جرير :
شاعر تميمي من عشيرة كليب اليربوعية ، ولم يكن لآبائه ولا لعشيرته ما لآباء الفرزدق وعشيرته مجاشع من المآثر والأمجاد، أما العشيرة فعرفت بأنها كانت ترعي الغنم والحمير. وقد دعا ذلك جريرا الى أن يرتفع بفخره الى يربوع وكان لها أيام كثيرة في الجاهلية، فأشاد بأيامها وفرسانها طويلا.
وكان أبوه عطية متخلفا في المال مبخلا، أما جده الخطفي فكان كثير المال من الغنم والحمير، وقد أتاه من قبله الشعر، ومما يروي من شعره قوله:
عجبت لإزراء العيي بنفسه وصمت الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للعيي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلما
وكانت أمه تسمى أم قيس، وهي من نفس عشيرته، وقد ولدت جريرا في بادية اليمامة حوالي سنة ثلاثين للهجرة، وكان له أخوان هما عمرو وأبو الورد، كانا ينظمان الشعر.
فجرير إن لم يكن نشأ في بيت مجد فقد نشأ في بيت شعر، وظل الشعر يتوارث في أبنائه، وأشعرهم بلال. وحفيده عمارة من الشعراء المشهورين في العصر العباسي، وعنه أخذ الرواة شعر جده وأكثر أخباره، ويقول ابن قتيبة كان لجرير عشرة من الولد فيهم ثمانية ذكور.
ويظهر أن موهبة جرير الشعرية تفتحت مبكرة، وقد وجد في جده الخطفي خير من يلقنه الشعر، ويقال إن من أوائل ما نظمه مما رواه له الرواة أبياتا عاتبه بها، وذلك أنه كان ذا مال كثير، وكان ينحل أبناءه وأحفاده من ماله، فاستنحله جرير، فأعطاه بعض ماله، ثم رجع فيه، وقيل بل أعطاه قليلا فاستزاده فلم يزده، فتسخطه، ونظم فيه طائفة من الأبيات يعاتبه بها، وقد وصلها بعد ذلك بسنوات بأبيات نظمها في الفرزدق وغسان السليطي، وفيها يقول معاتبا جده:
وإني لمغرور أعلل بالمني ليالي أرجو أن مالك ماليا
وإني لعف الفقر مشترك الغني سريع-إذا لم أرض داري-انتقاليا
ويقال إنه وفد بعد ذلك الى يزيد بن معاوية وهو خليفة، فأنشده هذه الأبيات، فقال له: كذبت إنها لجرير، فقال له: أنا جرير. ومن قوله فيها:
وليست لسيفي في العظام بقية وللسيف أشوي وقعة من لسانيا
وواضح أنه يجعل لسانه أقطع من السيف، فالسيف إنما يقطع الشوي أي الأطراف، فيبقي على من طعنه، أما لسانه فلا يبقي بقية فيمن يطعنه.
وهو استهلال لحياته الشعرية، يدل على أنه مقتحم بها فن الهجاء، وقد ظل يجول ويصول في هذا الفن منذ خلافة يزيد الى وفاته سنة 114 إذ توفي بعد الفرزدق بنحو ستة أشهر. ونراه يهاجي غسانا السليطي، ويعينه البعيث، فيطعنه ويطعن نساء عشيرته مجاشع طعنات نجلاء، فيضطر الفرزدق أن ينازله،
ويحتدم بينهما الهجاء طوال حياتهما، ويقال إنه ظل يهجوه وهو مقيم بالمروت من بادية اليمامة بضع سنوات، فأرسلت بنو يربوع إليه: إنك مقيم بالمروت، ليس عندك أحد يروي عنك، والفرزدق بالعراق قد ملأها عليك، فانحدر الى العراق، فأقام بالبصرة، منشدا:
وإذا شهدت لثغر قومي مشهدا آثرت ذاك على بني ومالي
ويظهر أن إقامته بالبصرة بدأت مع دخول العراق في طاعة ابن الزبير إذ نجد واليه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الملقب بالقباع (65 - 66 هـ) يأمر-حين رآه يتواقف مع الفرزدق بالمربد-صاحب شرطته عباد بن الحصين بهدم داريهما، فيهدم الدارين جميعا ويطلبهما، وفي ذلك يقول الفرزدق:
أحارث داري مرتين هدمتها وكنت ابن أخت لا تخاف غوائله







وائل الوائلي
منذ 24 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN