"السيد السيستاني مرجعٌ ديني كبير، وله ثقله ووزنه في المجتمعَين المحلّي والدولي، فهو فضلاً عن كونه المرجع الدينيّ الأعلى هو رجلٌ حكيم تعامَلَ مع العراقيّين على اختلاف أطيافهم كافة بروح الأبوّة، فكان لهم خيمةً دون تمييزٍ بينهم، وانه رفض وأدان العمليات الإرهابية كافة والعنف الذي تعرّض له العراقيّون منذ عام 2003، فهو أبٌ لكلّ العراقيّين، وجوده يمدّهم بالطمأنينة، وكلامه بلسم للجراح".
هذا ما أكّده ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي، خلال استقباله وفد مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) في إسبانيا يوم الأربعاء، 10 يناير 2024م.
عمل الإمام الحسن العسكري على تأصيل مرجعية الفقهاء العدول، ووجوب الرجوع إليهم في معرفة مسائل الشريعة، وأخذ الموقف الشرعي تجاه القضايا الحادثة، وكان الإمام يوجه أتباعه وشيعته إلى مراجعة الفقهاء وتقليدهم، وأخذ معالم الدين وأحكامه منهم، حيث جاء عنه الحديث المشهور: (من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه) الوسائل، الحر العاملي، ج 27، ص 131، رقم 33401. المقصود من الفقهاء هم الذين صرفوا حياتهم في متابعة كلمات القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) وفهمها واستخراج الأحكام الشرعية منها، وفي هذا الحديث يبيّن الإمام العسكري صفات الفقيه الذي يجوز الرجوع إليه في التقليد، والذي يجب أن تتوافر فيه اضافة الى الفقاهة هذه الصفات وهي: صيانة النفس، وحفظ الدين، ومخالفة الهوى، وإطاعة أمر الله تعالى.
وقد أرسى الإمام جعفر الصادق قواعد الرجوع إلى الفقهاء قائلاً: (انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله عز وجل) تهذيب الأحكام ، الشيخ الطوسي، ج6، ص 178، رقم 514.
ومنذ ابتداء الغيبة الكبرى سنة 329هـ والتي ابتدأت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري رجع الناس في كل عصر إلى الفقهاء العدول لأخذ معالم دينهم منهم، ومعرفة مسائل الحلال والحرام، والإجابة على تساؤلاتهم المختلفة.
إذ يمثل الاجتهاد في عصر الغيبة الكبرى الوسيلة الوحيدة لبيان أحكام الدين، والإجابة على تساؤلات المكلفين، وتوضيح رأي الإسلام تجاه المستجدات الحادثة، فالاجتهاد - كما يعرفه الأصوليون - بأنه "استفراغ الوسع في تحصيل الحجة على الحكم الشرعي" وبدون ممارسة الاجتهاد لا يمكن معرفة الكثير من أحكام اللَّه عز وجل، فالمجتهد هو وحده القادر على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها.
ويقوم الفقهاء بدور ضروري ومهم لبيان الحلال والحرام، والإجابة على الاستفتاءات المختلفة، وتوضيح رأي الشارع المقدس تجاه مختلف القضايا المطروحة، إلا أن ضرورة الاجتهاد تبدو أكثر أهمية عندما تلامس قضايا الواقع، ومشكلات الحاضر، ومستجدات (الحوادث الواقعة) والتي تتزايد وتيرتها بصورة تصاعدية نتيجة التقدم الهائل في مختلف المعارف والعلوم، وانفجار المعلومات بشكل مذهل؛ مما أوجد الكثير من الإشكاليات الجديدة، والمسائل المستجدة والتي تتطلب من المجتهدين أجوبة مفصلة كي يسير الناس وفق هديها.
ونوّه ممثل المرجعية الدينية الى هذا المعنى حينما قال: "الذي يقرأ تاريخ النجف الأشرف وحوزتها العلمية التي بلغ عمرها حوالي ألف عام، يرى أن العراق مرّ خلالها بأزماتٍ عديدة لكن مراجعَها وعلماءها كان لهم دورٌ مباشر ومؤثّر في حلّ هذه الأزمات وتحجيمها والحدّ من خطرها"، مبيناً أن "السيد السيستاني قارئ جيّد للتاريخ وملمّ بحيثيّاته، ولذا عندما زاره بابا الفاتيكان واستمع لحديثه في الأمور التاريخية، قال بحقّه (إنه رجلٌ من رجال الله)".
وأضاف أن "السيد السيستاني استطاع أن يوصل صوته وصوت العراقيّين مباشرةً لكلّ المؤسّسات الدولية والمنظّمات العالمية، مثل منظّمة الأمم المتّحدة وحقوق الإنسان، كما أنه مطّلع على كافة المشكلات التي عانى منها العراقيّون".
وفي كل عصر يبرز من الفقهاء من يتميز بالنبوغ والعبقرية والذكاء الخارق ممن يكون لديهم القدرة على التجديد في الفقه وأصوله، ومعالجة القضايا المستجدة والمسائل الحديثة بأسلوب استدلالي معمق؛ وهذا ما يعطي للفقهاء القدرة على مواكبة الأحداث، وتطوير أبواب الفقه، واستحداث أبواب جديدة تفرضها طبيعة متغيرات العصر وتطوراته.
ولهذا استمرت مؤسسة المرجعية الدينية وتطورت مع تطور الزمان والمكان، وأصبح في كل عصر فقهاء عدول يرجع الناس إليهم في أخذ الفتاوى والأحكام الشرعية، ومعرفة الموقف الشرعي تجاه مختلف القضايا والمستجدات المعاصرة، وستستمر هذه المؤسسة التي أَصَّلَ لها الأئمة الأطهار، وخصوصاً الإمام العسكري الذي أكد على وجوب الرجوع للفقهاء والعلماء العدول، وأخذ الأحكام الشرعية منهم حتى ظهور القائم المنتظر.
من أهم ابواب تطوير الفقه خدمة البشرية لما يحفظ كرامتهم وقيمهم ومقدساتهم، فالسيد الصافي تطرق الى هذا الأمر بقوله: "السيد السيستاني يؤكّد دوماً على توفير الخدمات وسبل العيش في العراق بحريةٍ وسلام، بعيداً عن أيّ مسمّى طائفيّ أو مذهبي، وعندما نشطت الحركات الإرهابية في العراق وأرادت أن تمزّق وحدته، وتشعل حرباً طائفية بين أبناء البلد الواحد، كانت حكمة السيد السيستاني حاضرةً لكي لا ينجرّ البلد وأبناؤه إلى هذه الحرب، وبهذه الحكمة أوصل العراقيّين إلى برّ الأمان".
مراجع التقليد الأصلاء هم الذين وقفوا ضد تيارات الانحراف ومحاولات إضلال أيتام آل محمد (عليهم السلام) من قبل النواصب، وهم الذين صرّح الإمام الهادي (عليه السلام) بأنه: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلّا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ)) الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2، ص260.
لهذا أشار السيد الصافي إلى أنه "عندما جاء تنظيم القاعدة إلى العراق بعد عام 2003، وبعده تنظيم داعش الذي احتلّ جزءاً كبيراً من أراضي البلاد، وبدأ الخطر يهدّد العاصمة بغداد وكان على أسوارها إضافة إلى المدن المقدّسة، وفي حالةٍ من اليأس والإحباط والخوف من المجهول عاشها العراق في تلك الفترة، جاءت فتوى الدفاع الكفائي لتكون نداء لتوقّف المدّ والزحف الداعشي، ولبثّ المعنويات ورفعها في القوّات الأمنية العراقية، ليلبّيها ملايين العراقيين الذين بدمائهم وبفضل الفتوى أنقذوا العراق".
وما ورد عن الإمام المهدي عجّل الله فرجه: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ج2، ص440، ب45، ح4. إن أوضح وأجلى مصاديق الحجج والسبل إلى الله (عزَّ وجلَّ) هم الأنبياء (عليهم السلام) عموماً والأئمة المعصومون (عليهم السلام) خصوصاً، وأن من أوضح وأجلى مصاديق الحجج والسبل إلى الله تعالى بعد الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) والسفراء الأربعة، بل الحجة منحصرة بهم، هم الفقهاء المأمونون على الدين، والذين قضوا حياتهم في متابعة ودراسة آيات القرآن الكريم، وروايات النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
وأخيرا ان سماحة السيد الصافي سلط الضوء على التلاحم بين المرجعية الحقة والجماهير لما لها من حجية مستمدة من الامام المعصوم الغائب وحضور فاعل بين الأوساط بقوله أن "أكثر من ثلاثة ملايين عراقي لبّى الفتوى المباركة ودافع عن العراق ومقدّساته، وبالمعركة التي استمرّت ثلاث سنواتٍ استطاع العراقيّون أن يحرّروا كلّ أراضي العراق من العصابات الإرهابية، وهذا وقت قياسيّ لتحرير الأرض، إذ كان يُقدّر الوقت لتحرير الأراضي العراقية من 10 إلى 30 عاماً بحسب تقديرات الدول العظمى، لكن فتوى السيد السيستاني واستجابة العراقيّين لها حقّقت النصر وأرجعت الأمور إلى نصابها".
اعضاء معجبون بهذا
ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م )
قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر .
المزيد