قصة النبي إبراهيم عليه السلام
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص320-325.
2025-06-12
447
قصة النبي إبراهيم عليه السلام
قال تعالى : {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود: 69 - 83].
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « إن اللّه تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط : جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وكروبيل عليهم السّلام ، فمرّوا بإبراهيم عليه السّلام وهم معتمّون ، فسلّموا عليه فلم يعرفهم ، ورأى هيئة حسنة ، فقال : لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي ، وكان صاحب ضيافة ، فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قرّبه إليهم ، فلمّا وضعه بين أيديهم و {رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } فلمّا رأى ذلك جبرئيل عليه السّلام حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه فعرفه إبراهيم عليه السّلام ، فقال : أنت هو ؟
قال : نعم : ومرّت امرأته سارة ، فبشّرها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب.
فقالت ما قال اللّه عزّ وجلّ ، وأجابوها بما في الكتاب العزيز « 1 » :
فقال لهم إبراهيم عليه السّلام : لماذا جئتم ؟ قالوا : في إهلاك قوم لوط . فقال لهم : إن كان فيها مائة من المؤمنين أتهلكونهم ؟ قال جبرئيل لا . قال : وإن كان فيهم خمسون ؟ قال : لا . قال : وإن كان فيهم ثلاثون ؟ قال : لا . قال :
وإن كان فيهم عشرون ؟ قال : لا . قال : وإن كان فيهم عشرة ؟ قال : لا . قال :
وإن كان فيهم خمسة ؟ قال : لا . قال : إن كان فيهم واحد ؟ قال : لا . {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } [العنكبوت : 32] ثمّ مضوا ».
قال : وقال الحسن بن علي « 2 » : لا أعلم هذا القول إلا وهو يستبقيهم « 3 » ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود : 74] « 4 ».
« فأتوا لوطا وهو في زراة له قرب المدينة ، فسلموا عليه وهم معتمون ، فلما رآهم رأى هيئة حسنة ، عليهم عمائم بيض وثياب بيض ، فقال لهم :
المنزل ؟ فقالوا : نعم فتقدّمهم ومشوا خلفه ، فندم على عرضه المنزل عليهم ، فقال : أيّ شيء صنعت ، آتي بهم قومي وأنا أعرفهم ؟
فالتفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق اللّه . قال جبرئيل عليه السّلام « 5 » : لا تعجل عليهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرّات . فقال جبرئيل عليه السّلام : هذه واحدة . ثم مشى ساعة ثم التفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق اللّه . فقال جبرئيل عليه السّلام : هذه اثنتان . ثمّ مضى فلمّا بلغ باب المدينة التفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق اللّه ، فقال جبرئيل عليه السّلام : هذه الثالثة.
ثمّ دخل ودخلوا معه . حتى دخل منزله ، فلمّا رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة ، فصعدت فوق السّطح فصفقت ، فلم يسمعوا ، فدخّنت ، فلمّا رأوا الدّخان أقبلوا يهرعون ، حتى جاءوا إلى الباب ، فنزلت إليهم ، فقالت : عندنا قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن منهم هيئة . فجاءوا إلى الباب ليدخلوا ، فلمّا رآهم لوط قام إليهم ، فقال لهم يا قوم : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ثمّ قال : هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فدعاهم كلّهم إلى الحلال ، فقالوا : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ
ما نُرِيدُ فقال لهم : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ - قال - فقال جبرئيل عليه السّلام : لو يعلم أيّ قوّة له ! فكاثروه « 6 » حتى دخلوا الباب ، فصاح به : جبرئيل ، وقال : يا لوط ، دعهم يدخلون ، فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم ، فذهبت أعينهم ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: 37].
ثمّ ناداه جبرئيل ، فقال له : إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وقال له جبرئيل : إنا بعثنا في إهلاكهم . فقال : يا جبرئيل ، عجّل . فقال : إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فأمره فتحمّل ومن معه إلّا امرأته ، ثم اقتلعها - يعني المدينة - جبرئيل بجناحه من سبع أرضين ، ثم رفعها حتى سمع أهل السّماء الدنيا نباح الكلاب وصراخ الديوك ، ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجّيل » « 7 ».
وقال أبو جعفر عليه السّلام : « إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سأل جبرئيل عليه السّلام : كيف كان مهلك قوم لوط ؟
فقال : يا محمّد ، إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون من الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطعام ، وإن لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة ، وإنما كان نازلا عليهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وإنّه دعاهم إلى الإيمان باللّه واتّباعه ، وكان ينهاهم عن الفواحش ، ويحثّهم على طاعة اللّه فلم يجيبوه ، ولم يتّبعوه .
وإنّ اللّه لمّا همّ بعذابهم بعث إليهم رسلا منذرين عذرا ونذرا ، فلما عتوا عن أمره بعث اللّه إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين ، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين فأخرجوهم منها ، وقالوا للوط : {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } [الحجر: 65].
قال : فلمّا انتصف الليل سار لوط ببناته ، وتولّت امرأته مدبرة فانطلقت إلى قومها تسعى بلوط ، وتخبرهم أنّ لوطا قد سار ببناته.
وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر : يا جبرئيل ، حقّ القول من اللّه بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فاهبط إلى قرية قوم لوط وما حوت فاقتلعها من تحت سبع أرضين ، ثمّ اعرج بها إلى السّماء ، ثم أوقفها حتى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ، ودع منها آية بيّنة - منزل لوط - عبرة للسيّارة.
فهبطت على أهل القرية الظالمين ، فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها ، وضربت بجناحي الأيسر على ما حوى غربها ، فاقتلعتها - يا محمّد - من تحت سبع أرضين إلّا منزل لوط آية للسيّارة ، ثم عرجت بها في خوافي « 8 » جناحي إلى السماء ، وأوقفتها حتى سمع أهل السماء زقاء « 9 » ديوكها ونباح كلابها فلمّا أن طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش : يا جبرئيل ، اقلب القرية على القوم المجرمين ، فقلبتها عليهم حتى صار أسفلها أعلاها ، وأمطر اللّه عليهم حجارة من سجّيل منضود مسوّمة عند ربّك ، وما هي - يا محمّد - من الظالمين من أمّتك ببعيد ».
قال : « فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا جبرئيل ، وأين كانت قريتهم من البلاد ؟
قال : كان موضع قريتهم إذ ذلك في موضع بحيرة طبريّة « 10 » اليوم ، وهي في نواحي الشام .
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا جبرئيل ، أرأيت حيث قلبتها عليهم في أيّ موضع من الأرض وقعت القرية وأهلها ؟ فقال : يا محمّد ، وقعت فيما بين الشام إلى مصر ، فصارت تلالا في البحر » « 11 ».
وقال علي بن إبراهيم القميّ : في قوله : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أي يسرعون ويعدون . وقال في قوله تعالى مُسَوَّمَةً : أي منقوطة « 12 ».
_____________
( 1 ) قال أبو جعفر في قوله ( فضحكت ) : يعني فعجبت من قولهم - وفي رواية أبي عبد اللّه عليه السّلام : قال : حاضت ، وقالت : يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ إلى قوله : حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
فلما جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق ، فذهب عنه الرّوع ، أقبل يناجي ربّه في قوم لوط ويسأله كشف البلاء عنهم ، فقال اللّه تعالى : يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ بعد طلوع الشمس من يومك محتوما غَيْرُ مَرْدُودٍ » . ( تفسير العياشي : ج 2 ، ص 152 ، ح 44 - 45 ).
( 2 ) قال المجلسي ( رحمه اللّه ) : أي ابن فضّال . البحار : ج 12 ، ص 169 ، وفي المصدر : الحسن العسكري أبو محمّد عليه السّلام .
( 3 ) قال المجلسيّ ( رحمه اللّه ) : أي أظنّ أن غرض إبراهيم عليه السّلام كان استبقاء القوم والشفاعة لهم ، لا محض إنجاء لوط من بينهم . البحار : ج 12 ، ص 169.
( 4 ) وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه : إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . « دعّاء » . ( تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 154 ، ح 51 ) .
( 5 ) كذا ، والظاهر : فقال اللّه لجبرئيل .
( 6 ) كاثره : غلبه بالكثرة . « الصحاح - كثر - ج 2 ، ص 803 » .
( 7 ) الكافي : ج 8 ، ص 327 ، ح 505 .
( 8 ) الخوافي : الريش الصغار التي في جناح الطير عند القوادم . « مجمع البحرين - خفا - ج 1 ، ص 129 » .
( 9 ) زقا الصّدى يزقو ويزقى زقاء : أي صاح . « الصحاح - زقا - ج 6 ، ص 2368 » .
( 10) بحيرة طبريّة : بركة تحيط بها الجبال ، تصبّ إليها فضلات أنهار كثيرة ، ومدينة طبريّة مشرفة عليها ، وهي من أعمال الأردن . « معجم البلدان : ج 1 ، ص 351 وج 4 ، ص 17 » .
( 11 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 157 ، ح 57 .
( 12 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 335 و 336 .
الاكثر قراءة في قصة النبي ابراهيم وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة