النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
مجموعة وصايا الإمام العسكري ( عليه السّلام ) وكتبه وتوقيعاته
المؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر: أعلام الهداية
الجزء والصفحة: ج 13، ص189-200
2023-05-20
2270
ان ظاهرة صدور التوقيع من الإمام على أمر من الأمور - بمعنى ارسال رسالة من الإمام إلى من يهمّه الأمر من وكيل أو تابع خاص مزوّدة بتوقيعه ومشتملة على خطّه ( عليه السّلام ) - قد مهّد بها الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) لفترة الغيبة ، كما مهّد كل من الامامين الهادي والعسكري ( عليهما السّلام ) بكثرة احتجابهما للغيبة المتوقّعة للإمام المهدي ( عليه السّلام ) .
ومن هنا نجد أن الأصحاب والوكلاء الذين ألفوا هذه الظاهرة كانوا يسألون الإمام ( عليه السّلام ) عن الملابسات المحتملة في المستقبل فيطلبون منه التعرّف على نوع الخط كما يطلبون منه كيفية التعرّف على توقيعاته فيما إذا احتمل تبدّل الخط .
قال أحمد بن إسحاق : دخلت على أبي محمد ( عليه السّلام ) فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد . فقال : نعم ، ثم قال : يا أحمد إن الخطّ سيختلف عليك من بين القلم الغليظ إلى القلم الدقيق فلا تشكّنّ ، ثم دعا بالدواة فكتب وجعل يستمدّ إلى مجرى الدواة ، فقلت في نفسي وهو يكتب : استوهبه القلم الذي كتب به . فلمّا فرغ من الكتابة أقبل يحدّثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال : هاك يا أحمد فناولنيه . . .[1]
وقد أشرنا إلى جملة من الوصايا العامة التي ترسم الخطوط العريضة للوضع المستقبلي الذي كان ينبغي لشيعة أهل البيت أن يعدّوا أنفسهم له ويروّضوها عليه لعدم امكان الارتباط المباشر بالإمام ومن ثم كانوا قد ألفوا الاحتجاب والغيبة منذ عصر الإمام الهادي ( عليه السّلام ) .
وتكشف رسائله أيضا عن طبيعة الظروف التي كان يعايشها الإمام ( عليه السّلام ) وشيعته فيما يرتبط بالوضع السياسي أو العقائدي والفكري خارج دائرة الجماعة الصالحة أو داخل دائرة الجماعة الصالحة وهي شيعة أهل البيت أنفسهم .
وإليك بعض رسائل الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) :
1 - رسالته إلى إسحاق النيسابوري : أرسل الإمام أبو محمد ( عليه السّلام ) إلى إسحاق ابن إسماعيل النيسابوري هذه الرسالة ، وهي من غرر الرسائل ، وقد استهدفت الوعظ ، والإصلاح الشامل ، وهذا نصها :
« سترنا اللّه وإياك بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، قد فهمت كتابك رحمك اللّه ، ونحن بحمد اللّه ونعمته أهل بيت نرقّ على موالينا ، ونسرّ بتتابع إحسان اللّه إليهم ، وفضله لديهم ، ونعتدّ بكلّ نعمة ينعمها اللّه تبارك وتعالى عليهم ، فأتم اللّه عليك بالحقّ ومن كان مثلك ممّن قد رحمه وبصّره بصيرتك ، ونزع عن الباطل ، ولم يعم في طغيانه بعمه ، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة ، وليس من نعمة وإن جلّ أمرها وعظم خطرها إلّا والحمد للّه تقدّمت أسماؤه عليها يؤدّي شكرها .
وأنا أقول : الحمد للّه مثل ما حمد اللّه به حامد إلى أبد الأبد ، بما منّ اللّه عليك من نعمته ، ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة ، وأيم اللّه إنّها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، طويل عذابها ، قديم في الزّبر الأولى ذكرها .
ولقد كانت منكم في أمور في أيام الماضي ( عليه السّلام ) إلى أن مضى لسبيله صلّى اللّه على روحه وفي أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن ، ولا مسدّدي التوفيق . واعلم يقينا يا إسحاق أنّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا ، إنّها يا ابن إسماعيل ليس تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ في محكم كتابه الظالم : رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قال اللّه عزّ وجلّ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى[2] وأي آية يا إسحاق أعظم من حجّة اللّه عزّ وجلّ على خلقه ، وأمينه في بلاده ، وشاهده على عباده ، من بعد ما سلف من آبائه الأوّلين من النبيّين وآبائه الآخرين من الوصيين ، عليهم أجمعين رحمة اللّه وبركاته .
فأين يتاه بكم ؟ وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ؟ عن الحقّ تصدفون وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة اللّه تكفرون ؟ أو تكذبون ، فمن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلّا خزي في الحياة الدنيا الفانية ، وطول عذاب الآخرة الباقية ، وذلك واللّه الخزي العظيم .
إن اللّه بفضله ومنّه لمّا فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم ، بل برحمة منه لا إله إلّا هو عليكم ، ليميز الخبيث من الطيّب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحّص ما في قلوبكم ولتألفوا إلى رحمته ، ولتتفاضل منازلكم في جنّته .
ففرض عليكم الحجّ والعمرة وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصّوم والولاية ، وكفا بهم لكم بابا ليفتحوا أبواب الفرائض ، ومفتاحا إلى سبيله ، ولولا محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) والأوصياء من بعده ، لكنتم حيارى كالبهائم ، لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل يدخل قرية إلّا من بابها .
فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه ، قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[3] وفرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها إليهم ، ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم ، ويعرّفكم بذلك النماء والبركة والثروة ، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب ، قال اللّه عزّ وجلّ : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى[4].
واعلموا أن من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه ، وأنّ اللّه الغنيّ وأنتم الفقراء لا إله إلّا هو .
ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم ، ولولا ما يجب من تمام النّعمة من اللّه عزّ وجلّ عليكم ، لما أريتكم منّي خطّا ولا سمعتم مني حرفا من بعد الماضي ( عليه السّلام ) .
أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم ، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه اللّه بمصيره إليكم ، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم ابن عبدة ، وفّقه اللّه لمرضاته وأعانه على طاعته ، وكتابه الذي حمله محمّد بن موسى النيسابوري واللّه المستعان على كلّ حال ، وإنّي أراكم مفرطين في جنب اللّه فتكونون من الخاسرين .
فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة اللّه ، ولم يقبل مواعظ أوليائه ، وقد أمركم اللّه عزّ وجلّ بطاعته لا إله إلّا هو ، وطاعة رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) وبطاعة أولي الأمر ( عليهم السّلام ) ، فرحم اللّه ضعفكم وقلّة صبركم عمّا أمامكم فما أغرّ الإنسان بربّه الكريم ، واستجاب اللّه تعالى دعائي فيكم ، وأصلح أموركم على يدي ، فقد قال اللّه جلّ جلاله : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ[5] وقال جلّ جلاله : وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً[6] وقال اللّه جلّ جلاله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[7].
فما احبّ أن يدعو اللّه جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيّامي إلّا حسب رقّتي عليكم ، وما انطوى لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدّارين جميعا ، والكينونة معنا في الدّنيا والآخرة .
فقد - يا إسحاق ! يرحمك اللّه ويرحم من هو وراءك - بيّنت لك بيانا وفسّرت لك تفسيرا ، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطّ ولم يدخل فيه طرفة عين ، ولو فهمت الصمّ الصّلاب بعض ما في هذا الكتاب ، لتصدّعت قلقا خوفا من خشية اللّه ورجوعا إلى طاعة اللّه عزّ وجلّ ، فاعملوا من بعد ما شئتم فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتّقين والحمد للّه كثيرا ربّ العالمين[8].
ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في أبعاد هذه الرسالة الشريفة ، وبيان محتوياتها ، وفي ما يلي ذلك :
أولا : أنها أظهرت سرور الأئمة الطاهرين ، وفرحهم بما يسديه اللّه تعالى إلى شيعتهم من النعم والألطاف .
ثانيا : إن من أعظم النعم وأجلها التي يتمناها الإمام أبو محمد لشيعته هي الفوز بالجنة والنجاة من النار ، فإن من فاز بذلك فقد ظفر بالخير العميم .
ثالثا : أعرب الإمام ( عليه السّلام ) عن حدوث فجوة بينه وبين إسحاق وجماعته ، ولم يحدث ذلك في زمانه ، وإنما كان في زمان أبيه الإمام الهادي ( عليه السّلام ) ، فقد ساءت العلاقات بينه وبين القوم ، ولم تكشف المصادر التي بأيدينا أسباب ذلك ، وأكبر الظن أن ذلك يستند إلى ما يلي :
أ - اندساس الدجالين ، والمخربين ، وذوي الأطماع بين صفوف القوم ، وإفساد عقائدهم ، مما نجم منه التشكيك في الأئمة ( عليهم السّلام ) والرد عليهم .
ب - حجب الأئمة ( عليهم السّلام ) من قبل العباسيين ، وقطع أي اتصال بينهم وبين شيعتهم الأمر الذي أدى إلى إشاعة بعض الأفكار المنحرفة بين صفوف بعضهم ، ولو كانوا على اتصال بهم لما حدث أي شيء من ذلك .
ج - دس الحكومة العباسية بعض عملائها بهدف تفريق صفوف أتباع أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، والعبث بمقدراتهم الفكرية والاجتماعية وذلك للحط من شأنهم ، وفل قواهم .
د - وثمة عامل آخر أدى إلى شيوع الاضطراب العقائدي بين صفوف بعض الشيعة ، وهو الحسد لبعض وكلاء الإمامين ( عليهما السّلام ) الذين عهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية ، وصرفها على الفقراء والمحرومين وسائر الجهات الإصلاحية ، وقد منحوا بذلك التأييد المطلق ، والثقة الكاملة من قبل الإمامين ، وقد عز ذلك على بعض الشخصيات البارزة الذين لم يظفروا بمثل ذلك مما أدى إلى حسدهم والحسد داء وبيل ألقى الناس في شر عظيم ، وأخرجهم من النور إلى الظلمات ، فأخذوا يعيثون فسادا بين صفوف الشيعة ويفسدون عليهم عقائدهم .
رابعا : نعى الإمام ( عليه السّلام ) على المنحرفين عن الحق سلوكهم في المنعطفات وبعدهم عن المسالك الواضحة التي تضمن لهم السلامة والنجاة ، فقد ضلت عقولهم ، وعميت عيونهم ، وإنهم في يوم حشرهم سيحشرون عمي العيون كما كانوا في دار الدنيا .
خامسا : ذكر الإمام ( عليه السّلام ) أن اللّه تعالى أقام الحجة على عباده وذلك ببعثه النبيين والمرسلين والأوصياء ، فقد بلغوا أوامر اللّه ونواهيه ، ونشروا أحكامه ، فلا عذر للعباد بعد ذلك في تقصيرهم وعدم طاعتهم .
سادسا : عرض الإمام ( عليه السّلام ) إلى أن اللّه لما أقام الفرائض على العباد ، وألزمهم بها لم يكن بحاجة إليها ، وإنما ليميز الخبيث من الطيب ، ويمتحن العباد بها ، فمن أطاع فقد نجا ، ومن خالف فقد غرق وهوى .
سابعا : ومن بنود هذه الرسالة أن اللّه تعالى قد منّ على هذه الأمة بأن أرسل النبي محمدا ( صلّى اللّه عليه واله ) والأوصياء من بعده بهدايته ، ولولاهم لكانت هذه تتيه في مساحات سحيقة من مجاهل هذه الحياة لا تعرف فرضا ، ولا تفقه سنة ، فما أعظم عائداتهم على هذه الأمة ، بل وعلى البشرية جمعاء .
ثامنا : إن اللّه تعالى فرض لآل النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) على المسلمين فريضة مالية ، وهي الخمس ، وهو تشريع اقتصادي أصيل ، تزدهر به الحياة الفكرية والدينية في الإسلام ، ولولاه لما استمرت المرجعية العامة ، والهيئة العلمية عند الطائفة الإمامية ، التي هي امتداد مشرق لرسالة الأئمة الطاهرين ( عليهم السّلام ) . . . أما تفصيل الخمس ، وفيما يجب فقد عرضت لبيانه كتب الفقه الإمامي ، ومن الجدير بالذكر أن الإمام أبا محمد ( عليه السّلام ) قد بين في رسالته هذه أنه لا تحل الأزواج والأموال ، والمآكل ، والمشارب من دون إخراج الخمس ، وأكبر الظن أن القوم الذين عناهم الإمام في رسالته ما كانوا يؤدون هذا الحق المفروض ، الأمر الذي أوجب توتر العلاقات بينهم ، وبين الإمام[9].
2 - رسالته إلى أهالي قم وآبة : وأرسل الإمام أبو محمد ( عليه السّلام ) إلى شيعته من أهالي قم وآبة[10] رسالة جاء فيها :
« إن اللّه تعالى بجوده وكرمه ، ورأفته ، قد منّ على عباده بنبيه محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، بشيرا ونذيرا ، ووفقكم لقبول دينه ، وأكرمكم بهدايته ، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين ( رحمة اللّه عليهم ) وأصلابكم الباقين ( تولى كفايتهم ، وعمرهم طويلا في طاعته ) ، حب العترة الهادية ، فمضى من مضى على وتيرة الصواب ، ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد ، فوردوا موارد الفائزين ، واجتنوا ثمرات ما قدموا ، ووجدوا غب ما أسلفوا . . .
ومنها :
فلم تزل نيتنا مستحكمة ، ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة ، القرابة الراسخة بيننا وبينكم قوية ، وصية أوصى بها أسلافنا وأسلافكم ، وعهد عهد إلى شبابنا ومشايخكم ، فلم يزل على جملة كاملة من الاعتقاد ، لما جمعنا اللّه عليه من الحال القريبة ، والرحم الماسة ، يقول العالم سلام اللّه عليه : المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه . . . » .
ولم يصل إلينا تمام هذه الرسالة ، وإنما وصلت منها هذه القطعة ، وهي تحكي مدى تعاطف الإمام ( عليه السّلام ) مع هؤلاء المؤمنين الأخيار الذين تحرجوا في دينهم كأشد ما يكون التحرج ، فقد ترحم الإمام على أسلافهم المتمسكين بدينهم الذين آمنوا بالإسلام ، واتبعوا ما أمر اللّه به ، ففازوا برضوان اللّه ومغفرته .
وتعرض الإمام ( عليه السّلام ) إلى الصلات الوثيقة التي عقدت بين القوم وبين أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، وهي قديمة وقد قامت على إيمان القوم برسالة أهل البيت ، وأهدافهم الشامخة ، ولم تقم على الأهواء والعواطف ، وقد أكبر الإمام ( عليه السّلام ) فيهم هذه الروح ، وهذا الشعور الفياض[11].
3 - رسالته إلى عبد اللّه البيهقي : وأرسل الإمام ( عليه السّلام ) إلى عبد اللّه بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية :
« وبعد : فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ليدفع النواحي ، وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه ، وجعلته ثقتي وأميني ، عند موالي هناك فليتقوا اللّه ، وليراقبوا ، وليؤدوا الحقوق فليس لهم عذر في ترك ذلك ، ولا تأخيره ، ولا أشقاهم اللّه بعصيان أوليائه ، ورحمهم اللّه وإياك معهم برحمتي لهم ، إن اللّه واسع كريم »[12].
لقد أقام الإمام ( عليه السّلام ) في المناطق التي تدين بإمامته وكلاء من العلماء الأخيار ، وعهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية ، وحملها إليه أو انفاقها في سبل الخير والصلاح .
