تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (9-14) من سورة الشورى
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
26-8-2020
3349
قال تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُو الْوَلِيُّ وَهُو يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } [الشورى : 9 ، 14]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{أم اتخذوا من دونه أولياء} أي بل اتخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام والأوثان يوالونهم {فالله هو الولي} معناه أن المستحق للولاية في الحقيقة هو الله تعالى دون غيره لأنه المالك للنفع والضر {وهو يحيي الموتى} أي يبعثهم للجزاء {وهو على كل شيء قدير} من الإحياء والإماتة وغير ذلك .
{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} معناه أن الذي تختلفون فيه من أمور دينكم ودنياكم وتتنازعون فيه فحكمه إلى الله فإنه الفاصل بين المحق والمبطل فيه فيحكم للمحق بالثواب والمدح وللمبطل بالعقاب والذم وقيل معناه فبيان الصواب إلى الله بنصب الأدلة وقيل فحكمه إلى الله يوم القيامة فيجازي كل أحد بما يستحقه {ذلكم الله} الذي يحكم بين المختلفين {ربي} أي هو ربي {عليه توكلت} في مهماتي {وإليه أنيب} أي إليه أرجع في جميع أموري .
ثم وصف سبحانه نفسه بما يوجب أن لا يعبد غيره فقال : {فاطر السماوات والأرض} أي خالقهما ومبدعهما ابتداء {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} أي أشكالا مع كل ذكر أنثى يسكن إليها ويألفها {ومن الأنعام أزواجا} أي ذكورا وإناثا لتكمل منافعكم بها كما قال ثمانية أزواج من الضأن اثنين إلى آخره {يذرؤكم فيه} أي يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج فالهاء في فيه يعود إلى الجعل المراد بقوله {جعل لكم} وقيل معناه يذرؤكم في التزاوج لتكثروا به لدلالة الكلام عليه وهو ذكر الأزواج ومثله قول ذي الرمة :
ومية أحسن الثقلين جيدا *** وسالفة وأحسنه قذالا (2)
أي وأحسن من ذكر يعني الثقلين وقال الزجاج والفراء معناه يذرؤكم به أي يكثركم بأن جعل من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا وأنشد الأزهري في ذلك :
وأرغب فيها عن لقيط وأهله *** ولكنني عن سنبس لست أرغب
أي : أرغب بها عن لقيط {ليس كمثله شيء} أي ليس مثله شيء والكاف زائدة مؤكدة لمعنى النفي قال أوس بن حجر :
وقتلي كمثل جذوع النخيل *** يغشاهم سبل منهمر (3)
وقال آخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم *** ما إن كمثلهم في الناس من أحد
وقيل معناه إنه لو قدر الله تعالى مثل لم يكن لذلك المثل مثل لما تقرر في العقول أن الله تعالى متفرد بصفات لا يشاركه فيها غيره فلوكان له مثل لتفرد بصفات لا يشاركه فيها غيره فكان هو الله وقد دل الدليل على أنه ليس مع الله إله آخر وقيل : فيه حذف مضاف ومثل بمعنى الصفة تقديره ليس كصاحب صفته شيء وصاحب صفته هو أي ليس كهو . شيء والوجه هو الأول .
{وهو السميع البصير} لما نفي أن يكون له نظير وشبيه على وجه من الوجوه بين أنه مع ذلك سميع بصير فإنما المدحة في أنه لا مثل له مع كونه سميعا بصيرا لجميع المسموعات والمبصرات {له مقاليد السماوات والأرض} أي مفاتيح أرزاق السماوات والأرض وأسبابها فتمطر السماء بأمره وتنبت الأرض بإذنه عن مجاهد وقيل معناه خزائن السماوات والأرض عن السدي {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي يوسع الرزق لمن يشاء ويضيق على من يشاء على ما يعلمه من المصالح للعباد {إنه بكل شيء عليم} فيفعل ذلك بحسب المصالح .
ثم خاطب سبحانه خلقه فقال {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} أي بين لكم ونهج وأوضح من الدين والتوحيد والبراءة من الشرك ما وصى به نوحا {والذي أوحينا إليك} أي وهو (4) الذي أوحينا إليك يا محمد {و} وهو{ما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} ثم بين ذلك بقوله {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} وإقامة الدين التمسك به والعمل بموجبه والدوام عليه والدعاء إليه ولا تتفرقوا أي ولا تختلفوا فيه وائتلفوا فيه واتفقوا وكونوا عباد الله إخوانا {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} من توحيد الله والإخلاص له ورفض الأوثان وترك دين الآباء لأنهم قالوا أ جعل الآلهة إلها واحدا ومعناه ثقل عليهم وعظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه وتخصيصك بالوحي والنبوة دونهم .
{الله يجتبي إليه من يشاء} أي ليس إليهم الاختيار لأن الله يصطفي لرسالته من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه بأعباء الرسالة وتحمله لها فاجتباك الله لها كما اجتبى من قبلك من الأنبياء وقيل معناه الله يصطفي من عباده لدينه من يشاء {ويهدي إليه من ينيب} أي ويرشد إلى دينه من يقبل إلى طاعته وهذا كقوله والذين اهتدوا زادهم هدى وقيل يهدي إلى جنته وثوابه من يرجع إليه بالنية والإخلاص .
ثم قال {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم} معناه وإن هؤلاء الكفار لم يختلفوا عليك إلا بعد أن أتاهم طريق العلم بصحة نبوتك فعدلوا عن النظر فيه {بغيا بينهم} أي فعلوا ذلك للظلم والحسد والعداوة والحرص على طلب الدنيا وقيل معناه وما تفرقوا عنه أي عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا بعد أن علموا أنه حق ولكنهم تفرقوا عنه حسدا له وخوفا أن تذهب رئاستهم {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم} معناه ولولا وعد الله تعالى وإخباره بتبقيتهم إلى وقت معلوم وتأخر العذاب عنهم في الحال لفصل بينهم الحكم وأنزل عليهم العذاب الذي استحقوه عاجلا وقيل معناه ولولا وعد الله بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة وهو الأجل المسمى لقضي بينهم بإهلاك المبطل وإثابة المحق .
{وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب} معناه وإن اليهود والنصارى الذين أورثوا الكتاب من بعد قوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومن بعد أحبارهم لفي شك من القرآن أومن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) مؤد إلى الريبة عن السدي بين بذلك أن أحبارهم أنكروا الحق عن معرفته وإن عوامهم كانوا شاكين فيه يدل عليه قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه وقيل معناه وإن الذين أورثوا الكتاب أي القرآن وهم العرب من بعدهم أي من بعد اليهود والنصارى لفي شك منه بليغ ولو استقصوا في النظر أدى بهم إلى اليقين والرشد .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج39-42 .
2- مية معشوقته . السالفة : صفحة العنق . وقيل : ناحية مقدمها من لدن معلق القرط الى فقرة الترقوة . والقذال : جماع مؤخر الرأس . وقيل : ما بين نقرة القفا الى الاذن .
3- السبل : المطر النازل من السحاب قبل ان يصل الى الارض .
4- لا يخفى ان قوله تعالى : الذي . . وما وصينا مفعول لشرع كما في سائر التفاسير ، وهو رحمة الله تبع (التبيان) وأرجع ضمير هو الى ((المشروع)) المستفاد من ذيل الآية {ان يقيموا} . ولا يخفى فيه .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُو الْوَلِيُّ وهُو يُحْيِ الْمَوْتى وهُو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . بعد أن قال سبحانه في الآية 6 : {والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} أعاد هنا هذا القول وزاد عليه بأنه تعالى وحده الناصر والمعين والمحيي والمميت والقادر على كل شيء ، أعاد مع هذه الزيادة بقصد الاستنكار على من اتخذ من دونه أولياء مع أن غير اللَّه لا يحيي ولا يميت ولا ينصر ويعين لأنه لا يقدر على شيء .
{ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ} . هذا حكاية لكلام الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) يخاطب به جميع الناس ، ويقول لهم ، ان كل شيء يختلف الناس في أنه حق أو باطل فالمرجع فيه إلى القرآن ، فقوله الفصل ، وحكمه العدل ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء - 59] ج 2 ص 362 .
{فاطِرُ السَّماواتِ والأَرْضِ} خالقهما ومدبرهما ، ولا فرق عند اللَّه بين خلق السماوات والأرض وبين خلق النملة ، فقد أحكم خلق هذه تماما كما أحكم خلق الكون {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} لتسكنوا إليها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ - 21 الروم . {ومِنَ الأَنْعامِ أَزْواجاً} ذكورا وإناثا ( يذرؤكم فيه ) أي في هذا الجعل ، ويذرؤكم هنا تتضمن معنى التكثير ، أي ان اللَّه جعل الناس ذكورا وإناثا وكذلك الأنعام ليتكاثر الناس والأنعام ، وهذا التكاثر نعمة من اللَّه تعالى .
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لا في ذاته ، ولا في صفاته لأنه فوق كل شيء وخالق كل شيء ، لا إله إلا اللَّه الواحد القهار {وهُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} يسمع الأقوال ، ويبصر النوايا والأفعال {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . أرزاق السماوات والأرض بيد اللَّه يبسطها لهذا ، ويقبضها عن ذاك ، وهو عليم بما تستدعيه الحكمة ، وليس من شك ان البلغة من المال مع الصحة والأمان والدين والصلاح خير الف مرة من الكثرة مع الخوف والسقم والكفر والفساد . وتكلمنا عن الرزق بعنوان (الرزق وفساد الأوضاع) عند تفسير الآية 66 من سورة المائدة ج 3 ص 94 ، وبعنوان (هل الرزق صدفة أو قدر) عند تفسير الآية 100 ص 131 من نفس السورة والمجلد ، وبعنوان (الإنسان والرزق) عند تفسير الآية 26 من سورة الرعد ج 4 ص 401 .
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} . أرسل سبحانه جميع الأنبياء بكلمة التوحيد والايمان باليوم الآخر ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وتحريم الظلم والغش والزنا والكذب ، والأمهات والبنات والأخوات ، وما إلى ذلك من أصول الدين والشريعة دون فروعها التي تختلف وتتفاوت بحسب الظروف والمصالح ، وأشار سبحانه إلى ذلك بقوله : لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً - 48 المائدة ج 3 ص 68 ، وانما خص سبحانه بالذكر نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد لأنهم من أولي العزم ، وإلا فإن هذا الموصى به واحد إلى جميع الأنبياء .
وإذا كان الإله واحدا ، والدين واحدا ، والدعوة واحدة فلما ذا التناحر والعداء في الدين ؟ وما هو المبرر لتلك الحروب الدينية التي سجلها التاريخ بأحرف الخزي والعار ؟ وتكلمنا مفصلا عن دعوة الأنبياء وانهم على دين واحد بعنوان : (الدين عند اللَّه الإسلام) ج 2 ص 26 ، وتكلمنا عن الاختلاف بين أهل الأديان والمذاهب في المجلد المذكور ص 29 بعنوان : (تفترق أمتي 73 فرقة) وفي المجلد الأول ص 178 فقرة (احتكار الجنة) ، وص 181 فقرة (كل يعزز دينه) .
{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} يا محمد أولا لأنك لا تملك سلطانا ولا مالا . ثانيا انك تدعو إلى الحق ، ولا شيء أثقل منه على أهل الأهواء والباطل . ثالثا وصمت آباءهم بالجهل والضلال . {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ} .
وقد اختار محمدا لأنه أهل لرسالته ، وختم به جميع الرسل حيث لا يقاس به أحد من الأولين والآخرين {ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} . كل من يلجأ إلى اللَّه بصدق واخلاص يستجيب له ويهديه : {ومَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن -11] .
{وما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} . تقدم مثله في الآية 213 من سورة البقرة ج 1 ص 317 والآية 19 من سورة آل عمران ج 2 ص 28 {ولَولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} . تقدم في الآية 19 من سورة يونس ج 4 ص 144 والآية 110 من سورة هود ج 4 ص 272 والآية 129 من سورة طه ج 5 ص 253 والآية 45 من سورة فصلت .
{وإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} . المراد بالذين أورثوا الكتاب اليهود والنصارى ، وضمير من بعدهم يعود إلى الأنبياء أو إلى الأمم السابقة ، وضمير منه يعود إلى محمد المفهوم من قوله تعالى : {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ} والمعنى ان أهل الكتاب جحدوا ما جاء به محمد (صلى الله عليه واله وسلم) على الرغم من شواهد البينات على نبوته وصدق رسالته .
____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص513-515 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي - إلى قوله - فحكمه إلى الله} {أم} تفيد الإنكار كما ذكره الزمخشري .
