الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
الشائعات وآثارها السلبيّة.
المؤلف: مركز المعارف للتأليف والتحقيق.
المصدر: أخلاقنا الإسلاميّة (دروس في المفاهيم الأخلاقيّة)
الجزء والصفحة: ص 84 ـ 95.
25/12/2022
1798
أهداف الدرس:
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى معنى الشائعة وأهمّ الأمور التي تقوم عليها.
2- يعدّد أنواع الشائعات ويبيّن خطورتها على الفرد والمجتمع.
3- يشرح منهج القرآن في التعاطي مع الشائعات.
تمهيد:
الشائعات الكاذبة من أخطر الرذائل التي متى فشت في أمّة من الأمم، اضطربت أحوالها، وضعفت الثقة بين أبنائها، وانتشر فيهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق.
وإنّ أكثر الناس عُرضةً للشائعات الكاذبة، هم الرسل الكرام، والمصلحون المخلصون، والأتقياء الأصفياء الأخيار، وهذا ثابت منذ فجر الإنسانية، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ما هي الشائعة؟
1- الشائعة في اللغة:
إشاعة: خبرٌ مكذوبٌ غير موثوق فيه وغير مؤكَّد، ينتشر بين النَّاس (1). أو خَبَرٌ لاَ أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ ذَائِعٌ بَيْنَ النَّاسِ. والإِشاعَةُ: كلّ خبرٍ ينتشر بين الناس غير مثبَتٍ منه. ويطلق الشِّيَاعُ على ما تُشَبُّ به النار من الوقود الخفيف (2).
2- الشائعة في الاصطلاح:
الشائعة اصطلاحاً تعني الخبر المشاع والمنتشر بين الناس، ويحتمل الصدق أو الكذب (3). أو بتعبير آخر هي نشر الأخبار التي ينبغي سترها لشين الناس (4). وهي نوع من النبأ الهادف الذي يكون مصدره مَجْهُولاً، وهي سريعة الانتشار، ذات طابع استفزازيّ أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ.
كيف تتحقّق الإشاعة؟
لقد ابتليت المجتمعات البشرية وعانت الكثير من المصائب والنكبات الرهبية، بسبب بروز ظاهرة اختلاق الإشاعة ونشرها بين الأفراد حيث كانت تؤثّر تأثيراً سلبياً كبيراً على معنويات أفراد المجتمع، وتضعف فيهم الروح الاجتماعية وروح التفاهم والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد. وتبدأ الإشاعة بأن يختلق منافقٌ كذبةً، ثمّ ينشرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء، ليقوموا بدورهم بالترويج لها بين أبناء المجتمع دون التحقيق فيها.
ومن أهمّ الأمور التي تؤدّي إلى تحقّق الإشاعة:
1- وجود قضية تدور حولها الإشاعة.
2- صياغة الإشاعة بطريقة متقنة، حتّى يؤدي ذلك إلى اعتقادها.
3- وجود الوسط المساعد لنقل الإشاعة.
4- التركيز على هدف معيّن دون التشعب إلى جزئيات متعددة.
5- اختيار الزمن المناسب لنشر الإشاعة.
6- اختيار المكان المناسب لبثّ الإشاعة.
7- عدم توثيق مصدر الإشاعة.
8- وجود هدف معيّن من صياغة الإشاعة.
9- اختيار الأسلوب الهادف لصياغة ونشر الإشاعة على حسب الموضوع، فإذا كان الموضوع يحتاج إلى عبارات هادئة ليّنة، اختيرت الألفاظ الملائمة التي تتّسم بالسكينة، وإن كان الموضوع يحتاج إلى الاستفزاز والثورة، اختيرت الأساليب المناسبة التي تنضح بالقوة والاشمئزاز.
10- جهل المجتمع الذي تنتشر فيه الإشاعة.
11- انعدام المعلومات والمفاهيم عن الموضوع المُشَاعِ.
فإذا وُجِدَتْ هذه الأمور، فإنّ خطر الشائعة سيسري بين الأفراد والجماعات في جميع المجتمعات الإنسانية، وعلى مختلف الأزمنة، ومختلف الأمكنة.
