استغرق السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي صاحب كتاب (المراجعات) ربع قرن من الزمان في حوارات مع زعيم الازهر الشيخ محمود شلتوت، ليخلص في النهاية الى اصدار الاخير فتوى نصها اعتراف شيخ الازهر: (إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الامامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبّد به كسائر مذاهب اهل السنّة فينبغي للمسلمين ان يعرفوا ذلك).
وما لا يخفى انّ التشيّع كان في الظل ويعاني من التهميش منذ القدم من ايام الدولة الاموية والعباسية والى العصر الحديث حيث كانت فتوى الشيخ شلتوت اعتراف بوجود مذهب على المستوى الاسلامي لا غير!
وفي ظل الظروف والمتغيرات الفكرية في حياة الامة من صراع حول المركزيات استمر عهوداً طويلة أبيد فيها اقوام لا تُحصى اعدادهم ودارت عليهم رحى الظلم تطحنهم بلا رحمة، لترضى حكام الجور وخلفاء الظلم، الذين استلبت الدنيا لبّهم فلم يعوا حبائلها ووشائج غدرها، فزخرفت لهم جمال الملك، وزيّنت لهم صور العروش، ولمعان التيجان، فخُيلَ اليهم انّه خلود الابد...وسار مَن سار في ركبهم من علماء السوء والفتن من جميع الملل فباعوا آخرتهم الباقية بدنيا فانية واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وقضوا وذممهم ثقيلة بالأهواء والدماء.
في التاريخ المعاصر والحديث بعد ثورة العشرين في العراق وثورة (التنباك) وثورة إيران الاسلامية يعد المرجع السيستاني تحولاً نوعياً بالغ الاهمية في تأريخ المرجعية الدينية منذ غيبة الامام المهدي (عليه السلام) الى العصر الحديث، ما دفع الى الاعتراف بالتشيع على المستوى العالمي بوصفه عنصر للسلام المجتمعي؛ لأنه احدث فرقاً واضحاً في تلافي العنف؛ لإحاطته التامة بالتعقيد الذي يكتنف التنوع المجتمعي كما استوعب الزعيم الهندي (غاندي) طبيعة التعامل مع المجتمع الهندي الذي تكثر فيه الديانات وتتفشى فيه الخلافات بينهم، فكانت رؤية السيد المعمّقة عن الاثار الخطيرة والتي تبقى تركتها الثقيلة على كواهل المجتمعات الانسانية من ويلات العنف هي الفيصل دون الهدم.
دعم المرجع السيستاني (السلام) وصيّره مركزية مهمة لحياة الامة، مشيرا ضمناً الى جوهر (القضية المهدوية) التي ينتظرها العالم اليوم لرأب ما فيه من الصدع واجتماع البشرية على كرامة الانسان، ووجوب وجود العدل الالهي، مع صعوبة تلك المهمة وجسامتها وثقلها في التأليف بين القلوب وجمعها على التسامح والمحبة.
ما لفت انظار العالم ودفع البابا (فرنسيس) زعيم الفاتيكان ووريث بطرس الرسول الى أن يفكّر في تلك الشخصية ويأتي اليها حاجّاً يطلب منها النور والطمأنينة، وجاء اليه وهنا النُقلة التأريخية في (عمر التشيّع والاسلام) الاقرار العالمي بوجود زعامة دينية للمسلمين تُدار من بيت صغير فيه شيخٌ كبير بحلمه، عظيم بعلمه وايمانه، هو السيد علي الحسيني السيستاني، ما وجّه العقول لدراسة مكانة الزعامة الشيعية وقدرتها على الحؤول دون الوقوع في منعطفات تهلك البشرية بل تقودها الى الخير والسلام شاء من شاء وابى من ابى.
ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م )
قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر .
المزيد