لما أفاد في الآية السابقة أن الله سبحانه يتولى أمر المؤمنين خاصة فيدخلهم في رحمته وأن الظالمين هم الكافرون المعاندون لا ولي لهم تعرض في هذه الآية لاتخاذهم أولياء يدينون لهم ويعبدونهم من دونه وكان يجب أن يتخذوا الله وليا يدينون له ويعبدونه فأنكر عليهم ذلك واحتج على وجوب اتخاذه وليا بالحجة بعد الحجة وذلك قوله : {فالله هو الولي} إلخ .
فقوله : {فالله هو الولي} تعليل للإنكار السابق لاتخاذهم من دونه أولياء فيكون حجة لوجوب اتخاذه وليا ، والجملة - فالله هو الولي - تفيد حصر الولاية في الله وقد تبينت الحجة على أصل ولايته وانحصارها فيه من قوله في الآيات السابقة : {العزيز الحكيم له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم} كما أشرنا إليه في تفسير الآيات .
والمعنى : أنه تعالى ولي ينحصر فيه الولاية فمن الواجب على من يتخذ وليا أن يتخذه وليا ولا يتعداه إلى غيره إذ لا ولي غيره .
وقوله : {وهو يحيي الموتى} حجة ثانية على وجوب اتخاذه تعالى وحده وليا ، ومحصله أن عمدة الغرض في اتخاذ الولي والتدين له بعبوديته التخلص من عذاب السعير والفوز بالجنة يوم القيامة والمثيب والمعاقب يوم القيامة هو الله الذي يحيي الموتى فيجمعهم فيجازيهم بأعمالهم فهو الذي يجب أن يتخذ وليا دون أوليائهم الذين هم أموات غير أحياء ولا يشعرون أيان يبعثون .
وقوله : {وهو على كل شيء قدير} حجة ثالثة على وجوب اتخاذه تعالى وليا دون غيره ، ومحصله أن من الواجب في باب الولاية أن يكون للولي قدرة على ما يتولاه من شئون من يتولاه وأموره ، والله سبحانه على كل شيء قدير ولا قدرة لغيره إلا مقدار ما أقدره الله عليه وهو المالك لما ملكه والقادر على ما عليه أقدره فهو الولي لا ولي غيره تعالى وتقدس .
وقوله : {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} حجة رابعة على كونه تعالى وليا لا ولي غيره ، وحكم الحاكم بين المختلفين هو أحكامه وتثبيته الحق المضطرب بينهما بسبب تخالفهما بالإثبات والنفي ، والاختلاف ربما كان في عقيدة كالاختلاف في أن الإله واحد أو كثير ، وربما كان في عمل أو ما يرجع إليه كالاختلاف في أمور المعيشة وشئون الحياة فهو أعني الحكم يساوق القضاء مصداقا وإن اختلفا مفهوما .
ثم الحكم والقضاء إنما يتم إذا ملكه الحاكم بنوع من الملك والولاية وإن كان بتمليك المختلفين له ذلك كالمتنازعين إذا رجعا إلى ثالث فاتخذاه حكما ليحكم بينهما ويتسلما ما يحكم به فقد ملكاه الحكم بما يرى وأعطياه من نفسهما القبول والتسليم فهو وليهما في ذلك .
والله سبحانه هو المالك لكل شيء لا مالك سواه لكون كل شيء بوجوده وآثار وجوده قائما به تعالى فله الحكم والقضاء بالحق قال تعالى : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص : 88] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة : 1] وقال : {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } [البقرة : 147] .
وحكمه تعالى إما تكويني وهو تحقيقه وتثبيته المسببات قبال الأسباب المجتمعة عليها المتنازعة فيها بتقديم ما نسميه سببا تاما على غيره قال تعالى حاكيا عن يعقوب (عليه السلام) : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [يوسف : 67] وإما تشريعي كالتكاليف الموضوعة في الدين الإلهي الراجعة إلى الاعتقاد والعمل قال تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [يوسف : 40] .
وهناك قسم ثالث من الحكم يمكن أن يعد من كل من القسمين السابقين بوجه وهو حكمه تعالى يوم القيامة بين عباده فيما اختلفوا فيه وهو إعلانه وإظهاره الحق يوم القيامة لأهل الجمع يشاهدونه مشاهدة عيان وإيقان فيسعد به وبآثاره من كان مع الحق ويشقى بالاستكبار عليه وتبعات ذلك من استكبر عليه قال تعالى : {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة : 113] .
ثم إن اختلاف الناس في عقائدهم وأعمالهم اختلاف تشريعي لا يرفعه إلا الأحكام والقوانين التشريعية ولولا الاختلاف لم يجود قانون كما يشير إليه قوله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة : 213] ، وقد تبين أن الحكم التشريعي لله سبحانه فهو الولي في ذلك فيجب أن يتخذ وحده وليا فيعبد ويدان بما أنزله من الدين .
وهذا معنى قوله : {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} ومحصل الحجة أن الولي الذي يعبد ويدان له يجب أن يكون رافعا لاختلافات من يتولونه مصلحا لما فسد من شئون مجتمعهم سائقا لهم إلى سعادة الحياة الدائمة بما يضعه عليهم من الحكم وهو الدين ، والحكم في ذلك إلى الله سبحانه ، فهو الولي الذي يجب أن يتخذ وليا لا غير .
وللقوم في تفسير الآية أعني قوله : {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} تفاسير أخر فقيل : هو حكاية قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمؤمنين أي ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمر من أمور الدين ، فحكم ذلك المختلف فيه مفوض إلى الله وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين ذكره صاحب الكشاف .
وقيل معناه ما اختلفتم فيه وتنازعتم في شيء من الخصومات فتحاكموا فيه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره كقوله تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} .
وقيل : المعنى ما اختلفتم فيه من تأويل آية واشتبه عليكم فارجعوا في بيانه إلى محكم كتاب الله وظاهر سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وقيل : المعنى وما اختلفتم فيه من العلوم مما لا يتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا : الله أعلم كمعرفة الروح قال تعالى : {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} .
والآية على جميع هذه الأقوال من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إما بنحو الحكاية وإما بتقدير {قل} في أولها .
وأنت بالتدبر في سياق الآيات ثم الرجوع إلى ما تقدم لا ترتاب في سقوط هذه الأقوال .
قوله تعالى : {ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب} كلام محكي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإشارة بذلكم إلى من أقيمت الحجج في الآيتين على وجوب اتخاذه وليا وهو الله سبحانه ، ولازم ولايته ربوبيته .
لما أقيمت الحجج على أنه تعالى هو الولي لا ولي غيره أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعلام أنه الله وأنه اتخذه وليا بالاعتراف له بالربوبية التي هي ملك التدبير ثم عقب ذلك بالتصريح بما للاتخاذ المذكور من الآثار وهو قوله : {عليه توكلت وإليه أنيب} .
وذلك أن ولاية الربوبية تتعلق بنظام التكوين بتدبير الأمور وتنظيم الأسباب والمسببات بحيث يتعين بها للمخلوق المدبر كالإنسان مثلا ما قدر له من الوجود والبقاء ، وتتعلق بنظام التشريع وهو تدبير أعمال الإنسان بجعل قوانين وأحكام يراعيها الإنسان بتطبيق أعماله عليها في مسير حياته لتنتهي به إلى كمال سعادته .
ولازم اتخاذه تعالى ربا وليا من جهة التكوين إرجاع أمر التدبير إليه بالانقطاع عن الأسباب الظاهرية والركون إليه من حيث أنه سبب غير مغلوب ينتهي إليه كل سبب وهذا هو التوكل ، ومن جهة التشريع الرجوع إلى حكمه في كل واقعة يستقبله الإنسان في مسير حياته وهذا هو الإنابة فقوله : {عليه توكلت وإليه أنيب} أي أرجع في جميع أموري ، تصريح بإرجاع الأمر إليه تكوينا وتشريعا .
قوله تعالى : {فاطر السماوات والأرض} إلى آخر الآية لما صرح بأنه تعالى هو ربه لقيام الحجج على أنه هو الولي وحده عقب ذلك بإقامة الحجة في هذه الآية والتي بعدها على ربوبيته تعالى وحده .
ومحصل الحجة : أنه تعالى موجد الأشياء وفاطرها بالإخراج من كتم العدم إلى الوجود وقد جعلكم أزواجا فكثركم بذلك وجعل من الأنعام أزواجا فكثرها بذلك لتنتفعوا بها ، وهذا خلق وتدبير ، وهو سميع لما يسأله خلقه من الحوائج فيقضي لكل ما يستحقه من الحاجة ، بصير لما يعمله خلقه من الأعمال فيجازيهم بما عملوا وهو الذي يملك مفاتيح خزائن السماوات والأرض التي ادخر فيها ما لها من خواص وجودها وآثاره مما يتألف منها بظهورها النظام المشهود وهو الذي يرزق المرزوقين فيوسع في رزقهم ويضيق عن علم منه بذلك .
وهذا كله من التدبير فهو الرب المدبر للأمور .
فقوله : {فاطر السماوات والأرض} أي موجدها من كتم العدم على سبيل الإبداع .
وقوله : {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} وذلك بخلق الذكر والأنثى للذين يتم بتزاوجهما أمر التوالد والتناسل وتكثر الأفراد {ومن الأنعام أزواجا} أي وجعل من الأنعام أزواجا {يذرؤكم فيه} أي يكثركم في هذا الجعل ، والخطاب في {يذرؤكم} للإنسان والأنعام بتغليب جانب العقلاء على غيرهم كما ذكره الزمخشري .
وقوله : {ليس كمثله شيء} أي ليس مثله شيء ، فالكاف زائدة للتأكيد وله نظائر كثيرة في كلام العرب .
وقوله : {وهو السميع البصير} أي السميع لما يرفع إليه من مسائل خلقه البصير لأعمال خلقه قال تعالى : { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الرحمن : 29] ، وقال : {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم : 34] ، وقال : { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 265] .
قوله تعالى : {له مقاليد السماوات والأرض} إلى آخر الآية المقاليد المفاتيح وفي إثبات المقاليد للسماوات والأرض دلالة على أنها خزائن لما يظهر في الكون من الحوادث والآثار الوجودية .
وقوله : {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} بسط الرزق توسعته وقدره تضييقه والرزق كل ما يمد به البقاء ويرتفع به حاجة من حوائج الوجود في استمراره .
وتذييل الكلام بقوله : {إنه بكل شيء عليم} للإشارة إلى أن الرزق واختلافه في موارده بالبسط والقدر ليس على سبيل المجازفة جهلا بل عن علم منه تعالى بكل شيء فرزق كل مرزوق على علم منه بما يستدعيه المرزوق بحسب حاله والرزق بحسب حاله وما يحف بهما من الأوضاع والأحوال الخارجية ، وهذا هو الحكمة فهو يبسط ويقدر بالحكمة .
وقوله تعالى : {شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصى بِهِ نُوحاً والّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْك ومَا وَصيْنَا بِهِ إِبْرَهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرّقُوا فِيهِ كَبرَ عَلى الْمُشرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يجْتَبى إِلَيْهِ مَن يَشاءُ ويهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيب (13) ومَا تَفَرّقُوا إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنهُمْ ولَولا كلِمَةٌ سبَقَت مِن رّبِّك إِلى أَجَلٍ مّسمّى لّقُضىَ بَيْنهُمْ وإِنّ الّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَب مِن بَعْدِهِمْ لَفِى شكٍ مِّنْهُ مُرِيبٍ}
فصل ثالث من الآيات يعرف الوحي الإلهي بأثره الذي هو مفاده وما احتوى عليه من المضمون وهو الدين الإلهي الواحد الذي يجب على الناس أن يتخذوه سنة في الحياة وطريقة مسلوكة إلى سعادتهم .
وقد بين فيها بحسب مناسبة المقام أن الشريعة المحمدية أجمع الشرائع المنزلة وأن الاختلافات الواقعة في دين الله على وحدته ليست من ناحية الوحي السماوي وإنما هي من بغي الناس بعد علمهم ، وفي الآيات فوائد أخر أشير إليها في خلالها .
قوله تعالى : {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} يقال : شرع الطريق شرعا أي سواه طريقا واضحا بينا .
قال الراغب : الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل مقترنا بوعظ من قولهم : أرض واصية متصلة النبات ويقال : أوصاه و وصاه انتهى .
وفي معناه إشعار بالأهمية فما كل أمر يوصى به وإنما يختار لذلك ما يهتم به الموصي ويعتني بشأنه .
فقوله : {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} أي بين وأوضح لكم من الدين وهو سنة الحياة ما قدم وعهد إلى نوح مهتما به ، واللائح من السياق أن الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمته ، وأن المراد مما وصى به نوحا شريعة نوح (عليه السلام) .
وقوله : {والذي أوحينا إليك} ظاهر المقابلة بينه وبين نوح (عليه السلام) أن المراد بما أوحي إليه ما اختصت به شريعته من المعارف والأحكام ، وإنما عبر عن ذلك بالإيحاء دون التوصية لأن التوصية كما تقدم إنما تتعلق من الأمور بما يهتم به ويعتنى بشأنه خاصة وهو أهم العقائد والأعمال ، وشريعته (صلى الله عليه وآله وسلم) جامعة لكل ما جل ودق محتوية على الأهم وغيره بخلاف شرائع غيره فقد كانت محدودة بما هو الأهم المناسب لحال أممهم والموافق لمبلغ استعدادهم .
والالتفات في قوله : {والذي أوحينا} من الغيبة إلى التكلم مع الغير للدلالة على العظمة فإن العظماء يتكلمون عنهم وعن خدمهم وأتباعهم .
وقوله : {وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} عطف على قوله : {ما وصى به} والمراد به ما شرع لكل واحد منهم (عليهم السلام) .
والترتيب الذي بينهم (عليهم السلام) في الذكر على وفق ترتيب زمنهم فنوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى (عليه السلام) ، وإنما قدم ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتشريف والتفضيل كما في قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [الأحزاب : 7] وإنما قدم نوحا وبدأ به للدلالة على قدم هذه الشريعة وطول عهدها .
ويستفاد من الآية أمور : أحدها : أن السياق بما أنه يفيد الامتنان وخاصة بالنظر إلى ذيل الآية والآية التالية يعطي أن الشريعة المحمدية جامعة للشرائع الماضية ولا ينافيه قوله تعالى : {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة : 48] لأن كون الشريعة شريعة خاصة لا ينافي جامعيتها .
الثاني : أن الشرائع الإلهية المنتسبة إلى الوحي إنما هي شريعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لوكان هناك غيرها لذكر قضاء لحق الجامعية المذكورة .
ولازم ذلك أولا : أن لا شريعة قبل نوح (عليه السلام) بمعنى القوانين الحاكمة في المجتمع الإنساني الرافعة للاختلافات الاجتماعية وقد تقدم نبذة من الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ } [البقرة : 213] .
وثانيا : أن الأنبياء المبعوثين بعد نوح كانوا على شريعته إلى بعثة إبراهيم وبعدها على شريعة إبراهيم إلى بعثة موسى وهكذا .
الثالث : أن الأنبياء أصحاب الشرائع وأولي العزم هم هؤلاء الخمسة المذكورون في الآية إذ لوكان معهم غيرهم لذكر فهؤلاء سادة الأنبياء ويدل على تقدمهم أيضا قوله : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب : 7] .
وقوله : {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا} أن تفسيرية ، وإقامة الدين حفظه بالاتباع والعمل واللام في الدين للعهد أي أقيموا هذا الدين المشروع لكم ، وعدم التفرق فيه حفظ وحدته بالاتفاق عليه وعدم الاختلاف فيه .
لما كان شرع الدين لهم في معنى أمرهم جميعا باتباعه والعمل به من غير اختلاف فسره بالأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه فكان محصله أن عليهم جميعا إقامة الدين جميعا وعدم التفرق والتشتت فيه بإقامة بعض وترك بعض ، وإقامته الإيمان بجميع ما أنزل الله والعمل بما يجب عليه العمل به .
فجميع الشرائع التي أنزلها الله على أنبيائه دين واحد يجب إقامته وعدم التفرق فيه فأما الأحكام السماوية المشترك فيها الباقية ببقاء التكليف فمعنى الإقامة فيها ظاهر وأما الأحكام المشرعة في بعض هذه الشرائع المنسوخة في الشريعة اللاحقة فحقيقة الحكم المنسوخ أنه حكم ذو أمد خاص بطائفة من الناس في زمن خاص ومعنى نسخه تبين انتهاء أمده لا ظهور بطلانه قال تعالى : {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } [الأحزاب : 4] فالحكم المنسوخ حق دائما غير أنه خاص بطائفة خاصة في زمن خاص يجب عليهم أن يؤمنوا به ويعملوا به ويجب على غيرهم أن يؤمنوا به فحسب من غير عمل وهذا معنى إقامته وعدم التفرق فيه .
فتبين أن الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه في قوله : {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} مطلق شامل لجميع الناس في جميع الأزمان .
وبذلك يظهر فساد قول جمع إن الأمر بالإقامة وعدم التفرق إنما يشمل الأحكام المشتركة بين الشرائع دون المختصة فهي أحكام متفاوتة مختلفة باختلاف الأمم من حيث أحوالها ومصالحها .
وذلك أنه لا موجب لتقييد إطلاق قوله : {أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} ولوكان كما يقولون كان الأمر بالإقامة مختصا بأصول الدين الثلاثة : التوحيد والنبوة والمعاد ، وأما غيرها من الأحكام الفرعية فلا يكاد يوجد هناك حكم واحد مشترك فيه في جميع خصوصياته بين جميع الشرائع وهذا مما يأباه قطعا سياق قوله : {شرع لكم من الدين ما وصى به} إلخ ، ومثل قوله : {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا } [المؤمنون : 52 ، 53] وقوله : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران : 19] .
وقوله : {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} المراد بقوله : {ما تدعوهم إليه} دين التوحيد الذي كان يدعو إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أصل التوحيد فحسب على ما تشهد به الآية التالية ، والمراد بكبره على المشركين تحرجهم من قبوله .
وقوله : {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} الاجتباء هو الجمع والاجتلاب ، ومقتضى اتساق الضمائر أن يكون ضمير {إليه} الثاني والثالث راجعا إلى ما يرجع إليه الأول والمعنى الله يجمع ويجتلب إلى دين التوحيد - وهوما تدعوهم إليه - من يشاء من عباده ويهدي إليه من يرجع إليه فيكون مجموع قوله : {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء} في معنى قوله : {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج : 78] .
وقيل : الضميران لله تعالى ، ولا بأس به لكن ما تقدم هو الأنسب ، وعلى أي حال قوله : {الله يجتبي إليه} إلى آخر الآية موضوع موضع الاستغناء عن إيمان المشركين المستكبرين للإيمان نظير قوله تعالى : {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } [فصلت : 38] .
وقيل : المراد بما تدعوهم إليه ما تدعوهم إلى الإيمان به وهو الرسالة أي إن رسالتك كبرت عليهم ، وقوله : {الله يجتبي} إلخ في معنى قوله : {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام : 124] وهو خلاف الظاهر .
قوله تعالى : {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} إلى آخر الآية ضمير {تفرقوا} للناس المفهوم من السياق ، والبغي الظلم أو الحسد ، وتقييده بقوله : {بينهم} للدلالة على تداوله ، والمعنى وما تفرق الناس الذين شرعت لهم الشريعة باختلافهم وتركهم الاتفاق إلا حال كون تفرقهم آخذا – أو ناشئا - من بعد ما جاءهم العلم بما هو الحق ظلما أو حسدا تداولوه بينهم .
وهذا هو الاختلاف في الدين المؤدي إلى الانشعابات والتحزبات الذي ينسبه الله سبحانه في مواضع من كلامه إلى البغي ، وأما الاختلاف المؤدي إلى نزول الشريعة وهو الاختلاف في شئون الحياة والتفرق في أمور المعاش فهو أمر عائد إلى اختلاف طبائع الناس في مقاصدهم وهو الذريعة إلى نزول الوحي وتشريع الشرع لرفعه كما يشير إليه قوله : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ } [البقرة : 213] كما تقدم في تفسير الآية .
وقوله : {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم} المراد بالكلمة مثل قوله : حين إهباط آدم (عليه السلام) إلى الأرض : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة : 36] .
والمعنى : ولولا أن الله قضى فيهم الاستقرار والتمتع في الأرض إلى أجل سماه وعينه لقضي بينهم إثر تفرقهم في دينه وانحرافهم عن سبيله فأهلكهم باستدعاء من هذا الذنب العظيم .
وقول القائل : إن الله قد قضى وأهلك كما يقصه في قصص نوح وهود وصالح (عليهما السلام) وقد قال تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } [يونس : 47] .
مدفوع بأن ما قصه تعالى من القضاء والإهلاك إنما هو في أمم الأنبياء في زمانهم من المكذبين بين الرادين عليهم وما نحن فيه من قوله : {ولولا كلمة سبقت من ربك} الآية في أممهم بعدهم وهو واضح من السياق .
وقوله : {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب} ضمير {من بعدهم} لأولئك الذين تفرقوا من بعد علم بغيا بينهم وهم الأسلاف ، والذين أورثوا الكتاب من بعدهم أخلافهم فمفاد الآية أن البادئين بالاختلاف المؤسسين للتفرقة كانوا على علم من الحق وإنما أبدعوا ما أبدعوا ، بغيا بينهم ، وأخلافهم الذين أورثوا الكتاب من بعدهم في شك مريب - موقع في الريب - منه .
وما أوردناه في معنى الآية هو الذي يعطيه السياق ، ولهم في تفسيرها أقاويل كثيرة لا جدوى في إسقاطها فليرجع في الوقوف عليها إلى كتبهم .
________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص18-27 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
الولي المطلق :
أوضحت الآيات السابقة أن لا وليّ ولا نصير سوى الله ، والآيات التي بين أيدينا تعطي أدلة على هذه القضية ، وتنفي الولاية لما دونه سبحانه وتعالى .
تقول الآية بأسلوب التعجب والإنكار : {أم اتخذوا من دونه أولياء} (2) . إلا أنّهُ : {فالله هو الولي} .
فلو أراد هؤلاء أن يختاروا ولياً ، فعليهم أن يختاروا الله ، لأنّ أدلة ولايته واضحة في الآيات السابقة ، مع بيان أوصافه الكمالية ، فالعزيز والحكيم ، والمالك والعلي والعظيم ، والغفور والرحيم ، هذه الصفات السبع التي مرّت علينا تعتبر ـ لوحدها ـ أفضل دليل على اختصاص الولاية به .
ثم تذكر دليلا آخر فتقول : {وهو يحيي الموتى} .
ويجب اللجوء إليه لا لغيره ، لأنّ المعاد والبعث بيده ، وأنّ أكثر ما يخشاه الإنسان هو مصيره بعد الموت .
ثم تذكر دليلا ثالثاً فتقول : (وهو على كلّ شيء قدير) .
وهذه إشارة إلى أنّ الشرط الرئيسي للولي هو امتلاكه للقدرة الحقيقية .
الآية التي بعدها تشير إلى الدليل الرابع لولايته تعالى فتقول : {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} . فهو التوحيد الذي يستطيع أن يحل مشاكلكم .
إنّ من اختصاصات الولاية أن يستطيع الولي إنهاء اختلافات من هم تحت ولايته بحكمه الصائب ، فهل تستطيع الأصنام والشياطين التي تعبدونها أن تقوم بذلك ، أم أنّ هذا الأمر يختص بالله الحكيم والعالم والقادر على حل مشاكل عباده ، وتنفيذه لحكمه وإرادته دون غيره ؟
إذن فالله العزيز الحكيم هو الحاكم لا غيره .
لقد حاول بعض المفسّرين حصر مفهوم الإختلاف الذي تشير إليه الآية في قوله تعالى : (ما اختلفتم فيه من شيء) في الإختلاف الوارد في الآيات المتشابهة ، أوفي الإختلاف والمخاصمات الحقوقية فقط ، إلاّ أنّ مفهوم الآية أوسع من ذلك ، إذ هي تشمل الإختلاف سواء كان في المعارف الإلهية والعقائد ، أم الأحكام الشرعية ، أم القضايا الحقوقية والقضائية ، أم غير ذلك ممّا يحدث بين الناس لقلّة معلوماتهم ومحدوديتها; إنّ ذلك ينبغي أن يحل عن طريق الوحي ، وبالرجوع إلى علم الله وولايته .
وبعد ذكر الدلائل المختلفة على اختصاص الولاية بالله ، تقول الآيات على لسان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : {ذلكم الله ربّي} (3) فهو الذي يتصف بهذه الأوصاف الكمالية ولهذا السبب : {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود : 88] أيّ أعود إليه في المشكلات والشدائد والزلات .
جملة : (ذلكم الله ربّي) تشير إلى الربوبية المطلقة لله بمعنى الحاكمية المتزامنة مع التدبير . ونحن نعلم أنّ للربوبية قسمين : القسم التكويني الذي يعود إلى إدارة نظام الوجود ، والقسم التشريعي الذي يقوم بتوضيح الأحكام ووضع القوانين وإرشاد الناس بواسطة الرسل والأنبياء (عليهم السلام) .
وعلى أساس ذلك طرحت الآية فيما بعد قضية «التوكل» و«الإنابة» حيث تعني الأولى رجوع جميع الأُمور الذاتية في النظام التكويني إلى الخالق جلّ وعلا . والثّانية تعني رجوع الأمور التشريعية إليه (4) .
الآية التي تليها يمكن أن تكون دليلا خامساً على ولاية الله المطلقة ، أو دليلا على ربوبيته ، واستحقاقه دون غيره للتوكل والإنابة ، إذ تقول : {فاطر السماوات والأرض} .
«فاطر» من مادة «فطر» وتعني في الأصل فتق شيء ما ، ويقابلها «قط» التي تعني بقول البعض الشق العرضي .
وكأنّما الآية تشير إلى تفتق ستار العدم المظلم عند خلق الكائنات وخروج الموجودات منه .
وبهذه المناسبة فإنّ «فُطُر» تطلق على «طلاع» التمر عندما يتفتق ويخرج منه التمر .
والمقصود بالسماوات والأرض هنا جميع السماوات والأرض وما فيها من كائنات وما بينها ، لأنّ الخالقية تشملها جميعاً .
ثم تشير الآية إلى وصف آخر من أفعاله تعالى فتقول : {جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه} (5) .
وهذه لوحدها تعتبر إحدى الدلائل الكبيرة على تدبير الله وربوبيته وولايته ، حيث خلق سبحانه وتعالى للناس أزواجاً من أنفسهم ، وهو يعتبر أساساً لراحة الروح وسكون النفس ، ومن جانب آخر يعتبر الزواج أساساً لبقاء النسل واستمراره ، وتكاثره .
وبالرغم من أنّ خطاب الآية موجّه للإنسان ، والمعنى منصب عليه من خلال «يذرؤكم» إلاّ أنّ هذا الأمر هو حكم سائد وسنة جارية في جميع الأنعام والموجودات الحية الأُخرى التي تسري عليها التكاثر بالمثل .
وفي الواقع إنّ توجيه الخطاب للإنسان دونها يشير الى مقامه الكريم ، وأما أمر البقية فيتبيّن من خلال الإنسان كمثال .
الصفة الثّالثة التي تذكرها الآية هو قوله تعالى : {ليس كمثله شيء} .
إنّ هذا الجزء من الآية يتضمّن حقيقة أساسية في معرفة صفات الله الأُخرى ، وبدونها لا يمكن التوصّل إلى أي صفة من صفات الله ، لأنّ أكبر منزلق يواجه السائرين في طريق معرفة الله يتمثل في «التشبيه» حيث يشبهون الخالق جلّ وعلا بصفات مخلوقاته ، وهو أمر يؤدي للسقوط في وادي الشرك !
إنّ وجود الله تعالى ليس له نهاية ولا يحد بحد ، وكل شيء غيره له نهاية وحد من حديث القدر والعمر والعلم والحياة والإرادة والفعل . . .; وفي كلّ شيء .
وهذا هو خط تنزيه الخالق من نقائص الممكنات .
لذا فإنّ ما يثبت لغيره لا يصح عليه (سبحانه وتعالى) ولا ينطبق على ذاته المنزّهة ، بل ولا معنى له .
فبالنسبة إلينا تكون بعض الأمور سهلة والأُخرى صعبة ، وبعض الأحداث وقع في الماضي وبعضها يقع الآن ، ومنها ما يقع في المستقبل . وبعض الأشياء صغير وبعضها كبير .
إنّ مقاييس هذه الأشياء ومدلولاتها ومفاهيمها تحتكم إلى وجودنا المحدود ، وهي تلائم إدراكنا وحاجتنا إلى مقايسة الأشياء بغيرها .
أمّا هذه المواصفات والمقاييس والمصطلحات المحدودة ، فإنّ أياً منها لا ينطبق على صفات الله ، إذ لا معنى لديه للقرب والبعد ، فالكل قريب وفي متناول إرادته ، ولا معنى للصعب والسهل ، فكل شيء سهل وطوع إرادته المطلقة ، ولا يوجد مستقبل وماض ، فكل شيء بالنسبة إليه تعالى حضور وحال .
إنّ إدراك هذه المعاني غير مستطاع من دون تفريغ الذهن وتخليته ممّا هو فيه .
لهذا السبب يقال : إنّ من السهل معرفة أصل وجود الخالق جلّ وعلا ، لكن من الصعب معرفة صفاته .
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا الشأن : «وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف في خلقه إلاّ سواء» (6) .
تشير نهاية الآية إلى صفات اُخرى من صفات الله : {وهو السميع البصير} .
هو الخالق والمدبّر ، والسميع والبصير ، وفي نفس الوقت ليس له شبيه أو نظير أو مثيلْ ، ولهذا لا ينبغي الإستظلال إلاّ تحت ولايته ، ولا تصح العبودية والربوبية إلاّ له ، وذلك لا يكون ألاّ بفك قيود عبودية الغير ، وتصريفها إليه دون غيره سبحانه وتعالى .
الآية التي بعدها تتحدّث عن ثلاثة أقسام اُخرى من صفات الفعل والذات حيث توضح كلّ واحدة منها قضية الولاية والربوبية في بعد خاص .
يقول تعالى : {له مقاليد السماوات والأرض} .
فكل ما يملكه مالك هو منه سبحانه وتعالى ، وكل ما يرغب به راغب ينبغي أن يطلبه منه ، لأنّ له تعالى خزائن السماوات والأرض وليس «مفاتيحها» وحسب {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون : 7] .
«مقاليد» جمع «مقليد» وتعني المفتاح ، وهي تستخدم ككناية للسيطرة الكاملة على كلّ شيء ما ، فيقال مثلا : إنّ مفتاح هذا الأمر بيدي ، يعني أنّ برنامجه وطريقه وشرائطه كلّها تحت قدرتي وفي يدي . (7) .
وفي الصفة الأُخرى ، والتي هي في الواقع ثمرة ونتيجة للصفة السابقة تقول الآية : {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} لأنّ بيده تعالى جميع خزائن السماوات والأرض ه فإنّ جميع الأرزاق في قبضته ، ويقسمها وفقاً لمشيئته التي تصدر يمقتضى حكمته ، ويلاحظ فيها مصلحة العباد .
