التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
شابور الثاني والعرب العراقيون.
المؤلف: علي ظريف الأعظمي.
المصدر: تاريخ الدول الفارسية في العراق.
الجزء والصفحة: ص 30 ــ 38.
2024-10-25
129
تولَّى شابور الثاني بعد هرمزد الثاني سنة 309م، ولصغر سنه نصب الفرس وصيًّا عليه ليتولى شئون المملكة، فساءت الأحوال بادئ بدء وكثرت الاضطرابات في المملكة حتى طمع العرب فيها، وجاء منهم — زيادة على مَن في العراق منهم — عدة قبائل من البحرين وغيرها وعبروا خليج «فارس» وأخذوا يشنون الغارات على الأطراف، وأغارت قبيلة «إياد» على سواد «العراق» ونهبت وغنمت، وظلَّ العرب أعوامًا — وخصوصًا إياد — معادين للفرس والفرس لا يقاتلونهم. فلما بلغ شابور السادسة عشر وتسلَّم زمام المملكة بدأ بأعدائه القريبين منه، وهم العرب الذين في العراق، فتعمَّدَ أذاهم وإخراجهم من بلاده، وخصوصًا قبيلة إياد التي قال فيه شاعرها:
على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل والنعم
فتمكَّنَ من الفتك بالعرب، فقتل من «إياد» ومن «تميم» عددًا كبيرًا، وشتتت جيوشه شمل العرب، ففرَّ بعضهم إلى «الروم» وبعضهم إلى «البحرين» وغيرها، فطارَدَ سابور مَن في «البحرين»، فقطع الخليج الفارسي وفتَكَ في «البحرين» و«اليمامة» ببني تميم، ثم سار إلى «الأحساء» و«القطيف» وفتك بالعرب الذين هناك، ثم عاد وحمل على ديار بكر وربيعة فيما بين مملكة «الفرس» و«الروم»، وفتك بهم، وكان ينزع أكتاف رؤساء العرب الذين يظفر بهم فسمَّوه «ذا الأكتاف»، ولم يكتفِ سابور بما أنزله بالعرب من الفتك العظيم في أكثر الجهات، بل إنه أصدر بعد تلك الحادثة أمرًا بعدم دخول العرب في عاصمته بغير إذن منه، ومَن دخلها بغير إذن يُقتَل، وبنى مدينة «الهفة» في طرف السواد في أنحاء «البطيحة» في «العراق»، وأسكن فيها مَن أسره من إياد، ونهى الفرس عن مخالطتهم (1)، فأراد العرب الذي فروا إلى «الروم» أن ينتقموا منه، فاتفقوا مع الروم في عهد الملك قسطنطين الأكبر وزحفوا معهم على الجزيرة، فاتسع الخرق على الفرس وجرت بين سابور وبين الروم عدة وقائع، انهزم في آخِرها الفرس، فطاردهم الروم والعرب حتى استولوا على «أكتسيفون» وغنموا ما فيها، فاضطر الملك الفارسي إلى تأليف جيش جديد فتمكَّنَ من استرداد «أكتسيفون»، وظلَّ يقاتل المهاجمين حتى أخرجهم من «العراق» وطاردهم فحالفه النصر حتى اضطر الروم إلى مصالحته وإرجاع مدينة «نصيبين» له، ولما تولَّى عرش الروم يوليانوس حمل على الفرس سنة 363م، وعبر نهر دجلة وتوغَّلَ في البلاد حتى اقترب من «أكتسيفون» فلقيته جيوش شابور، وبعد معارك هائلة انكسرت الجيوش الرومانية وقُتِل ملكها.
ولم يكن اضطهاد شابور قاصرًا على عرب البادية، بل شمل سكان المدن منهم، وهم النصارى الذين كانوا منتشرين في المدن العراقية، فإنه قتل كثيرًا منهم، وأصدر أمرًا بمضاعفة الجزية السنوية التي عليهم، وذلك سنة 339م، وأردفه بأمر آخَر بعد سنة قضى بهدم الكنائس ثم قتل جماعة من الأساقفة، والذي حمله على ذلك انتشار الدين المسيحي في عهده في «العراق» انتشارًا هائلًا بين الحضر والبدو من العرب، وتحزب النصارى وتحسبهم لقياصرة الروم الذين من مذهبهم، لا سيما في عهد القيصر قسطنطين الكبير؛ ولذلك بلغ الاضطهاد أشده في أيامه، وهو أول مَن اضطهد النصارى من الملوك الساسانيين، وهو الذي بنى مدينة «آلوس» الواقعة في جزيرة صغيرة في وسط «الفرات» شرقي «حديثة»، وجعلها مسلَّحَة تحفظ ما قرب من البادية، وهو الذي حفر خندقًا في «برية الكوفة»، أي من «هيت» إلى «كاظمة» مما يلي موقع «البصرة» يشق طف البادية (2)، وينفذ إلى البحر، وجعل عليه القلاع والحصون ونظمه بالمسالح؛ ليكون ذلك مانعًا لأهل البادية من السواد، أي ليمنع هجمات العرب(3)، وهو جدَّدَ بناء مدينة «الأنبار» التي كانت على «الفرات» في غربي موقع «بغداد» بينهما عشرة فراسخ، وهو الذي قرض دولة الضجاعمة العربية التضاعية، واستولى على مدينتها الحضر التي يسميها اليونان «أترا»، ويسميها بعضهم «حطار» الواقعة في الجزيرة في الجنوب الشرقي من «سنجار»، وهو الذي بنى القصر المشهور في مدينة «أكتسيفون»، وجعله دار الملك، وأنفق على بنائه أموالًا طائلة (4). وتولَّى بعده أخوه أردشير الثاني سنة 379م، ثم خُلِع سنة 383م وأُجلِس مكانه شابور الثالث، ثم بهرام الرابع سنة 388م، وفي أيامه أغار الهونيون على «أرمينيا» سنة 396م، ثم على ما بين النهرين وسورية، واستولوا على بلاد كثيرة، ثم حملوا على العراق حتى اقتربوا من «أكتسيفون»، فحمل عليهم بهرام هذا، وبعد عدة معارك انخذل الهونيون وتمزَّقَ جَمْعهم واستردَّ منهم بهرام السبايا الذين سبوهم من بلاد الروم، وكانوا نحو الثمانية عشر ألف نسمة، فأعاد بعضهم إلى بلادهم وأسكن بعضهم «العراق»، وذلك سنة 399م.
ثم تولَّى يزد جرد الأول الملقَّب بالأثيم سنة 399م، وكان يحب العرب ويكرمهم، وكان لملك «الحيرة» النعمان الأول عنده منزلة رفيعة، حتى إنه لما مرض ابنه بهرام أعطاه وهو طفل للنعمان ليربيه في الحيرة لطيب هوائها وعذوبة مائها، فربَّاه النعمان أحسن تربية وعلَّمه الكتابة والحكمة والرمي والفروسية وكل ما يلزم للملوك، وبنى له قصرًا فخمًا وبقي عنده حتى مات أبوه. وفي عهده اضطهد الفرس النصارى، فاتخذ الروم ذلك الاضطهاد ذريعة للحرب، فتظاهروا بنصرة أبناء مذهبهم وأشهروا الحرب على الفرس، وبعد عدة وقائع اتفق الفريقان على الصلح، وأرسل ملك الروم أركاديوس وفدًا إلى «العراق»، فنزل الوفد في البلاط الملوكي ﺑ «أكتسيفون» فتمَّ الصلح على شروط رضياها، من جملتها: رفع الاضطهاد عن النصارى الذين في المملكة الفارسية، وعقد يزد جرد معاهدة صلح لمائة سنة، وأزال الاضطهاد عن النصارى، وأذن لهم بتجديد الكنائس التي خُربت في الاضطهادات، وأطلق لهم الحرية التامة.
وخلفه ابنه بهرام الخامس أو بهرام جور سنة 420م، وهو الذي ربَّاه النعمان الأول ملك الحيرة وساعَدَه على لبس التاج؛ لأن الفرس اختلفوا فيمَن يملِّكون عليهم من أولاد يزدجرد الأول الذين ثارت بينهم الفتن عند موت أبيهم، فاستنجد بهرام بالنعمان، فجهَّزَ لنصرته جيشًا كبيرًا من العرب، وسار به إلى «أكتسيفون» وأجلَسَ بهرام على كرسي المملكة، ومن أجل ذلك أحبَّ هذا الملك العرب حبًّا جمًّا، ورفع منزلة ملك الحيرة على سائر رجال دولته، فاعتلى شأن العرب في عهده.
وتولَّى بعده يزدجرد الثاني سنة 438م، ثم هرمزد الثالث سنة 457م، فنازعه أخوه الأكبر بيروزا أو فيروز على الملك واستنصر بالهياطلة (5)، فأمدَّه ملكها بثلاثين ألف مقاتل، فحارَبَ أخاه حتى استولى على العرش بعد أن قتل أخاه سنة 460م، فلما كانت سنة 484م قُتِل هذا الملك في حربه مع الروم، فخلفه بلاش باني مدينة «ساباط» بالقرب من «أكتسيفون»، فنازَعَه أخوه قباذ على الملك، ولكنه مات في أثناء ذلك، فصفى الجو لقباذ وجلس على العرش سنة 488م، وفي أيامه ظهر مزدك الشيوعي ونشر الشيوعية في بلاد فارس، وتبعه الملك قباذ وساعَدَه على نشر مذهبه في المملكة الفارسية حتى كادت تسري الشيوعية إلى العراق، وأمر قباذ جميع الولاة والحكَّام والموظفين في خدمة الحكومة باتِّبَاع هذا المذهب، فاتبعه فريق منهم طوعًا وآخَرون كرهًا، وأَبَى اتباعه جماعة كبيرة منهم المنذر الثالث ملك «الحيرة»، فعزله قباذ وولَّى على «الحيرة» كندة الحارث بن عمرو عدو المنذر، فلما زاد تعصُّب قباذ للشيوعية اتفق عظماء الفرس على خلعه، فخلعوه وحبسوه سنة 499م، وأجلسوا مكانه أخاه زماسب — جامسب.
وبعد قليل فرَّ قباذ من الحبس بمساعدة أخته، وسار ملتجِئًا بالهياطلة والبرابرة، وهناك استنجد بملكهم، فجهَّزَ له جيشًا كبيرًا وانضمَّ إليه أتباع مزدك، فزحف قباذ على أخيه، وبعد حروب قهره وعاد إلى العرش ثانيةً سنة 498م، فلما عاد قباذ ورأى الفرس قد غضبوا عليه بسبب اتِّبَاعه لمذهب مزدك الشيوعي، تركه وتظاهَرَ بالمجوسية، وهو الذي جعل الخراج بالمساحة في «العراق»، بعد أن كان أسلافه يأخذون الخراج بالمقاصمة، فضرب قباذ على الجريب الواحد من الأرض درهمًا وقفيزًا، مهما يكن حاله من الخصب أو الجدب (6)؛ فبلغت جباية «العراق» في أيامه مائة وخمسين مليون درهم في السنة، حيث كانت بلاد «العراق» حينذاك زاهية بالبساتين والحدائق والمزارع العظيمة والأنهار، خصوصًا وأن هذا الملك كان قد نشط التجارة والزراعة، وحفر عدة أنهار في «العراق«.
وتولى بعد قباذ ابنه كسرى أنو شروان العادل سنة 531م، فأصلح أمور الدولة ونظَّم جيوشها وعدَّل الشرائع التي وضعها أردشير الأول(7)، فزهت في أيامه المملكة الفارسية، وتقدَّمَ «العراق» نحو المدنية والعمران حتى أصبح حافلًا بالعلماء من أهل البلاد الأصليين والفرس وغيرهم، ونبغ فيه جماعة من النصارى في الطب والفلسفة، وزادت ثروة أبناء الرافدين وسعدوا برقي بلادهم، فبلغت جباية «العراق» في عهده مائتين وسبعة وثمانين مليون درهم؛ لأن هذا الملك بذل جهده في إنماء ثروة البلاد، واجتهد كثيرًا في تنشيط التجارة وتوسيع أمور الري والمعارف، ونشر العدل وبثَّ الأمن، ورغب الناس في العلوم فانتشرت في أيامه الفلسفة اليونانية والعلوم المختلفة، وهو الذي حفر نهر «الفاطول» فوق «سامرا» المعروف ﺑ «القاطول النكسروي»، الذي كان يأخذ من «دجلة» في الجانب الشرقي ويصب في «النهروان»، وحفر نهر «دن» بقرب «أكتسيفون»، وحفر غير هذا عدة أنهار وترع في «العراق»، وبنى مدينة بالقرب من «أكتسيفون» وهي مدينة «نطيخوسرو» أي أنطاكية الجديدة لأنها كانت على شكل أنطاكية الروم، فسمَّتْها العرب «رومية المدائن»، وسمَّاها الكلدان «ماحوزا حدثا»، أي القلعة الجديدة، وزاد في القصر الملوكي الذي أسَّسه شابور ذو الأكتاف ﺑ «أكتسيفون» وأكثَرَ من زخرفته، وأعاد المنذر الثالث ملك «الحيرة» إلى ملكه، وقتل مزدك وكثيرًا من أتباعه، واجتهد في محو الشيوعية حتى أزالها من مملكته، وعدل قانون الجزية أي أنقصها عمَّا كانت عليه أيام أسلافه ترفيهًا لرعاياه، واستثنى منها أهل البادية وهم عرب «العراق»، أي إن هذه الجزية أو الضريبة السنوية على أهل المدن فقط. ولما جاء الإسلام أرادَ عُمَر أن يجعلها على العرب أولًا ثم عفى عنهم، فأصدر أمرًا عامًّا ألزم به الرعية الجزية ما عدا العظماء وأهل البيوتات والجند والهرابذة والكتَّاب ومَن بخدمة الملك، كل إنسان على قدره، فجعلها اثني عشر درهمًا، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم، وعفى عمَّن كان عمره دون العشرين أو فوق الخمسين، وأمر أن يُوضَع عمَّن أصابت غلته جائحة — أضرار — بقدر حائجته، وبجمع الجباية في كل أربعة أشهر مرة واحدة، وبهذا التعديل خفَّفَ عن رعاياه، وفي أيامه غزت قبيلة إياد القوافل فحمل عليهم أنو شروان، وكانوا قرب مكان «الكوفة» ففتك بهم وطردهم من «العراق»، فهاجروا إلى الجزيرة، وعلى إثر ذلك جدَّدَ سور مدينة «آلوس»، ووضع فيها جنودًا لصد هجمات القبائل العربية التي كانت تُغِير على ما قرب من السواد إلى البادية.
وجلس على سرير المملكة بعده هرمزد الرابع سنة 579م، ثم خُلِع على إثر فتنة قامت بينه وبين القائد العام بهرام، الذي انحازت إليه الجيوش كلها فأجلس الفرس على العرش ابنه أبرويز سنة 590م — كسرى برويز أو كسرى الثاني — حسمًا للنزاع وتسكينًا للفتن والاضطرابات، فازداد القائد عتوًّا وطمع في العرش، فدارت رحى الحرب بينه وبين الملك أبرويز، وبعد عدة وقائع جرت بالنهروان في العراق، انتصر بهرام واستولى على «أكتسيفون» واغتصب العرش وأعلن نفسه ملكًا، أما أبرويز فإنه فرَّ بعد انكساره إلى «القسطنطينية» مستنجدًا بالإمبراطور موريس «موريقي»، فأكرم وفادته وزوَّجه بابنته، ثم جهَّزَ له جيشًا عرمرمًا وأمده بالأموال، فسار أبرويز بالجيش حتى اقترَبَ من العراق فلاقاه بهرام، وبعد معارك هائلة دامت مدة انتصر أبرويز انتصارًا باهرًا، ومزَّقَ جيوش بهرام، وظل يطارده إلى «أذربيجان»، وهناك انتصر عليه انتصارًا نهائيًّا، ففرَّ بهرام إلى بلاد الترك، وعاد أبرويز إلى عرش الملك ودخل «أكتسيفون» باحتفال عظيم، بعد أن دامت الحروب بينه وبين بهرام أربع سنوات.
وعلى إثر هذا الفوز تنازَلَ أبرويز للروم عن مدينتَيْ «دارا» و«ميافارقين» اللتين أخذهما أبوه هرمزد منهم، وأرسل إلى الإمبراطور موريس هدايا نفيسة، وأجزل العطاء والصلات إلى قواد الروم الذين جاءوا لنصرته، وفرَّق الأموال في العساكر الرومية، فعادوا إلى مقرهم، وعقد أبرويز معاهدة الصلح مع الروم، وأصبحت الدولتان في وفاق ووداد، خصوصًا وأن أبرويز أضحى صهر موريس، ولكنه ألغى تلك المعاهدة وأشهر الحرب على الروم سنة 602م، عندما خلعوا الإمبراطور موريس وقتلوه وأجلسوا مكانه «فوقا» على أثر فتنة أهلية حدثت في مملكتهم، فحمل عليهم أبرويز بجيوشه سنة 604م؛ أخذًا بثار حميه مورس، ودامت الحروب بين الأمتين أعوامًا. وبعد أن توغَّلَ الفرس في مملكة الروم واستولوا على أكثر ممتلكاتها ومستعمراتها، وكادوا يفتحون «القسطنطينية» ويقضون على تلك المملكة، انعكس الأمر عندما تولَّى هراقليوس عرش الروم، وأخذوا يستردون من الفرس مدينة بعد أخرى، وظل الفرس يتقهقرون والروم يتقدَّمون حتى اقترب هراقليوس بجيوشه من «نينوي»، وهناك دارت رحى حرب طاحنة دارت بها الدائرة على الفرس، واستولى الروم على «نينوي» سنة 627م، ثم على «كركوك»، ثم تقدَّموا نحو «العراق» حتى وصلوا «الزاب الأكبر»، وهناك حدثت حرب أخرى دموية، فانكسر الفرس فيها أيضًا، وأخذ الروم يتقدمون والفرس يفرون حتى وصل هراقليوس إلى الدسكرة(8)، ثم تقدَّمَ إلى «النهروان» فاختلَّ أمر الفرس واضطربت أحوالهم، فاجتمع كبراؤهم فخلعوا أبرويز وولَّوا مكانه ابنه شيرويه، وذلك سنة 628م.
ففاوَضَ الملك الجديد الروم في الصلح فأجابوه، وتمَّ عقد الصلح بينه وبين هراقليوس على ما يرضي الروم، فعادوا إلى بلادهم، وعلى أثر ذلك قتل الملك شيرويه أباه أبرويز.
وأبرويز هذا هو الذي قتل النعمان الثالث ملك الحيرة سنة 616م، وولَّى بدله على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي، وهو الذي أرسل إليه صاحب الشريعة الإسلامية ﷺ كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام مع عبد الله بن حذافة السهمي سنة 628م الموافقة لسنة 6ﻫ، فلما حضر عبد الله أمام أبرويز سلَّمَه الكتاب وهذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على مَن اتَّبَعَ الهدى وآمَنَ بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر مَن كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، أَسْلِمْ تَسْلَم، فإن أبيتَ فإنما عليك إثم المجوس«.
فقرأه أبرويز فلما انتهى منه مزَّقه وأساء إلى حامله، وكتب إلى عامله ﺑ «اليمن» يأمره أن يغزو المدينة ويأتيه برسول الله أسيرًا، وعاد عبد الله إلى النبي ﷺ وأخبره بما فعل أبرويز، فقال: «اللهم مزِّق ملكه كما مزَّقَ كتابي.» فلما خُلِع أبرويز كتب ابنه شيرويه إلى عامله ﺑ «اليمن» ينهاه عن مقاتلة رسول الله.
وفي عهد أبرويز حدثت المعركة الشهيرة بوقعة «ذي قار» بين الفرس والعرب التي انتصر فيها العرب انتصارًا باهرًا على الفرس.
ولم يملك شيرويه غير بضعة أشهر فقُتِل وخلفه أردشير الثالث سنة 629م، ملَّكه الفرس وهو طفل فجعلوا له نائبًا ليقوم بأمره، وهو رئيس أصحاب المدائن — رئيس الوزراء — المدعو جسنس، فتسلَّمَ هذا زمامَ الأمور، ولكن الاضطرابات الداخلية كانت تزداد يومًا فيومًا في الوقت الذي حمل المسلمون فيه على «العراق» بقيادة خالد بن الوليد، فاختلَّتْ شئون المملكة واختلفت كلمة رجال الدولة حتى آلَ ذلك إلى حدوث فتنة بين رئيس القواد وبين نائب الملك، كان النصر في آخِرها لرئيس القوَّاد، فحمل بجيوشه على «أكتسيفون» وحاصَرَها ونصب عليها المجانيق، ثم احتلها عنوةً وقتل أردشير الملك ونائبه وجماعة من رجال الدولة، واغتصب العرش ونادى بنفسه ملكًا سنة 630م، ولكنه لم يلبث أكثر من أربعين يومًا حتى وثبت عليه جماعة من الفرس وقتلوه، وعلى أثر ذلك اتفق رجال الدولة على تمليك بوران بنت كسرى أبرويز في السنة نفسها، فلم تملك هذه غير ستة عشر شهرًا فاحتال عليها رئيس القوَّاد بيروز وخنقها سنة 631م، فاشتدَّ الشقاق والخلاف بين رجال الحكومة وعظمت الاضطرابات في المملكة الفارسية، وانقسم الفرس إلى ثلاثة أقسام، فبايَعَ أهل «أكتسيفون» آزرميد وخت بنت كسرى أبرويز، وبايَعَ أهل «خراسان» صبيًّا من أولاد الملوك اسمه ميهر خوسرو، وبايَعَ أهل «اصطخر« (9) يزدجرد بن شهريار، ثم قتلت آزرميد وخت، قتَلَها رستم حاكم خراسان بعد أن حمل عليها بجيشه، ودخل «أكتسيفون» حربًا عقب عدة معارك، ثم قُتِل ميهر خوسرو أيضًا فسادت الفوضى في البلاد واختلَّ النظام، والذي زاد الدولة اضطرابًا وزعزع أركانها توغُّل العرب المسلمين في العراق، الذين جاءوا للفتح منذ أيام أردشير الثالث، أي سنة 629م بقيادة خالد بن الوليد في عهد الخليفة الأول أبي بكر.
ثم اتفق أهل «أكتسيفون» على تمليك حشنشده ابن عم أبرويز سنة 632م، فقُتِل هذا بعد شهر من تمليكه، وولَّوا مكانه فيروز بن مهران من نسل أنو شروان، فقُتِل بعد بضعة أيام وملك بدله سابور بن شهريزان، وكان طفلًا فقام بأمره أحد كبار رجال الدولة اسمه فرخ زاد خسرو بن البنذوان، ولم يمضِ ثلاثة أشهر حتى قُتِل الملك ونائبه، وزاد أمر الدولة اديارًا بسبب تلك الفتن المستمرة وطمع بها أعداؤها، فلما أدرك الفرس خطورة موقفهم اجتمعوا على تمليك يزدجرد الثالث ابن شهريار الذي أجلسه على العرش أهل «اصطخر»، فاستقدموه منها إلى «أكتسيفون»، وأجمعوا كلمتهم عليه، فحضر «أكتسيفون» سنة 632م فدانت له الفرس.
....................................
1- ولقد صارت هذه المدينة بعد ذلك منفى، وصار الملوك الساسانيون ينفون إليها كل من غضبوا عليه.
2- الطف: ما أشرف من أرض العرب على ريف «العراق «.
3- ولا زالت آثار هذا الخندق باقية حتى اليوم، ولا زال العرب حتى الآن يسمونه «خندق سابور «.
4- يقال إنه قضى في بنائه عدة سنوات، وجعله في وسط المدينة على مقربة من «دجلة»، ثم زاد فيه كسرى أنو شروان ومَن جاء بعده حتى صار من المباني العجيبة.
5- بلاد الهياطلة هي البلاد التي خلف النهر الأعظم مما يلي أرض «بلخ «.
6- الجريب 3600 ذراعًا مربعًا، والقفيز عُشْر الجريب أي 360 ذراعًا مربعًا.
7- ويُسمَّى «كسرى الأول»، ومعنى كسرى: واسع الملك، ومعنى أنو شروان: ذو النفس الكريمة.
8- الدسكرة: بلدة كانت قرب «شهربان»، وهي غير «الدسكرة» التي كانت بين «بغداد» و«واسط»، وغير «الدسكرة» الثالثة التي كانت على نهر الملك.
9- اصطخر: مدينة قديمة في «فارس» واقعة في الشرق الشمالي من«شيراز»، وبينهما ستون كيلومترًا، وكانت عاصمة الدولة الفارسية، ويسميها اليونان «برسبوليس»، أي مدينة «فارس»، وكانت فخمةً عظيمةَ البناء، فتحها المسلمون سنة 18ﻫ.