4 - رسالته في حق إبراهيم : وكان الإمام ( عليه السّلام ) قد أقام إبراهيم بن عبده وكيلا عنه في قبض الحقوق الشرعية ، وصرفها في إقامة دعائم الدين ، وصلة المحتاجين وقد زوده برسالة أشاد فيها بمكانة إبراهيم ووثاقته ، وقد سئل عن تلك الرسالة هل هي بخطه ، فأجاب ( عليه السّلام ) :
« وكتابي الذي ورد على إبراهيم بن عبده بتوكيلي إياه بقبض حقوقي من موالينا هناك ، نعم هو كتابي بخطي إليه ، أقمته لهم ببلدهم حقا غير باطل ، فليتقوا اللّه حق تقاه ، وليخرجوا من حقوقي ، وليدفعوها إليه ، فقد جوزت له ما يعمل به فيها وفقه اللّه ، ومنّ عليه بالسلامة من التقصير . . »[13].
لقد أقر الإمام وكالته لإبراهيم ، وأوصاه بتقوى اللّه وطاعته وألزم شيعته بدفع الحقوق المفروضة عليهم إليه .
5 - رسالته إلى مواليه : وبعث الإمام أبو محمد ( عليه السّلام ) الرسالة التالية إلى بعض مواليه ، وقد نعى فيها ما هم فيه من الاختلال والفرقة والانحراف عن الدين وهذا نصها بعد البسملة : « استوهب اللّه لكم زهادة في الدنيا وتوفيقا لما يرضى ، ومعونة على طاعته وعصمة عن معصيته ، وهداية من الزيغ وكفاية ، فجمع لنا ولأوليائنا خير الدارين .
أما بعد : فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم ، وتشتيت أهوائكم ، ونزغ الشيطان ، حتى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين ، والسعي في هدم ما مضى عليه أوائلكم من إشادة دين اللّه ، وإثبات حق أوليائه ، وأمالكم إلى سبيل الضلالة ، وصد بكم عن قصد الحق ، فرجع أكثركم القهقرى على أعقابكم ، تنكصون كأنكم لم تقرؤا كتاب اللّه جل وعز ولم تعوا شيئا من أمره ونهيه ولعمري لئن كان الأمر في اتكال سفهائكم على أساطيركم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقت كلمة العذاب عليهم ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونياتكم ، إنكم شركاء وهم ، في ما اجترحوه من الافتراء على اللّه تعالى وعلى رسوله وعلى ولاة الأمر من بعده ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد في دعواهم ، ولا المغيريّة في اختلافهم ولا الكيسانية في صاحبهم ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنا ، بل أنتم شر منهم قليلا ، وما شيء يمنعني من وسم الباطل فيكم بدعوة تكونوا شامتا لأهل الحق إلّا انتظار فيئهم ، وسيفيء أكثرهم إلى أمر اللّه إلّا طائفة لو [ شئت ] لسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللّه ، ومن نسي ذكر اللّه تبرأ منه فسيصليه جهنم وساءت مصيرا .
وكتابي هذا حجة عليهم ، وحجة لغائبكم على شاهدكم إلّا من بلغه فأدّى الأمانة ، وأنا أسأل اللّه أن يجمع قلوبكم على الهدى ، ويعصمكم بالتقوى ، ويوفقكم للقول بما يرضى ، وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته . . »[14].
وهكذا صعد الإمام ( عليه السّلام ) آهاته على ما مني به بعض مواليه من الاختلاف ، والتفرق والانحراف عن الدين ، ويعود السبب في ذلك إلى أن هؤلاء الغوغاء لم يعتنقوا الإسلام عن وعي عميق مدعم بالأدلة الحاسمة ، وإنما أخذوا بعض طقوسه عن تقليد لآبائهم ، وأقل شبهة تعرض لهم ، فإنهم ينكصون على الأعقاب .
لقد عمدت القوى الباغية على الإسلام على إفساد الموالي من شيعة الإمام ( عليه السّلام ) وتضليلهم ، وقد افتعلوا في سبيل ذلك الروايات الكاذبة التي تدعم أفكارهم الفاسدة ، ولا سبيل لالتقاء الإمام بهم ليقوم برد تلك الشبه ، وتنوير الأفكار بنور الحق ، وذلك بسبب ما فرض عليه من الإقامة الجبرية في سامراء ، وكان ذلك من أعظم المحن التي واجهها في حياته[15].