أنواع الشائعات:
تختلف أنواع الشائعات وذلك حسب اختلافها في الهدف والزمان، والمصدر، والآثار المترتّبة عليها، وغير ذلك.
ونشير إلى أهمّ أنواع هذه الشائعات:
1- شائعات الخوف:
يستهدف هذا النوع من الشائعات إثارة القلق والرعب في نفوس البشر، وتعتبر من أنواع الشائعات المروّعة والمخيفة، فقد تمسّ أَحْدَاثًا كالكوارث، أو أَشْخَاصًا، أو بأمور الحرب والسلّم وغيرها من الأمور. قال تعالى في كتابه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. وذكر العلّامة الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية أنَّ كلمة (النَّاس) وردت مرّتين في الآية، وأنَّ دلالتها في المورد الأوَّل مختلف عنها في الثاني، فالمقصود في موردها الثاني هو العدوّ الذي كان يجمع الجموع، وأمَّا الأوَّل فالنّاس في الآية هم الخاذلون المثبّطون الذين كانوا يقولون ما يقولون ويبثون الشائعات، ليخيفوا المؤمنين فيمنعونهم عن الخروج إلى قتال المشركين (5).
2- شائعات الكراهية:
وتهدف إلى زرع بذور العداوة والفتنة والفرقة والبغضاء والحقد وغيرها من العوامل التي تسبّب الكراهية والتباعد بين البشر. كأن تُطْلَقُ شائعة تهدف إلى بذر بذور الفتن بين شعبين كالعرب والفرس، أو بين الطوائف الدينية كالمسلمين والأقباط أو مذهبية كالسنّة والشيعة. والمقصود هو بثّ الكراهية الدينية والتحريض على العنف. وذلك من خلال إشاعة الشائعات الكاذبة بغية تفكيك بيئة المجتمع الذي تستهدفه الشائعة بنارها وسمومها الملهكة، لتضرب وحدته ونسيجه الاجتماعيّ.
3- الشائعات السياسيّة:
تتمثّل بنشر معلومات سياسيّة كاذبة، تهدف إلى زعزعة الحكم وإحداث خلل في المنظومة السياسيّة للمجتمع ومن دوافعها الانتقام، وتصفية الحساب مع أشخاص معنيين، وإزالة الثقة العامّة بالشخصيات السياسية الكبيرة، وحرف الرأي العام عن القضايا الجوهرية. ومهما اختلفت الدوافع في بثّ هذه الشائعات الكاذبة فالنتيجة النهائية هي تدمير المجتمعات.
4- الشائعات الأمنية والعسكرية:
إنّ اختلاق ونشر هذا النوع من الشائعات يودّي إلى سيطرة القلق والاضطراب والإخلال بالأمن وانعدام الثقة، وهذه من أهمّ ما ترمي إليه الحرب النفسيّة للأعداء بغية إثارة البلبلة ونشر الفزع، ليتسنّى لهم التّغلّب العسكريّ والسياسيّ لاحقاً. فعندما يعجز العدوّ عن إلحاق الضرر بصورة مباشرة، يقوم بنشر الشائعات، لبثّ الرعب والقلق في الناس، ليشغلهم بأنفسهم، وليحرفهم عن أهمّ قضاياهم حساسية، وليتسنّى له التمكّن منهم في كلّ مجال.
5- الشائعات المتعلّقة بالأعراض:
وهي الشائعات الأكثر خطورة على المجتمع لأنّها تمسُّ أعراض المؤمنين، ويؤدّي نشرها إلى هتك كرامة الانسان والانتقاص منها والإساءة إلى سمعته بين أبناء مجتمعه، وفي بعض الأحيان قد تتسبّب هذه الشائعات بقتل نفسٍ بغير ذنب.
وقد نهت الشريعة الإسلاميّة عن الخوض في الأعراض، بل نهت عن إشاعة الفاحشة حتّى مع وقوعها وتوعّدت بالعذاب الأليم لمرتكبي هذا الذنب. وقد جاء في حديث عن محمد بن الفضيل عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك الرجل من إخواني بلغني عنه الشيء الذي أكرهه فاسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات؟ فقال الإمام عليه السلام لي: "يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك، وإن شهد عندك خمسون قسّامة، وقال لك قول فصدّقه وكذّبهم، ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته، فتكون من الذين قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]" (6).
آثار الشائعات على الفرد والمجتمع:
إنّ كثيراً من الأحداث المؤلمة والصراعات المدمّرة التي تقع في عالمنا المعاصر، وما وقع في التاريخ الإسلامي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، كان قسم مهم منه بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كان يروّجها العملاء والمندسّون والمنافقون في المجتمع الإيمانيّ، بُغية تفكيكه وهدم عُراه وتقويض أركانه.
لذا وجب الحذر؛ لأنّنا نعيش في مجتمع اختلطت فيه الموازين، ويصعب فيه التميز بين الحقّ والباطل، فقد ننخدع ببريق بعض الشخصيات ونأخذ بكلامه ونبني عليه تصرّفات ومواقف معينة ثمّ يتبيّن لنا الخلل الكبير الذي وقعنا فيه بسبب هذا الإنسان أو المحطة الإعلامية الفلانية، لأنّه كان ظاهره وديعاً ولكن حقيقته كانت تخبئ إنسانا كالثعلب في روغانه، والعقرب في لدغاتها. لذا المطلوب دائما التثبّت ثم التثبّت ثمّ التثبّت.
فالشائعة التي هي الأقوال والأخبار التي يَتناقلُها الناس، والقَصص التي يَروونها، دون التثبُّت مِن صحَّتها، أو التحقُّق مِن صِدقِها، يمكن أن يكون منشأها شخص، أو جريدة، أو مَجلَّة، أو إذاعة، أو تلفاز، أو رسالة خطِّية، أو شَريط مُسجَّل وغيرها، وغالباً ما تكون لها آثار مؤذية وأضرار سلبية، فهي تؤثّر مباشرة على سَعادة الفرد والأسرة والمجتمع وعلى أمنِها النفسيّ. فكم من أسر تفكَّكتْ مِن جرَّاء هذه الإشاعات، وكم مِن بيوت هدِّمت، وكم من أموال ضيِّعت، وأطفال شُرِّدت، كلّ ذلك بسبب شائعة مغرضة من مُنافقٍ أو كذَّاب.
وقد بيّن الله تعالى في القرآن الكريم أسس ومعاييرَ إقامة المجتمع.
ومِن أهمّ هذه الأُسس والمعايير أن تَسُود روح الحبِّ والأُخوَّة والسلام بين أفراد المجتمَع الواحد، فـ "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ هُوَ عَيْنُهُ وَمِرْآتُهُ وَدَلِيلُهُ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَخْدَعُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَغْتَابُهُ" (7) كما قال الإمام الصادق عليه السلام.
و"المؤمن للمؤمن كالبُنيان، يشدُّ بعضه بعضًا" (8).
هذه هي الروح التي أراد الله تعالى أن يبثَّها بين أبناء الأمة ويحثّ على اتّباعها. أمّا أن تتأسّس العلاقات بين الأفراد على الفُرقة والتنازُع والاختِلاف والإفساد بين الناس، فهذا ما حاربه الإسلام. والإشاعة سبب رئيس لبثِّ هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الإسلام.
وقد حدّد الله تعالى في القرآن الكريم منظومة ردعية متكاملة لمحاربة الشائعات تبدأ بالتربية النفسية للأفراد، إلى العلاجات الوقائية والردعية في مواجهة هذه الأخبار.
منهجية القرآن في التعاطي مع الشائعات:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم مبيناً خطورة الشائعة: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].
تبيّن الآية الكريمة كيف ابتلي جماعة بهذا الذنب العظيم نتيجة تساهلهم، فتقول ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ أي تذكروا كيف رحّبتم بهذه التهمة الباطلة فتناقلتموها ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾.
وتشير هذه الآية إلى ثلاثة أنواع من ذنوبهم العظيمة في هذا المجال:
الأول: تقبّل الشائعة: استقبالها وتناقلها.
الثاني: نشر الشائعة دون أي تحقيق أو علم بصدقها.
الثالث: استصغار الشائعة واعتبارها وسيلة للّهو وقضاء الوقت، في وقت تمسّ فيه كيان المجتمع الإسلامي وشرفه، إضافة إلى مساسها بشرف بعض المسلمين.
وممّا يلفت النظر أنّ الآية استعملت تعبير ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ تارة وتارة أخرى تعبير ﴿بِأَفْوَاهِكُم﴾ على الرغم من أن جميع الكلام يصدر عن طريق الفم واللسان. وهو إشارة إلى أنّكم لم تطلبوا الدليل على الكلام الذي تقبّلتموه، ولا تملكون دليلاً يسوّغ لكم نشره. والأمر الوحيد الذي كان بأيديكم هو لقلقة لسانكم وحركات أفواهكم (9).
والقرآن الكريم قد رسم لنا منهجاً واضحاً وفريداً في التعامل مع مرض الشائعات يتمثّل في جملة من الآداب عند وجود الإشاعة. وعندما نستقرئ آيات القرآن التي تحدّثت عن المواجهة الإعلامية، وأسلوب التعامل مع الدعاية المضادة والشائعات، نجد القرآن قد ركّز على أساليب أساسية عديدة، منطلقاً من أسس نفسيّة وموضوعيّة بالغة الأهميّة، لتكوين الدوافع وكسب الاستجابة والمواقف.
وأهم هذه الأسس والآداب هي:
الأساس الأول: التثبّت والتبيّن عند سماع الأخبار.
استخدم القرآن الكريم ثلاث مفردات وهي: (اليقظة والتبيّن والحذر)، والمطلوب من المجتمع الإسلاميّ أن يتّسم بهذه المفردات الثلاثة، وهذا هو ما يعبّر عنه بمصطلح اليوم بـ (الوعي). وعندها يمكن أن نصف هذه الأُمّة أو تلك الجماعة بالأُمّة أو الجماعة الواعية، والعكس صحيح.
ويتمثّل بثّ الوعي في المجتمع الإسلاميّ من خلال الإجراءات العلمية والعملية الآتية:
1- التبيّن:
أرسى القرآن قاعدة منهجية أساسية في التعاطي مع الأخبار وهي التبيّن، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
تتحدّث هذه الآية عن أهمّ مسألة مؤثّرة في بنية المجتمع وهي تلقّي الأفراد للأنباء والأخبار وتناقلها فيما بينهم. وتؤكّد الآية الكريمة على ضرورة أخذ الأنباء من مصادرها الموثوق بها. وأمّا إذا كانت ممّن اشتهر وعرف بالفسق والكذب والنفاق، أو لم تكن ممّن يوثق به، فلا يمكن الركون إليه والأخذ منه. لذا ينبغي الاستقصاء عند نقل الخبر والتدقيق في مصدره، وإمكانيَّة نقله أو لا.
ومعنى التبيّن، يبدو أنّه يشمل كلّ أسلوب يؤدّي إلى حالة الوضوح عند الإنسان. ومن الأمور التي تعين على هذا الأدب التروّي وعدم العجلة في نقل الأخبار. وبعبارة أوضح ينبغي عدم العجلة والتسرّع في نقل الأخبار، لخطورة ما يمكن أن تحدثه كلمة واحدة غير صحيحة في العقول والنفوس. لذا عند نقلنا للأخبار علينا التبيّن جيّداً.
2- عدم إفشاء أسرار المؤمنين:
اهتمّ القرآن الكريم بالمحافظة على أسرار المؤمنين وعدم إفشائها للعدوّ...
3- اليقظة والحذر:
في كتاب الله العزيز العديد من الآيات التي تحذّر المسلمين من المكائد والمخطّطات التي يحيكها الأعداء لهم، وضرورة التنبّه واليقظة دائماً من نواياهم وأهدافهم. ومن هذه التحذيرات تلك التي أطلقها القرآن الكريم بحقّ اليهود على وجه الخصوص كما في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]. وغيرها من الآيات في هذا المجال.
كما يحذّر القرآن الكريم المسلمين في موضع آخر من عدم طاعة الله ورسوله فيقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92].
وينتقل الخطاب القرآنيّ إلى موضع آخر، لكي يحذّر المؤمنين من عدوّ يقبع داخل بيوتهم، ولربّما لم يلتفتوا إلى خطره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14].
ويذهب الخطاب القرآنيّ إلى أبعد مدياته في التحذير من العدوّ المستتر الذي يتغلغل في صفوف الجماعة المسلمة، وتتكفّل سورة (المنافقون) بفضح هؤلاء وتعريتهم والتحذير منهم (10).
الأساس الثاني: الفضح.
وهذه النقطة حسّاسة جداً. وقد تعرّض لها القرآن كإحدى الطرق لمواجهة أصحاب الشائعات، فقد لعب المنافقون دوراً رئيساً وبارزاً في نشر الشائعات داخل المجتمع الإسلاميّ، وذلك بُغية ضعضعة الصفّ الإسلاميّ الواحد، وقد قاموا بنشر الشائعات الكاذبة في حقّ الدعوة وفي حقّ الرسول ومن أجل إضعاف هذه الفئة. وقد لجأ القرآن الكريم إلى فضحهم وتعريتهم أمام المجتمع الإسلاميّ وذلك من خلال بيان منهجهم، وطريق تفكيرهم، وسماتهم التي يتميّزون بها، ممّا يجعلهم فئة مفضوحة للمجتمع الإسلاميّ، وهو ما يجعل المجتمع يتجنّبهم ويفكّر ألف مرّة قبل تصديقهم أو نقل أيّ معلومة صادرة عنهم. بل الأصل في مثل هؤلاء هو التكذيب وعكس ذلك يحتاج إلى دليل. هذا بعكس التعاطي مع المسلم فإنّ الأصل فيه هو حسن الظنّ وأصالة الصدق وعكس ذلك يحتاج إلى دليل.
قال تعالى في كشف هؤلاء وفضحهم: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 9 - 13].
الأساس الثالث: التفنيد والتحصين (الإعلام المضادّ)
في الوقت الذي بيّن القرآن الكريم سمات المنافقين من أجل الحذر منهم، بيّن لنا ضرورة القيام بأمرين من أجل مواجهة الشائعات هما:
أولاً: كشف زيف الإشاعة والدعاية المضادّة ضدّها، وذلك من خلال بيان الكذب والتناقض فيها، لإسقاط فاعليتها، وتوجيه ردّ الفعل ضدّ مروّجيها.
ثانياً: تحصين المجتمع، من خلال رفع منسوب الوعي فيه. فالتوعية أمر أساس في المجتمع، وخصوصاً في مقاومة الإشاعة وتفنيدها بالاستناد إلى الحجج والبراهين المنطقية، والحقائق الواقعية التي تحصِّن الناس ضدّ سموم الشائعات، التي يروِّجها الأعداء والمرجفون.
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين َ* وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 99 ـ 101].
الأساس الرابع: التسقيط.
ومن الأساليب التي استخدمها القرآن أسلوب تسقيط الطرف الآخر وإشعاره بتفاهة شخصيته ومواقفه، ليكوّن الهزيمة في أعماقه النفسية، ويسلب منه الروح المعنوية والقدرة على المواجهة، بتوجيه الخطاب إليه، كطرف هزيل، يوضع موضع الاستهزاء والسخرية. ونلاحظ هذا الأسلوب عندما يتحدّث القرآن عن المكذّبين وأعداء الدعوة الإسلامية، قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 46، 47].
الأساس الخامس: الإهمال وعدم الاعتناء.
ومن الأساليب التي دعا لها القرآن أسلوب الإهمال وعدم الاعتناء بالخصم، بشرط أن يكون هو الطريق الموصول إلى الهدف وهو تضعيف الطرف الآخر وعدم فعالية إشاعته. وذلك عندما يكون الإهمال، وعدم الدخول في حرب كلامية هو الأسلوب الأفضل للموقف والقضية.
كقوله تعالى في الآيات الآتية: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3]، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]، {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].
الأساس السادس: الاستمالة.
ومن الأساليب التي دعا لها القرآن أسلوب الإحسان والكلام اللين مع الآخرين، لأنّ هذه الطريقة تعتبر من الطرق المهمة والمؤثّرة في الآخرين، وقد استخدمها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام مع أعدائهم وذلك من خلال توجيه الخطاب الليّن والكلمة الجذّابة للآخرين، كقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، وقوله:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]
المفاهيم الرئيسة:
1- الشائعة لغةً: إشاعة خبرٌ مكذوبٌ غير موثوق فيه وغير مؤكَّد، ينتشر بين النَّاس (11).
والشائعة اصطلاحاً تعني الخبر المشاع والمنتشر بين الناس، ويحتمل الصدق أو الكذب (12).
2- من أهمّ الأمور التي تؤدّي إلى تحقّق الإشاعة: وجود قضية تدور حولها الإشاعة، صياغة الإشاعة بطريقة متقنة، وجود الوسط المساعد لنقل الإشاعة، التركيز على هدف معين، اختيار الزمن والمكان المناسب لبثّ الإشاعة، عدم توثيق مصدر الإشاعة. وجود هدف معين من صياغة الإشاعة، اختيار الأسلوب الهادف لصياغة ونشر الإشاعة على حسب الموضوع.
3- تختلف أنواع الشائعات وذلك حسب اختلافها في الهدف والزمان، والمصدر، والآثار المترتّبة عليها، وغير ذلك. ونشير إلى أهمّ أنواع هذه الشائعات: شائعات الخوف، شائعات الكراهية، الشائعات السياسيّة الشائعات الأمنية والعسكرية الشائعات المتعلّقة بالأعراض.
4- إنّ كثيراً من الأحداث المؤلمة والصراعات المدمّرة التي تقع في عالمنا المعاصر، وما وقع في التاريخ الإسلامي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، كان قسم مهم منه بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كان يروّجها العملاء والمندسّون والمنافقون في المجتمع الإيمانيّ، بُغية تفكيكه وهدم عُراه وتقويض أركانه.
5- إنَّ القرآن الكريم قد رسم لنا منهجاً واضحاً وفريداً في التعامل مع مرض الشائعات يتمثّل في جملة من الآداب عند وجود الإشاعة، أهمها: التثبّت والتبيّن عند سماع الأخبار، وفضح أصحاب الشائعات، وكشف زيف الإشاعة والدعاية المضادّة ضدّها، وذلك من خلال بيان الكذب والتناقض فيها، لإسقاط فاعليتها، وتوجيه ردّ الفعل ضدّ مروّجيها، والعمل على تحصين المجتمع، من خلال رفع منسوب الوعي فيه.
6- من الأساليب التي دعا لها القرآن أسلوب الإحسان والكلام اللين مع الآخرين، لأنّ هذه الطريقة تعتبر من الطرق المهمة والمؤثّرة في الآخرين، وقد استخدمها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام مع أعدائهم وذلك من خلال توجيه الخطاب الليّن والكلمة الجذّابة للآخرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم اللغة العربية المعاصرة، الدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر، ج2، ش ي ع، ص 1257.
(2) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ج1، الإشاعة، ص 503.
(3) المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي، الإشاعة، ص 326.
(4) معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن عبد المنعم، ج1، الإشاعة، ص 184.
(5) انظر: العلامة الطباطبائي، الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص 64.
(6) الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 147.
(7) الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 166.
(8) أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بيروت - لبنان، دار صادر، ج4، ص 404.
(9) ينظر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج11، ص 42- 47.
(10) ينظر: سورة المنافقون، الآية 1-4.
(11) معجم اللغة العربية المعاصرة، الدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر، ج2، ش ي ع، ص 1257.
(12) المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي، الإشاعة، ص 326.