قصة إبراهيم عليه السلام ورميه بالمنجنيق
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص420-423.
2025-06-16
380
قصة إبراهيم عليه السلام ورميه بالمنجنيق
قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 51 - 71].
قال علي بن إبراهيم : قال عليه السّلام : ثمّ حكى اللّه عزّ وجلّ قول إبراهيم لقومه وأبيه فقال : وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ إلى قوله تعالى بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ .
قال ؛ فلمّا نهاهم إبراهيم عليه السّلام ، واحتج عليهم في عبادتهم الأصنام فلم ينتهوا ، فحضر عيد لهم ، فخرج نمرود ، وجميع أهل مملكته إلى عيدهم ، وكره أن يخرج معه إبراهيم ، فوكّله ببيت الأصنام فلمّا ذهبوا ، عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت الأصنام ، فكان يدنو من صنم صنم ، ويقول له : كل ، وتكلّم ، فإذا لم يجبه أخذ القدوم « 1 » فكسر يده ورجله ، حتى فعل ذلك بجميع الأصنام ، ثمّ علّق القدوم في عنق الكبير منهم ، الذي كان في الصدر.
فلما رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسّرة ، فقالوا :
مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ، وهو ابن آزر ، فجاءوا به إلى نمرود ، فقال نمرود لآزر خنتني ، وكتمت هذا الولد عنّي ؟ فقال : أيها الملك ، هذا عمل أمه ، وذكرت أنها تقوم بحجّته .
فدعا نمرود أم إبراهيم ، فقال لها : ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل ؟ فقالت : أيها الملك ، نظرا مني لرعيّتك .
قال : وكيف ذلك ؟ قالت : رأيتك تقتل أولاد رعيّتك ، فكان يذهب النسل ، فقلت : إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله ، ويكفّ عن قتل أولاد الناس ، وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا ، وقد ظفرت به ، فشأنك ، وكفّ عن أولاد الناس ، فصوّب رأيها ، ثم قال لإبراهيم عليه السّلام : مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا يا إبراهيم ؟
قال عليه السّلام : فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ .
قال الصادق عليه السّلام : « واللّه ما فعله كبيرهم ، وما كذب إبراهيم عليه السّلام فقيل له : كيف ذلك ؟ فقال : « إنّما قال : فعله كبيرهم هذا إن نطق ، وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا ».
فاستشار نمرود قومه في إبراهيم عليه السّلام ، فقالوا له حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فقال الصادق عليه السّلام : « كان فرعون إبراهيم وأصحابه لغير رشدة ، فإنهم قالوا لنمرود : حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ وكان فرعون موسى وأصحابه لرشدة ، فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالوا : {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ } [الشعراء : 36] ».
فحبس إبراهيم عليه السّلام ، وجمع له الحطب ، حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم عليه السّلام في النار . برز نمرود وجنوده - وقد كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم عليه السّلام كيف تأخذه النار - فجاء إبليس واتخذ لهم المنجنيق ، لأنه لم يقدر أحد أن يقرب من تلك النار ، وكان الطائر إذا مرّ في الهواء يحترق ، فوضع إبراهيم عليه السّلام في المنجنيق ، وجاء أبوه فلطمه لطمة ، وقال له : ارجع عما أنت عليه .
وأنزل الربّ ملائكة إلى السماء الدنيا ، ولم يبق شيء إلا طلب إلى ربّه ، وقالت الأرض : يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره ، فيحرق ؟ وقالت الملائكة : يا ربّ خليلك إبراهيم يحرق ؟ فقال اللّه عزّ وجلّ : أمّا إنه إن دعاني كفيته . وقال جبرئيل عليه السّلام : يا ربّ ، خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره ، فسلّطت عليه عدوّه يحرقه بالنار ؟ فقال : اسكت ، إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت ، وهو عبدي آخذه إن شئت ، فإذا دعاني أجبته .
فدعا إبراهيم عليه السّلام ربّه بسورة الإخلاص : « يا اللّه ، يا واحد ، يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، نجّني من النار برحمتك ». قال : فالتقى جبرئيل معه في الهواء وقد وضع في المنجنيق ، فقال : يا إبراهيم ، هل لك إليّ من حاجة ؟ فقال إبراهيم عليه السّلام : أما إليك فلا ، وأمّا إلى ربّ العالمين فنعم . فدفع إليه خاتما مكتوبا عليه : « لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ، ألجأت ظهري إلى اللّه ، وأسندت أمري إلى اللّه ، وفوضت أمري إلى اللّه » . فأوحى اللّه إلى النار : كُونِي بَرْداً فاضطربت أسنان إبراهيم عليه السّلام من البرد حتى قال : وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ .
وانحطّ جبرئيل ، وجلس معه يحدّثه في النار ، فنظر إليه نمرود ، فقال : من اتّخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم . فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود :
إني عزمت على النار أن لا تحرقه . فخرج عمود من النار ونحو الرجل فأحرقه ، فآمن له لوط وخرج معه مهاجرا إلى الشام ، ونظر نمرود إلى إبراهيم عليه السّلام في روضة خضراء في النار ، ومعه شيخ يحدّثه ، فقال لآزر : ما أكرم ابنك على ربّه !
قال : وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم ، وكا الضّفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار. قال : ولما قال اللّه للنار : كُونِي بَرْداً وَسَلاماً لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام ،
ثم قال اللّه عزّ وجلّ : {وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ }، وقال اللّه عزّ وجلّ : وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ يعني الشام ، وسواد الكوفة ، وكوثى ربّا « 2 ».
_____________
( 1 ) القدوم : آلة للنّجر والنّحت . « المعجم الوسيط - قدم - ج 2 ، ص 72 ».
( 2 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 71 . وكوثى - بالعراق - في موضعين : كوثى الطريق : وكوثى ربّا ، وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السّلام ، وهما قريتان ، وبينهما تلول من رماد يقال إنّها رماد النار التي أوقدها نمرود لإحراقه . ( مراصد الاطلاع : ج 3 ، ص 1185 ).
الاكثر قراءة في قصة النبي ابراهيم وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة