1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية العلمية والفكرية والثقافية :

مصدر العلم والمعرفة اليوم

المؤلف:  الشيخ محمد تقي فلسفي

المصدر:  الشاب بين العقل والمعرفة

الجزء والصفحة:  ج1 ص163 ــ 171

2023-05-10

1702

إن درجات العلم والمعرفة التي بلغها عالمنا اليوم هي نتيجة دراسات ومتاعب بذلها المئات من العلماء والمفكرين على طول القرون المتمادية. فالإنسان اليوم يستفيد وينير دربه مما توصل إليه علماء الأمس ، وكل من يحاول اكتساب العلم وطلب المعرفة ، يسعى في الواقع إلى بلوغ ما بلغه العلماء ليكتسب قوة في العقل وقدرة في التفكير.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء وإلى علمه علوم العلماء(1).

واقع العالم:

لا يخفى على أحد أن المراد من العلم والمقصود من المعرفة هو إدراك واقع عالم الخلقة والحقائق التي يؤيدها العقل والتي تتطابق ومحتويات كتاب الخلقة، وهذا ما يؤدي بالعقل إلى بلوغ مراتب الكمال المعنوي وتحقيق درجات النمو المكتسب.

أمور بعيدة عن الواقع :

إن كل ما هو قائم على أوهام أصحاب العقول المريضة والناقصة لا يمكن اعتباره علماً رغم أنهم يعتبرونه علماً . فمثل هذه لأمور التي لا أساس لها وهي بعيدة عن الواقع لا يمكنها أن تساهم في نمو العقل ، كما أنها تسوق الأطفال والفتيان نحو الضلال والانحراف.

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام): كل علم لا يؤيده عقل مضلة(2).

«يترافق العلم دائماً مع نوع من الاطمئنان واليقين بعيداً عن كل التكهنات والشكوك والتصورات. وعندما تتسلط أفكارنا وأحاسيسنا على علمنا ، فإنه أي العلم يصاب بنوع من الإرباك ، ويصبح من الصعب جداً إنقاذه من هذا الإرباك. ومن هذا المنطلق يمكن القول: إن الجهل أفضل من العلم المصاب بالإرباك. فالجاهل الواقف على جهله بمقدوره أن يحصل على العلم الصحيح، والفرد الذي يشك بدرجة علمه ومعرفته بمقدوره تعديلها ، وهذا ما دفع «سقراط» إلى اعتبار الجهل مقدمة للعلم والمعرفة ، أما «ديكارت» فقد اعتبر الشك مقدمة للعلم» .

أساليب قابلة للتقييم :

«إن المعرفة التي تبقى مصانة من هجوم الأفكار والأحاسيس والمعتقدات البدائية يمكن اعتبارها علماً، والعلم هو عبارة عن أساليب اخترعها الإنسان تدريجياً لبلورة أفكاره وجعلها قابلة للتقييم، فالعلم يستلزم أن يحصل التفكير في ظروف خاصة، يتم تقييم نتائجه بالعلم إن العلم ليس وليد جسم معين بل هو وليد نشاطات اجتماعية قام بها الإنسان على مدى قرون من الزمن. وعلى هذا الأساس ينبغي أن يكون للعلم مقام شامخ في البرامج الدراسية والتربوية، لأن الطفل إذا لم يطلع على العلوم بالشكل الصحيح ، فإنه سيحرم من التفكير السليم وسيفتقر إلى أكثر عوامل التفكير تأثيراً))(3).

إن من أسباب الجهل وعدم نضوج العقل لدى بعض الفتيان، التربية الخاطئة التي شملتهم في طفولتهم. فالأطفال، الذين يتربون في أحضان والدين جاهلين مذنبين، والأطفال الذين يترعرعون في بيئة فاسدة تحكمها أفكار مريضة وأخلاق سيئة وعادات ضارة ، يعانون لدى بلوغهم من ضعف في التفكير والذكاء. وينبغي على مثل هؤلاء الفتيان أن يجهدوا أنفسهم ويبذلوا ما في وسعهم للتعويض عن التخلف الذي سيطر على عقولهم وقوة ذكائهم ، مكتسبين النمو الطبيعي لعقولهم ، للتخلص من عواقب التربية الخاطئة التي واجهوها خلال مرحلة الطفولة.

