ايقونة تاريخ اليوم : الأحد ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ المصادف ۰۲ شباط۲۰۲٥م
بحوث ودراسات

فتوى الدفاع وأثرها الوطني من الشيخ الشيرازي إلى السيد السيستاني

خطاب الوحدة الوطنية
بين الشيخ الشيرازي والسيد السيستاني
فتوى الدفاع (نموذجا)
فتوى الدفاع وأثرها الوطني من الشيخ الشيرازي إلى السيد السيستاني

الخطاب الوطني عند الشيخ محمد تقي الشيرازي و تعد شخصية الشيخ محمد تقي الشيرازي واحدة من أهم الشخصيات المؤثرة في تاريخ العراق الديني والسياسي والاجتماعي، بل إنها شخصية وطنية ،بامتياز، يوم كان الوعي الوطني يشكل الهوية الكبرى لأبناء هذا البلد العظيم، كان الرؤية الواقعية هي من أكبر منطلقات المرجع الشيرازي في تلك الظروف الحالكة التي كان يعيشها العراق أيام الاحتلال البريطاني، وجد أن أهم مسألة الاحتلال هي الوحدة والتكاتف بين أبناء البلد الواحد، فالشعب تضرب صميم الذي يريد أن يهزم الغرباء ويدفعهم إلى أوكارهم التي خرجوا منها عليه أن يستعمل قوة الوحدة، فإنها قاهرة لأكبر استعمار يمر به أي شعب، ولذا نجد أن الدول المستعمرة تنهج منهج التفرق والتحزب بين أبناء البلد الواحد كي يسهل السيطرة عليه والتمكن منه.
شكل اسم الشيخ محمد تقي الشيرازي نقلة نوعية في المرجعية الدينية الشيعية، لما كان يحمله من قدرة على فهم الأحداث وصياغة الخطاب الذي يناسبها؛ وهنا مكمن السرّ. وعلى إثر هذا الثراء العميق يتوجه إليها القصد لمعرفة البيئة التي جعلت منه الشخصية الإسلامية جليلة الاحترام والتوقير؛ ولا ريب أنها كربلاء، منطلق نهضة الإنسان نحو بناء الوطن المبدع والمتخلص من أي فجوة للإرهاب والفساد، ربما لأنها أول المدن التي وقفت بوجه إرهاب الفساد وإرهاب الدماء، بروحه النزعة إلى الدفاع عن الوطن والعقيدة لأن في كربلاء الحسين (ع) (الذي علمنا كيف نقدس العقيدة وكيف ندافع عنها وعلمنا كيف نموت كما علمنا كيف نحيا كرماً بها.. ورسم طريق الخلود الأدبي والقومي من طريقها).
وكانت العائلة هي الانطلاقة المؤثرة في حياة شيخنا المترجم لنا. يقول العلامة العاملي: (حضر المترجم على الأردكاني ثم قصد سامراء فحضر على الميرزا الشيرازي وانقطع اليه حتى صار من أكبر تلامذته وبعد وفاة الشيرازي بقي في سامراء ورجع إلى تقليده والعمل بفتاواه جماعة كثيرة. وفي أثناء الحرب العامة وانسحاب العثمانيين من العراق لم يتمكن من البقاء في سامراء فغادرها إلى الكاظمية ثم إلى كربلاء وأقام فيها).
زعيم الثورة العراقية وموري شرارتها الأولى من أكابر العلماء وأعاظم المجتهدين ومن أشهر مشاهير عصره في العلم والتقوى ولد بشيراز كما حدثني به ونشأ في الحائر، وحضر على الفاضل الأردكاني، وهاجر إلى سامراء وحضر على المجدّد الشيرازي حتى صار من أجلاء تلاميذه، وخرج من مجلسه جمع غفير من أفاضل المجتهدين. حضرت بحثه ثمان سنين ولم تشغله المرجعية العظمى عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم.
الموقف الأول: ومن النصوص التي يتجلّى فيها الحس الوطني والخطاب الأبوي للشيخ الشيرازي لما اجتمع به شيوخ العشائر الوافدين إليه من مختلف المحافظات العراقية، وننقل هنا نص الحوار الذي نقله الشيخ حرز الدين: (حدثني الثقة عن مشاهداته التاريخية في مجلس الميرزا في كربلاء وكان هذا آخر اجتماع للوجوه ورؤساء القبائل الفراتية بمقابلة الميرزا الشيرازي في كربلاء بداره الخاصة، ولا أنسى أنها كانت ليلة النصف من شهر شعبان سنة ١٣٣٨هـ ليلة زيارة الإمام الحسين في النصف من شعبان وكادت كربلاء أن تمتلئ بالزائرين. وفي اجتماعهم هذا تعهدوا للميرزا وأظهروا ولاءهم لدينهم وبلدهم واستعدادهم للمقابلة والدفاع واستفتوه في إعلان الثورة فتردد الميرزا عن الجواب، وقال لهم ما نصه:
(إن الحمل الثقيل وأخشى أن لا تكون للعشائر قابلية المحاربة مع الجيوش المحتلة). فطمأنه الزعماء بأن فيهم الكفاءة الكاملة، ثم عاد عليهم بقوله: (أخشى أن يختل النظام ويفقد الأمن وإن الأمن أهم من الثورة وأوجب منها ..).
فعقد الشيرازي اجتماعاً تقرر فيه أن يكتبوا إلى السلطة البريطانية يطالبونها بإنجاز ما وعدت به من تحقيق استقلال العراق (٢).
الموقف الثاني رفضه قيام حكومة استعمارية يترأسها المستعمر، ويظهر موقفه الشجاع الحاسم برفضه الانتخابات التي أرادها الإنكليز قهراً على العراقيين بانتخاب المندوب السامي (السر برسي كوكس)، ليكون رئيساً للحكومة العراقية الجديدة، وعلى أثر ذلك أفتى الميرزا محمد تقي الشيرازي قائلاً: (ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين وكان ذلك بتاريخ ۱۳۳۷هـ فاستطاع بهذه الفتوى أن يبعثر أوراق الإنكليز ويدحر خططهم الاستعمارية الظالمة بحق الشعب العراقي.
إن مطالبة المرجع الشيخ الشيرازي بالاستقلال ليس غريباً ولا جديداً في سيرة علماء الامامية، فهم كانوا أشد الناس محافظة على البلاد من أي خطر خارجي والنص هنا يمثل موقفاً مهماً إذ إن الشيخ أصرّ على أن لا يكون مسؤول البلد من غير هويته الوطنية والدينية.
الموقف الثالث من رسائل الشيخ الشيرازي: (إننا نوصيكم أن تراعوا في مجتمعاتكم قواعد الدين الحنيف والشرع الشريف فتمظهروا أنفسكم دائماً بمظهر الأمة المتينة الجديرة بالاستقلال التام المنزّه عن الوصاية الذميمة، وأن تحفظوا حقوق مواطنيكم الكتابيين الداخلين في ذمة الإسلام وأن تستمروا على رعاية الأجانب الغرباء، وتصونوا نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، محترمين كرامة شعائرهم الدينية، كما أوصانا بذلك نبينا الأكرم.
يمثل هذا الموقف إحدى ركائز الخطاب الوطني الوحدوي عند الشيخ الشيرازي ونلاحظ أنه يعتمد بشكل مباشر على الفئة الغالبة ومخاطبتهم بشكل صريح مجدداً المبدأ المهم ألا وهو الحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية والوطنية ومراعاة الأقليات المختلفة. وقد أمر الجميع بحفظ حقوق المواطنين من غير المسلمين، ثم ترقى في هذا الاحترام وجعل من ضمنه عدم المساس بشعائرهم الدينية الخاصة بهم، مما يعني أن الشيخ يعي المرحلة التي يمرّ بها البلد بشكل دقيق جداً.
الموقف الرابع: رسالة نجل المرجع الشيخ الشيرازي إلى الأمير علي ولي عهد السلطنة المؤرخة بـ ۷ رمضان ۱۳۳۸: فالله الله بالعراق وانتشاله من مهاوي الحيف والجور).
هذا الموقف يمثله نجل المرجع الشيرازي، وهو موقف وطني كبير جداً، حيث ورد في خطابه الموجع إلى الأمير على ولي عهد السلطنة (فالله الله بالعراق) فتصدير الخطاب بهذا العنوان (العراق) وتشير بعض الأبحاث أن نجل الشيخ كان من أشد المعارضين للاحتلال البريطاني، مما جعله يتعرض للحبس والتهديد مع مجموعة من النشطاء والمهتمين بالشأن العراقي.
الموقف الخامس: إعلانه لفتوى الدفاع بوجه الاحتلال البريطاني، وكان ذلك صدمة مدوية وكارثة وقعت على البريطانيين، جاء فيها: مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن. ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطالبهم).
لقد كانت هذه الفتوى تمثل الوجه الشجاع للشعب العراقي والاستجابة تمثل مدى تعلق الجماهير وثقتها بعلمائها الكبار ومراجعهم الدينية، وإن قراءة الفتوى من أكثر من بعد تأتي بثمار ونتائج تاريخية مهمة لعل واحدة من أبرز النقاط أنها كانت فتوى للدفاع عن حق الشعب وأنها وحدت الجميع تحت سقف الدفاع وسقف المطالبة بالحقوق والجميل في نص الفتوى أنها وجهت إلى الناس جميعاً تحت المسمى الوطني مطالبة الحقوق واجبة على جميع العراقيين).
إذن شكلت الفتوى محوراً وطنياً وخلقت الذهنية الوحدوية في أذهان الناس من أجل بلدهم واستقلاله من أي خطر خارجي يهدد أرضه وأبناءه، وهذا ما يعكس طبيعة التفكير لدى علماء الإمامية، أيدهم الله، ورحم الماضين منهم.
ولما أعلن الشيخ الشيرازي عن فتوى الدفاع تتابعت بعدها الكلمات الحماسية التي ألقاها محمد الشيخ عبد الحسين رؤوف الأمين، والشيخ عبد السلام الحافظ خطيب أهل السنة وهذا دليل صارخ على وحدة الصف، وكانت تدعو إلى تحقيق استقلال العراق .. )، ولعل نص عبد الرحمن منيف قد أشار إلى تلك الحقيقة بقوله : إن ثورة العشرين رغم عفويتها وعدم وجود قيادة موحدة لها، ورغم فارق السلاح ونوعيته بين الطرفين فقد كانت أول ثورة عربية في المشرق ضد الاحتلال وقواته فقد كبدت المحتلين خسائر فادحة كما غيرت نظرتهم للكيفية التي يجب أن يحكم بها العراق) .
وقد وقف مع الشيخ الشيرازي في فتواه الأعلام والفضلاء، وقد برزت من بينهم شخصيات مهمة على الصعيد الديني والاجتماعي منهم الشيخ محمد جواد البلاغي.
وقع عدد كبير من الفقهاء والسادة العلماء على الرسالة التي كتبها شيخ الشريعة الاصفهاني، نقتطف منها الآتي: (وقد خولناهم أن يجهروا بالصوت العالي في طلب استقلال بلادنا العراقية على حدودنا الطبيعية استقلالاً تاماً بتاتاً خالياً من كل مداخلة أجنبية.. هذه رغائبنا التي لا نرضى بغيرها ولا نفتر عن طلبها ما دام فينا إحساس).
والتوقيع أعلاه يظهر المطالبة الصادقة من قبل علماء الأمة باستقلال العراق ويظهر مدى حرصهم على الخطاب الوطني، بل إن ذلك كان في صدارة أولوياتهم ومطالبهم، وإنما النهضة ما قامت إلا بالمطالبة باستقلال العراق وعدم تبعيته لأي قوة استعمارية خارجية!
اتفق العلماء في بياناتهم ورسائلهم وأجوبتهم على استعمال مصطلح الدفاع ولم ترد أي جملة أخرى تحمل الهجوم والجهاد وغير ذلك، وعند مراجعة الوثائق الخاصة لم نعثر على أي استعمال خارج مصطلح الدفاع، فالميرزا يسمي الأمر بالدفاع من قبله وشيخ الشريعة يسمي الأمر بالدفاع الواجب.
كانت اجتماعات ولقاءات شيوخ ووجهاء العشائر بالعلماء ولا سيما الشيخ الشيرازي في كربلاء سنة ١٣٣٧هـ، في أيام شهر شعبان المعظم، وهي تذكرنا في الأيام التي أعلن فيها المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني لفتوى الدفاع ضد داعش.
وفي الختام إن الشيخ محمد تقي الشيرازي بذل كل ما لديه وبوسعه من حول وطول وضحى بكل غال ونفيس حتى أولاده وماله وقضية إلقاء القبض على ولده الميرزا محمد رضا معروفة، فقد فدى استقلال العراق بنفسه وأولاده).


فتوى الدفاع الكفائي


النص الكامل لخطبة صلاة الجمعة بتاريخ (14شعبان 1435هـ)

ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م ) قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر . المزيد