تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (51-53) من سورة الشورى
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
27-8-2020
12319
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَويُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى : 51 ، 53] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
ذكر سبحانه أجل النعم وهي النبوة فقال {وما كان لبشر أن يكلمه الله} أي ليس لأحد من البشر أن يكلمه الله {إلا} أن يوحي إليه {وحيا} وهو داود أوحي في صدره فزبر الزبور {أومن وراء حجاب} أي ويكلمه من وراء حجاب وهو موسى (عليه السلام) {أو يرسل رسولا} وهو جبرائيل أرسل إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مجاهد وقيل معناه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بمثل ما يكلم به عباده من الأمر بطاعته والنهي عن معاصيه وتنبيه إياهم على ذلك من جهة الخاطر أو المنام وما أشبه ذلك على سبيل الوحي .
وسماه وحيا لأن الوحي في اللغة ما جرى مجرى الإيماء والتنبيه على الشيء من غير أن يفصح به {أومن وراء حجاب} وهو أن يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا من يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى (عليه السلام) لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا عن موسى (عليه السلام) وحده وفي المرة الثانية حجبه عن جميع الخلق إلا عن موسى والسبعين الذين كانوا معه وقد يقال أنه حجب عنهم موضع الكلام الذي أقام الكلام فيه فلم يكونوا يدرون من أين يسمعونه لأن الكلام عرض لا يقوم إلا في جسم ولا يجوز أن يكون أراد بقوله أن الله تعالى كان من وراء حجاب يكلم عباده لأن الحجاب لا يجوز إلا على الأجسام المحدودة .
وعنى بقوله {أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} إرساله ملائكته بكتبه وكلامه إلى أنبيائه ليبلغوا ذلك عنه عباده فهذا أيضا ضرب من الكلام الذي يكلم الله به عباده ويأمرهم فيه وينهاهم من غير أن يكلمهم على سبيل ما كلم به موسى وهو خلاف الوحي الذي ذكر في أول الآية لأنه تنبيه خاطر وليس فيه إفصاح عن أبي علي الجبائي وقال الزجاج معناه أن كلام الله للبشر إما أن يكون بإلهام يلهمهم أو بكلام من وراء حجاب كما كلم موسى أو برسالة ملك إليهم فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء الله .
{إنه علي} عن الإدراك بالأبصار {حكيم} في جميع أفعاله {وكذلك أوحينا إليك} وأي مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك {روحا من أمرنا} يعني الوحي بأمرنا ومعناه القرآن لأنه يهتدي به ففيه حياة من موت الكفر عن قتادة والجبائي وغيرهما وقيل هو روح القدس عن السدي وقيل هو ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قالا ولم يصعد إلى السماء وأنه لفينا .
{ما كنت تدري} يا محمد قبل الوحي {ما الكتاب ولا الإيمان} أي ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الإيمان وقيل معناه ولا أهل الإيمان أي من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن وهذا من باب حذف المضاف {ولكن جعلناه نورا} أي جعلنا الروح الذي هو القرآن نورا لأن فيه معالم الدين عن السدي .
وقيل جعلنا الإيمان نورا لأنه طريق النجاة عن ابن عباس {نهدي به من نشاء من عبادنا} أي نرشده إلى الجنة {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} أي ترشد وتدعو إلى طريق مفض إلى الحق وهو الإيمان ثم فسر ذلك الصراط بقوله {صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا وخلقا {ألا إلى الله تصير الأمور} أي إليه ترجع الأمور والتدبير يوم القيامة فلا يملك ذلك غيره .
________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص63-65 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَومِنْ وَراءِ حِجابٍ أَو يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} . يطلق كلام اللَّه سبحانه على العديد من المعاني ، منها قضاؤه وقدره : ولَولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ . . والخلق والإيجاد : وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ . والحق : وكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا . .
والكون الذي أوجده بكلمة {كن} . والإلهام : {أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً} كما يأتي . . ومن كلام اللَّه الكلام المسموع : يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ .
وهذا الكلام هو الذي يسمعه النبي من وراء حجاب أو يرسل اللَّه به إلى النبي رسولا .
وقد ذكر سبحانه في الآية التي نحن بصددها - ثلاثة أوجه لتكليمه الرسل ، وكيفية اتصاله بهم : الأول إلقاء المعنى في قلب النبي مباشرة ومن غير واسطة ، وهذا هو المراد بقوله : {إلا وحيا} . الثاني أن يخلق اللَّه الكلام كما يخلق غيره من الكائنات ، فيسمعه النبي لا بواسطة رسول من اللَّه بل من وراء حجاب أي ان النبي يسمع الكلام ولا يرى المتكلم ، وهذا هو المقصود من قوله تعالى :
{وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً} [النساء - 164] . الثالث أن يرسل سبحانه إلى رسوله ملكا يبلغه رسالات ربه . قال الملأ صدرا في الأسفار : (إياك أن تظن ان تلقّي النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كلام اللَّه بواسطة جبريل وسماعه منه كاستماعك من النبي ، أو تقول ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان مقلدا لجبريل) .
وليس من شك انه لا يظن هذا الظن أو يقول هذا القول إلا جاهل . . لأن ما بلَّغه جبريل لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) هو كلام اللَّه بالذات ، ووعاه الرسول الأعظم على حقيقته ، وعليه تكون معرفة الرسول بكلامه تعالى هي عين كلام اللَّه ، وكلام اللَّه هو عين معرفة الرسول .
{وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} . المراد بالروح هنا القرآن لأنه حياة للأرواح والأبدان أيضا ، قال الإمام علي (عليه السلام) : كتاب اللَّه تبصرون به ، وتنطقون به ، وتسمعون به {ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الإِيمانُ} . المراد بالكتاب القرآن ، وبالإيمان شريعة اللَّه التي بينها سبحانه لنبيه الكريم بعد أن اختاره سبحانه لرسالته ، وقد اختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال أنهاها الرازي إلى خمسة وأرجحها - فيما نرى - قول الشيخ إسماعيل حقي في تفسير روح البيان ، وهذا نصه (المراد بالايمان تفاصيل ما جاء في القرآن التي لا تهتدي إليها العقول ، لا الايمان بما يستقل به العقل والنظر ، لأن دراية النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لا ريب فيها ، وقد أجمع أهل الوصول - إلى معرفة اللَّه وأنبيائه - على أن الرسل كانوا مؤمنين قبل الوحي معصومين من الكبائر والصغائر الموجبة لنفرة الإنسان عنهم قبل البعثة وبعدها فضلا عن الكفر) .
{ولكِنْ جَعَلْناهُ} - أي القرآن - {نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا} وهم الذين طلبوا الهداية بتجرد واخلاص والحق لوجه الحق ، أما من عاند وتمرد فيدعه اللَّه وشأنه : {إِنَّ اللَّهً لا يَهْدِي مَنْ هُو كاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر - 3] . {وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ} . النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يدعوإلى الإسلام دين اللَّه وصراطه القويم ، ومن سلك هذا الصراط فقد سلك الطريق الواضح إلى اللَّه ، وأمن جميع العواقب {الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} .
ان دعوة رسول اللَّه هي السبيل إلى مالك الكون وجامع الخلق في يوم لا ريب فيه ، فمن استمع لدعوة رسوله وأجاب فهو غدا مع الصدّيقين والنبيين وحسن أولئك رفيقا ، ومن نكص عنها ونأى فهو في نار جهنم ضجيع حجر وقرين شيطان .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص534-535 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
تتضمن الآيات آخر ما يفيده سبحانه في تعريف الوحي في هذه السورة وهو تقسيمه إلى ثلاثة أقسام : وحيا أومن وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ثم يذكر أنه يوحي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يوحي ، على هذه الوتيرة وأن ما أوحي إليه منه تعالى لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم ذلك من نفسه بل هو نور يهدي به الله من يشاء من عباده ويهدي به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإذنه .
قوله تعالى : {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أومن وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} إلخ ، قد تقدم البحث عن معنى كلامه تعالى في الجزء الثاني من الكتاب ، وإطلاق الكلام على كلامه تعالى والتكليم على فعله الخاص سواء كان إطلاقا حقيقيا أو مجازيا واقع في كلامه تعالى قال : { يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف : 144] وقال : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء : 164] ، ومن مصاديق كلامه ما يتلقاه الأنبياء (عليهم السلام) منه تعالى بالوحي .
وعلى هذا لا موجب لعد الاستثناء في قوله : {إلا وحيا} منقطعا بل الوحي والقسمان المذكوران بعده من تكليمه تعالى للبشر سواء كان إطلاق التكليم عليها إطلاقا حقيقيا أو مجازيا فكل واحد من الوحي وما كان من وراء حجاب وما كان بإرسال رسول نوع من تكليمه للبشر .
فقوله : {وحيا} - والوحي الإشارة السريعة على ما ذكره الراغب - مفعول مطلق نوعي وكذا المعطوفان عليه في معنى المصدر النوعي ، والمعنى : ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعا من أنواع التكليم إلا هذه الأنواع الثلاثة أن يوحي وحيا أو يكون من وراء حجاب أو أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء .
ثم إن ظاهر الترديد في الآية بأو هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام وقد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب ، والرسول الذي يوحي إلى النبي ولم يقيد القسم الأول بشيء فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينة تعالى وبين النبي أصلا ، وأما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد وهو الحجاب أو الرسول الموحي وكل منهما واسطة غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبي بنفسه والحجاب واسطة ليس بموح وإنما الوحي من ورائه .
فتحصل أن القسم الثالث {أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} وحي بتوسط الرسول الذي هو ملك الوحي فيوحي ذلك الملك بإذن الله ما يشاء الله سبحانه قال تعالى : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء : 193] ، وقال : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } [البقرة : 97] ، والموحي مع ذلك هو الله سبحانه كما قال : {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ } [يوسف : 3] .
وأما قول بعضهم : إن المراد بالرسول في قوله : {أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} هو النبي يبلغ الناس الوحي فلا يلائمه قوله : {يوحي} إذ لا يطلق الوحي على تبليغ النبي .
وإن القسم الثاني {أومن وراء حجاب} وحي مع واسطة هو الحجاب غير أن الواسطة لا يوحي كما في القسم الثالث وإنما يبتدىء الوحي مما وراءه لمكان من ، وليس وراء بمعنى خلف وإنما هو الخارج عن الشيء المحيط به ، قال تعالى : {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ } [البروج : 20] ، وهذا كتكليم موسى (عليه السلام) في الطور ، قال تعالى : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ } [القصص : 30] ، ومن هذا الباب ما أوحي إلى الأنبياء في مناماتهم .
وإن القسم الأول تكليم إلهي للنبي من غير واسطة بينة وبين ربه من رسول أو أي حجاب مفروض .
ولما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق وبهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه كما قال : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء : 163] .
وقال : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل : 43] .
هذا ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة ، وللمفسرين فيها أبحاث طويلة الذيل ومشاجرات أضربنا عن الاشتغال بها من أرادها فليراجع المفصلات .
وقوله : {إنه علي حكيم} تعليل لمضمون الآية فهو تعالى لعلوه عن الخلق والنظام الحاكم فيهم يجل أن يكلمهم كما يكلم بعضهم بعضا ، ولعلوه وحكمته يكلمهم بما اختار من الوحي وذلك أن هداية كل نوع إلى سعادته من شأنه تعالى كما قال : {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 50] ، وقال : {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } [النحل : 9] ، وسعادة الإنسان الذي يسلك سبيل سعادته بالشعور والعلم في إعلام سعادته والدلالة إلى سنة الحياة التي تنتهي إليها ولا يكفي في ذلك العقل الذي من شأنه الإخطاء والإصابة فاختار سبحانه لذلك طريق الوحي الذي لا يخطىء البتة ، وقد فصلنا القول في هذه الحجة في موارد من هذا الكتاب .
قوله تعالى : {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} إلخ ، ظاهر السياق كون {كذلك} إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من الوحي بأقسامه الثلاث ، ويؤيده الروايات الكثيرة الدالة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كان يوحى إليه بتوسط جبريل وهو القسم الثالث كان يوحى إليه في المنام وهومن القسم الثاني ويوحى إليه من دون توسط واسطة وهو القسم الأول .
وقيل : الإشارة إلى مطلق الوحي النازل على الأنبياء وهذا متعين على تقدير كون المراد بالروح هو جبريل أو الروح الأمري كما سيأتي .
والمراد بإيحاء الروح - على ما قيل - إيحاء القرآن وأيد بقوله : {ولكن جعلناه نورا} إلخ ، ومن هنا قيل : إن المراد بالروح القرآن .
لكن يبقى عليه أولا : أنه لا ريب أن الكلام مسوق لبيان أن ما عندك من المعارف والشرائع التي تتلبس بها وتدعو الناس إليها ليس مما أدركته بنفسك وأبديته بعلمك بل أمر من عندنا منزل إليك بوحينا ، وعلى هذا فلوكان المراد بالروح الموحي القرآن كان من الواجب الاقتصار على الكتاب في قوله : {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} لأن المراد بالكتاب القرآن فيكون الإيمان زائدا مستغنى عنه .
وثانيا : أن القرآن وإن أمكن أن يسمى روحا باعتبار إحيائه القلوب بهداه كما قال تعالى : { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال : 24] ، وقال : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام : 122] ، لكن لا وجه لتقيده حينئذ بقوله : {من أمرنا} والظاهر من كلامه تعالى أن الروح من أمره خلق من العالم العلوي يصاحب الملائكة في نزولهم ، قال تعالى : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر : 4] ، وقال : {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ : 38] ، وقال : {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء : 85] ، وقال : {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة : 87] ، وقد سمي جبريل الروح الأمين وروح القدس حيث قال : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } [الشعراء : 193] ، وقال : {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل : 102] .
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن مقتضى المقام وإن كان هو الاقتصار على ذكر الكتاب فقط لكن لما كان إيمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتفاصيل ما في الكتاب من المعارف والشرائع من لوازم نزول الكتاب غير المنفكة عنه وآثاره الحسنة صح أن يذكر مع الكتاب فالمعنى : وكذلك أوحينا إليك كتابا ما كنت تدري ما الكتاب ولا ما تجده في نفسك من أثره الحسن الجميل وهو إيمانك به .
وعن الثاني أن المعهود من كلامه في معنى الروح وإن كان ذلك لكن حمل الروح في الآية على ذلك المعنى وإرادة الروح الأمري أو جبريل منه يوجب أخذ {أوحينا} بمعنى أرسلنا إذ لا يقال : أوحينا الروح الأمري أو الملك فلا مفر من كون الإيحاء بمعنى الإرسال وهوكما ترى فأخذ الروح بمعنى القرآن أهون من أخذ الإيحاء بمعنى الإرسال والجوابان لا يخلوان عن شيء .
وقيل : المراد بالروح جبريل فإن الله سماه في كتابه روحا قال : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء : 193 ، 194] وقال : {قل نزله روح القدس من ربك} .
وقيل : المراد بالروح الروح الأمري الذي ينزل مع ملائكة الوحي على الأنبياء كما قال تعالى : { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا } [النحل : 2] ، فالمراد بإيحائه إليه إنزاله عليه .
ويمكن أن يوجه التعبير عن الإنزال بالإيحاء بأن أمره تعالى على ما يعرفه في قوله : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} [يس : 82] ، هو كلمته ، والروح من أمره كما قال : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء : 85] ، فهو كلمته ، وهو يصدق ذلك قوله في عيسى بن مريم (عليهما السلام) : {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ } [النساء : 171] ، وإنزال الكلمة تكليم فلا ضير في التعبير عن إنزال الروح بإيحائه ، والأنبياء مؤيدون بالروح في أعمالهم كما أنهم يوحى إليهم الشرائع به قال تعالى : {وأيدناه بروح القدس} وقد تقدمت الإشارة إليه في تفسير قوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ } [الأنبياء : 73] .
ويمكن رفع إشكال كون الإيحاء بمعنى الإنزال والإرسال بالقول بكون قوله : {روحا} منصوبا بنزع الخافض ورجوع ضمير {جعلناه} إلى القرآن المعلوم من السياق أو الكتاب والمعنى وكذلك أوحينا إليك القرآن بروح منا ما كنت تدري ما الكتاب وما الإيمان ولكن جعلنا القرآن أو الكتاب نورا إلخ ، هذا وما أذكر أحدا من المفسرين قال به .
وقوله : {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} قد تقدم أن الآية مسوقة لبيان أن ما عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يدعو إليه إنما هومن عند الله سبحانه لا من قبل نفسه وإنما أوتي ما أوتي من ذلك بالوحي بعد النبوة فالمراد بعدم درايته بالكتاب عدم علمه بما فيه من تفاصيل المعارف الاعتقادية والشرائع العملية فإن ذلك هو الذي أوتي العلم به بعد النبوة والوحي ، وبعدم درايته بالإيمان عدم تلبسه بالالتزام التفصيلي بالعقائد الحقة والأعمال الصالحة وقد سمي العمل إيمانا في قوله : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة : 143] .
فالمعنى : ما كان عندك قبل وحي الروح الكتاب بما فيه من المعارف والشرائع ولا كنت متلبسا بما أنت متلبس به بعد الوحي من الالتزام الاعتقادي والعملي بمضامينه وهذا لا ينافي كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمنا بالله موحدا قبل البعثة صالحا في عمله فإن الذي تنفيه الآية هو العلم بتفاصيل ما في الكتاب والالتزام بها اعتقادا وعملا ونفي العلم والالتزام التفصيليين لا يلازم نفي العلم والالتزام الإجماليين بالإيمان بالله والخضوع للحق .
وبذلك يندفع ما استدل بعضهم بالآية على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان غير متلبس بالإيمان قبل بعثته .
ويندفع أيضا ما عن بعضهم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل كاملا في نفسه علما وعملا وهو ينافي ظاهر الآية أنه ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان .
ووجه الاندفاع أن من الضروري وجود فرق في حاله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل النبوة وبعدها والآية تشير إلى هذا الفرق ، وأن ما حصل له بعد النبوة لا صنع له فيه وإنما هومن الله من طريق الوحي .
وقوله : {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} ضمير {جعلناه} للروح والمراد بقوله : {من نشاء} على تقدير أن يراد بالروح القرآن هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آمن به فإنهم جميعا مهتدون بالقرآن .
وعلى تقدير أن يراد به الروح الأمري فالمراد بمن نشاء جميع الأنبياء ومن آمن بهم من أممهم فإنه يهدي بالوحي الذي نزل به ، الأنبياء والمؤمنين من أممهم ويسدد الأنبياء خاصة ويهديهم إلى الأعمال الصالحة ويشير عليهم بها .
وعلى هذا تكون الآية في مقام تصديق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تصدقه في دعواه أن كتابه من عند الله بوحي منه ، وتصدقه في دعواه أنه مؤمن بما يدعو إليه فيكون في معنى قوله تعالى : {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } [يس : 3 - 5] .
وقوله : {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} إشارة إلى أن الذي يهدي إليه صراط مستقيم وأن الذي يهديه من الناس هو الذي يهديه الله سبحانه ، فهدايته (صلى الله عليه وآله وسلم) هداية الله .
قوله تعالى : {صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} إلخ ، بيان للصراط المستقيم الذي يهدي إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتوصيفه تعالى بقوله : {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} للدلالة على الحجة على استقامة صراطه فإنه تعالى لما ملك كل شيء ملك الغاية التي تسير إليها الأشياء والسعادة التي تتوجه إليها ، فكانت الغاية والسعادة هي التي عينها ، وكان الطريق إليها والسبيل الذي عليهم أن يسلكوه لنيل سعادتهم هو الذي شرعه وبينه ، وليس يملك أحد شيئا حتى ينصب له غاية ونهاية أو يشرع له إليها سبيلا ، فالسعادة التي يدعو سبحانه إليها حق السعادة والطريق الذي يدعو إليه حق الطريق ومستقيم الصراط .
وقوله : {ألا إلى الله تصير الأمور} تنبيه على لازم ملكه لما في السماوات وما في الأرض فإن لازمه رجوع أمورهم إليه ولازمه كون السبيل الذي يسلكونه - وهومن جملة أمورهم - راجعا إليه فالصراط المستقيم هو صراطه فالمضارع أعني قوله : {تصير} للاستمرار .
وفيه إشعار بلم الوحي والتكليم الإلهي ، إذ لما كان مصير الأشياء إليه تعالى كان لكل نوع إليه تعالى سبيل يسلكه وكان عليه تعالى أن يهديه إليه ويسوقه إلى غايته كما قال : {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل : 9] ، وهو تكليم كل نوع بما يناسب ذاته وهو في الإنسان التكليم المسمى بالوحي والإرسال .
