x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

علوم اللغة العربية : المدارس النحوية : المدرسة الكوفية : نشأة النحو في الكوفة وطابعه :

طابع النحو الكوفي (الاتساع في الرواية والقياس)

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  المدارس النحوية

الجزء والصفحة:  ص159- 166

2-03-2015

5500

لعل أهم ما يميز المدرسة الكوفية من المدرسة البصرية اتساعها في رواية الأشعار وعبارات اللغة عن جميع العرب بدويهم وحضريهم، بينما كانت المدرسة البصرية تتشدد تشددا جعل أئمتها لا يثبتون في كتبهم النحوية إلا ما سمعوه من العرب الفصحاء الذين سلمت فصاحتهم من شوائب التحضر وآفاته، وهم سكان بوادي نجد والحجاز وتهامة من "قيس وتميم وأسد, فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم"(1).

وليس معنى ذلك أن أئمة الكوفة لم يكونوا يرحلون إلى هذه القبائل الفصيحة، فقد كانوا يكثرون من الرحلة إليها، على نحو ما يحدثنا الرواة عن الكسائي، فقد قالوا: إنه خرج إلى نجد وتهامة والحجاز "ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ"(2). ولكن معناه أن الكوفيين وفي

ص159

مقدمتهم إمامهم الكسائي كانوا لا يكتفون بما يأخذون عن فصحاء الأعراب، إذ كانوا يأخذون عمن سكن من العرب في حواضر العراق، وكثير منهم كان البصريون لا يأخذون عنهم ولا عن قبائلهم المقيمة في مواطنها الأصلية مثل تغلب وبكر؛ لمخالطتهما الفرس ومثل عبد القيس النازلة في البحرين لمخالطتها الفرس والهند(3). وقد حمل البصريون على الكوفيين حملات شعواء حين وجدوهم يتسعون في الرواية على هذه الشاكلة، وخصوا الكسائي بكثير من هذه الحملات، قائلين: "إنه كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز، من الخطأ واللحن وشعر غير أهل الفصاحة والضرورات، فيجعل ذلك أصلا، ويقيس عليه حتى أفسد النحو"(4). وقالوا: إنه لقي عشيرة من بني عبد القيس تسمى الحطمة كانت نازلة ببغداد، فأخذ عنها كثيرا من الخطأ واللحن(5) مما اتضح أثره في مناظرته المشهورة لسيبويه، فإن سيبويه تمسك فيها بما سمعه عن العرب الفصحاء في مثل: "قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور, فإذا هو هي" حتى إذا قال الكسائي: إنه يجوز "فإذا هو إياها" أنكر ذلك إنكارا شديدا. وسرعان ما استعان عليه الكسائي بأعراب عشيرة الحطمة، فأيدوه, وتأييدهم لا قيمة له في رأي سيبويه ومدرسته؛ لأنهم ليسوا من الفصحاء المتبدين في قيعان نجد وتهامة والحجاز، ممن يؤخذ عن لسانهم النحو واللغة.

وكان ذلك بدءا لخلاف واسع بين المدرستين، فالبصرة تتشدد في فصاحة العربي الذي تأخذ عنه اللغة والشعر، والكوفة تتساهل، فتأخذ عن الأعراب الذين قطنوا حواضر العراق، مما جعل بعض البصريين يفخر على الكوفيين بقوله: "نحن نأخذ اللغة عن حرشة (أكلة) الضباب وأكلة اليرابيع (أي البدو الخلص), وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز(6) وباعة الكواميخ(7) (أي عرب المدن)".

ولم تقف المسألة عند حد الاتساع في الرواية، بل امتدت إلى الاتساع

ص160

في القياس وضبط القواعد النحوية، ذلك أن البصريين اشترطوا في الشواهد المستمد منها القياس أن تكون جارية على ألسنة العرب الفصحاء, وأن تكون كثيرة بحيث تمثل اللهجة الفصحى, وبحيث يمكن أن تُستنتج منها القاعدة المطردة. وبذلك أحكموا قواعد النحو وضبطوها ضبطا دقيقا، بحيث أصبحت علما واضح المعالم بيِّن الحدود والفصول. وجعلهم ذلك يرفضون ما شذ على قواعدهم ومقاييسهم لسبب طبيعي، وهو ما ينبغي للقواعد في العلوم من اطرادها وبسط سلطانها على الجزئيات المختلفة المندرجة فيها. ولم يقفوا عند حد الرفض أحيانا، إذ وصفوا بعض ما شذ على قواعدهم مما جرى على ألسنة بعض العرب بأنه غلط ولحن، وهم لا يقصدون اتهامهم بذلك حسب المدلول الظاهر للكلمتين، إنما يقصدون أنه شاذ على القياس الموضوع وخارج عليه فلا يلتفت إليه. وتوقف كثير من المعاصرين الذين يخوضون في المباحث النحوية عند هذين اللفظين, وحاولوا الرد على البصريين غير متنبهين لمدلول الكلمتين عندهم ومقصدهم منهما. وكل من يعرف كيف توضع القواعد في العلوم يدرك دقة البصريين في وضعهم لقواعد النحو والتمكين لما ينبغي لها من صحة وسلامة وسداد، بحيث يطرد سلطانها وينبسط على جميع الألسنة، وبحيث تصبح هي المتحكمة إزاء جميع العيون وتجاه جميع الأسماع، وبحيث لا يفسدها شذوذ قد يندّ على بعض الأفواه.

وقد وقف الكوفيون من هذا البناء العلمي المحكم موقفا يدل على نقص فهمهم لما ينبغي للقواعد العلمية من سلامة واطراد، إذ اعتدوا بأقوال وأشعار المتحضرين من العرب، كما اعتدوا بالأشعار والأقوال الشاذة التي سمعوها على ألسنة الفصحاء، مما خرج على قواعد البصريين وأقيستهم ومما نعتوه بالخطأ والغلط. ولم يكتفوا بذلك, فقد حاولوا أن يقيسوا عليها وقاسوا كثيرا، مما أحدث اختلاطا وتشويشا في نحوهم، لما أدخلوه على القواعد الكلية العامة من قواعد فرعية قد تنقضها نقضا، مع ما يئول إليه ذلك من خلل في القواعد وخلل في الأذهان، بحيث لا تستطيع فهم ذلك إلا بأن يُعكَس عليها مرارا وتكرارا؛ لاختلاط القواعد وتضاربها، وأحس ذلك القدماء في وضوح فقالوا: "لو سمع الكوفيون بيتا واحدا

ص161

فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا, وبوبوا عليه"(8) وقالوا: "عادة الكوفيين إذا سمعوا لفظا في شعر, أو نادر كلام جعلوه بابا أو فصلا"(9).

ولعلنا بذلك نستطيع أن نفهم السر في أن نحو المدرسة البصرية هو الذي ظل مسيطرا على المدارس النحوية التالية, وعلى جميع الأجيال العربية التي جاءت من بعدهم؛ لأن قواعدهم هي القواعد المطردة مع الفصحى، ونقصد الكثير فيها الذي استُخرجت منه تلك القواعد استخراجا مصفى مروقا أروع ما يكون الترويق والتصفية.

على أنه ينبغي أن نعرف أن المدرسة البصرية حين نحّت الشواذ عن قواعدها لم تحذفها ولم تسقطها، بل أثبتتها، أو على الأقل أثبتت جمهورها، نافذة في كثير منها إلى تأويلها، حتى تنحي عن قواعدها ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن خللا يشوبها، وحتى لا يغمض الوجه الصحيح في النطق على أوساط المتعلمين، إذ قد يظنون الشاذ صحيحا مستقيما، فينطقون به ويتركون المطرد في لغة العرب الفصيحة وتصاريف عباراتهم وألفاظهم. ومن هنا يتضح خطر قواعدهم بالقياس إلى ما زاده الكوفيون من قواعد استنبطوها من الشواذ النادرة، إذ إن ذلك يعرض الألسنة للبلبلة، لما يعترضها من تلك القواعد التي قد تخنق القواعد العامة. وقد ينجذب إليها بعض من لم يفقه الفرق بين القاعدة الدائرة على كثرة الأفواه, بل على كثيرها الأكثر, والقاعدة التي لم يرد منها إلا شاهد واحد، مما قد يئول إلى اضطراب شديد في الألسنة.

