للاحقه، فيصح أن يقال: أول ما خلق اللّه العقل في عالم الروحانيين والمجردات، كما في الحديث، وأول ما خلق اللّه تعالى في عالم الماديات الماء، كما عن علي ( عليه السّلام )، وأول ما خلق اللّه في عالم الأعراض الحروف، كما في بعض الأخبار إلى غير ذلك مما ورد في أوّليات خلق عوالمه تعالى، وللفلاسفة من الأقدمين بل ومن المسلمين مباحث علمية في بيان العوالم المترتبة ( طولية ) وقد أثبتوا ذلك بالبرهان وسيأتي تفصيل العوالم في محله إن شاء اللّه تعالى.
وأخرى: لا ترتب بينها بل ينشأ جمع من تلك العوالم عن مبدأ واحد في عرض واحد، كما نشاهد ذلك في عالم الطبيعة.
وثالثة: تكون مركبة من القسمين كما هو المحسوس في عالم النطفة في صلب الرجال ثم مسيرها إلى الرحم ومجيئها إلى هذا العالم وكذا كل ما هو في مسير الاستكمال والارتقاء وتسمى هذه العوالم الطولية وفي عرض ذاك عوالم أخرى إن لوحظت مع نظيرها، كما تقدم في القسم الثاني.
وهناك عوالم ( طولية ) أخرى يمر الإنسان عليها وهي عالم الدنيا، وعالم البرزخ، وعالم النشر والحشر، وعالم الخلود، وسيأتي بيانها في الآيات المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.
نعم هنا بحث وهو أنّ العوالم هل هي متعددة حقيقة أو أنّ تعددها اعتباري محض ؟ عن بعض المحققين من المتألهين أنّ العالم واحد وهو عالم الدنيا وغيره من عوالم البرزخ والحشر والنشر والخلود من تبعاتها وشؤونها فتكون الدنيا كالمادة للجميع السارية فيها فيكون العالم واحدا حقيقة، وسيأتي تفصيل هذا البحث في الآيات المناسبة له.
وكل ما تقدم من العوالم - بشؤونها وأصنافها - غير متناهية بجميع مراتبها - ويأتي شرح ذلك مفصلا - وأنّها مخلوقة بأحسن خلق وأكمل نظام، كما أن جميع تلك الأصناف غير المتناهية مورد ربوبيته العظمى وقيمومته المطلقة وله المعيّة ( الإحاطة ) التدبيرية بكل ما سواه من العالم، ولكن تلك المعية في العباد لا توجب سلب اختيارهم، لأن الاختيار فيهم ثابت لفرض وجود التربية التشريعية وهي لا تعقل بدون الاختيار.
وأما تربيته التكوينية فهي منحصرة بإرادته واختياره تعالى كما يأتي تفصيل هذا الإجمال في محله إن شاء اللّه تعالى.
ثم إنّ في ذكر رب العالمين بعد الحمد دلالة على أن من موجبات استحقاقه تعالى للحمد هو كونه رب العالمين.
قوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: تقدم تفسيرهما. وإنما كرر سبحانه وتعالى: « الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » هنا، بناء على جزئيّة البسملة للفاتحة، كما هو الحق عند المسلمين، لأنّ الرحمن الرحيم، لوحظا في البسملة بالعنوان العام من كونهما من صفات الذات الأقدس بلا إضافة إلى شيء، وفي الفاتحة لوحظا باعتبار منشأ استحقاقه تعالى للحمد، فهذه الخصوصية توجب الاختلاف في الجملة، وبها يرتفع التكرار.
قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. هذه المادة ( المالك ) بأي هيئة استعملت تكون بمعنى الاستيلاء والإحاطة والاحتواء سواء أكان بالنسبة إلى الخلق والإيجاد أو بالنسبة إلى النظم أو الانتظام. نعم ؛ هي في المخلوق محدودة لفرض محدودية ذاته وصفاته وفي الخالق لا وجه للتحديد فيه بوجه من الوجوه، وذكر يوم الدين من باب ذكر بعض المصاديق لنكتة لا للانحصار كما ستعرف.
نعم؛ مالكية يوم الدين تستلزم مالكيته لجميع العوالم السابقة عليه نحو استلزام النتيجة للمقدمات كما أن مالكية الدنيا ملازمة لمالكية يوم الدين كاستلزام المقدمات للنتيجة المنطوية فيها، مع أن قوله تعالى: بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ سورة تبارك، الآية: 1 ]، وقوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [ سورة التغابن، الآية: 1 ]، وقوله تعالى: بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [ سورة المؤمنون، الآية: 88 ] عام يشمل جميع العوالم ومالكيته لها بالدلالة المطابقية.
ثم إنه وردت هذه المادة بأغلب مشتقاتها في القرآن الكريم فقد أطلق فيه الملك ( بفتح الميم وكسر اللام ) بالنسبة إليه تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ [ سورة الحشر، الآية: 23 ] وقال تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [ سورة طه، الآية: 114 ]، وقال تعالى: مَلِكِ النَّاسِ [ سورة الناس، الآية: 2 ] كما ورد الملك ( بضم الميم وسكون اللام ) مضافا إليه تعالى كثيرا قال تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ سورة الحديد، الآية: 2 ]، وقال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ [ سورة فاطر، الآية: 13 ]، وقال تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [ سورة آل عمران، الآية: 26 ]. وقد ورد المالك، قال تعالى: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [ سورة آل عمران، الآية: 26 ]. كما ورد المليك أيضا، قال تعالى: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [ سورة القمر، الآية: 55 ] ولم يرد الملك ( بكسر الميم وسكون اللام ) لإغناء الملك ( بضم الميم ) عن ذلك بالأتم والأكمل، ولعل عدم وروده في القرآن لأنه غالبا يستعمل في الأمور الزائلة وهو تعالى منزه عن إضافة مثله إليه.
هذا وقرئ ( ملك ) لأن كل ملك يستلزم المالك ولا عكس. والظاهر أنه لا فرق بالنسبة إليه تعالى لكونه مالكا في عين ملكيته تعالى وبالعكس فكما أنه تعالى رب العالمين بالنسبة إلى جميع الموجودات كذلك ملك ومالك بالنسبة إلى جميعها أيضا.
وقد يرجح قراءة ( مالك )، لأن المالكية تشمل ملكية الأجزاء والجزئيات بخلاف ( ملك )، فإن الملكية هي التسطير على الكل. هذا بحسب اللغة.
وأما بالنسبة إليه تعالى فقد قلنا: إنه لا وجه لذلك، كما تقدم، وان كان قراءة ( مالك ) أوفق بالعرف.
يَوْمِ: المراد به هو الوقت، وان كان إطلاقه على الزمان الذي لا ظلام فيه بالطبع إطلاقا شائعا ولكن ليس بحسب ذاته ومن مقوماته فهو غير محدود بحد معين بل هو بالنسبة إلى هذا العالم الذي نحن فيه المقدر فيه الليل والنهار لأجل دوران الكرة الأرضية لا بالنسبة إلى جميع العوالم، ولذا لم يذكر اليوم في القرآن في مقابل الليل وإنما ذكر النّهار في مقابله.
ومما يدل على عدم التحديد فيه قوله تعالى: إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ [ سورة الحج، الآية: 47 ]، وقوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [ سورة الأعراف، الآية: 54 ]، وقوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ [ سورة فصلت، الآية: 12 ] بناء على أن اليوم المعهود لدينا إنما حدث بعد خلق السماوات والأرض ولا وجه لأخذ الحد الخاص الحاصل من خصوصيات عالم معين في معنى الكلمة الذي هو عام وشامل لجميع العوالم إلّا إذا كانت هناك قرائن معتبرة خارجية تدل على خصوصية معينة وحد خاص.
الدِّينِ: هو الجزاء ويوم الدين هو يوم الجزاء على الأعمال وحسابها، كما في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [ سورة غافر، الآية: 17 ]، وقوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ سورة الجاثية، الآية: 28 ]. إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
والمستفاد من مجموع الآيات أنّ الإنسان من بدء حدوثه إلى خلوده هو في يومين: يوم العمل الذي يعبّر عنه ب ( الدنيا ) ويوم الجزاء المعبّر عنه ب ( الآخرة )، أو يوم القيامة، أو غير ذلك.
وقد وصف اللّه تعالى هذا اليوم بأوصاف شتى كالعظيم، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [ سورة مريم، الآية: 37 ] ؛ والمحيط كقوله تعالى: وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ [ سورة هود، الآية: 84 ]، وبأنواع الحوادث العظيمة الهائلة قال تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى [ سورة الحج، الآية: 2 ].
وكل ذلك لأجل بيان نهاية عظمة اليوم ؛ وقد لخصها اللّه تعالى في سورة الانفطار بأحسن تلخيص وأكمل بيان وأتم دهشة، وفي المقام مباحث تأتي في مواضعها المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.
وإنما ذكر اللّه عزّ وجل « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » مع أنه تعالى مالك لجميع ما سواه ولم يخرج عن ملكه شيء لأن يوم الدين مظهر ثبوت الوحدانية المطلقة والربوبية العظمى الإلهية عند الكل وانقهار الجميع تحت قهاريته وهو يوم ظهور فساد الشرك الذي توهمه النّاس بزعمهم وخيالهم فيوم الدين يوم يظهر فيه التوحيد الحقيقي والعدل الإلهي.
وإنما ذكر « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » بعد « الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ترغيبا لعباده وحنانا عليهم بأن لا تغلبهم دهشة اليوم، فإن الرحمن الرّحيم معهم في أي عالم وردوا عليه وحاضر فيهم في ما إذا أحاطت بهم الدهشة.
وهذا من لطيف المعاتبة بين المالك الحكيم الغني والمملوك المحتاج فيدفع بيد ويجذب بالأخرى وقد جمع اللّه تعالى بين الترغيب والترهيب.
الاكثر قراءة في سورة الفاتحة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