ضحايا العادات المغلوطة:

«إن من بين الأشخاص الذين تنمو قدراتهم الفكرية والذهنية لمدد مديدة من الزمن ، من لم يستطع تحقيق البلوغ النفسي، مع أنهم كانوا قادرين على استغلال الفرص لتحسين أوضاعهم الجسمية والمعنوية. لكنهم على عكس ذلك هدروا أوقاتهم في شرب الخمر ولعب القمار وارتياد دور السينما وقراءة الروايات والقصص المبتذلة، لذا فهم ضحايا تربية خاطئة وعادات حياتية مغلوطة. أليست التربية والتعليم الخاطئان - هما سبب الضعف الفكري والنقص الأخلاقي اللذين أوديا بنا اليوم إلى الهاوية؟» .

«ففي بيئة يسودها الكذب وتتحكم بها الإذاعات والمجلات الرخيصة والمبتذلة ، وفي حياة تغط في سبات كالتي نعيشها ، وفي محيط لا تحترم فيه الطهارة والنزاهة ، لا يمكن للعقل إلا أن يخفت والأحاسيس إلا أن تموت، ولكن رغم كل ذلك فإن قانون السمو النفسي والمعنوي لا يمكن أن يقهر أمام مثل هذه الشوائب ، كما أن وجود المرض لا يمكن أن يجعل التفكير بالشفاء منه وهماً».

ينبغي على الفتيان مهما اختلفت صنوفهم ومهما تباينت ظروف تربيتهم وهم أطفال ، أن يلتفتوا إلى قيمة مرحلة البلوغ والفتوة وأهميتها ، وعليهم أن يدركوا جيداً ان مرحلة الفتوة هي أغلى مرحلة في عمر الإنسان .

تربية الأخلاق:

فهذه المرحلة تعتبر الفرصة المثلى للوقوف على الحقائق العلمية وتحقيق النمو المكتسب للعقل ، والزمان الأنسب لتكوين الشخصية الأخلاقية والتحلي بالصفات الحميدة.

إن قدرة الجسم وقوته وعنفوان الشباب واستعداد العقل المتنامي للاستيعاب والرغبة في كشف المجهول والذهن القوي والفعال وغير ذلك من الصفات الحسنة ، تعتبر من الثروات التي يتمتع بها الإنسان خلال مرحلة الشباب، وكل ثروة منها لها أثرها البالغ في اكتساب العلم والأخلاق. ولحسن الحظ أن كل ما يتعلمه الشاب خلال مرحلة الشباب يبقى عالقاً في ذهنه وقلما يطويه النسيان .

روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال : من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر(4).

المحيط الاجتماعي:

إن من العوامل القوية التي تلعب دوراً هاماً في التركيبة النفسية للإنسان هو المحيط الاجتماعي والاختلاط العام. فالزيارات والمحاورات والمحادثات والمواقف والصداقات وغيرها من الأمور الاجتماعية، لكل منها تأثيرها على تركيبة نفس الإنسان الذي ينشأ وفق العوامل الاجتماعية المحيطة به .

العناصر الفاسدة :

إن ذهن الفتى يكون خالياً من كل شائبة، وهو أشبه ما يكون بورقة بيضاء خالية من أية رسمة اجتماعية حسنة كانت أم سيئة. فالفتى قد خرج لتوّه من محيط الطفولة المحدود إلى محيط الاجتماع والمجتمع الواسع ، وينبغي عليه أن يحذر لكي لا تنفذ العناصر الفاسدة إلى نفسه ، لتشوه صفحته البيضاء الناصعة الطاهرة إن بإمكان رفيق سوء واحد أو لسان غير مصان أو مجلس قمار وشراب، أن يؤدي إلى انحراف الإنسان وضياعه ليعيش بقية عمره في شقاء وتعاسة.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته(5).