وكأنما غاب غور هذا العمل وما أُرسي به من علم النحو على بعض المعاصرين, فإذا هو يطعن على البصريين لذلك الموقف بينما يحمد للكوفيين موقفهم, مطريا لهم, زاعما أنهم كانوا أدق من البصريين في فقه طبيعة العربية والإحساس بدقائقها التي لا تخضع دائما لمنطق العقل. وهو كلام لا يقوله إلا من لا يعرف كيف توضع القواعد في العلوم, وأنه ينبغي أن يرفع عنها كل ما يعترضها من اضطراب، بحيث تبسط سلطانها على جميع العناصر والجزئيات بسطا تاما كاملا. وما

ص162

أعرف كتابا يعلم دقة الحس اللغوي على نحو ما يعلمها كتاب سيبويه، بحيث لا أغلو إذا قلت: إنه يلقن قارئه سليقة العربية, والحس بها حسا دقيقا مرهفا, والشعور بها شعورا رقيقا حادا.

ونحن نخلص من ذلك كله إلى أن المدرسة الكوفية توسعت في الرواية وفي القياس توسعا جعل البصرة أصح قياسا منها؛ لأنها لم تقس على الشواذ النادرة في العربية وطلبت في قواعدها الاطراد والعموم والشمول، كما جعلها أكثر تحريا منها للرواية عن الأعراب وأكثر تثبتا؛ لأنها لم ترو إلا عمن خلصت عربيتهم من شوائب التحضر، ولم تفسد طبائعهم بل ظلت مصفاة منقاة، ولا فسدت ألسنتهم، بل ظلت تجري على عرق العروبة الأصيل وإرثها القديم.

والحق أن المدرسة البصرية كانت أدق حسا من المدرسة الكوفية في الفقه بدقائق العربية وأسرارها, فقد تعمقت ظواهرها وقواعدها النحوية والصرفية تعمقا أتاح لها أن تضع نحوها وضعا سديدا قويما، بل لقد بلغ من تعمقها أن أخذت تصحح ما ندَّ عن بعض الشعراء عن طريق التأويل والتخريج والتحليل الدقيق البصير، لا على أسس عقلية فحسب، بل أيضا على أسس سليقية، مما سال في فِطَر عباقرتها من أمثال الخليل واضع العروض, وسيبويه مشرع النحو وصائغ قواعده وقوانينه.

ويكفي أن نرجع إلى الكتاب ونقرأ فيه تحليلات هذين العَلَمين البصريين؛ لنرى كيف تمثلا العربية تمثلا رائعا، وكيف كانا يتذوقان صياغاتها تذوقا بارعا. والكتاب يزخر بملاحظاتهما التي لا تقف عند الإحاطة بالخصائص اللغوية والنحوية، بل تمتد أيضا إلى الخصائص البيانية والأدبية مع ما يتناثر في أثناء ذلك من خواطر ما كانت لترد لهما على بال, لو لم يكونا قد استوعبا طبيعة اللغة وأتقنا العلم بجواهرها وأعراضها وخفاياها وظواهرها إتقانا يبلغ حد الكمال. وكل من يحاول أن يرفع أحدا من معاصريهما عليهما في البصر بالعربية وتذوقها والحس بها يكون مجانبا للصواب، بل متورطا في خطأ عظيم.

وينبغي أن نعرف أن الكوفيين لم يقفوا بقياسهم عند ما سمعوه ممن فسدت سلائقهم من أعراب المدن, أو ما شذ على ألسنة بعض أعراب البدو،

ص163

فقد استخدموا القياس أحيانا بدون استناد إلى أي سماع، ونضرب لذلك مثلا قياسهم العطف بلكن في الإيجاب على العطف ببل في مثل: "قام زيد بل عمرو", فقد طبقوا ذلك على لكن وأجازوا: "قام زيد لكن عمرو" بدون أي سماع عن العرب، يجيز لهم هذا القياس (10) .

