x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

علوم اللغة العربية : المدارس النحوية : المدرسة الكوفية : نشأة النحو في الكوفة وطابعه :

المذهب الكوفي وخصائصه

المؤلف:  الشيخ محمد الطنطاوي

المصدر:  نشأة النحو وتاريخ اشهر النحاة

الجزء والصفحة:  ص81-88

2-03-2015

13346

لقد عرفت أن الكوفيين تأخروا عن البصريين في هذا العلم حقبة طويلة، وذلك لانصرافهم أولا عن التلقي عنهم ربا بأنفسهم عن الأخذ منهم، وما لبثوا أن شغلهم الشعر ورواياته والأدب وطرائفه، فاستأثروا بهذا وتنفلوا به على البصريين مدة طويلة لم يشاركوا فيها البصريين النظر إلى علم النحو.

تنبه الكوفيون بعدئذ وصحوا من سباتهم وأرادوا مساهمة البصريين فيه بعد أن عرفوه منهم وشق عليهم أن تنماع شخصيتهم في البصريين إن لم يكن لهم نحو خاص وبينهما ما بينهما من دواغل وإحن، دعاهم ذلك إلى تنظيم نحوهم على نمط خاص لا ينتحون فيه اتجاه البصريين، ولديهم في معتقدهم من الوسائل ما يهيئ لهم نيل مأمولهم، فاستمعوا من الأعراب الثاوين بالكوفة، وقد كانوا أقل عددا وأضعف فصاحة ممن كانوا بالبصرة وإن كان منهم لفيف من بني أسد وغيرهم إلا أن أغلبهم اليمانون، وأهل اليمن في عين أهل التمحيص ممن لا يستند إليهم، لخلاطهم الحبشة والهند والتجار الذين يفدون إليهم من مختلف الأمصار، ولم تقم سوق "الكناسة" بالكوفة التي كانوا يرتفقون منها حاجتهم مقام "المريد" بالبصرة مهبط الشعراء والخطباء من العرب المياسير، والأعراب العقف المنتجعين للأرزاق.
هذا مع قصوهم عن جزيرة العرب ينبوع معين هذا العلم، وحيلولة صحراء السماوة بينهم وبينها، فلم تكن لهم فيها إلا رحلات قليلة لبعد الشقة وثقل المؤونة كرحلة الكسائي المعروفة، وهو زعيم طبقتهم الثانية التي تحاذي الرابعة البصرية، أما طبقتهم الأولى فلم تكن لها رحلات، على حين أن الطبقة الثالثة البصرية التي تقابلها أبلت في الرحلات بلاء حسنا عاد على اللغة العربية بالأثر الذي لا يبلى.
على أنه لم يقف ذلك دون رواج الشعر فيما بينهم، والشعر على كل حال ذو النصيب الأوفى في تدوين القواعد بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله لتماسكه ومصابرته لأحداث الزمان بل قد فاقوا البصريين في علمه بفضل الأوراق المطمورة من عهد النعمان بن المنذر، نقل ابن جني في حماد الراوية الكوفي "قال: أمر النعمان فنسخت له أشعار العرب في الطنوج2 "الكراريس" ثم دفنها في قصره الأبيض فلما كان المختار بن أبي عبيد الثقفي قيل له: إن تحت القصر كنزا فاحتقره، فأخرج تلك الأشعار، فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة".(1)

ص81

ولقد كانوا قبل العثور على هذه الأوراق مسوقين إلى الشعر عن رغبة ملحة وغريزة فيهم متأصلة منذ حل العرب الكوفة، يؤيد ذلك أن عليا كرم الله وجهه لما رجع بهم من قتال الخوارج، على أن يستعدوا لقتال أهل الشام ثم تخاذلوا عنه، لم ير أبلغ في ذمهم من صفة التشاغل بالشعر، فقال في خطبته حين خطبهم: "إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين تضربون الأمثال وتناشدون الأشعار تربت أيديكم وقد نسيتم الحرب واستعدادها وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل".

إن العثور على الأوراق السالفة الذكر صادف هوى من نفوسهم فازدادوا بها إقبالا على الشعر، وزخر بحره عندهم وقذف فيه بالملح والطرف إلا أن النحل والافتعال طغيا عليه، حتى التبس الأمر على الناس، وأسند القول إلى غير قائله، قال أبو الطيب: "الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله، وذلك بين في دواوينهم"(2).
حقا لقد كان ذلك، إذ كان من رواتهم حماد المذكور الذي جر عليهم التلبيس في المرويات والازدياد عليها مختلقاته، وقد كان ضليعا في الشعر وآداب العرب إلا أنه رقيق الأمانة، قال فيه المفضل الكوفي: "قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا، فقيل له وكيف ذلك أيخطئ في روايته أم يلحن؟ ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل عنه ذلك في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك؟"(3).
بل إن خلفا الأحمر البصري(4) زاد ذلك ضغثا على إبالة فقد كان كذلك مضرب المثل في محاكاته من ينسب إليهم الشعر، روى عنه الكوفيون كثيرا من الشعر "وكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية لأنه قد أكثر الأخذ عنه وبلغ مبلغا لم يقاربه حماد، فلما نسك خرج إلى أهل الكوفة فعرفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم"(5).

ص82

ومع أنه بصري فلم يعرف عنه أنه لبس على البصريين وروى لهم شعرا منحولا وربما كان منشأ ذلك العصبية البلدية التي تملي على المتأثر بها ارتكاب ما لا يجمل في المسائل العلمية، وقيل: إنه فعل ذلك انتقاما لنفسه إذ ذهب إلى الكوفيين أولا للتلقي عنهم فبخلوا عليه بشعرهم قال أبو زيد: "حدثني خلف الأحمر قال: أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر فبخلوا علي به، فكنت أعطيهم المنحول وآخذ عنهم الصحيح، ثم مرضت فقلت لهم: ويلكم أنا تائب إلى الله. هذا الشعر لي، فلم يقبلوا مني، فبقي منسوبا إلى العرب لهذا السبب"(6).

إن المصادفة التي جمعت بين هذين الوضاعين لكفيلة بتوريث الكوفيين توهينا لمذهبهم فليس في الرواة جميعا على كثرتهم ومحاولة بعضهم الصنع من يداني حمادا وخلفا، فهما طبقة في التاريخ كله يعرف ذلك من له إلمام بالأدب.
أبصر ذلك البصريون فصدفوا عن شواهد الكوفيين واطرحوها ظهريا ولم يسمع عنهم إلا ما وقع من أبي زيد البصري الذي نقل عن المفضل الضبي الكوفي لأنه غير متأثر بالعصبية البلدية وقر عنده صدقه، قال السيرافي: "ولا نعلم أحدا من علماء البصريين بالنحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئا من علم العرب إلا أبا زيد فإنه روى عن المفضل الضبي. قال أبو زيد في أول كتاب النوادر أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي، جاهلي:
     بكرت تلومك بعد وهن في الندى..... بسل عليك ملامتي وعتابي
الأبيات... وعامة كتاب النوادر لأبي زيد عن المفضل"(7) بينما الكوفيون يتلقون بالقبول رواياتهم ويعتمدون على شواهدهم.
على أنه ما كان الكسائي وهو ناشر المذهب الكوفي وصاحب الفضل فيه يبن ببغداد حتى استمع إلى الأعراب الذين فيها وحولها وهم أوشاب من مختلف القبائل غير العريقة في العروبة، ومنهم أعراب الحليمات الذين قدموا بغداد وضربوا خيامهم في "قطربل" "قرية من متنزهات بغداد اشتهرت باللهو والخمر" فاعتد بكلامهم واستشهد به وهم من زعانف العرب الذين اختبل لسانهم، فازداد مذهبه ضعفا على ضعف قال أبو زيد: "قدم علينا الكسائي البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما وأخذ منهم نحوا كثيرا، ثم سار إلى بغداد فلقي أعراب الحليمات فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن، فأفسد بذلك ما كان

ص83

أخذه بالبصرة كله"(8).