وقيل : المضارع للاستقبال والمراد مصيرها جميعا إليه يوم القيامة ، وقد سيقت الجملة لوعد المهتدين إلى الصراط المستقيم ووعيد الضالين عنه ، وأول الوجهين أظهر .
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص60-65 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
طرق ارتباط الانبياء بالخالق :
هذه السورة ، كما قلنا في بدايتها ، تهتم بشكل خاص بقضية الوحي والنبوّة ، فهي تبدأ بالوحي وتنتهي به ، لأن الآيات الأخيرة تتحدث عن هذا الموضوع (أي الوحي) .
وبما أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن النعم الإلهية ، لذا فإنّ هذه الآيات تتحدث عن أهم نعمة إلهية وأكثرها فائدة لعالم البشرية ، ألا وهي قضية الوحي والإرتباط بين الأنبياء والخالق .
في البداية تقول الآية : {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحياً} لأنّ الخالق منزه عن الجسم والجسمانية .
{أومن وراء حجاب} كما كان يفعل موسى حيث أنّه كان يتحدث في جبل الطور ، وكان يسمع الجواب عن طريق الأمواج الصوتية التي كان يحدثها الخالق في الفضاء ، دون أن يرى أحداً ، لأنّه لا يمكن مشاهدة الخالق بالعين المجرّدة .
{أو يرسل رسولا} كما كان يقوم به جبرائيل الأمين وينزل على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) {فيوحي بإذنه ما يشاء} .
نعم ، فلا يوجد طريق آخر سوى هذه الطرق الثلاثة لتحدث الخالق مع عبادة لـ {إنّه علي حكيم} .
فهو أعلى وأجل من أن يرى أو يتكلم عن طريق اللسان ، وكل أفعاله حكيمة ، ويتمّ ارتباطه بالأنبياء وفق برنامج .
هذه الآية تعتبر ـ في الحقيقة ـ رداً على الذين يتصورون ـ بجهالة ـ أن الوحي يعني مشاهدة الأنبياء للخالق وهم يتكلمون معه ، حيث أن الآية تعكس بشكل دقيق ومختصر حقيقة الوحي والروح .
ومن مجمل الآية نستفيد أن الإرتباط بين الأنبياء والخالق يتمّ عبر ثلاثة طرق هي :
1 ـ الإيحاء ، حيث كان كذلك بالنسبة للعديد من الأنبياء مثل نوح ، حيث تقول الآية : {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } [المؤمنون : 27] .
2 ـ (من وراء حجاب) كما كان الخالق يتكلم مع موسى في جبل طور ، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء : 164] .
وقد اعتبر البعض أيضاً أن (من وراء حجاب) تشمل الرؤيا الصادقة والحقيقية .
3 ـ إرسال الرّسول ، كما في الوحي الى الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فالآية تقول : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة : 97] .
ولم يقتصر الوحي على هذا الطريق بالنسبة للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بل كان يتمّ بطرق اُخرى أيضاً .
ومن الضروري أن نشير إلى أن الوحي قد يتمّ أحياناً في اليقظة ، كما أشير إلى ذلك أعلاه ، وأحياناً في المنام عن طريق الرؤيا الصادقة ، كما جاء بشأن إبراهيم وأمره بذبح ابنه إسماعيل(عليهما السلام)
[بالرغم من اعتبار بعضهم أن ذلك مصداق لـ(من وراء حجاب)] .
وبالرغم من أن الطرق الثلاثة التي ذكرتها الآية تعتبر الطرق الرئيسية للوحي ، إلاّ أن بعضاً من هذه الطرق لها فروع بحد ذاتها ، فالبعض يعتقد أن الملائكة تقوم بإنزال الوحي عبر أربعة طرق :
1 ـ يقوم الملك بالقاء الوحي إلى روح النّبي وقلبه دون أن يتجسد أمامه أيّ النفث في الروع كما نقرأ ذلك في حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول : «إن روح القدس نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب» .
2 ـ يتقمص الملك أحياناً شكل الإنسان ويتحدث مع النّبي (حيث تذكر الأحاديث أن جبرئيل ظهر بصورة دحية الكلبي)(2) .
3 ـ وأحياناً يكون على شكل رنين الجرس الذي يدوي صوته في الآذان ، وكان هذا أصعب أنواع الوحي بالنسبة للرسول حيث كان يتصبب عرقاً حتى في الأيّام الباردة ، وإذا كان راكباً على دابة فإنّها كانت تقف وتجثوعلى الأرض .
4 ـ كما كان يظهر جبرئيل أحياناً بصورته الأصلية التي خلقه الله عليها ، وهذا ما حدث مرتين فقط طوال حياة رسول(صلى الله عليه وآله وسلم)
[كما سيأتي تفصيل ذلك في سورة النجم ـ الآية 12] (3) .
وقوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى : 52 ، 53]
القرآن روح من الخالق :
بعد البحث العام الذي ورد في الآية السابقة بخصوص الوحي ، تتحدث الآيات التي نبحثها عن نزول الوحي على شخص الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول : {وكذلك أوحينا أليك روحاً من أمرنا} .
قد تكون عبارة (كذلك) إشارة إلى الأنواع ثلاثة للوحي الواردة في الآية السابقة ، والتي تحققت جميعها بالنسبة للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأحياناً كان يرتبط بذات الخالق المنزهة والمطهرة بشكل مباشر ، وأحياناً عن طريق ملك الوحي ، وأحياناً عن طريق سماع لحن خاص يشبه الأمواج الصوتية ، كما أشارت الرّوايات الإسلامية إلى جميع ذلك ، وبيّنا شرح ذلك في نهاية الآية السابقة .
وهناك قولان للمفسرين بخصوص المقصود من كلمة (روح) في هذه الآية :
الأوّل : إن المقصود هو القرآن الكريم ، لأنّه أساس حياة القلوب وحياة جميع الأحياء ، وقد اختار هذا القول أكثر المفسّرين (4) .
ويقول الراغب في مفرادته : سمي القرآن روحاً في قوله : {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} وذلك لكون القرآن سبب للحياة الأخروية .
وهذا المعنى يتلاءم بشكل كامل مع القرائن المختلفة الموجودة في الآية مثل عبارة (كذلك) التي تشير إلى قضية الوحي ، وعبارة (أوحينا) وعبارات اُخرى بخصوص القرآن وردت في نهاية هذه الآية .
وبالرغم من أن (روح) وردت غالباً بمعاني اُخرى سائر آيات القرآن ، إلاّ أنّه ـ وفقاً للقرائن أعلاه ـ يظهر أنّها وردت هنا بمعنى القرآن .
وقد قلنا أيضاً في تفسير الآية 2 من سورة النحل : (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) أن كلمة (روح) في هذه الآية ـ وفقاً للقرائن ـ وردت بمعنى (القرآن والوحي والنبوة) وفي الحقيقة فإن هاتين الآيتين تفسر إحداهما الأُخرى .
فكيف يمكن للقرآن أن لا يكون روحاً في حين أنّنا نقرأ في الآية (24) من سورة الأنفال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال : 24] .
التّفسير الثّاني : أنّ المقصود هو(روح القدس) (أو ملك أفضل حتى من جبرائيل وميكائيل وكان يلازم النّبي دائماً) .
ووفقاً لهذا التّفسير فإن (أوحينا) تكون بمعنى (أنزلنا) يعني أنزلنا روح القدس عليك ، أو ذلك الملك العظيم (بالرغم من أنّنا لم نر كلمة (أوحينا) لهذا المعنى في الآيات القرآنية الأُخرى) . ويؤيد ذلك بعض الروايات المذكورة في مصادر الحديث المعروفة ، ولكن ـ كما قلنا ـ فإن التّفسير الأوّل ملاءمة مع الآية لوجود القرائن المتعددة ، لذا يمكن أن تكون مثل هذه الرّوايات التي تفسر الروح بمعنى روح القدس أو الملك المقرب من الخالق ، إشارت إلى المعنى الباطني للآية .
على أية حال ، فإن الآية تضيف : {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا} .
فهذا هو اللطف الإلهي الذي شملك أنزل عليك هذا الوحي السماوي وآمنت بكل ما يحتويه .
فالإرادة الإلهية كانت تقتضي أن يهدي عباده الآخرين في ظل هذا النور السماوي ، وأن يشمل الشرق والغرب ـ بل وجميع القرون والأعصار حتى النهاية ـ إضافة إلى هدايتك أنت إلى هذا الكتاب السماوي الكبير وتعليماته .
بعض المنحرفين فكرياً كانوا يتصورون أن هذه الجملة تبيّن أن الرّسول لم يكن يؤمن بالله قبل نبوته ، في حين أن معنى الآية واضح ، حيث أنّها تقول : إنّك لم تكن تعرف القرآن قبل نزوله ولم تكن تعرف تعليماته وتؤمن به وهذا لا يتعارض أبداً مع اعتقاد الرّسول التوحيدي ومعرفته العالية بأصول العبادة لله وعبوديته له .
والخلاصة ، إن عدم معرفة محتوى القرآن يختلف عن موضوع عدم معرفة الله .
فحياة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مرحلة النبوة والواردة في كتب التاريخ ، تعتبر دليلا حياً على هذا المعنى . والأوضح من ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة : «وقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره» (5) .
وتضيف الآية في نهايتها : {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم} .
فالقرآن نور للجميع وليس لك فحسب ، وهو وسيلة لهداية البشر إلى الصراط المستقيم ، وموهبة إلهية عظيمة بالنسبة للسائرين على طريق الحق ، وهو ماء الحياة بالنسبة للعطاشى كي ينتهلوا منه .
وقد ورد نفس هذا المعنى بعبارة اُخرى في الآية (44) من سورة فصلت حيث تقول الآية : {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} [فصلت : 44] .
ثم تقول الآية مفسرة للصراط المستقيم : {صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض} .
وهل هناك طريق أكثر استقامة من الطريق الذي ينتهي بخالق عالم الوجود؟
وهل هناك أحسن من هذا الطريق ؟
فالسعادة الحقيقية هي السعادة التي يدعو إليها الخالق ، والوصول إليها يجب أن يكون عبر الطريق الوحيد الذي انتخبه الباريء لها .
أمّا آخر جملة في هذه الآية ـ وهي آخر آية في سورة الشورى ـ فهي في الحقيقة دليل على أن الطريق المستقيم هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى الخالق ، حيث تقول : {ألا إلى الله تصير الأمور} .
فبما أنّه يملك عالم الوجود ويحكمه ويدبره لوحده ، وبما أن برامج تكامل الإنسان يجب أن تكون تحت إشراف هذا المدبّر العظيم ، لذا فإن الطريق المستقيم هو الطريق الوحيد الذي يوصل إليه ، والطرق الأُخرى منحرفة وتؤدي إلى الباطل ، وهل هناك حق في هذا العالم غير ذاته المقدسة ؟!
هذه الجملة بُشرى للمتقين ، وهي في نفس الوقت تهديد للظالمين والمذنبين ، لأن الجميع سوف يرجعون إلى الخالق .
وهي دليل على أن الوحي يجب أن يكون من الخالق فقط ، لأن جميع الأُمور ترجع إليه وتدبير كلّ شيء بيده ، ولهذا السبب وجب أن يكون الباري تعالي هو مصدر الوحي بالنسبة للأنبياء حتى تتمّ الهداية الحقيقية .
وهكذا نرى أن بداية ونهاية هذه الآيات منسجمة فيما بينها ومترابطة ، ونهاية السورة ـ أيضاً ـ يتلاءم مع بديتها والموضوع العام الساري عليها .
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص323-338 .
2 ـ «دحية بن خليفة الكلبي» هو أخو الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرضاعة ، وكان من أجمل الناس في ذلك الزمان ، حيث كان جبرئيل يظهر على صورته عند مجيئه للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
[مجمع البحرين ـ كلمة دحى] ، وكان من أشهر صحابة الرّسول ومعروفاً بالوجه الحسن ، وقد أرسله النّبي الأكرم إلى قيصر الروم (هرقل) حاملاً رسالة منه في العام السادس أو السابع للهجرة ، وبقي حياً إلى أيّام خلافة معاوية .
3 ـ في ظلال القرآن ، المجلد السابع ، ص 306 .
4 ـ الطبرسي في مجمع البيان ، الشيخ الطوسي في التبيان ، الفخر الرازي في التّفسير الكبير المراغي في تفسير المراغي وجماعة آخرون .
5 ـ نهج البلاغة ـ الخطبة 192 (الخطبة القاصعة) .