وربما كان من أهم ما يدل على أنهم كانوا يرفضون السماع أحيانا؛ وبالتالي يرفضون ما يُبنى عليه من قواعد وأحكام, أنهم رفضوا الاعتداد بما رواه سيبويه في الكتاب من إعمال أسماء المبالغة في أقوال العرب الفصحاء وأشعارهم، فقد روى قولهم في الاختيار: "أما العسلَ فأنا شرَّاب" بنصب العسل مفعولا به لشراب، كما روى طائفة من الأشعار، عملت فيها صيغ: فعول ومفعال وفعيل وفعل، وعلى الرغم من ذلك كان الكسائي والفراء ينكران عمل هذه الأسماء محتجين هم وأصحابهم بأنها فرع عن أسماء الأفعال, وأسماء الأفعال فرع عن الفعل المضارع؛ ولذلك ضعف عملها (11). ومما رفضوا فيه السماع لا سماع أبيات قد تكون شاذة، بل سماع إحدى القراءات إعمال إن المخففة من الثقيلة النصب، فقد زعموا أن الثقيلة إنما عملت لشبهها بالفعل الماضي في بنائها على ثلاثة أحرف وأنها مبنية على الفتح مثله، فإذا خففت زال شبهها به فوجب أن يبطل عملها، ولم يلتفتوا لاحتجاج البصريين عليهم بقراءة نافع وابن كثير، وهي من القراءات السبع: "وإِنْ كُلًّا لما ليوفينَّهم ربُّك أعمالهم" (12) وكأنما حجبهم التعليل المنطقي الخالص، سواء في هذه المسألة أو في سابقتها، عن منطق اللغة وتصاريف عباراتها الفصيحة السليمة.

وفي هذا ونحوه ما يردّ أقوى رد على من يزعمون أن الكوفيين كانوا أكثر بصرا بروح اللغة وأدق حسا, وأنهم لم يخضعوا -مثل البصريين- للمنطق والفلسفة، فقد كانوا يخضعون بدورهم لهما، بل ربما زادوا عنهم خضوعا أحيانا على نحو ما تصور ذلك المسألتان السالفتان. ومعروف أن الفراء، وهو الواضع الحقيقي للنحو الكوفي، كان معتزليا ومتكلما متفلسفا، بل قال المترجمون له: إنه كان

ص164

 يتفلسف في تصانيفه ويصطنع فيها ألفاظ الفلاسفة. ومن يرجع إلى كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين, يجد فيه عتادا غزيرا من الحجج المنطقية العقلية التي أدلى بها الكوفيون في حوارهم وجدالهم الواسع مع البصريين, مما ينقض الزعم السالف نقضا.

 ومعنى ذلك أنه ينبغي أن نحذر مبالغات المتشيعين للكوفيين حين يزعمون أنهم كانوا يبنون قياسهم دائما على السماع، فقد كانوا يجافونه أحيانا ويضربون عنه صفحا، مهتدين بالمنطق العقلي الخالص. ومن يرجع إلى كتاب سيبويه يجده مع ما يمتلئ به من حجج منطقية رائعة لا يدلي بقياس ولا قاعدة نحوية عامة دون سماع من أفواه الفصحاء الخلص، وما يخوضون فيه من الشعر والكلام.

ص165

_______________________

(1) المزهر للسيوطي "طبعة الحلبي" 1/ 211.

(2) إنباه الرواة 2/ 258.

(3) المزهر 1/ 212.

(4) معجم الأدباء 13/ 183.

(5) معجم الأدباء 13/ 182, وإنباه الرواة 2/ 274.

(6) الشواريز: جمع شيراز، وهو اللبن الرائب المصفى.

(7) الكواميخ: جمع كامخ, وهو مخلل يشهي الطعام.

(8) الاقتراح للسيوطي "طبعة حيدر آباد" ص84.

(9) همع الهوامع 1/ 45.

(10) المغني ص324, والهمع 2/ 137.

(11) مجالس ثعلب ص150 ، 236, وانظر الكتاب 1/ 56.

(12) الإنصاف: المسألة رقم 24.