ولولاهم ما فاز الكسائي وانخذل سيبويه في المناظرة البغيضة، فإن الكسائي إنما اعتمد على لغتهم واحتج بكلامهم وكانوا له مظاهرين، ولذلك قال اليزيدي:
كنا نقيس النحو فيما مضى..... على لسان العرب الأول
فجاء أقوام يقيسونه..... على لغى أشياخ قطربل
فكلهم يعمل في نقض ما..... به يصاب الحق لا يأتلي
إن الكسائي وأصحابه..... يرقون في النحو إلى أسفل(9)
وقد اقتفى الكوفيون طريق الكسائي، فعولوا على شعر الأعراب بعد أن امتزجوا وتأشبوا "اختلطوا" بالمحتضرين ولان جفاؤهم، ومن أجل هذا كان البصريون يغتمزون الكوفيين فيقول الرياشي البصري "نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكواميخ وأكلة الشواريز"(10).
من ذلك كله ترى أنه لم تتهيأ لهم بيئة تصلح أن تكون منبعا لنمير هذا الفن كبيئة البصريين بمن فيها وفي أرباضها2 وما دنا منها من العرب الخلص، يضاف إلى هذا ما استفزهم للعمل حثيثا في إبراز فن لهم يضارع الفن البصري غيرة منهم وحنقا على البصريين، فأصاخوا إلى كل مسموع لهم وقاسوا عليه فعثرت بهم عجلة الرأي، ولم يدققوا تدقيق البصريين بل تدرجوا مطاوعة لمناديهم إلى الاكتفاء بالشاهد الواحد ولو خالف الأصل المعروف المتفق عليه بين الفريقين، قال الأندلسي: "الكوفيون لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوبوا عليه بخلاف البصريين".
وقد يتساهلون مع هذا في التثبت من معرفة القائل، وربما استشهدوا بشطر بيت لا يعرف شطره الآخر ولا يعلم قائله كدليلهم على جواز دخول اللام في خبر "لكن" يقول المجهول:
................................ ولكنني من حبها لعميد(11)

ص84

وأول من سن لهم طريقة التسامح إلى أبعد مدى شيخهم الكسائي "وذلك أن الكسائي كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر أهل الفصاحة والضرورات فيجعل ذلك أصلا ويقيس عليه حتى أفسد النحو"(12).
وسترى عند حكمة تخصص كل من المذهبين إشادة الكسائي بالقياس وكثر ما انحدر الكوفيون فناطوا القاعدة بالقياس دون ورود لمطلق شاهد، فمن ذلك:
أمثلة للقياس الكوفي:
1- تجويزهم مجيء العدد للتكرار على وزني فعال ومفعل ممنوعا من الصرف للوصيفة والعدل من خمسة إلى تسعة مع أن المسموع عن العرب في ذلك من واحد لأربعة، لكنهم قاسوا في الباقى عليها قال الرضي: "والمبرد والكوفيون يقيسون عليها إلى تسعة نحو خماس ومخمس وسداس ومسدس، والسماع مفقود"(13).
2- تجويزهم تثنية أجمع وجمعاء وتوابعهما قياسا على جمعها، قال الرضي: "وقد أجاز الكوفيون والأخفش لمثنى المذكر أجمعان أكتعان أبصعان أبتعان، ولمثنى المؤنث جمعاوان كتعاوان بصعاوان بتعاوان، وهو غير مسموع"(14).
3- تجويزهم الجزم بكيف مطلقا قال الرضي: "والكوفيون يجوزون جزم الشرط والجزاء بكيف وكيفما قياسا، ولا يجوزه البصريون إلا شذوذا"(15).
4- تجويزهم النصب بأن مضمرة في غير المسائل المعدودة قياسا قال الرضي: "وقد تنصب مضمرة شذوذا، والكوفيون يجوزون النصب في مثله قياسا"(16).
5- ومثل ما تقدم تجويزهم عطف المفرد بلكن بعد الإيجاب نظير بل بعده قال الرضي: "أجاز الكوفيون مجيء العاطفة للمفرد بعد الموجب أيضا نحو: جاءني زيد لكن عمرو حملا على بل، وليس لهم به شاهد"(17).
6- ومثل ذلك تجويز إضافة "كذا" إلى مفرد أو جمع قياسا على العدد الصريح، قال ابن هشام "خلافا للكوفيين أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال كذا ثوب كذا أثواب قياسا على العدد الصريح"(18).

ص85

إن الكوفيين بعملهم هذا قد فتحوا بابا واسع الفوهة على أنفسهم، فهم إذ أقاموا كل مسموع وزنا، والمسموع في اختلافه لا يقف عند نهاية، واعتمدوا بعد هذا على القياس النظري عند انعدام الشاهد انعداما كليا، قد اضطروا إزاء هذا أن وضعوا قواعد كثيرة خالفوا فيها البصريين، بل قد وضعوا جريا على سنتهم للشيء الواحد متى ورد على صور متغايرة قواعد بقدر صوره، فكثر عندهم التجويز للصور المتخالفة كما قل عندهم ما كثر عند البصريين من التأويل والشذوذ والاضطرار والاستنكار، وعلى سبيل الإيضاح نوجه نظرك إلى ما ذكرنا من الشواهد السبعة التي عقبنا بها اعتراضا على المذهب البصري وقد رأيت كيف تخلص منها البصري، أما الكوفي فقد اعتمدها وضم ما يستفاد منها إلى قواعد مذهبه وجعلها دعائم أقيسة أخرى تضاف إلى أقيسته، ولا جناح في تعدد الأقيسة وإن اعترت نوعا خاصا في المعنى فما ذلك عنده إلا ذريعة من ذرائع التنويع في التعابير وبقدرها تكون الأقيسة، وفي ذلك من السرف والإرهاق لطالب النحو ما فيه؛ لكنا بعد ذا لا نقصد رمي هذا المذهب بالضعف في كل قواعده وإلا كان تجنيا عليه، فقد ظهر عند الموازنة بين المذهبين فيما اختلفا فيه تفضيله في بعض مسائل ذات بال، والحق أحق أن يتبع ولترى ذلك مجلوا نسوق إليك أربع قواعد لهم على سبيل الإرشاد إلى صحة ما نقول:
1- عدم لزوم إبراز الضمير مع الوصف الجاري خبرا على غير ما هو له حالا أو أصلا مع أمن البس، والشواهد على ذلك كثيرة قال الأعشى:
وإن امرأ أسرى إليك ودونه..... من الأرض موماة وبيداء سملق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته..... وأن تعلمي أن المعان موفق(19)
وقد حاول البصريون إجابات كلها لا تقوم كلها على قدم، منها أن المصدر المنسبك من أن والفعل نائب فاعل لمحقوقة وتأنيثها حينئد جائز لأن نائب الفاعل الاستجابة فلا ضمير في الوصف، وغير ذلك، ولهذا قال ابن مالك في كافيته:
وإن تلا غير الذي تعلقا...... به فأبرز الضمير مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن...... لا يؤمن اللبس ورأيهم حسن
2- صحة الفصل بين المتضايفين في السعة بمنصوب المضاف مفعولا به أو ظرفا أو

ص86

 بالقسم ولا شك في ورود ما يصحح هذه القاعدة فقد وردت الشواهد في النثر للثلاثة، ولنكتف بشاهد على الفصل بالمفعول به، قرأ ابن عامر أحد السبعة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} وقد ردها الزمخشري الذي وافق البصريين قال الصبان: "ولا عبرة برده مع ثبوتها بالتواتر" فالحق مع الكوفيين ولذا يقول ابن مالك:
فصل مضاف شبه فعل ما نصب..... مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب
فصل يمين....................
3- عمل اسم المصدر عمل فعله، وشواهده أكثر من أن تحصى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء"، وقال القطامي:
أكفرا بعد رد الموت عني..... وبعد عطائك المائة الرتاعا(20)
ليس أمام البصريين إلا الاستنكار لرواية الحديث، والضرورة للنظم، والتمسح بهذين مجلبة إلى الإعنات والتضييق، ولقد أجاد ابن مالك إذ قال:
................................      ........... ولاسم مصدر عمل
4- جواز العطف على الضمير المخفوض بدون عود الخافض في السعة قرأ حمزة وغيره قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} بجر الأرحام، لقد ضاق الخناق على البصريين، والرضي بعد الترديد لما عساه أن يدافع به البصريون لم ير بدا من أن يقول: "والظاهر أن حمزة جوز ذلك بناء على مذهب الكوفيين لأنه كوفي ولا نسلم تواتر القراءات السبع"(21).
وفي هذا الدفاع شطط، ومن ذلك جنح ابن مالك إلى رأي الكوفيين فقال:
وعود خافض لدى عطف على..... ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى..... في النظم والنثر الصحيح مثبتا
حتى في تعبيره بخافض بدل جار كما هو معروف، ولولا خوف الإطالة لوافيناك بشواهد كثيرة تفضي إلى الاطمئنان لهذه القواعد كوضح النهار ومعها دفاع البصريين الذي لم يضرها، والواقع أن البصريين كانت
محاولاتهم في نقضها غير مجدية ومجردة عن النصفة فقد تعسفوا غاية التعسف بما لا ترضاه العدالة، ولا يستقيم في المنطق "وما كل مرة تسلم الجرة".

ص87

من هذا البيان يتضح لك معرفة طريقة كل من المذهبين الخاصة به، وبقي أننا نجيب على ما قد يدور بخلد الناظرين من السؤال عن الحكمة في تخصص كل باتجاهه، ولم لم يعكس الأمر؟

ص88

______________________

(1) الخصائص باب (فيما يرد عن العرب مخالفا لما عليه الجمهور), ومن خبر المختار أنه وثب بالكوفة سنة 66ه في عهد عبد الله بن الزبير طالبا لثار البيت العلوي, ثم دعا الى نفسه فوجه اليه اخاه مصعبا فقتله سنة 67هـ، وهو من رؤوس الفتن في الاسلام.

(2) مراتب النحويين ص 119, ونقل في المزهر النوع الرابع والاربعين.

(3) هذه الكلمة في الاغاني، ترجمة حماد، وفي معجم الأدباء في كل من ترجمة حماد وترجمة المفضل, وفي خزانة الادب, شاهد 774.

(4) راجع ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي، ج1، ص(66-72).

(5) المزهر النوع الرابع والاربعين.

(6) هذه الكلمة في وفيات الاعيان (ترجمة أبي زيد).

(7) أخبار النحويين بالبصريين، ترجمة ابي زيد.

(8) راجع أخبار النحويين والبصريين, ترجمة أبي زيد, والتصحيف والتحريف, ما وهم فيه الكسائي, ومعجم الأدباء, ترجمة الكسائي.

(9) راجع شعر اليزيدي في ترجمته في اخبار النحويين البصريين, ومعجم الادباء, وفي التصحيف والتحريف (ما وهم فيه الكسائي).

(10) حرشة جمع حارش صائد الضب. والكوامخ جمع كامخ نوع من الأدم, والشواريز جمع شيراز: اللبن الثخين, راجع ترجمة الرياشي.

(11) باب إن واخواتها من شواهد الزمخشري في المفصل, والرضي في شرح الكافية. راجع الخزانة شاهد 865.

(12) معجم الادباء, ترجمة الكسائي.

(13) شرح الكافية, غير المنصرف.

(14) شرح الكافية, التأكيد.

(15) شرح الكافية, باب الظروف (كيف).

(16) شرح الكافية, آخر نواصب المضارع.

(17) شرح الكافية, حروف عطف النسق.

(18) المغني الباب الاول (كذا).

(19) استشهد بهما الرضي على الكافية لمذهب الكوفيين, راجع الخزانة شاهد 387, وهما من قصيدة في مدح الكلابي شرح بعضها في خزانة الشواهد المذكور وشاهد 204 و 521، وكلها في رغبة الآمل على الكامل ج1 ص40 وما بعدها.

(20) البيت من شواهد الرضي-راجع الخزانة شاهد 599 وهو من قصيدة طويلة في مدح زفر الكلابي.

(21) شرحه على الكافية, عطف النسق.