x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الأسرة وتأثيرها على التأخر الدراسي
المؤلف: د. محمد أيوب شحيمي
المصدر: مشاكل الاطفال...! كيف نفهمها؟
الجزء والصفحة: ص33 ـ 40
2/10/2022
2409
القسوة التي تمارسها الأسرة على الأطفال لا خير فيها، فالطفل العصبي الذي يعيش في جو عائلي مرح يقل سعيه إلى الهروب أو التأخر الدراسي، والتفكك الأسري يؤدي إلى عدم تحمل الطفل للضغط المدرسي (وأغلب التلامذة الذين تطردهم المدرسة تباعاً هم من العصبيين المدللين الذين صاروا غير قادرين على تحمل النظام، وتعبر معارضتهم، ووقاحتهم، وشجارهم مع زملائهم بل مع معلميهم عن رفضهم لقبول الانتقال أو تحمل المساواة المدرسية)(1)، وهذه إشارة إلى أن البديل للقسوة ليس التدليل.
وفي جميع الأحوال يطلب من التربية العائلية، التفهم واليقظة والمحبة المقرونة بالحزم وفي حال وجود الاضطرابات الخطيرة في الأسرة يجب تدخل الأخصائي النفسي في المدرسة لدراسة حالة الطفل على حدة بمعزل عن زملائه الذين يعود أمر تأخرهم إلى أسباب أخرى.
ومن خلال دراسة الفروق الفردية للأطفال نجد أن أصحاب المزاج العصبي لا تلائمهم الحياة الأسرية المضطربة أو الشديدة القسوة فيظهرون نحوها مقاومة ورفضاً، في حين ينطوي صاحب المزاج العاطفي من الأطفال على نفسه ويؤدي به ذلك إلى الكف والقمع اللذين يشكلان في ما بعد العقد النفسية، ومثل هذا النموذج من الأطفال يعترف سريعاً بالفشل ويدفن خيبة آماله ومآسيه في قراراته، ويميل إلى التأمل في داخل ذاته، ويتخلى عن الواقع المعادي له، فيأتي عدم التكيف الدراسي كردة فعل على هذا العامل الفصامي.
والمميز في هذا النمط من الأطفال. (النمط العاطفي)، يعتبر أن جميع الأنظمة من الوقوف صفوفاً في الملعب إلى الانصياع لقرع الجرس أموراً مؤلمة بالنسبة له، لو كان الوسط الذي يحيط به طبيعياً. والحياة الجماعية بالنسبة له مكروهة مملة، وهذا النوع يسهل إيلامه وإقلاقه، والعاطفيون تؤلمهم الحياة في المدرسة الداخلية (لذلك يحتفظ كل العاطفيين بأسوأ الذكريات عن أيام المدرسة الداخلية)(2).
ويقابل الحديث عن دور الأسرة في التأخر الدراسي بنوع من الاستنكار والامتعاض، فمعظمنا يرفض أن يتحمل المسؤولية عن التأخر الدراسي لأولاده، ملقياً اللوم إما على الأولاد أنفسهم أو على رفقة السوء والبيئة أو على المدرسة أحياناً أو قد يكون قدرياً فيلقي اللوم على الحظ، فهذا نصيبه، وهذا هو قدره، إلى ما هنالك من عبارات تنم عن هروب من الواقع.
إن كبرياء كل منا تجعله يرفض أن يقف في موقع الاتهام، ويلجأ أحدنا إلى التبريرات. وهذا نموذج لرد أحد الآباء الذي استدعي إلى إدارة المدرسة لإبلاغه عن التأخر الدراسي لابنه؛ (ننقلها حرفياً كما وردت على لسان الأب):
(... ولكن ماذا أفعل؟.. إني أعمل من الفجر إلى الغروب، لأكسب قوت عيالي وأدفع نفقات تعليمه وتعليم أخوته... أستجيب لكل طلباته مهما بلغ ثمنها... وقبل خروجه من البيت نزوده بمصروف الجيب ـ الخرجية ـ، استقدمت له مؤخراً مدرسة خصوصية لتعطيه ساعة إضافية وتساعده في البيت... كل شيء موفر له من سبل الراحة).
واسترسل الأب في الحديث عن التقديمات والتسهيلات التي قدمها ويقدمها لابنه باستمرار، وهو صادق في ما يقول بدون شك، لكنه لم يضع يده على الجرح، أو على مكان الألم، أو قل لم يستطع تشخيص الداء، ليأتي بالعلاج، وهذا أمر طبيعي فليس بمقدوره أن يكون عالماً تربوياً، لكن اللوم يقع على المرشد التربوي أو المرشد الاجتماعي الذي يجب أن يكون من صلب عمله دراسة الحالات المختلفة - كهذه الحالة - ومن جميع جوانبها وبالتعاون مع الأسرة طبعاً، وتحليل استجابات التلميذ لوضع الحلول إذ ليس بالإمكان أن نكون مغالين لنجعل من كل أب مرشداً تربوياً يستطيع دائماً أن يضع الحلول لمشاكل أبنائه الدراسية والتربوية، فمهمة المؤسسات التربوية كمهمة المؤسسات الطبية تقدم العلاج ووسائل الوقاية الصحية للمحتاجين إليها مع الاشراف على تنفيذ هذا العلاج.
هناك حالات تلاحظ في بعض الأسر المضطربة والمفككة أو التي لا تعيش حياتها كأسرة بالمعنى الحقيقي نجد أن الأولاد فيها ينحرفون أو يتأخرون دراسياً. ففي حالة غياب الأب الطويل عن البيت مثلاً وتولي الأم مسؤولية المنزل، وشؤون التربية، هذه الأم تصبح شديدة القسوة، لأنها مرهقة بالعمل، فيبتعد عنها الطفل الذي يرى فيها بعد ذلك مثيراً لقلقه فيتجنب هذا المثير، وترفض البنت أسلوب أمها فتميل إلى أسلوب ذكري، كما يعجز الطفل في هذه الحالة عن تمثل شخصية أبيه فيميل إلى سلوك أنثوي مع ما في ذلك من مساوئ يحملها المستقبل لكل من الابن والبنت، وغالباً ما يكون مثل هذين النموذجين من المتأخرين دراسياً.
بعض المربين يرون أن القسوة ليست أمراً سيئاً دائماً في عملية التربية إلا إذا تحولت إلى نظام دائم للقصاص، المقرون بالعنف، يصل أحياناً عند بعض الآباء إلى مستوى السادية(3)، حيث يستعمل السوط أو العصا الغليظة و (الفلقة)، ساعتذاك، وفي مثل هذه الأحوال تخرج القسوة عن محتواها التربوي إلى الإساءة للتربية وللكرامة الانسانية، وتدفع إلى التأخر الدراسي وترك المدرسة فالجنوح.
وهناك شدة من نوع آخر، هي الشدة أو القسوة المعنوية والتي تتمثل بالدعوة إلى الاحتشام الشديد عند الطفل، كأن نمنعه من الضحك والخروج من البيت والراحة، واللعب مع الرفاق والمحافظة على النظافة التامة للثياب وكأن الأمر غاية بذاته. إن هذه الشدة تقيد عالم الطفل الذي لا علاقة له بكل ما ذكر، فهو يريد أن يعيش طفولته، إنها مرحلة حلوة من مراحل العمر تترك في نفس الإنسان انطباعات قد تكون حسنة سليمة أو قد تكون سيئة فيتعرض لأزمات شديدة وكثيرة أقلها التأخر الدراسي.
وقد لاحظ بعض المربين أن (الأخلاق التي نعظ بها الأطفال بحماس وإصرار هي التي يخالفونها كثيراً)(4)، وأكثر ما تظهر هذه في الأسر التي تحيط نفسها بهالة من الكبرياء وتنعزل عن الكيان الاجتماعي مغمضة عينها عن الواقع المعاش.
أما الآباء الذين ينهجون نهج التساهل الشديد والتسامح مع أطفالهم، فإن هذا النوع من المعاملة في نظر بعض المربين هو أقل خطرا من القسوة، فالحرية تسمح بقيام صلة بين الطفل والحياة، ولكن بعض الأسر تتخذ من هذه المقولة ذريعة لترك الأطفال يعيشون على هواهم، مما يجعل الأمر يخرج عن الأطر التربوية إلى الإهمال والتقصير والتسيب.
من ناحية أخرى فإن سلوك بعض الآباء التشاؤمي والإكثار من التذمر والشكوى أمام أبنائهم. من الوظيفة، من العلم، من المجتمع، حيث يعبرون عن إحباطاتهم، وخيبة أملهم، حتى أن بعضهم يظهر شعوره بالندم لأنه لا يسرق، ولا يغش. وبأنه لو غش وسرق لكان في وضع أفضل من الوضع الذي هو فيه الآن - حسب تعبيره طبعاً -، إن مثل هذه الأحاديث على مسمع الأطفال تناقض دعوة الأهل لهم - على الأقل - للتمسك بالقيم والمثل. ثم إنها تزرع في نفوسهم الشعور بالإحباط والفشل الذي يعانيه آباؤهم، ويشعرون بالانتقام لآبائهم من المجتمع الذي قسا عليهم، لذلك يجب الا يسمع الأطفال من آبائهم إلا الألفاظ المشبعة بالقيم الأخلاقية والإنسانية والمشحونة بالتفاؤل.
ويتبع ذلك هدوء الحالة الأسرية والتعامل اليومي بين الزوج وزوجته، إذ أنه عندما تكثر المشاحنات والصراعات إلى حد التلفظ بالعبارات السوقية النابية أحياناً، فإن هذه المشاهد تنغص عيش الأطفال فيذهبون إلى المدرسة وفي أذهانهم هذه الصور المخيفة والمشوهة للحياة الأسرية فتشتت انتباههم، ويميلون عن الدراسة إلى أمور أخرى.
والأمر يختلف تماما عند طفل اخر غادر منزله صباحا والبهجة تغمر قلبه، وهو مشحون بالثقة والحب والتفاؤل والأمل. أم تودعه حتى دخوله سيارة المدرسة، ترمقه بنظرات الحنان والتشجيع، وأب يثني ويرشد في ظل أجواء أسرية يسودها الحب والوئام.
وعلى المعلمين أن يعلموا أنه لا يمكن الفصل بين الواقع الاجتماعي والأسري للتلميذ، والواقع المدرسي (فالمدرسة ليست ذلك البرج العاجي الذي يصل إليه التلميذ كل صباح في جلد جديد، فيصير تلميذا كالآخرين، تلميذا بلا تاريخ)(5)، وقد تحدث (برونولد) المدير العام للتربية في إنجلترا عن السجل المدرسي وأهميته بالنسبة للتلميذ وعن ضرورة تضمينه الكثير من المعلومات الأسرية. ومما قاله (تعتبر المعلومات التي تعطيها الأسرة عن التلميذ مادة ثمينة للمربي، فللوسط الأسري في الواقع أهمية أساسية في النمو الفردي، لا يمكن للمربين أن يقللوا من شأنه)(6)،ولقد قامت في أوروبا ضجة كبيرة في الفترة الأخيرة حول طريقة (الإعالة)، حيث يربى الأطفال في دور الحضانة، وكأنها حسب تعبير أحد المربين - أنابيب للهضم - لا يحق لهم إلا التمتع بالصحة الجيدة وتأمين النظام لهم ويتركون بعد ذلك لأنفسهم ويذهب العالم (زازو)، في كتابه (مصير الذكاء)، إلى أن لاختلاف الوسط الاجتماعي والأسري تأثير على التعلم أكبر من اختلاف الوراثة، حتى إن لتعلم الطفل للمشي في بيئة مريحة، ذات صالات فسيحة، مفروشة بالسجاد، لا يعارضه فيها أحد، ولا يزجر بسبب شيء وسخه أو أتلفه، يختلف هذا الطفل عن الطفل الذي تربى مع أسرة في حجرة ضيقة، يتعرض من خلالها للصدمات وأنواع العقوبات، حتى من الناحية البدنية، ومن ناحية الانطباعات التي تبقى في ذهنه، والتي تختلف عن مثيلاتها عند الطفل الأول.
بعض الآباء، وهم يشعرون بشيء من الغيرة والقلق يقابلون بين أولادهم، وبين أولاد الجيران أو الرفاق ممن هم في مثل أعمارهم، فيجد أحدهم أن درجات ابنه تقل عن درجات هؤلاء أو عن درجات أخوته لما كانوا في مثل سنه، فيحكم بظاهرة التأخر الدراسي دون أن يتنبه إلى العمر العقلي أو إلى القدرات والميول والاستعدادات الأخرى التي لم تستغل والتي ربما تفوق قدرات الرفاق والأخوة، ثم يغيب عن ذهن هؤلاء الأهل أن العمر التحصيلي يختلف عن العمر العقلي والعمر الزمني، فإذا كان تحصيل الولد الذي هو في السابعة من عمره، وعمره العقلي هو الخامسة، فيجب أن يعادل تحصيله تحصيل ابن الخامسة، ويقارن به، فإذا عاد له اعتبر عادياً لأنه ينسجم في هذه الحالة مع عمره العقلي ولا ينتظر منه أكثر من ذلك فطالما أن عمره العقلي هو خمس سنوات، وعمره التحصيلي هو خمس سنوات فهو عادي و نسبة التحصيل كنسبة الذكاء تقاس بالطريقة التالية:
- نسبة التحصيل= العمر العقلي ×100
العمر التحصيلي
فإذا كانت النسبة التحصيلية أقل من 100، أمكننا أن نحكم بالتأخر الدراسي لأن النسبة التحصيلية تختلف عن نسبة الذكاء، وهي لا تزيد عن 100، إلا في حالات نادرة، كما في حالة الذين يرهقون أنفسهم وذاكرتهم بشكل متعب ونسبة التحصيل تختلف عن نسبة الذكاء، وهي تتوقف على عوامل عدة كالظروف الاجتماعية المحيطة بالتلميذ والحالة النفسية والوجدانية.
ويلتبس عند الغالبية العظمى من الأهل مفهوم التأخر الدراسي مع المفهومين الآخرين وهما مستوى الذكاء، ومستوى التحصيل. بالإضافة إلى غياب مفهوم الفروقات الفردية بين الأشخاص، ومعها اختلاف القدرات والميول والاستعدادات، وكل ما يمتلكه هؤلاء الأهل من مقاييس يحددون بها مسألة التأخر الدراسي وهي تدني درجة أو معدل تحصيل ابنهم عن رفاقه في الصف، وهذا بطبيعة الحال ليس كافياً للحكم على الطفل بأنه يعاني فعلاً من التأخر الدراسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ أندريه لوجال، التأخر الدراسي، ص 116.
2ـ المصدر السابق، ص 121.
3ـ السادية: مرض نفسي يشعر صاحبه بلذة في إنزال الآلام في الآخرين، والتسمية منسوبة إلى (الكونت دي لاساد)، الذي يمثل هذا النموذج من الأمراض النفسية.
4ـ أندريه لوجال، التأخر الدراسي، ص 100.
5ـ المصدر السابق، ص 89-90.
6ـ المصدر السابق، ص 90.