تكادُ تُجمعُ كلمةُ علماءِ التربيةِ الأسريةِ والنفسيةِ على أنَّ الضربَ إجراءٌ غيرُ سليمٍ بحقِّ الأبناءِ، و فيهِ مِن الأضرارِ النفسيةِ التي تؤثِّرُ بصورةٍ سَلبيةٍ على نموِّ الأطفالِ وشخصياتِهم .
ويصفُ المختصونَ الضربَ بأنّهُ عنفٌ إتجاهَ الصغارِ ، ويجبُ على الأبوينِ والمربينَ التوقفُ عنهُ ، وهذا التصوّرُ صحيحٌ بدرجةٍ كبيرةٍ ، غيرَ أنَّ رفعَ الضربِ عن قائمةِ الوسائلِ التأديبيةِ بصورةٍ كاملةٍ تصوّرٌ غيرُ دقيقٍ ! ، إذ هناكَ فرقٌ بينَ الضربِ لغرضِ التأديبِ و بينَ التعنيفِ الذي دوافعهُ الاستفراغُ النفسيّ !.
هناكَ حالاتٌ تستوجبُ أنْ يستعملَ فيها المربّي الضربَ التأديبيَّ غيرَ الضارِّ ضرراً بليغاً؛ ليوجِّهَ الطفلَ المشاكسَ أو المعانِدَ؛ لأنَّ الضربَ التأديبيَّ يساهمُ بدرجةٍ فعّالةٍ في تحريكِ الأطفالِ نحوَ الانضباطِ و الالتزامِ بشَكل ٍدقيقٍ لتطبيقِ التوجيهاتِ والآدابِ، ويُهذِّبُ ذواتِهم من العنادِ غيرِ المبرّرِ ... و نحنُ لا ندعو الى تجذيرِ الضربِ وإباحتهِ في العمليةِ التربويةِ، وإنّما نعتبرُهُ إجراءً واقعياً وفعّالاً، قد يحتاجُ إليهِ المربيّ بعدَ أنْ يستنفدَ كلَّ الاجراءاتِ التربويةِ في تعليمهِ وتوجيههِ وإرشادِهِ .
شريطةَ أنْ يصدرَ الضربُ التأديبيُّ عن تشخيصٍ ووعيٍ تربويٍّ وليسَ عن استفراغٍ نفسيٍّ من غضبِ أو انفعالِ الأبِ أو الأم .
إذ ليسَ كلَّ ضربٍ مرفوضٍ وليسَ كلَّ ضربٍ صحيحٍ .
فحتى يكونَ الضربُ صادراً عن دوافعَ عُقلائيةٍ تستهدفُ التوجيهَ والتأديبَ يجبُ أنْ تُراعى فيهِ ثلاثةَ شروطٍ قبلَ أنْ تعتمدَ على الضربِ كإجراءٍ تأديبيٍّ:
الشرطُ الأولُ: يجبُ إيصالُ ما نريدُ إفهامَهُ لذهنِ الطفلِ، بحيثُ نتأكّدُ من أنّهُ استوعبَ نهيَنا أو أمرَنا، وهذا ما لا يجيدُهُ كثيرٌ من الآباءِ والأمهاتِ، وعليهِم إتقانَهُ؛ لأنَّ مستوى فَهمِ الطفلِ بسيطٌ وسَاذجٌ، ولعدمِ إدراكهِ لكثيرٍ من المفاهيمِ المجرّدةِ التي يحاولُ الآباءُ والأمهاتُ توجيهَ أطفالِهم عليها كالعيبِ والحرامِ والواجبِ وهذا خَطَرٌ ...
فقبلَ الضربِ يجبُ أنْ نحدّدَ للطفلِ ما نريدُهُ أو ما ننهاهُ عنهُ بصورةٍ محسوسةٍ، فمثلاً أنتَ تريدُهُ أنْ لا يلعبَ بالكهرباءِ، حدّدْ لهُ ذلكَ بحيثُ يفهمُ ذلكَ مشخّصاً صورةً ماديةً ماثلةً أمامَهُ ،ومن ثمَّ حدّدْ لهُ البديلَ وهوَ أنْ يلعبَ بشيءٍ مشابهٍ لنقطةِ الكهرباءِ، و ليسَ فيها خطورةٌ عليهِ كأنْ تكونَ قطعةُ جهازٍ عاطلة .
الشرطُ الثاني : يجبُ مراعاةُ مستوى وعُمرِ الطفلِ، والحالةِ المرادِ تقويمِ الطفلِ لأجلِها هوَ أمرٌ متروكٌ لتقديراتِ الآباءِ والأمهاتِ والمربّينَ، ومنَ الأفضلِ أنْ يُستعملَ إجراءُ الضربِ في سنِّ السادسةِ فما فوقَ ولا يجوزُ دونَ هذا العُمرِ.
الشرطُ الثالث : يجبُ تحديدُ شَكلِ الضربِ وكيفيتِهِ ومقدارِهِ؛ فينبغي أنْ لا تكونَ فيهِ أضرارٌ ماديةٌ ونفسيةٌ كالجُرحِ أو الاحمرارِ فهذا مرفوضٌ ، أو يجعلُ الطفلَ مرعوباً يرتجفُ ! فهذا ، فضلاُ عن حرمتهِ شرعاً يُعدُّ أمراً مرفوضاً في التربيةِ، بل يكفي الردعُ الايحائيُّ، كأنْ يكونَ الأبُ أو الأمُّ بهيئةٍ توحي أنَّهما يهمُانِ بالضربِ، فلعلَّ هذا المنظرَ يكفيهُما من ضربهِ فعلاً ، وليكُنْ الضربُ في أماكنَ لا تؤثّرُ على صحّةِ الطفلِ وسلامتهِ، كأنْ يُصفعَ بالكفِّ على كتفهِ أو كفّيهِ، دونما استعمالِ أدواتٍ أخرى في الضربِ كالعصا أو آلاتٍ حادّةٍ، فهذا غيرُ جائزٍ ومرفوضٌ جدّاً .
بعدَ مراعاةِ هذهِ الشروطِ يُمكنُ للأبِ أو الأمِّ استعمالُ الضربِ كإجراءٍ تأديبيٍّ بعيداً عن التعنيفِ بأطفالِهم فِلْذاتِ أكبادِهم، وليعقِبوا حالةَ التأديبِ بالضربِ بمعانقتِهِ وتقبيلِهِ وإفهامِهِ بأنَّ العقابَ كانَ لصالحِهِ، وأنَّهم يحبونَهُ ويأملونَ أنْ يرونَهُ صالحاً ومُطيعا .