حسن الهاشمي

السعادة شعور داخلي ينتاب الانسان ويغمره بالفرح والسرور ازاء ما يواجهه من حوادث وكيفية التعامل الامثل معها، من دون ان يلحق الضرر به وبالآخرين من حوله، ومن دون ان يلحق الضرر بالدولة وقوانينها التي يعيش في كنفها ما دامت تلبي طموحه في العيش الكريم والحرية الهادفة، ومن خلالها يستطيع ان يضمن السعادة الآنية الدنيوية في تعامله الجاد مع مفردات الحياة التي تهيأ الأرضية للوصول الى السعادة المستحكمة الأخروية التي لا يصل الى مراميها الا من امتحن الله قلبه بالإيمان ووجده صابرا محتسبا لا تهزه العواصف ولا تنال منه النوائب والكوارث والبلاءات.
تبدأ السعادة انطلاقا من البيت الذي يترعرع فيه الانسان، ومتطلباتها ذكرها الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله بقوله: (من سعادة المسلم سعة المسكن، والجار الصالح، والمركب الهنئ) الخصال للشيخ الصدوق ج1 ص184. وفي أحاديث أخرى أضيف إليها: الزوجة الصالحة والولد الصالح وأن لا تطمث ابنته في بيته.
فالزوج عندما يكون لديه زوجة صالحة تطيعه في أمر الله إذا أمرها، وتسرّه إذا نظر إليها، وتحفظه في ماله ونفسها إذا غاب عنها، وطالما ينتج ذلك الزواج الناجح ولدا صالحا يبرّ الأب ويعينه في حياته وبعد مماته، وكذلك اذا توفرت لديه مستلزمات الحياة العصرية التي تتيح له سبل الراحة البدنية والنفسية كسعة المسكن بما فيه من حديقة غناء وفضاءات جميلة تجلب السكينة على الروح والبدن، والمركب الهني المتمثل في سيارة فارهة يمضي بها في تمشية أعماله وتكون خير وسيلة للأسفار وقضاء الأوقات الممتعة في العطل والمناسبات، وتكتمل السعادة بالجار الصالح الذي يستأمنه في أمواله وعرضه ويكون خير عضيد له في أفراحه وأتراحه وعلاقاته الاجتماعية، فان هذه الأمور ليس تجلب السعادة للزوج فقط، وانما تجلب السعادة له ولزوجته وأولاده جميعا بما يوفر لهم سبل العيش الكريم الخالي من المنغصات والمليء بالأجواء المريحة من التفاهم والانسجام وحل المشاكل بكل اريحية وتعقل وهدوء.
أما بشأن البنت فمن سعادة الأب يستحسن ألا تحيض الحيضة الأولى في بيته، وما يثار حولها من لغط في بعض الأوساط الأكاديمية تحت مسمى زواج القاصرات ففي معرض الرد عليهم جاء في الخبر: (ان الابكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن، أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الابكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة، وان لا يرد الخاطب إذا كان من يرضي خلقه ودينه وأمانته وكان عفيفا صاحب يسار، ولا ينظر إلى شرافة الحسب وعلو النسب، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، قلت: يا رسول الله وان كان دنيئا في نسبه قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) هداية العباد للشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني ج2 ص395 . اضافة الى ما ذكر فان اتفاق الفقهاء يقضي بان البنت التي تكمل السنة التاسعة القمرية من عمرها إن هي تخطت سن البلوغ والرشد فالأولى تزويجها وإلا لا يمكن لها أن تأمن الفساد والفتنة والانحراف.
وبما ان السعادة الأسرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعلاقات الاجتماعية فالإمام السجاد عليه السلام أوضح تلك العلاقة بقوله: (من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين بهم) الخصال للشيخ الصدوق ج1 ص159.
فالإنسان بطبعه اجتماعي ولابد من الارتباط بأفراد المجتمع لتوفير سبل العيش الكريم من بيع وشراء ومعاملات تجارية يجلب من خلالها الكسب الحلال لتكتمل حلقة السعادة الأسرية من أن الكسب الذي يؤمّن به معيشة العائلة هو كسب هني مري خال من المعاملات الربوية والظلم والاجحاف والكذب والتدليس، وتأكيدا على التضامن والتآلف الاسري والاجتماعي فان الاسلام يحبذ أن يكون متجر المسلم في بلده إن توفرت الظروف لذلك؛ ليكون على مقربة من عائلته وهو بدوره يكون أنفع لتوفير متطلباتهم والتواصل معهم ومراقبتهم وحل مشاكلهم اليومية دون ان تتفاقم وتسبب له مشاكل هو والعائلة في غنى عنها فيما اذا كان بعيدا عنهم.
وبقي أن نعرف ان الأصدقاء من أهم الركائز الاجتماعية في اعانة الانسان على تمشية أموره المعاشية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وخير معين في هذا المجال هم الأصدقاء الأوفياء الصلحاء، فانهم طريقه المهيع للوصول الى مرفأ النجاح والنجاة، اذ تتوفر فيهم صفات النصيحة والمنفعة المتبادلة الخالية من الغش والخداع وربما تكون فيها نصيب من الايثار والمواساة التي قلما نجدها في العلاقات المادية، وهذه الصداقات الهادفة ومكابدة مناحي الحياة المتعددة لا تكتمل لولا وجود أولاد صالحين للمرء يقوى بهم على متطلبات الحياة ويكونون مستودع سره وركيزة عمله وعصاة يده وحفظة أمواله، وهكذا فان السعادة تتطلب من المقومات الأساسية التي أكد عليها الاسلام لتكون حلقات متكاملة يعضد بعضها بعضا، يعيش فيها المرء بكل سكينة ووقار وتأخذ بيده الى سبيل الهدى بعيدا عن مرديات الهوى.