إنّ من مقتضيات استفادة جميع الكائنات من رزقه تعالى هو العلم بمقدار حاجتها ، ومكانها وسائر شؤون حياتها الأُخرى ، لذا تضيف الآية في آخر صفة قوله تعالى : {إنّه بكل شيء عليم} .
وهناك ما يشبه هذا الأمر وهوما جاء في الآية (6) من سورة «هود» في قوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود : 6]
وبذلك يتّضح أنّ الآيات الأربع التي يحثناها ذكرت إحدى عشرة صفة من صفات الله الكمالية سواء الذاتية منها أو الفعلية .
فقد وصفته بصفات الولاية المطلقة ، إحياء الموتى ، قدرته على كلّ شيء ، خلقه للسماوات والأرض ، خلقه للإزواج وتكثير النسل ، لا يوجد مثيل له ، سميع ، بصير ، له خزائن السماوات والأرض ، رزاق ، وعليم بكل شيء .
إنّها صفات تكمل الواحدة منها الأُخرى من حيث البيان ، وكلّها دليل على ولايته وربوبيته ، وبالنتيجة تعتبر طريقاً لإثبات توحيده في العبادة .
وقوله تعالى : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } [الشورى : 13 ، 14]
الإسلام عصارة شرائع جميع الأنبياء :
بما أن العديد من بحوث هذه السورة تتعلق بالمشركين ، وأن الآيات السابقة كانت تتحدث عن نفس هذا الموضوع أيضاً ، لذا فإنّ الآيات التي نبحثها تبيّن هذه الحقيقة ، وهي أن دعوة الإسلام إلى التوحيد ليست دعوة جديدة ، إنّها دعوة جميع الأنبياء أولي العزم ، وليس أصل التوحيد فحسب ، بل إن جميع دعوات الأنبياء في القضايا الأساسية وفي مختلف الأديان السماوية كانت واحدة .
تقول الآية : (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً) والذي هو أوّل نبيّ من أولي العزم .
وأيضاً : {والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} .
وبهذا الشكل فما كان موجوداً في شرائع جميع الأنبياء موجود في شريعتك أيضاً و «ما يمتلكه الصالحون جميعاً تملكه لوحدك» .
إن عبارة (من الدين) تبيّن أن التنسيق بين جميع الشرائع السماوية لم يكن بخصوص التوحيد أو أصول العقائد فحسب ، بل في كلّ مجموعة الدين الإلهي ، فمن حيث الأساس والجذور كانت واحدة ، بالرغم من أن تكامل المجتمع الإنساني يقتضي أن تكون التشريعات والقوانين الفرعية متناسقة مع تكامل الناس ، وتسير نحو التكامل حتى تصل إلى الحد النهائي وتختتم الأديان .
لهذا السبب هناك أدلة كثيرة في آيات قرآنية اُخرى تبيّن أن الأصول العامة للعقائد والقوانين والتعليمات واحدة في جميع الأديان .
فمثلا نقرأ في القرآن الكريم بخصوص شرح حال العديد من الأنبياء ، أنّ أوّل دعوة لهم كانت : { يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ } (8) .
وفي مكان آخر نقرأ : {ولقد بعثنا في كلّ أُمّة رسولا أن اعبدوا الله} .
وأيضاً فقد ورد الإنذار بالبعث في دعوة العديد من الأنبياء (الأنعام 130 ، الأعراف 59 ، الشعراء 135 ، طه 15 ، مريم 31) .
أمّا موسى وعيسى وشعيب(عليه السلام) فيتحدثون عن الصلاة (طه 14 ، مريم 31 ، هود 87) .
وإبراهيم يدعو إلى الحج (الحج 27) .
وكان الصوم مشرّعاً عند جميع الأقوام السابقين (البقرة 183) .
لذا ، وكتعليمات عامّة لجميع الأنبياء العظام تقول الآية في الجملة الأُخرى : {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} .
فهي توصي بأمرين مهمّين :
الأوّل : إقامة دين الخالق في كلّ الأرض (وليس العمل فحسب ، بل إقامته وإحياؤه ونشره) .
الثّاني : الإحتراز عن البلاء العظيم ، يعني الفرقة والنفاق في الدين .
وبعد ذلك تقول : {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} .
فلقد تطبع هؤلاء على الشرك وعبادة الأصنام بسبب الجهل والتعصب لسنين طويلة ، وعشعش ذلك في أعماقهم بحيث أصبحت الدعوة إلى التوحيد تخيفهم وتوحشهم ، إضافة لذلك فإن مصالح زعماء المشركين اللامشروعة محفوظة في الشرك ، في حين أن التوحيد هو أساس ثورة المستضعفين ، ويقف حائلا دون أهواء الطغاة ومظالمهم .
وكما أن انتخاب الأنبياء بيد الخالق ، كذلك فإنّ هداية الناس بيده أيضاً : {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} .
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص244-256 .
2 ـ اعتبر بعض المفسّرين (كالزمخشري في الكشاف والفخر الرازي في التّفسير الكبيرـ أنّ «أم» هنا بمعنى الإستفهام الإنكارى ، أما البعض الآخرـ كالطبرسي في «مجمع البيان» والقرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» ـ فقد اعتبروها بمعنى «بل» .
3 ـ في بداية هذه الجملة تكون كلمة «قل» مقدّرة ، فهذه الجملة وما بعدها تتحدث عن لسان النبيّ فقط ، أمّا جملة (ما اختلفتم فيه من شيء) فهي استمرار لحديث الخالق جلّ وعلا . والذين اختاروا غير ذلك لم يسلكوا الطريق الصحيح في الظاهر .
4 ـ الميزان ، المجلد 18 ، الصفحة 23 .
5 ـ الضمير في «فيه» يعود إلى «التدبير» أو «جعل الأزواج» و «يذرؤ» من «ذرأ» على وزن «زرع» وتعني «الخلق» لكنّه الخلق الذي يقترن ويتزامن مع إظهار الأفراد . وقد وردت أيضاً بمعنى الإنتشار .
6 ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم 184 .
7 ـ بهذا الخصوص لدينا بحث مفصل يمكن مراجعته في نهاية الحديث عن الآية (63) من سورة «الزمر» .
8 ـ الأعراف (59 ، 65 ، 73 ، 85) هود (50 ، 61 ، 84) حيث جاءت بالترتيب بخصوص نوح ، هود وصالح(عليهم السلام) .