تفتح العقل:

إن أول بذرة يجب زرعها في الأرض الخصبة لقلب الفتى، بذرة العلم والمعرفة. فالعلم أساس سعادة الإنسان، وهو يؤدي إلى تفتح عقله وتبلور الكمال الإنساني فيه ، والعلم بالتالي الأساس القوي لجميع مفاخر البشرية.

إن القرآن الكريم يشير بكل صراحة إلى العلماء والمتعلمين ويفرق بينهم وبين من هم جهلة وغير متعلمين.

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

الرغبة في فهم القضايا العلمية:

إن الفتيان تتملكهم رغبة طبيعية في فهم المسائل والقضايا العلمية، وهم يرغبون في الاطلاع على أسرار العالم والوقوف على الحقائق المجهولة لنظام الخلقة ومعرفة أسبابه ومسبباته لتوضيح ما يجهلونه.

وهذه الرغبة الفطرية تدفعهم إلى السعي والمثابرة والتمعن في الأمور والتحقيق فيها. وبالرغم من أن قوة الإدراك لدى الفتيان تكون في بادئ الأمر عاجزة عن تفهم واستيعاب الكثير من المسائل العلمية ، إلا أنها تنمو وتقوى نتيجة مساعيهم ومثابرتهم ، وبالتالي فإن موجبات نموهم العقلي وكمالهم المعنوي تتوفر. إن المحيط الدراسي والأساليب الدراسية العلمية الصحيحة هما الوسيلة الأنسب والأفضل لإرضاء هذه الرغبة الفطرية لدى الفتيان.

المدرسة وغنى الفكر:

«إن المدرسة كقاعدة ومركز للعلم والمعرفة تغني الفتيان والشباب فكرياً وتساهم مساهمة مؤثرة في تشكيل شخصياتهم. فهي تحثهم على التفكير وتطبق أمامهم أموراً تحرك فيهم قدرة التصور والتفكير وتدفعهم إلى تطبيقها، والمدرسة بشكل عام تتولى مسؤولية هامة تساهم في إصلاح شخصية الشاب وتكميلها».

«وباعتقاد «ماندوس» أن الفتى الذي هو أقل منطقياً من الطفل يحاول أكثر منه البحث عن المنطق والاستدلال. وهذا الاستدلال يكون في بادئ الأمر عشوائياً غير واضح المعالم، لكنه يبدأ يتبلور تدريجياً ويصبح أكثر علمية بفضل ما اكتسبه الفتى في المدرسة ، والكل يعلم كم يزداد البحث بين طلبة المدارس في المسائل الأخلاقية والسياسية والدينية ، وما هو تأثير هكذا بحث على شخصية الطالب».

ارتقاء الاستدلال:

«إن ارتقاء الاستدلال لن يتحقق إلا بواسطة ما يكتشفه الفتى في سن الرابعة عشرة من عمره ، ويتبلور هذا الارتقاء نتيجة اكتشاف العلاقة المنطقية ما بين هذه الأفكار من قبيل إمكانية الوصول من المبادئ السطحية إلى البراهين الحسابية والرجوع من علم الحساب إلى المحاسبات الجبرية. وكل هذه الأمور تساهم في مضاعفة قدرة التجريد الفكري».

تنمية الذكاء :

إن تحصيل العلم ومحيط المدرسة عاملان مؤثران في نمو عقل الشاب ومضاعفة ذكائه. فسراج العلم ينير للشباب طريق السعادة في الحياة المادية وطريق الإيمان والأخلاق في السعادة المعنوية ، ويرشدهم بواقعية إلى ما يترتب عليهم من واجبات.

إن الشاب الذي يتلقى العلوم الطبيعية يطلع إلى حد ما على تركيبته كموجود وتركيبة سائر الموجودات على الكرة الأرضية ، ويقف خلال تلقيه العلوم على عظمة الخلقة ونظام الكون العجيب، وبذلك يؤمن كسائر العلماء بوجود الله سبحانه وتعالى خالق الكون ومُسيّره. إن الفتى بتلقيه العلوم النفسية والتربوية يطلع إلى حد ما على وضعه النفسي والروحي، ويدرك رغباته الغريزية وخطر طغيان هذه الغرائز ووجوب لجمها والسيطرة عليها، ويصبح بمقدوره في ضوء واجباته الأخلاقية والإنسانية تأمين موجبات سعادته المعنوية. وخلاصة القول: إن تحصيل العلم هو أفضل وسيلة لتأمين الرفاهية في الحياة المادية، وأفضل سبيل للتحلي بالإيمان والأخلاق وتحقيق السعادة النفسية .