6 - رسالته إلى بعض مواليه : وأرسل الإمام أبو محمد ( عليه السّلام ) إلى بعض مواليه هذه الرسالة ، وقد جاء فيها بعد البسملة :
« كل مقدور كائن ، فتوكل على اللّه جلّ وعزّ يكفك ، وثق به لا يخيبك ، وشكوت أخاك فاعلم يقينا أن اللّه جلّ وعزّ لا يعين على قطيعة رحم ، وهو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم ، ومن بغي عليه لينصرنه اللّه ، إن اللّه قوي عزيز ، وسألت الدعاء ، إن اللّه جل وعز لك حافظ ، وناصر ، وساتر ، وأرجو من اللّه الكريم الذي عرفك من حقه ، وحق أوليائه ما عمي عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك ، إنه ولي حميد . . »[16].
لقد دعا الإمام ( عليه السّلام ) إلى التوكل على اللّه ، والثقة به فإنه لا يخيب من التجأ إليه ، واتكل عليه ، كما لامه الإمام للشكوى من أخيه لأن اللّه تعالى لا يعين على قطيعة رحم ، ثم دعا له الإمام أن يديم اللّه عليه نعمه وألطافه ولا يزيلها عنه .
7 - رسالة لبعض شيعته : ورفع بعض الشيعة إلى الإمام ( عليه السّلام ) رسالة يستغيث فيها من ظالم ظلمه ، واعتدى عليه فأجابه ( عليه السّلام ) بما يلي :
« نحن نستكفي باللّه جلّ وعزّ في هذا اليوم من كل ظالم وباغ ، وحاسد ، وويل لمن قال : ما يعلم اللّه جلّ وعزّ جلاله ، ماذا يلقى من ديان يوم الدين ، ! ! فإن اللّه جلّ وعزّ للمظلومين ناصر ، وعضد ، فثق به جل ثناؤه ، واستعن به يزل محنتك . ويكفك شر كل ذي شر ، فعل اللّه ذلك بك ، ومنّ علينا فيك ، إنه على كل شيء قدير ، واستدرك اللّه كل ظالم في هذه الساعة ، ما أحد ظلم وبغى فأفلح ، الويل لمن أخذته أصابع المظلومين فلا تغتم ، وثق باللّه ، وتوكل عليه ، فما أسرع فرجك ، واللّه عز وجل مع الذين صبروا والذين هم محسنون . . »[17].
شجب الإمام ( عليه السّلام ) في رسالته الظلم والبغي والحسد ، واستجار باللّه من كل ظالم وباغ وحاسد ، فإنه تعالى عون للمظلومين ، وسند لهم ، وهو القادر على إزالة الظلم ، وإنزال أقصى العقوبة بالمعتدين والظالمين[18].
[1] مسند الإمام الحسن العسكري : 87 ، عن الكافي : 1 / 513 ح 27 .
[2] طه ( 20 ) : 125 و 126 .
[3] المائدة ( 5 ) : 3 .
[4] الشورى ( 42 ) : 23 .
[5] الإسراء ( 17 ) : 71 .
[6] البقرة ( 2 ) : 143 .
[7] آل عمران ( 3 ) : 110 .
[8] بحار الأنوار : 50 / 319 - 322 .
[9] باقر شريف القرشي : حياة الإمام الحسن العسكري : 76 - 78 .
[10] آبة : بليدة تقابل ساوة ، وتعرف بين العامة بآوة ، قال ذلك ياقوت في المعجم .
[11] باقر شريف القرشي : حياة الإمام الحسن العسكري : 79 .
[12] الكشي : 580 ح 1089 .
[13] الكشي : 580 ح 1089 ، معجم رجال الحديث : 10 / 232 .
[14] عن الدر النظيم : 748 .
[15] حياة الإمام الحسن العسكري : 86 - 87 .
[16] حياة الإمام الحسن العسكري : 87 .
[17] عن الدر النظيم ورقة : 225 .
[18] راجع باقر شريف القرشي حياة الإمام الحسن العسكري : 73 - 88 .