تلقي العلوم الآداب:

إن اولياء الق الصالحين اعتمدوا التربية والتعليم سبيلاً لتنمية الإيمان والأخلاق في جيل الشباب، وحثوا الشباب على تلقي العلوم والآداب لتأمين السعادتين المادية والمعنوية.

عن الإمام علي (عليه السلام): يا معشر الفتيان حصنوا اعراضكم بالأدب ودينكم بالعلم(6).

من الواضح جداً أن لطريقة تدريس البرامج التربوية من قبل المعلمين الأكفاء الحريصين، وتعامل المربين الحريصين خلال أداء واجباتهم التربوية، دوراً مهماً جداً في تنمية عقول الشباب وتوعية أحاسيسهم بشكل صحيح.

تنمية قدرة الاستيعاب :

إن المعلم الكفوء هو ذلك الذي يحرص أثناء التدريس على طرح البرامج التربوية بشكل ينمي قدرة الاستيعاب لدى الشباب، ويحاول عن طريق بحث وتحليل المسائل العلمية تحريك الاستعدادات الدفينة في عقولهم تدريجياً، وهذا ما يؤدي بالشباب إلى بلوغ مراتب الكمال المعنوي بسرعة وتحقيق النمو المكتسب للعقل.

تسهيل الفكر :

«إن المعلم الناجح هو من يستطيع توفير أجواء وظروف مناسبة لتلامذته وتحريك عوامل التفكر لديهم وتسهيلها، وهذا لن يتحقق إلا بمشاركة المعلم مشاركة صادقة في جميع نشاطات تلامذته، ومحاولته حل كافة المشاكل التي تعترضهم. وهكذا معلم ليس فقط سينجح في توعية فكر تلميذه وإنما سيكتسب هو الآخر عن طريق بحثه وتحليله للأمور قضايا جديدة كانت خافية عليه ، وسيكون معلماً وتلميذاً في آن واحد"(7) .

إن المربي الكفوء والحريص هو ذلك الذي يحاول تفهم نفسية الفتى وأحاسيسه الداخلية ، وهـداية هذه الأحاسيس من خلال البرامج التربوية إلى مسيرها الأخلاقي الصحيح ، لصونها من الطغيان والتمرد.

تجنب الإفراط :

«إن نفسيـة المـربي يجب أن تكـون على استعداد لتفهم مختلف شؤون الشباب وقضـايـاهم ، وأن يكون لديـه عـلاقـة خـاصـة بالشباب. إذ عليه أن يهي الأجـواء المناسبـة لتنميـة طـاقـاتهم واستعمال هذه الطاقات بمقتضى الضرورة والزمان ، كما يجب عليه أن يبعدهم عن الإفراط ، أي لا يسمح بتحول التقليـد إلى اندفاع والشوق إلى تعصب وروح التحرر إلى عصيان وتمرد . فإذا ما أردنا صنع جيل من الشباب علينا أن نخلق فيهم روح الاندفاع

وفي الوقت نفسه حب الانضباط. وفي إطار هذه الشروط يكـون المربي قد أدى واجبه وسار بالبلاد نحو الرقي والتقدم».

إن التربية الأخلاقية وتنمية السجايا الإنسانية ركن من الأركان الأساسية لسمو الإنسان ورفعته ، فالتعليم بدون تربية والتربية بدون تعليم لا يمكنهما صنع إنسان كفوء ومتكامل من جميع الجهات.

______________________________

(1) غرر الحكم، ص384.

(2) نفس المصدر ، ص 546.

(3) مقدمة على فلسفة التربية والتعليم ، ص 137 .

(4) السفينة «شبب» ، ص 680 .

(5) نهج البلاغة «الفيض»، ص903.

(6) تاريخ اليعقوبي، ص 152.

(7) مقدمة على فلسفة التربية والتعليم ، ص 119.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي